المقطع الرابع
افاق موسى الساعة السادسة صباحا مثقلاً بكآبة مزدوجة ما بين الكوابيس وحالة التشرد الداخلي ، اصبح وضعه اسوء مما كان يتصور جراء حالته غير المستقر وتدهور في انطباعات واضحة الى سوداوية مغلقة تقريباً بسبب كابوس

سقوطه في بئر عميقة ظل يسقط ويسقط الى ما نهاية مما جعله يعيش حالة السقوط وكأنها نهاية العالم، فجأة استيقظ من فجيعة السقوط وجد نفسه غارقاً بالعرق البارد وهو يعشش على جبته، فرك عينيه بلطف انتبه الى خُطى سندس كأنها ضربات مطرقة، طق طق طقطق طقطق ، كان نومه ثقيلاً مثقلاً بمتاهات القلق، استيقظ مرات لكن سرعان ما عاد للنوم وللكوابيس ، لم يتذكر جميعها، فقط سقوطه في البئر وواحدة منها مرتبطة بامرأة لا يعرفها شَبَهها بسامية بشعر قصير جداً حتى بانت جلدة راسها، شعر سامية كستنائي غامق، المرأة ذات الشعر الأصفر التقته في المقهى الذي يقع في الجانب الشمالي من المدينة ، جلست بالقرب منه ، كان وجهها مخططا وانفها يشبه عصا خيزرانه املس قاسي الملمس يلمع تحت أضواء المصابيح المنتشر في أروقة المقهى ، استغرق جلوسها أكثر من عشر دقائق ألتفتت نحوه
ـــــ اين يقع مركز الشرطة؟
فوجئ لم يفهم، تدارك امره، ظهرت على وجهه علامات الاستغراب لا يعرف بماذا يجيب؟ ولماذا تسأله بالذات؟ تعمقت فيه متاهة فقدان المعرفة، اكثر ما يؤلمه انه يفقد الصلة بين المرأة والتاريخ، شعر بصفعة صوتها الذي عاد مجلجلاً
ــــ يا رجل هل أنت أطرش؟
استفزت مشاعره
ـــــ عليك ان تكوني أكثر تهذيباً، ما بك ؟
احمر وجهها
ــــــ سالتُ عن عنوان مركز الشرطة لا أكثر ولا اقل
قال بتحدي وهو يحس بإهانة انت أطرش، تذكر المثل ” أطرش في الزفة “
ــــــ ماذا ترين في جملة انت أطرش ؟ أنا لستُ من ارباب السوابق؟ أو اعمل في مجال الشرطة؟
أصرت، ولكن بتراجع
ـــــــ عفواً لم يكن قصدي الإساءة فكرتُ لابد أنك من المدينة وقد تعرف!
خفف من حدته اجابها بكسل
ــــــــ كان المفروض ان تكوني مهذبة بدون تجريح
خرج من الكابوس على صراخ المرأة وهي تدعي انه تحرش بها ، هجم رواد المقهى ارادوا ضربه وتدافعوا عليه لإسقاطه ارضاً استيقظ على جسده المرتجف وأنفاسه المضطربة الحارة المتسارعة ، الخوف مجهول كأنه سيف مسلط على رقبته، شعر بفراغ متناهي، فكر انها فعلاً كانت تعنيه او تتبعه، عاد الى النوم تعباً منهكاً، المراة كانت جالسة الى جانبه نصف عارية يدها مستقرة على فخذهِ بينما اقتربت أكثر حتى تلاصقت معه
ـــــــــ الآن لنستقر اين يقع مركز الشرطة؟
هذه المرة سمعها بشكل جيد لكن ماذا بالاستقرار! الاستقرار حالة وقتية لطالما انقلب الى فوضى ، نادى على الشغيل جاء مهرولاً، تطلع في صدره العريض الكثيف بالشعر المجعد
ــــــــ المرأة
أشار بأصبعه نحوها
ـــــــــ انظر هذه المرأة تستفسر عن عنوان الشرطة
قاطعته
ــــــــ لم اقل الشرطة، بل مركز الشرطة
تعجب مستفسراً
ــــــ وما الفرق ما بين المركز العائد للشرطة والشرطة وعمله في المركز
كانت هادئة عندما فسرت
ــــــ طلب الشرطة يعني حالة من الخرق القانوني بينما السؤال عن المركز عو معرفة العنوان لأمر ما
ضحك
ــــــ بالماء الماء تفسير
قالت
ــــــ ليكن الامر
التفت نحو الشغيل الذي كان مسمراً ينتظر النتيجة
ــــــــ على كل حال لم تقل الشرطة، بل قالت مركز الشرطة
دعك الشغيل جبهته وأجاب بفتور لكن بشيء من الريبة
ـــــــــ الشرطة، الشرطة الله وحده الذي يعلم ومع هذا على ما اذكر أنه عند بناية المحافظة
بلا مبالاة
ــــــــ أين تقع بناية المحافظة؟
عاد لدعك فروة راسه
ـــــ بجانب دار السينما الوطنية
اشتدت نبرته
ــــــــــ أين يا سيدي دار السينما الوطنية
استنفر الشغيل من كلمة سيدي
ـــــــــ لست بالسيد انا مواطن عادي دخيل السادة ودخيل جدهم
تعصب لكنه كتم
ـــــــ صحيح، لم اقصد السيد بمعناه الديني انما بمعنى الاحترام
تركه الشغيل بدون ان ينطق
أصيب بنوع من الاحباط ،شعر بيد المرأة تقبض على فخذه، بيدها اليمنى، الضغط ازداد والمرأة تقترب، فمها مملوء بالثوم ، تنفسه ضاق، كانت تقترب وتقترب
ــــــــــ أنظر ماذا فعلت ، أطلت وطولت
تطلع نحو الباب الخارجي دخل شرطي متأبطاً بندقية إنكليزية حثها
ـــــــــ كنت اريد المساعدة، انظري هذا شرطي دخل المقهى اذهبي اليه وسألي، انا غريب ليس من هذه المدينة
زمجرت على حين غرة، وقفت ثم هرولت واخذت بتلابيب الشرطي، تداعى جسد الشرطي من المفاجأة، كان هناك حوار حاد الشرطي وضع يده على كتفها وراح يزعق وصوته وصل” منْ، من هو، هو من” إدارات جسدها واشرت نحوه فسحبها الشرطي متوجهاً ، ارتجف قلبه من الخوف ، ماذا قالت له؟ وقف الشرطي معربداً زاجراً
ـــــــــ انت الذي أرسلتها لتدنيس زي الشرطة؟ الا تعرف عقوبتها
تراجع سانداً ظهره على الكنبة
ـــــــــ عزيزي لا تدنيس ولا هم يحزنون ارادت معرفة عنوان مركز الشرطة بما أنى غريب اخبرتها ان تسألك لا أكثر ولا اقل
الشرطي بقى قبضاً على يدها وقال لها
ــــــــ كيف حورت الكلام، الم تنقلي كلامه البذيء عن الشرطة
رد بسرعة
ـــــــــ عزيزي انا رجل غريب جئت من اجل المقابلة بخصوص المسرحية
سحبها الشرطي من يدها وقال موجهاً له الحديث
ــــــ مسرحية !
أجاب
ــــــ نعم مسرحية الا تعرف الدنيا مسرح
هز الشرطي رأسه وقال لها
ـــــــــ تريدين العنوان تعالي معي سوف أريك المركز
ولولت وراحت تشتمه وقالت كلاماً رذيلاً وسوقياً مما جعل رواد المقهى يتوجهون نحوه معتقدين انه يتحرش بها قال لهم وهم يتوافدون
ـــــــــ اسالوا الشرطي انا لم اتصرف تصرفاً غير لائق
رواد المقهى يتقدمهم الشغيل كانوا يهتفون يا يسقط وتعيش والشرطة في الخدمة، اقتربوا منه وفجأة تناول الشغيل ابريق الماء الحار وقذفه بقوة، فز رعب يجتاحه كعاصفة نارية تلمس راسه كان يعتقد ان الماء شوى جلدة راسه، غفا مرة أخرى رواد المقهى بقوا يتقاطرون ويتقاطرون وجاء أناس من خارج المقهى وراحوا يناقشون رواد المقهى والجميع يؤشر بأصابعهم دوى صوت من خارج المقهى” ماذا تنتظرون فهاج الناس وماجوا، في تلك اللحظة استيقظ نافضاً من مخيلته الكابوس، فتحت سندس باب غرفتها وعلى رؤوس أصابع قدميها توجهت نحو التواليت، الساعة السادسة ، اذن عليه الجلوس لكي يدخل الحمام ويغتسل، الفطور في الطابق الأسفل.
انتظرها حتى انتهت من الحمام واثناء مرورها
ـــــــــ صباح الخير اراك جالساً!
رد بصوت مرتعش وابتسامة فاترة من أثر الكوابيس
ـــــــ صباح النور، جالس أحسن من راكض
ضحكت جذلا
ـــــــ لا تستعجل سوف نركض، ولكن قبل هذا ستحضر نفسك للإفطار وبعدين للموعد
نهض على مهل وتوجه للحمام.
هبطا الى المطعم ، جمهور من النزلاء يتناولون الفطور، اخذا الطاولة البعيدة نسبياً عن الأطعمة الصباحية وضعت سندس نظارتها على الطاولة لتظهرها محجوزة بعد استكمال مهمة الفطور أخبرته
ـــــــــ سأدخن، ولكن اين المكان
قال متداركاً
ـــــــــ اسالي العاملة التي تجمع الصحون الفارغة
انتظرها عشر دقائق في الاستقبال جاءت مسرعة
ــــــ هناك فسحة مخصصة للتدخين، تعرف يجب ان نأخذ تكسي لان العنوان بعيد عن الفندق!
امام الفندق مباشرة توقفت سيارة تكسي، جلس بجانب السائق ، اخبرت سندس السائق عن العنوان، انطلق التكسي يشق الشارع العام وطوى عدة طرق ومداخل فرعيه، بعد عشرون دقيقة توقف امام المكتبة العامة ، هبطا بتجاه الباب الخشبي البني المزخرف، دلفا وهما يسرعان الى القاعة الجانبية التي تشير الى اجتماع اللجنة المشرفة والمنتج والمخرج والروائي والسيناريست ، استقبلتهم امرأة في العقد الخامس ذا ملامح شرقية ، ملابسها الجلدية ضيقة فبانت حمالة ثدييها خلف القميص الأبيض النسائي، اقتربا منها وقفت مرحبة ظهرت اكثر جمالية بشعرها الفضي وملابسها الضيقة وبخاصة عجزها المتكور البارز رحبت بهما وابتسامة عريضة تكاد ان تكون دائميه.
ــــــــ اهلاً
قال يشد على اصابعها المملوءة بالخواتم
ــــــــ عندنا موعد بخصوص المسرحية
الابتسامة ثابتة على محياها
ـــــــــ اهلاً وسهلاً، تفضلا ممكن الجلوس عند الزاوية ، هناك قهوة وشاي وكعك بلدي.
توجها الى كنبة طويلة وعريضة مركونة أسفل النافذة الصغيرة التي تطل على حديقة صغيرة فيها العديد من اشجار الزيتون وشتلات الازهار المختلفة ، جلسا الى كنبة مستطيلة، متباعدان بعض الشيء في الداخل شبح قلق الانتظار، احست سندس وهي تراقبه بنوع منة الرغبة للاقتراب منه ، لم تحس طوال فترة الطلاق بمثل هذه الرغبة مع العلم انها قابلت العديد من الرجال اثناء عملها ، رغبة الاقتراب من جسد رجل بدون تحفظ، انها حالة جديدة لم تحدث معها، رغبت في تفسير هذه الرغبة ” هل هي رغبة للعلاقة معينة ؟” “اكدتها مع نفسها ” رغبة في علاقة معينة ليس علاقة صداقة عادية” بقى موسى مشغولاً بالمقابلة وكيف ستكون ، وكيف سيكون تصرفه، شعور خفي بعدم الرضى لقدومه وموافقته على المقابلة، كان المفروض ان يرفض ولا يقدم ، لا يعرف لماذا لم يرفض المقابلة في هذه المدينة، ، نوع من السرور اجتاحه وهو يتذكر انه تعارف مع سندس ، خفت حدة لواعجه فأدار وجهه ناحية سندس فلفاها تراقبه بشكل غريب، كانت المرأة من خلف المكتب تراقبهم ثم رفعت يدها ملوحة لهم، بهدوء دفع رأسه نحو اذن سندس وهمس
ــــــ سندس المرأة ..
قاطعتهُ
ـــــــ رايتها هيا اليها
_______________
يتبع