| د. توفيق رفيق آلتونجي : الفن التشكيلي بعيدا عن الوهم، الإيقونة الدينية .

قرائي الأعزاء،  لنتجول معا في المتاحف لنرى التأثير الديني على الفنون التشكيلية من رسم ونحت بارز وتماثيل تاريخيا. بقت الكنائس تحتضن الرسامين والنحاتين الى يومنا هذا. الإيقونة الدينية عند المسيحيين

الأديب المحاور د. توفيق ألتونجي

ساهمت بصورة مباشرة على التأثير على المشاعر الإنسانية للناس   في حاضرة الفاتيكان ترك لنا مايكل انجلو أعظم الآثار الإنسانية في سقف كنيسة Basilica Sancti Petri كما أن لوحة العشاء الأخير للرسام والمخترع الكبير ليوناردو دافنتشي يعتبر معجزة فنية لحد منا هذا. الصورة الدينية التي غالبا ما كانت تصور القصص الإنجيلية لعبت دورا مهما  مساعدا في تاريخ الإيماني للبشر في كل مكان.

 يرجع التكهنات ان أول صورة لسيدنا المسيح توجد في تركيا في إحدى كنائس الشرق. ولهذه الصورة حكاية تاريخية مفادها بان احد الملوك في منطقة طور عابدين سمع بمجيء المسيح فأرسل احد الرسامين كي يرسمه. هذه الصورة اعتبرت أساسا لمعظم صور المسيح اليوم المتواجدة في الكنائس في  العالم. الصورة الدينية تلاعب مخيلة الإنسان الذي ربما سمع فقط الرواية الدينية التي يرويها عادة القسيس في الصلوات . ولعدم معرفة العامة من الناس القراءة والكتابة أضاف الصورة هالة دينية من الواقع على تلك القصص والروايات. تلك قصص الأنبياء والقديسين وتروى عنهم  المعجزات فتنطبع في ذاكرة البشر الصورية.

 

 

  لا ريب ان للسياسة دور في ذلك في استغلال البسطاء وتطويع سلوكهم لصالح الملك او القائد الحاكم. حتى الى درجة ان النظام الاشتراكي في رومانيا التي كان يقودها نيكولاي شاوشسكو امر  برسم صورة له و لزوجته على شكل ايقونة دينية في احدى الكنائس رغم كونه ملحدا.

 

 

 

 

 

 

 

الصورة من كاتدرائية ايا صوفيا في استانبول.

 

 رغم اختلاف الكنائس في استخدام الرسوم الدينية بين الطائفتين الكاثوليكية و الارثدوكسية نرى الكنيسة البروتستانتية لا تحبذ استخدام تلك الصور في كنائسها. وقد شاهدت ذلك في الكنائس الحديثة في مملكة السويد والمانيا وبريطانيا.  لكن الكنائس القديمة منها لا تزال فيها العديد من الصور الدينية.  عاد أهمية الصورة الدينية بعد انهيار جمهوريات الاتحاد السوفيتي  و منظومة الدول الاشتراكية الى واجهة الأخبار.حيث عاد الناس وبكثافة يحضرون القداس في الكنائس مرة اخرى.  نرى في كنائس القدس في فلسطين ثروة إنسانية إبداعية من التماثيل والصور الدينية التاريخية التي بقت محتفظة بها رغم مرور الزمن ففي كنيسة القيامة نرى كنوز من تلك الإيقونات قدمت معظمها كهدايا من جميع شعوب الدنيا. كانت الحرب العالمية قد دمرت العديد من الكناس في معظم الدول الأوربية. حتى احد اهم كنائس فينا واعني كنيسة القديس اصطيفان قد هدم جزء منها وكذلك لا تزال إطلال وبقايا برج الكنيسة المحروقة احد اهم اثر للحرب وسط العاصمة الالمانية برلين شاهدة للعيان على مآسي الحرب لحد يومنا هذا. لكن كنائس دول ك سويسرا واسبانيا مثلا بقت بعيدة عن اهوال الحرب لذا نرى فيها اثارا قديمة لم تتلف نتيجة الحرب. الصورة الدينية تعتمد على شخصيات من الإنجيل بالدرجة الاولى كرسم صور الحواريين والقساوسة. اما الحبر الأعظم فنرى صورة قد تختفي بعد مدة معتمدا على انجازاته وشعبيته ومن ناحية اخرى على المعجزات التي اتي بها. الديانات والعقائد الدينية الاخرى وخاصة الهندوسية والبوذية تعتمد كذلك على الصور الدينية ك صور وتماثيل بوذا وللإلهة المتعددة الأتي نراها في صور الهندوس. اما التماثيل فتختلف لان البوذية تعتمد أساسا على شخص بوذا لذا نرى تماثيله منتشرة في كل الدول وباحجام مختلفة. الدول التي يدين شعوبها  بالبوذية فيها تماثيله في كل مكان. في حين نرى في معابد الهند التماثيل لالهتم المتعددة في المعابد المنتسرة في البلاد.

 الاسلام لم يهتم كثيرا بالصورة الدينية الا ان شعوبا اخرى من غير العرب دخلوا الدين الاسلامي وجائوا بتراثهم الفني معهم.  كالفرس  وشعوب اسيا الصغرى من الترك وهؤلاء لم يروا من المحذور تصوير الصحابة والقصص الدينية .  لذا تركوا لنا خزينا من الصور نرى ذلك في رسوم المسمات بالنمنميات. وهي صور دينية

 

على الأغلب للحوادث والقصص الدينية وقد تكون ذلك بتاثير من الهند. لاننا لا نجد ذلك في الجزيرة العربية مثلا. اما الواسطي يحيى بن محمود الذي يعتبر احد أوائل الرسامين المسلمين فقد حاول جاهدا كسر الجمود ولكنة لم يرسم الايقونة الدينية بل رسم القصص وبعض الشعائر الدينية.

قافلة الحج للواسطي

 

 بقى ان نعلم ان العديد مم المخطوطات القديمة فيها

 

صور للنباتات والحيونات. وقد تكون احد اقدم الفسيفساء تجسيدا بشريا نراه في الجامع الكبير في طاشقند خروجا على المعتاد في تزين واجهة الجوامع بالزخارف الحيوانية والنباتية. هذا الاستثناء للصورة البشرية التي تظهر على طرفي البوابة الكبيرة تعتبر استثنائا في الجوامع.  لم ارى  بنفسي في الأضرحة الأئمة في المدن المقدسة في العراق اي تجسيد للبشر رغم انتشار صور تمثل الامام علي رضي الله عنه في معظم بيوت العراقيين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صورة للامام علي رضي الله عنه

 

 وقد شاهدت  عددة اشكال من صور الامام في معابد البكتاشين في تركيا وربما تتواجد في دول اخرى.

 ازداد الحديث والنقاش حول مدى حرمة التشخيص رسما او لشخصية في فلم سينمائي تاريخي في معظم الدول الإسلامية في ايامنا هذا.  وتباينت الاراء بين الحرام والحلال. لكني وجدت صورة الخليفة الأموي على الدينار الإسلامي . يثبت بان تاريخيا وفي السنوات الأولى للإسلام لم يكن محظورا رسم الأشخاص بارزا على النقود. قد يقول احدهم ان ذلك ربما جاء من تقليد العملة الساسانية او البيزنطية لان الصورة اختفت لاحقا. هذا صحيح لان الاختلاف بدا في العصر العباسي مع زيادة الحاجة الى فهم النصوص القرانية وظهور الاحاديث والتاويل كنتيجة مباشرة لدخول الاقوام الغير عربية للدين الجديد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دينار الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان

 

كما كان عادة معظم الملوك والأباطرة ينقشون صورهم على العملات المعدنية الذهبية والفضية منها. حتى نجد صور لصلاح الدين أيوبي لاحقا على الدينار . لا تزال الى يومنا هذا هذا التقليد والارث الثقافي جاريا تطبيقه . حيث نرى صور النقش البارز للملوك والرؤساء والعلماء والفنانين على عملات العديد من الدول. قامت مملكة السويد باصدار عملات عليها صور فنانيها من مطربين ومسرحيين وممثلين سينما وكتاب كذلك.

 

 لكن الجدل سيبقى مستمرا بين الجبهتين المتناقضتين حتى بعد الف عام وعام حول الرسم والصورة البشرية. هنا اريد ان اروي للقارئ الكريم ما شاهدته بنفسي حين زرت قصور الاموين في الأنداس.  شاهدت الزخارف والخطوط التي تزين جدران القاعات والغرف. اما الصور التي تمثل البشر فقد ظهرت فقط بعد سقوط الاندلس. لكن الغريب ان تلك الخطوط والايات القرانية والحكم الدينية كانت معظمها ايات من الذكر الحكيم الا اني وجدت كذلك ان في بعض الغرف والقاعات بعض الاشعار البديعة.  وربما ذلك دليل على ان النقاش كان حتى انذاك  يدور حول استخدام الفن بين الدين والدنيا

 

وحتى قبل الف عام خلت.

تبقى الصورة الدينية تحمل وظيفة ايمانية تقرب فهم النصوص المقدسة بشكل بسيط يفهمها العامة من الناس من ناحية ويقرب مفاهيم اسلوب الحياة قبل الالاف السنين للمؤمنين. لا بد ان اذكر بان حتى القصص القرانية طبعت في كراس صغير اعتقد في مصر وكانت كلها مصورة هذا طبعا قبل نصف قرن.

نحن نعيش اليوم في عالم الوسائط التواصل الانترنتي المتطورة وعالم سايبرنيكي فيها التصوير والصور المتحركة ونقل الخبر في مكانه وزمانه مباشرة الى كافة انحاء العالم. تاركين ملاين الصور والأفلام لأحفادنا وأحفاد احفادنا حتى بعد ملاين السنين. 

ماذا كان يحصل لو كان الأنبياء نزلوا في القرن الحادي والعشرون أكنا سوف نشاهدهم في التلفزيون يوميا؟  انه مجرد تساءل وتبقى الإجابة عند الخالق الرحمن الرحيم.

 

الأندلس

 

مادة لي للاطلاع حول الموضوع نشرتها قبل عقود من الزمن؛

 

الإيقونة الإسلامية.. الصورة في التراث الإسلامي – https://elaph.com/amp/Web/Culture/2008/7/347288.html

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *