

أحمد منصور: أحييكم على الهواء مباشرة من العاصمة الفرنسية باريس وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدأت الأمراض القاتلة والفتاكة تسري في سكان مدينة الفلوجة في العراق وأكثر من أربعين مدينة ومنطقة أخرى هناك، وذلك جراء الأسلحة المحرمة دوليا التي استخدمتها القوات الأميركية وحلفاؤها في حربها على العراق، لكن نصيب الفلوجة كان الأكبر بعدما قامت القوات الأميركية بحقد وغل دفين وغير مسبوق بصب آلاف الأطنان من الفوسفور الأبيض والأسلحة الإشعاعية في حربها على مدينة الفلوجة في شهر نوفمبر من العام 2004 بعدما عجزت القوات الأميركية على اقتحام المدينة في شهر أبريل من نفس العام، وبقيت الفلوجة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن تخضع لحصار أميركي من نوع خاص، يمنع الإعلاميين من دخول المدينة إلا خلسة وتسللا، كما يمنع العلماء والأطباء والباحثين في دخول المدينة كذلك والاطلاع على تلك الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق سكان مدينة الفلوجة، لكن فريقا من الباحثين من قبل مؤسسة غرين أوديت البريطانية برئاسة البروفسور كريس باسبي الأمين العلمي للجنة الأوروبية للإشعاع، تمكنوا من الدخول للمدينة وعملوا دراسة علمية شاملة عن أوضاع سكان الفلوجة وأثر الأسلحة التي استخدمت عليهم، وفي انفراد خاص وحصري للجزيرة يكشف لنا البروفسور باسبي قبل نشر بحثه عن أهم ما توصل إليه وفريقه العلمي من نتائج، وقد قضيت الأشهر القليلة الماضية أتابع مع البروفسور باسبي كل الخطوات التي قام بها في هذا الأمر حتى انتهى من بحثه الذي يفردنا في إعلان نتائجه الليلة قبل نشرها في الدوريات العلمية المعروفة. ولد كريس باسبي في المملكة المتحدة عام 1945، حصل على الدكتوراه في الفيزياء الكيميائية عام 1981، قام بالتدريس في جامعة كينت وويلس وجامعة ويست أوف إنجلاند وجامعة ألستر، عضو في الجمعية البريطانية للطب والجمعية الملكية للأدوية في بريطانيا، كتب عشرات المقالات والأبحاث والدراسات وشارك في كثير من الكتب عن انتشار السرطان بسبب الإشعاع النووي والتلوث الناتج عن الأسلحة، يعتبر من أبرز خبراء تأثير الإشعاعات على الإنسان في العالم، عين في العام 1997 ممثلا لبريطانيا في اللجنة الأوروبية للإشعاع ثم أصبح الأمين العلمي لها منذ العام 2001، ولمشاهدنا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على أرقام هواتف البرنامج التي ستظهر تباعات على الشاشة (+974) 4888873. بروفسور باسبي مرحبا بك.
حول فريق البحث وأهم اكتشافاته
أحمد منصور: لماذا قررتم إجراء هذا البحث والمسح على سكان مدينة الفلوجة؟.
كريس باسبي: في الحقيقة لم تكن فكرتي أنا في البداية هناك سيدة تسمى ملاك حمدان من لندن كانت قلقة حول التقارير التي كانت تأتي من الفلوجة فاتصلت بي هاتفيا لنرى إن كان بالإمكان أن نفعل شيئا ما للتعرف على حقيقة ما يحدث، قلت لها نعم هذا ممكن لأننا سبق وأن أجرينا دراسات ومسوحات في أماكن أخرى من العالم لنرى آثار الإشعاعات على من يعيش قرب المحطات توليد الطاقة النووية وأنا سبق لي وأن درست هذه الأسلحة وآثارها في لبنان وغزة وقبل ذلك في العراق أيضا، قلنا لنرى ما هي إمكانيات أن نعثر على أي شيء قد يربط بزيادة هذه الحالات المرضية بنوع الأسلحة التي تم استخدامها من قبل الأميركيين أو الإسرائيليين.
أحمد منصور: من المعروف أن القوات الأميركية تفرض حصارا على الفلوجة منذ نوفمبر وحتى الآن ومن الصعب على الصحفيين أو الباحثين أو الأطباء الدخول، ما طبيعة تكوين فريقكم العلمي وحصولكم على النتائج التي أدت إليها هذه الدراسات؟
كريس باسبي: ما نفعله عادة في مثل هذه الحالات أننا نزور الكثير من البيوت في المنطقة التي نختارها ونذهب إلى كل بيت في تلك المنطقة ونأخذ استبيانا خاصا نحاول من خلاله أن نعرف ما هو عدد الذين يعيشون في ذلك البيت، أعمارهم، كم هناك من البنات والذكور وهكذا لنأخذ هذه العينات لنرى إن كانت هناك زيادات في مؤشرات على أمراض مثل التشوهات الولادية وفيات في الأطفال الرضع الأمراض السرطانية ونسب هذه الأمراض، هناك عدة طرق ممكن أن تستخدم للتعرف على الأوضاع الصحية ثم نقارن ذلك بمجموعة سكانية مشابهة لكنها لم تتعرض لآثار مثل هذه الأسلحة، وقد تحدثنا إلى بعض الناس في الفلوجة وأيضا أعطينا بعض المال للناس ليعملوا كمشاركين في الاستطلاع ويطرقوا أبواب البيوت ويسألوا هذه الأسئلة للناس لكي نقوم بعملية تحليل إحصائية لما نعثر عليه من نتائج.
أحمد منصور: في التقرير الذي أطلعتني عليه والذي لم ينشر بعد، أنتم زرتم أكثر من سبعمائة منزل، 711 منزلا في الفلوجة، كيف اخترتم هذه المنازل هل بشكل عشوائي أم مدروس؟
كريس باسبي: لا، البيوت حسب علمنا تم اختيارها وفقا للمناطق التي كان يعتقد أن هناك الكثير من المعارك التي دارت وشعرنا إننا معنيون بالمناطق التي ربما هي معرضة للتلوث أكثر من غيرها، لكن عدا عن ذلك كان الأمر عشوائيا وفي الحقيقة في مثل هذه الدراسات لا تستطيع أن تختار بيت وتترك آخر، يجب أن يكون الاختيار عشوائيا وإلا لن تكون النتيجة دقيقة، كان هناك حوالي 4500 شخص استطعنا أن نشركهم في المسح من بين 721 بيتا كانت هناك بيوت أصحابها وسكانها رفضوا الإجابة بسبب ظروف المدينة وبعضهم اعتقد أننا نمثل الأميركان أو الأجهزة الأمنية السرية في البداية لذلك قررنا أن نبعث بأناس من أهالي المنطقة ومعروفين من الأهالي لكي يقولوا إن هذا البحث بحث علمي وبعد ذلك عرفنا أن التلفزيون العراقي قال إن المسح الذي كان يتم كان من قبل إرهابيين وعلى الجميع ألا يردوا على الأسئلة وإلا سيتعرضون للاعتقال.
أحمد منصور: الموضوع الذي سعيتم للبحث فيه موضوع خطير وموضوع حساس، الحكومة العراقية حينما شعرت بما تقومون به حذرت منكم واتهمتكم بالإرهاب، السلطات الأميركية كذلك سلطات الاحتلال حذرت من التعامل معكم كذلك، أنا في إطار إعدادي لهذه الحلقة سعينا للاتصال بالأطباء في الفلوجة كلهم تقريبا اعتذروا على المشاركة معنا وقالوا إنهم تعرضوا للتهديد بشكل مباشر من السلطات الأميركية ومن الحكومة العراقية الحالية إن أدلى أي منهم بأي معلومات لأنهم كانوا قد سبق وأن أدلوا بمعلومات من قبل. الآن أنتم يعني متهمون أنكم تقومون بعمل غير قانوني من قبل الأميركان ومن قبل السلطات، سلطات الاحتلال ومن قبل الحكومة العراقية، ما نتائج هذا عليكم؟ تهددون، تمنعون من هذا؟ لماذا لا يريدون أن تخرج المعلومات الحقيقية عما يحدث لسكان الفلوجة؟
كريس باسبي: واضح لي أن السبب نفسه الذي يجعل الأميركيين لا يسمحون للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تدخل العراق بمعداتها لقياس النسب الإشعاعية بعد الحرب لأن لديهم ما يخفونه ولا بد وأن يعرفوا أن هناك زيادات هائلة في الأمراض السرطانية والتشوهات الولادية وهي آثار كبيرة جدا لا بد أن نقول ذلك بشكل مقلق ولم أر ما يشبهه أبدا، إذاً لا بد وأن يعرف الأميركيون أن هذه الأمور موجودة ولا بد أن يعرفوا أسباب ذلك، لأن بعض الأسلحة التي استخدموها قد تسببت بهذه الآثار لذلك يريدون أن يضمنوا أن العالم لن يعرف بذلك، لأن الناس يحاولون أن يتقصوا ماهية هذه الأسلحة ثم بعد ذلك سيكون لذلك تداعيات عالمية وأبعاد عالمية لهذه الأمور، لأن هذه المواد موجودة في كل مكان، إذا ما هاجمت الفلوجة، الفلوجة هاجمت العراق وإذا هاجمت العراق هاجمت الإنسانية، وأعتقد إن ما نحاول نحن أن نعمله أن نمنع حدوث ذلك في المستقبل لأولادنا، لأن الفلوجة مكان مهم للغاية، مكان مهم للغاية، لأن أقوى هذه الآثار هذه الأسلحة اكتشفت في الفلوجة ونعلم الآن أنه أيا كان السلاح الذي استخدم في الفلوجة أحدث تأثيرات هائلة جدا على التركيبة الجينية للسكان والأدلة واضحة وهذه أدلة علمية ليست كبعض الأدلة يقول الناس هذا أمر مريع أولادي ماتوا أو جيراننا أصيبوا بالسرطان، هذه أرقام إحصائية دقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد لهذا السبب هذا الأمر مهم.
أحمد منصور: ما هو أهم ما توصلت إليه بروفسور باسبي أنت وفريقك العلمي؟
كريس باسبي: إن أكبر اكتشاف كشفنا عنه هو أن آثار هذه الأسلحة أو طيف الأمراض السرطانية ونسب الوفيات في الأطفال الرضع والنسب حسب الجنس تشبه نفس الطيف، الآثار التي عثر عليها بعد قنبلة هيروشيما ولكن في الفلوجة الآثار أسوأ نحن نعلم إنه لم تكن هناك قنبلة ذرية لأننا كنا نرى سحابة الـ mushroom الكبيرة ولكن حسب تعلق الأمر بالناس الآثار مشابهة لآثار القنبلة الذرية، ربما هنالك زيادة بنسبة أربعين مثل، لا أقول 40% لكن أقول أربعين ضعفا في سرطان الدم اللوكيميا وخاصة في صفوف الصغار، وإذا ما عدنا خمس سنوات إلى الوراء قبل مرحلة المسح الذي أجريناه.. 38.8 ضعف لأن عدد السكان قليل حسبما تعرف، نحن نتحدث عن 4500 شخصا وأيضا نرى هذه النسبة من اللوكيميا فيمن هم دون سنة الـ 35، لدينا 12 ضعف أمراض السرطان، عشرة أضعاف زيادة في سرطان الثدي في النساء وزيادة كبيرة أنا أحاول أن أتذكر أعتقد حوالي عشر مرات في سرطان الغدد الليمفاوية الذي يصيب العقد اللمفاوية بسبب استنشاق مواد إشعاعية أو بسبب مواد أخرى تؤثر في التركيبة الجينية، إذاً هذه هي أنوات السرطانات، بشكل عام الزيادة في الأمراض السرطانية هي حوالي 4.5 مرة، ثم لدينا زيادة كبيرة في وفيات الأطفال الرضع في الفلوجة في السنوات الخمس الماضية كان ثمانيين من كل ألف ولادة في الكويت هي تسعة، تسعة من كل ألف في الكويت، بينما في الفلوجة هي ثمانين من كل ألف، المقارنات التي أجريناها معظمها مع مصر، في مصر هي 19 حالة وفاة لكل ألف حالة ولادة.
أحمد منصور: أنتم رحتم محافظة الغربية، اخترتم محافظة الغربية في مصر واخترتم الكويت للمقارنة، لماذا هذين المكانين؟
كريس باسبي: إذا نظرنا إلى الوفيات في الأطفال الرضع هناك سببان السبب الأول هو التشوهات الجينية في رحم الأم تحدث للجنين لكن السبب الآخر ممكن أن يكون بسبب سوء نوعية المياه أو فقر الوالدين وأيضا الأطفال يمكن أن يموتوا بسبب أمراض، بسبب المياه التي يشربونها ملوثة أو ما إلى ذلك، إذاً قارنا من مصر من جهة ومن جهة أخرى بالكويت لأن المستوى المعاشي عالي في الكويت ومنخفض في مصر، لكن أردنا أن نقارن بلدا عربية لم يتعرض بالتلوث بما حدث للعراق، فبحثنا أمر مصر ولكن لو افترضنا أن مصر كانت هناك أمور غير طبيعية قارنا الوضع في الأردن أيضا، عندما نقول 38 ضعفا من حالات اللوكيميا هذا يعني 38 ضعف ما يحصل في الأردن أو في مصر لنفس العينة من السكان لأنك تصاب بأمراض السرطان كلما تقدمت في العمر لذلك يجب أن نستخدم أرقام إحصائية لكي نوازن بين الفئات العمرية والتقدم في السنة وهكذا ولكن ما هو مثير للاهتمام بالنسبة إلي هو نسبة الأولاد مقارنة بالبنات، أو الذكور إلى الإناث وهذا مؤشر مهم لحصول ضرر في الجينات أو في التركيبة الجينية لأنك إذا ما أصيبت الجينات في مرحلة تكون الجنين فإن الأجنة من الذكور يقتلون بسهولة أكثر من الأجنة الإناث لأن الكروموسوم للفتاة لديه xx وللذكر هو xy، إذا ما استخدمت مثلا إشعاعا مثل مثلا طلقة تطلق عليه، فالذكر ليس لديه كروموسوم احتياطي من النوع X لذلك رأينا زيادة في عدد الذكور، النسبة عادة 1050 من الذكور لكل ألف من الإناث، لكن ما عثرنا عليه في الفلوجة أنه كانت هناك انخفاض كبير في عدد الذكور المولودين ولكن فقط بعد العام 2004، إذا قارنا للفترة من 2000 إلى 2004 النسبة كانت دقيقة صحيحة 1050، 1050 وهكذا فيها تراوح بسيط لكن من الناحية الإحصائية دقيقة وصحيح، من 2005 فما فوق نزل عدد الذكور إلى 350 تقريبا مقابل ألف للإناث، إذاً هذا التغير كبير في نسبة الجنسين والسبب هو أن مادة ما جاءت إلى الفلوجة لأنه كما تعلم أن الطفل يبقى تسعة أشهر في بطن أمه وهذا يعني أن المادة هذه أو أيا كانت وصلت إلى الفلوجة في عام 2004 وهذا يعني السنة تحديدا، بإلإمكان أن تقول 2003 والعام 1991 عندما استخدم اليورانيوم المنضب، واليورانيوم المنضب استخدم في معظم أنحاء العراق في 2003، إذا ربما يقول قائل إن هذه الآثار تعود إلى فترة سابقة ولكن ما حدث مع نسبة الأطفال الحديثي الولادة هذا حدث في العام 2004 وهو الوقت الذي جاءت فيه القوات الأميركية وأطلقت فيه كل هذه الأسلحة ربما سلاح جديد هذه أعراضه الجانبية، هذا ما عثرنا عليه وهذا في غاية الأهمية لأنه يقارن بين الأوضاع في الفلوجة وهيروشيما بشكل دقيق من حيث عدد المصابين.
أحمد منصور: يعني الآن أنت تعلن شيئا خطيرا هو أن ما حدث في الفلوجة من نتائج من خلال استخدام الأسلحة فاق ما حدث لسكان هيروشيما جراء استخدم القنبلة النووية، ماذا يعني هذا بالنسبة للأجيال القادمة؟
كريس باسبي: أنا درست حالة قدامى الذين تعرضوا لآثار التفجير الذري وفي العام 2007 أجريب دراسة للأمراض التي تتفشى في صفوف هؤلاء وخاصة في صفوف الرجال الذين ذهبوا إلى أستراليا وكانوا حاضرين في تجربة السلاح الذري البريطاني هناك وعندما بحثنا في أحوال أولادهم وأحفادهم بعد خمسين عاما من إجراء تلك التجربة وجدنا أن أولادهم مصابين بنسبة خمسين مرة أكثر بالأمراض والتشوهات الخلقية مثل تشوهات القلب وتشوه أو قلت عدد الأصابع، وهي تسعة مرات التشوهات وأيضا في الأحفاد هي ثمانية أضعاف، إذاً هي لا تقل بل تبق نفسها من جيل إلى جيل، إذاً عندما يحدث مثل هذا الضرر الجيني يبدو إنه يستمر ويبقى مستمرا. في تشيرنوبل درسوا أوضاع حيوانات كانت تعيش في المنطقة التي تتعرض للعزل ووجدوا أن بعض أنواع الحيوانات اللبنية استمر التأثير لـ 22 جيلا متلاحقة، هذا شيء جديد تم اكتشافه في السنوات العشر الماضية، ومن ثم عدم الاستقرار الجينومي أي ما يحدث إذا ما تسببت بضرر للتركيبة الجينية أو الجينو بسبب الإشعاعات فإن هناك رسائل جينية تنتقل من جيل إلى جيل وتستمر في إحداث هذا الضرر، ويبدو أن عمليات التطور قد طورت هذه المسألة من دون أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الآثار الجينية الإشعاعية، إذا ما أخذت مجموعة سكانية وعرضتها للإشعاع ما يحدث إن معظمهم سيموت ولكن الذي يبقى على قيد الحياة سيطور نوعا من المقاومة، لكن ما يحدث إن معظمهم يموت ولكن الذين يبقون أحياء يبدو أكثر إحساسا بالإشعاع والسبب في ذلك إنهم يجمعون أو يحشدون جيناتهم على أمل أن واحدة من هذه التجمعات ستنجح، هذا كله أمر جديد نسبيا، لكن ما نراه في الفلوجة هو شيء خطير ويجب أن يتابع، لا بد أن نتابع هذا من أجل مصلحة الإنسانية، نريد أن نعرف ما الذي يسبب هذا الضرر.
أحمد منصور: أنتم أشرتم إلى أن نسبة وفاة الأطفال في الفلوجة أربعة أضعاف نسبة وفاة الأطفال في مصر وتسعة أضعاف نسبة وفاة الأطفال من نظرائهم في الكويت، هناك نقطة أيضا هي نقطة الولادات المشوهة، كل التقارير التي اطعلت عليها من مستشفى الفلوجة العام أو مستشفى الدكتور طالب الجنابي وهي المستشفى الخاص الكبير في الفلوجة أيضا يشير إلى نسبة تشوهات عالية جدا، وأنه بعدما كان يولد طفلا مشوها في اليوم الآن أصبحوا ممكن ثلاثة أطفال مشوهين في اليوم والأعداد في ازدياد، أما تلاحظ أيضا أن النتائج سريعة لظهور التشوه، يعني بدلا من أن تظهر التشوهات في الأجيال القادمة بدأت تظهر في خلال سنوات قليلة في مواليد من الأطفال؟
كريس باسبي: نعم بالطبع هذا يحدث الآن لكن أنا ما أريد أن أقوله إنه سيحدث لأطفال الأولاد الذين يولدون الآن، هذا ما نتوقعه بناء على ما اكتشفناه من آثار الانفجارات الذرية ولكن في الفلوجة الوضع مخيف مرعب والآثار أكثر سوءا بكثير، نعم سألنا عن التشوهات الخلقية الولادية..
أحمد منصور: لماذا الوضع في الفلوجة أخطر من هيروشيما وأخطر من ناغازاكي وفيهما استخدمت القنبلة النووية، لماذا الفلوجة أخطر؟
كريس باسبي: أنت تسألني سؤالا أنا أبحث عن إجابة عنه، أنا لا أعرف الإجابة عن هذا السؤال، لدي بعض الأفكار بعض التخمينات بإمكاني أن أتحدث عن التخمينات بناء على العينات التي أخذناها والتي نبحث عن إجابات من خلالها، لكن شعوري هو أن السبب هو اليورانيوم، أعتقد أن السبب هو اليورانيوم لأن هذا هو أمر آخر يربط بين هيروشيما والفلوجة، لأن القنابل التي استخدمت في هيروشيما كانت قنابل يورانيوم وقد تلوثت المدينة باليورانيوم، نحن نعلم أنهم في العراق يستخدمون أسلحة فيها يورانيوم وربما هذا ما استخدموه ولكن لا أستطيع أن أجزم، لأننا لم نأخذ عينات كافية ولكن نقول إن هناك شيئا مرعبا كثيرا لأن اليورانيوم إذا ما دخل في المواد الغذائية والمياه فسيمر من خلل الجسم، تأثير اليورانيوم طفيف لأنه نحن عشنا منذ زمن الإنسان طورنا مقاومة لمثل هذه المواد الخطرة لكننا لم نطور مقاومة لاستنشاقها، إذا ما بخرت سلاح مثل هذا واستنشقته فإنه سيخترق جسمك بشكل مباشر إلى الرئتين وإلى المجرى الدموي وإلى النظام الليمفاوي، لهذا السبب نرى هذه النسب العالية من سرطان الثدي لأن الأثداء والصدر قريب من الرئة، وأيضا هذا يفسر أمراض اللوكيما سرطان الدم وسرطان العقد الليمفاوية، هذا يبقى في دائرة التخمينات ولكن في العلم يجب أن نبحث عن هذه الأمور نقيسها ونقول هذه هي بشكل مؤكد، أعتقد هذا هو السبب الذي يجعل الأميركيين والسلطات العراقية لا تسمح لأح بأن يستقصي ويبحث لأنهم لا يريدون لأحد أن يكتشف ما حدث لأن هذا ستكون له تداعيات خطيرة مثل محاكمات جرائم حرب واستخدام أسلحة قوية جدا ومحرمة، وهي تكسب الحروب لأصحابها ولكن المؤسسات العسكرية تريد الاستمرار في استخدامه لكسب هذه الحروب، لكن تبقى هذه قضية مهمة للغاية وخطيرة.
أحمد منصور: يعني أنا أعرف الضغوط التي تتعرض أنت لها شخصيا وأتابع معك الأمور، تحاصر علميا، الدوريات العلمية البحثية التي تنشر أبحاثك بشكل عادي قبل ذلك ترفض الآن نشر أبحاثك لأنها كلها تدخل في إطار الضغوط التي تمارس عليك. البروفسور أصف دراكوفيتش وهو مكتشف مرض أعراض حرب الخليج ومن أكبر المسؤولين أو العلماء الأميركان المتخصصين فيها هذا يعني كنت أتواصل معه وقال إنه تعرض لتهديدات وانقط الاتصال به بسبب التهديدات أيضا التي تعرض لها، يعني أنت من الذي يدفعك، يعني قل لي من الذي يدفعك إلى الدخول في هذه المواجهات وتحمل هذه الضغوط وأنت مجرد عالم حتى إنك لا تجد المال لأبحاثك وبعض المتبرعين من الناس يعطوك هذه الأموال حتى تقوم بهذه الأبحاث، أسمع منك الأجابة بعد فاصل قصير، نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار مع الأمين العلمي للجنة الأوروبية للإشعاع، البروفسور كريس باسبي الذي يكشف لنا حصريا للجزيرة نتائج أبحاثه التي قام بها وفريقه الطبي العلمي حول الآثار التي ترتبت على ضرب مدينة الفلوجة بالأسلحة المحرمة في العام 2004 وانعكاس ذلك على السكان فابقوا معنا.
الصعوبات الأمنية والمالية التي تواجه فريق البحث
أحمد منصور: أهلا بكم من جديد بلا حدود من العاصمة الفرنسية باريس، ضيفي هو البروفسور كريس باسبي الأمين العلمي للجنة الأوروبية للإشعاع وأبرز المتخصصين في نتائج آثار الإشعاع على البشر يكشف لنا للمرة الأولى نتائج أبحاثه حول أثر الأسلحة التي استخدمتها القوات الأميركية ضد سكان مدينة الفلوجة في العام 2004 وانعكاس ذلك على السكان. ما الذي يجبرك على تحمل هذه الضغوط هذا العمل؟ كنت ضيفي وكشفت للمرة الأولى عن نتائج الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في غزة كذلك، أجريت أبحاثا حول الأسلحة التي استخدمت ضد سكان جنوب لبنان وكذلك حرب أميركا الأولى ضد العراق في العام 1991، وهناك علماء مثلك يتعرضون للضغوط، يلاحقون، هذه الأبحاث تحتاج إلى أموال، بعض الناس يتبرعون لكم، ولا يزال عندك عينات إلى الآن، لا تجد المال من أجل تحليلها، ما الذي يجبرك على تحمل هذا، بصراحة؟
كريس باسبي: هناك سببان، السبب الأول هو أنني كل حياتي سعيت من أجل الحقيقة، الحقيقة كائن مكار لا يمكن الوصول له، أنا صياد الحقيقة وأبحث عنها في غابة في كل هذه الأكاذيب، شبكة الأكاذيب والمعلومات المضللة، أيضا لدي أنا أطفال، هم أطفالنا هم مستقبل الجنس البشري وهؤلاء سوف يحملون معهم آثار هذا الإشعاع، أنا أعمل هذا من أجلنا جميعا لأن الأجيال المستقبلية ستحمل معها ما ننتجه نحن وما نلوث أنفسنا به وما لوثنا به أنفسنا في الخمسين عاما الماضية كنتيجة لهذه الاختبارات النووية، اختراع هذه القنابل وإلقائها هنا وهناك وتفجير أماكن مثل تشيرنوبل وتلويث البحار واستخدم قنابل اليورانيوم كلها تلوث هذا الكوكب وسوف نحملها في تركيبتنا الجينية ونمررها لأولادنا وأحفادنا، إذاً هذان هما السببان وأنا لم أفعله من أجل المال، نعم ليس عندي مالا ولكن هناك طيبون كثيرون يساعدوننا، يتبرعون بالقليل من المال وإذا ما أردت أن تحقق شيئا يمكن أن تحققه بشيء من الإرادة.
أحمد منصور: أنا هذه مشكلة أنت تواجها وأنا أعايشها معك، كان من الممكن أن نجري هذه الحلقة قبل مدة ولكن تعثر وجود أموال حتى تجري الأبحاث، بعض الناس يتبرعون بمبالغ قليلة لك، الآن هناك شق آخر لهذا البحث الذي تجريه، هو العينات التي أخذتها من الفلوجة ولا زلت تحتفظ بها في بعض المعامل لأنك لا تجد المال من أجل تحليلها والتي يمكن أن تكشف عما هو أخطر مما توصلت إليه الآن، ما الذي يمكن أن تكشفه هذه العينات من إضافات علاوة على ما اكتشفت؟
كريس باسبي: قليل مما كشفناه هو من ناحية آثار هذه الأسلحة المريعة، إذاً نحن نعرف إن شيئا ما حدث في العام 2004 من خلال الدراسة، حتى لو لم نعلم أن الأميركان استخدموا أسلحة دمرت المدينة ولكن نعرف من خلال هذه الأبحاث العلمية أن شيئا ما حدث في العام 2004، ما هو هذا الشيء؟ الطريقة الوحيدة التي سنكشف من خلالها هي أن نأخذ عينات من المنطقة وربما أيا كان ما حدث قد انتشر وقد غسل وانتهى، ولكن أنا أعتقد أننا إذا ما حللنا هذه العينات سنجد المادة نفسها التي تسببت في ذلك وإذا كانت يورانيوم فعلا سيسهل اكتشافها ولكن لا وأنا أقول ما زلنا نواجه صعوبة متزايدة في المعامل والمختبرات التي تقبل هذه الأمور، عندما بدأت في العام 1999، 2000، 2001 كانت هناك ثلاثة أو أربعة مختبرات تبعث هذه المواد إليها بثقة في النتائج ولكن منذ ظهور هذا القلق حول استخدام اليورانيوم المنضب وانتشر في العالم بدأت عدد المختبرات تقل، لا زال هناك واحد أو اثنين ولكن بالطبع يطلبون مالا وعلينا أن ندفع مالا مقابل ذلك، سنعثر على المال من مصدر ما ولكن ذلك سيكون ورقة منفصلة، ستكون لدينا ورقة تبين الآثار وورقة تبين الأسباب.
أحمد منصور: أنا أتمنى أن تتمكن من الحصول على المال وأن يكون لنا حلقة قادمة تكشف فيها أيضا نتائج هذه الأبحاث وأتمنى أن تكون قريبة، أنا الحقيقة حاولت الاتصال على كثير من أهالي الفلوجة، بعض الناس خائفين الأطباء كلهم اعتذروا بسبب الخوف والتهديد الذي يتعرضون له، ولكن والد أحد الأطفال الذين ولدوا مشوهين قبل أن يتحدث إلينا وهو معنا الآن على الهاتف، الأولاد يولدون مشوهين أحيانا بعدة رؤوس أحيانا بأجزاء ملتصقة بالجسد، أحيان بدون عيون أحيانا بدون مخارج للبول أو للبراز، أحيانا بانفصالات في البطن والمعدة وأشكال مشوهة، أنا الحقيقة عندي صور ولكن لا أستطيع تقديمها للمشاهدين لأن الصور بشعة إلى حد بعيد، أنا لا أتحمل أن أشاهدها ويصعب أن نعرضها عليكم ولكن سأترك والحد أحدالأطفال الآن معنا من الفلوجة الذين ولدوا مشوهين ليتحدث باختصار شديد عن حالة ابنه، تفضل.
رياض حمادي/ العراق: السلام عليكم. أنا من منطقة مدينة الفلوجة حي الجبايتري، لدي ثلاثة أطفال، الطفل الثاني أسيد 4.5 سنوات عمره، قبل فترة أصيب بحول في عينه اليمنى، بعض مراجعة أطباء الاختصاص، دكتور اختصاص العيون في مشفى الفلوجة، تم إجراء الفحوصات ظهر وجود ورم في العين اليمنى، سألت الدكتور عن سبب الورم لم يعرف الإجابة قال لا نعرف الإجابة ولا نعرف نوعية الورم هذا، اضطررت إلى الخروج إلى عمان إلى مستشفى الحسين للأمراض السرطانية التقيت دكتور هناك الدكتور إبراهيم دكتور أخصائي العيون فأجرى عملية في الحال في نفس اليوم الذي فحص عليه الطفل، قال هذا مرض خبيث ممكن أن يصل الدماغ ويقتل الطفل، فبعد إجراء العملية واستئصال العين وبعد فترة 14 يوما من زراعة العين تم معرفة أن الورم هذا خبيث في جوف العين واستئصاله من العين كاملة، سألت الدكتور عن سبب هذا المرض قال هو تلوث الجو الموجود عندكم، هذه كانت الحالة عمره سنتين وهو عنده الورم هذا.
أحمد منصور: شكرا لك أخ رياض حمادي من مدينة الفلوجة. هو يتحدث عن سرطان أصاب ابنه وهو عمره عامين واضطروا أن يستأصلوا العين، هذه حالة من عشرات الحالات الموجودة هناك، هناك نقطة أيضا مهمة هو تشوه الأجنة قبل الولادة، أنت تحدثت عن موضوع خطير للغاية وهو اختلاف نسب الذكور إلى الإناث بالنسبة للمواليد ما تأثير هذا على مستقبل الأجيال هناك؟
كريس باسبي: فقط دعني أتحدث عن سرطان العين هذا أمر مثير للاهتمام لأنه لو كان هذا صحيحا حسبما أعتقد أنه يسمى سرطان الشبكية وسببه أو كثير من الأسباب تعود إلى اليورانيوم وأيضا هناك نسبة كبيرة من الهنود الذين يعيشون في أماكن التنقيب عن اليورانيوم في أميركا، وأيضا هناك منقطة سيلافيلد في بريطانيا التي فيها مفاعل ذري هناك، فلو كانت الحالة كما أعتقد فهذا له علاقة باليورانيوم. أما عودة إلى سؤالك حول نسبة الأجناس أي الذكور إلى الإناث في الولادات، هناك ضرر يلحق يلحق بالتركيبة الجينية والخريطة الجينية الجينوم البشري وهذا يكون بسبب مواد تسبب التحولات الجينية لمادة الـ DNA الحمض النووي ومثلا العنصر البرتقالي الذي استخدم في فيتنام هذا معروف أنه يسبب هذا الغرض، نعم في فيتنام، وإذا كانت لديك مثل هذه النسبة يعني أن هناك ضررا لحق بالحمض النووي، نحن نعلم ذلك بسبب هذه النسب العالية من التشوهات الولادية التي نخبر بها ونحن كنا على اتصال مع عدد كبير من الأطباء في فبراير في الفلوجة وطلبت منهم أن يرسلوا لدينا معلومات أو بيانات عن شهر كامل أي عدوا كل الأطفال الذين ولدوا في المستشفيات هناك في شهر وأنا حسبت آثار التشوهات الولادية نحن لم ننشر هذه بعد وأعطينا بعض المعلومات للـ BBC عندما أجرى جون سيمبسون برنامجه عن هذا الموضوع، وجدنا نسبا عالية أي ثلاثين ضعفا من التشوهات الخلقية للقلب وأيضا تشوهات للعمود الفقري والنخاع الشوكي وما إلى ذلك، وأجرينا تحليلات لذلك ونحن نعرف أن هناك نسبا عالية من هذه التشوهات وأيضا نسبة الذكور إلى الإناث هذا دليل آخر، ما يعنيه هذا لأجيالنا القادمة يعني أن الأجيال القادمة هي أيضا سوف تعاني ونسبة الخصوبة فيها سوف تقل والنساء لن يستطعن إنجاب الكثير من الأطفال لأن الأجنة سوف تموت داخل أرحام أمهاتهم، وأطفالهم سوف يولدون بهذه التشوهات هذا أمر لا محالة واقع.
أحمد منصور: أنا معي ملاك حمدان أيضا هي التي شاركتك وربما هي التي دفعتك إلى البحث في موضوع الفلوجة، ملاك معي من لندن. ملاك أنت شاركت البروفسور باسبي في هذا الجهد، هل تعتقدين أن ما توصلتم له من نتائج حتى الآن كاف أم أن الأمر في حاجة إلى المزيد؟
ملاك حمدان/ بريطانيا: مرحبا أعتقد من الواضح أن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث ولكن واضح أيضا أن هناك كارثة إنسانية كبرى في الفلوجة وأنا أريد أن أوضح بأن الأطباء والمنظمات غير الحكومية يصرخون مطالبين بالعون منذ سنوات ولكن حتى فترة وجيزة لم تأخذ هذه الأحداث المريعة طريقها إلى اهتمام وسائل الإعلام، الأطباء والعلماء وأهالي الفلوجة يريدون إجراء المزيد من الأبحاث وهم بحاجة إلى هذه الأبحاث لأنهم يريدون للعدالة أن تتحقق ويريدون أجوبة قاطعة، لأن هذا لا بد أنه تسبب به طرف وهم يجب أن نكشف من هو هذا الطرف وهم بحاجة إلى مساعدة لأنه لم يساعد أحد أهالي الفلوجة ولم يعترف بمشكلتهم أحد وعلى المجتمع الدولي أن يقر بهذه الأمور وأن يعترف بها أيضا، قبل أن نمضي إلى الأمام علينا أن نرى أن المجتمع الدولي يقر بوجود كارثة إنسانية خطيرة والأهم من ذلك نحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث والمساعدة الفورية لهؤلاء الناس.
أحمد منصور: شكرا يا ملاك، شكرا لك على ما تقومين به وما قمت به من جهد مع البروفسور باسبي. أنت تحدثت عن جون سيمبسون محرر الشؤون الدولية في الـ BBC وهو أعد تقريرا في سبعة مارس الماضي، تحدث إلى السندي تايمز وقال إنه لم يبث كثيرا من الصور في تقريره بسبب حجم التشوهات الهائلة حتى أن هناك بعض الأطفال ولدوا بثلاثة رؤوس وهناك تشوهات مريعة أيضا لم يشأن أن يقدمها للمشاهدين، بعض الدراسات تشير إلى أن هناك أربعين موقعا ومدينة أخرى في العراق بها نفس الكوارث أو قريب مما يحدث في الفلوجة ولكن الفلوجة هي الأكبر، في ظل وجود قوات احتلال، في ظل وجود حكومة قريبة من قوات الاحتلال، في ظل التهديدات التي يتعرض لها أطباء الفلوجة والأطباء الآخرين في عدم إخراج معلومات، في ظل التهديدات التي تتعرضون لها أنتم العلماء وتمنعون من نشر أبحاثكم أو مواصلتها، ما الذي يمكن فعله؟
كريس باسبي: هذه قضية سياسية وليست قضية علمية هذا أول شيء ينبغي أن يقال، وهي قضية سياسية منذ سنوات عديدة وقد ظهرت إلى الوجود بسبب العراق واليورانيوم المنضب، وحتى قبل ذلك بسبب صحة الناس ومفاعل تشيرنوبل الذي نتعرض.. أيضا الذين تأثروا في التجارب الذرية في الستينيات، إذاً هذه قضية سياسية بالأساس تتطلب إستراتيجية سياسة وأنا إستراتيجيتي السياسية تقول إنك إذا لم تستطع أن تخرق بابا أو تدخل من خلاله عليك أن تبحث عن بدائل حواليه، لذلك هناك أيضا البعثة أو اللجنة الأولومبية لبحث آثار الإشعاع التي أسسها البرلمان الأوروبي، ونحن نطور وبشكل مستقل نماذج لتقليل المخاطر لهذه الإشعاعات التي يمكن أن نتوقع من خلالها مثل هذه الآثار، وأيضا من المخاطر المعروفة والتي تدركها الولايات المتحدة والأمم المتحدة كنموذج ولكن هو نموذج لا يفسر ولا يتوقع هذه الأمور، هذه إستراتيجيتي السياسية أما بقدر تعلق الأمر بمجلات البحث العلمي أعتقد إننا علينا أن نبحث عن مجلات تنشر أبحاثنا إذا رفض بعضها، أنا مثلا بعثت هذه الورقة العلمية إلى لانسرت وهي مجلة علمية عالمية معروفة ومعنية بآثار حرب العراق ونشرت مقالات عن حرب العراق، بعثت بهذه الورقة التي حتى لم يبعثوها إلى الحكام ليراجعوها وأعادوها لي مباشرة وقالوا ليس لدينا مجالا، لدينا الكثير من المقالات التي نريد نشرها، إذاً هذه الأبحاث لم تجد طريقها إلى المجلات الكبرى، ربما إلى المجلات الصغرى ولكن عندما يكون هناك عدد كافي من الحواجز ستخترق، هذا ما أؤمن به لأننا في خاتمة المطاف لن نستطيع منع الحقيقة من أن تنشر، هذا ما أؤمن به الحقيقة دائما تسطع في النهاية ولا يمكن لأحد أن يكبح جماحها.
أحمد منصور: في النهاية لا بد أن توثق هذه الأشياء حتى يأتي يوما ما ربما يكون يوم الحساب لكل من ارتكبوا هذه الجرائم، ويجب أن يدعم أمثال هؤلاء العلماء. أعتقد أن هناك من أهالي الفلوجة من يملكون بعض المال حتى ينفقوا على هذه الأبحاث، هناك أكثر من عشرين عينة موجودة ومحفوظة الآن لدى البروفسور باسبي لكن لا يوجد مال لتحليلها وسوف تكشف الكثير من نتائج هذه الأبحاث. كثير من العلماء الذين أتواصل معهم من الأميركان والأوروبيين يتعرضون لضغوط هائلة حتى لا يواصلوا أبحاثهم وبعضهم يقول لا أستطيع أن أظهر معك رغم حصولي على معلومات بسبب التهديدات التي أتعرض لها لا سيما من القوات الأميركية، الآن هذا جزء من الحقيقة لكن هناك أجزاء كثيرة لا بد أن يساهم الناس في الوصول إليها، وكما قال هذا الرجل إنه يعرض حياته ونفسه للمخاطر من أجل الحقيقة وينبغي للمعنيين من أهالي الفلوجة ومن سكان العراق ومن العرب بشكل عام أن يهتموا بهذا الموضوع. آمل أن نكون قد قدمنا لكم بعض الحقائق عن هذا الأمر وأشكركم على حسن متابعتكم كما أشكر البروفسور كريس باسبي الأمين العلمي للجنة الأوروبية للإشعاع على الجهود التي قام بها وإفرادنا في الجزيرة حول هذا الموضوع. البحث سينشر كاملا عبر إحدى الدوريات العلمية لن أفصح عنها حتى لا تمارس ضغوطا عليها وتمنع من النشر، سينشر خلال أسبوعين أو بعد أسبوعين من الآن. في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من باريس والدوحة وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من العاصمة الفرنسية باريس. موضوع الحلقة القادمة حول أفغانستان مع الجنرال حميد جول المدير العام للمخابرات الباكستانية الأسبق، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* عن قناة الجزيرة