رواء الجصّاني : استذكارالاحباء يفيض، بمناسبة السنة الجديدة

كم هي حكيمة تلكم المقولة التي طالما كان يرددها الجواهري الكبير : ” أني لأحسد كل من له ذاكرة ضعيفة ” … ولكن ما العمل ؟ والواقع اكثر من بعيد عن هذه الحكمة -الحلم .
…  ها هي وشالة وقت  وتنتهي سنة لتبدأ اخرى ، وها انت تسهر- ايها الغارق في عتمة النهار – وحيداً مع احبائك الخلص، غير الناطقين: عنتر وبابل وفلفل ، فتعج بك الذكريات بمثائل هذه الساعات ، لنحو اربعة عقود وأزيد .
تترى عليك من كل صوب وحدب ، اسماء اصدقاء واعزاء واحباب من الذين قطعوا ووصلوا ، ويقتحمك بيت شعر فريد :
قد يقتل الحزن من احبابه بعدوا عنه ، فكيف بمن احبابه فقدوا .
الدقائق تتسارع ، والذكريات تتزاحم دون حدود أو مديات، وتتشابك دون ان تعطيك حتى فسحة ما لتنسق فيها الاسماء والاحداث والتواريخ … وما لك من سبيل غير ان تلجأ الى الكتابة لعلها تخفف وطأ الاحاسيس والمشاعر المأنسنة ، والمستذئبة في ان . … والابرزفي كل هذا وذاك :  اطياف الاحبة الراحلين الذين كنت معهم ، في مناسبات وعشيات بدايات الاعوام الجديدة ، طوال ماعشت من عمر ، لم، ولن تتجاوز أزماته وذيوله، وان تعلقت بأستار الكعبة،  أو كررت في اليوم الواحد الف مرة :
لا تلم أمسك في ما صنعا ، امس قد فات ولن يسترجعا …
أمس قد مات ولن ينفعه ، حملك الهمَ له والجزعا …
فأطرحه واسترح من ثقله ، لا تضع امسك واليوم معا ..
اذن فلتقرع اجراس الكتابة،  فهي داء ودواء في وقت واحد ، وخاصة للمدمنين عليها، وها انت فاعل ايها المدمن ، فلعل وعسى…
–  تعود بك الذكريات الى اثنين واربعين عاماً خلت، حين راح العراقيون يحاولون ان  يقلدوا احتفالات العالم المتحضر، ليالي حلول الاعوام الجديدة … تسترجع بعد كل هذه العقود كيف وقفت امامك الوالدة  “نبيهة الجواهري ” لتترجى ، قائلة  : يكفينى  “جعفر” واحد في اشارة لشقيقها الشهيد ..في محاولة لمنع خروجي من البيت، مع “عدنان”  ليلة بدء سنة 1969 ” بعد ان شاهدت معنا فرشاً واصباغاً ، وسلاحاً خفيفاً ، متوجهين لخط بعض الشعارات المعارضة للقمع والارهاب…
– وتطير بك الذكرى الى موسكو ليلة راس سنة 1972/ 1973 حيث الحفل البهيج  التي اقامته رابطة الطلبة العراقيين هناك ، بمناسبة زواجكما ، انت و” نسرين وصفي طاهر” وبحضور نحو ثلاثين مدعواً عزيزا ، ومن بينهم الفقيدان:  جميل منير، ونمير حنا ، الصديقان المقربان   …
– وتستذكر ايضاً وايضاً ، وهذه المرة ليلة بدءعام 1976 وانت في البيت ببغداد مع جمع من القيادة الشيوعية الطلابية انذاك ، ويشخص امام ناظريك الشهيدان : علي حسن  “ابوحيدر” و هادي البلداوي “ابو سمراء ” وهما على سجيتيهما الانسانيتين بهذه المناسبة : مرحاً واملا…
– ويحل موسم الهجرة الى براغ ، وتحل رأس السنة الجديدة 1978/ 1979 ويتداعى اصدقاء ، برغم مرارة الحال والاوضاع في البلاد  ، لتنظيم حفل صغير ، محدود ، بالمناسبة ، كان الامرح فيه : شمران الياسري ” ابو كاطع” وهو يحمل راية : شر البلية ما يضحك …
– ووتتوالى الاستذكارات، ويطوف شريطها  دون مدى ، وها هو طيف الشهيد نزار ناجي ” ابو ليلى” يحل ببشاشته” النجفية” المعهودة ليلة العام الجديد 1980 حين بادر، فلمّ  في شقته ببراغ جمعاً من الاقربين ، وأولهم ، ولن نذكر الاحياء :  ذلك الانسان ، قبل اية القاب اخرى ، ثابت حبيب العانى ” ابو حسان”  …
– وأستذكر واستذكر ايضاً الام الثانية : بلقيس عبد الرحمن ، أرملة الشهيد وصفي طاهر، في ليلة بدء عام 1985 وكنتَ – ايها الغارق في استجلاب الاطياف –  متوعكاً في حينها بالم الاسنان الحاد .. وقد غطت ” بلقيس” بحيويتها وسموها ، مرارات لا تحصى، لاضفاء بعض البهجة والحبور …. ولنتجاوز التقليد هذه المرة فنشير الى ضيف تلكم الليلة ، في الاحتفال العائلي : كمال شاكر ” ابو سمير” والتي طغت مقاماته الكردية والعربية ، على اغاني وموسيقى العيد التقليدية …
– ثم يستمر الاغتراب عن البلاد ، ويصادف ان تكون ثمة سفرة الى  دمشق ليلة بدء عام  1987 … ولولا ” الجواهري” لانقضت  تلك الليلة كمثيلاتها  . ولكن،  وما هي الا مزحة ، ثم تحريض ، واذا برب البيت ينهض ويأمر ويُطاع ، ونسهر في احد قاعات فنادق الشام ، مستقبلين العام الوليد رقصاً وحبوراً ، وأولهم الجواهري ، وهو في التسعين ، او يكاد …
ترى هل تستمر في الكتابة ايها ” المتشائل” فتثير الكوامن ، وتستثير الاهات ؟ اما يكفي ماسبق ؟ ولمَ تعكرعلى الناس افراحهم ، ايها المُبتلى بداء رأس السنة؟ … قل للجميع : سلاماً كله قبلُ ، كأن صميمها شعلُ ، وغادر الحلبة اذا ما كنت غير قادر على اللعب داخلها ، واترك الامر للقادرين … في براغ :2011.12.31

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *