
الآن، وبعد أن احتفلنا مع المحتفلين بالعربية، أسدل الستار على ضجيج الاحتفاء المشبع بكلمات التبجيل والتقديس بإبراز مزايا هذه اللغة وما لها من سمات ظن بعض المبالغين أنها تفوق بها ما للغات الأخرى، إن لم تكن هي أفضل اللغات قاطبة، ويحق لنا أن نقف قليلا عند الوجه الآخر لهذه اللغة وما فيها من مشكلات علمية توجب على أبنائها والمعتزين بها الوقوف عندها لمعالجتها بتفكير علمي رصين بريء من المبالغات والغيبيات.
ويمكن أن نعرض لبعض هذه المشكلات على سبيل الإيجاز الشديد فنذكر:
- لهذه اللغة تاريخ طويل من الاستعمال، وهو ما يجعل معاني كلماتها محفوفة بما توارد عليها من دلالات مختلفة حملتها في زمنها الطويل وقد دخلت في تراكيب وسياقات مختلفة.
- لهذه اللغة عدد ضخم من المفردات قيل إنها تبلغ اثني عشر مليون كلمة! وقد تقارن أحيانا باللغة الانكليزية التي قيل إنها تقتصر على 600 ألف كلمة فقط، وقد يبدو أن المقارنة في مصلحة العربية، لكن الحقيقة الماثلة الآن هي أن الانكليزية أوسع انتشارا، وأكثر استعمالا لرشاقتها وقلة عدد كلماتها وسهولة تركيبها، مع قدرتها على مواكبة الجديد واستيعابه وهضمه بسرعة.
- تحافظ العربية على خزين استراتيجي تستمده من معجماتها القديمة التي تضم المهجور والمهمل إلى جانب المستعمل، أو نادر الاستعمال، وهي نادرا ما تجدد معجمها لما تعتز به من القديم لقدمه، في حين نجد أن اللغات الأكثر حيوية تحدث معجمها على رأس كل سنة! وهي مزية لها إذ تجعلها شابة كثيرة العشاق.
- للعربية سمة أخرى وهي كثرة ما فيها من الترادف والمشترك اللفظي، وإذا كان هذا الأمر يوسع من قدرة مستعمل اللغة على الاختيار، فإنه مربك أيضا إذ تكون الخيارات محيرة أحيانا بدلا من أن تكون مسعفة.
- إن هذه اللغة صعبة الاستعمال من نواح عدة، فأصواتها وعرة، وطريقة بناء الكلمة فيها تبتعد عن الموسيقى لتكون أقرب للضجيج أو الصراخ، فهي لغة الأشداق المفتوحة – كما يصفها د. طه حسين – لغة البداوة التي تطلق أقصى ما في الصوت من سعة هي سعة الصحراء التي ولدت ونشأت فيها.
- يعسر على أبناء هذه اللغة استعمال الفصحى، أو الفصيحة منها، فلا يستطيع المتكلم بها مهما حاول أن يكره نفسه على التشدق بها أن يستمر ما لم يستنجد بلهجته التي نشأ عليها.
- معظم أبناء العربية ينشأون على لهجاتهم المحلية، ثم يتلقون العربية عن طريق التعليم، فكأنها لغة ثانية لهم، أو أجنبية عنهم، لذا نجدهم أميل للهجة من الفصحى لا لسهولة اللهجة وجريانها على ألسنتهم حسب، وإنما لما في اللهجة من قدرة ومرونة كبيرة في استيعاب مستجدات الحياة والتعبير عنها بما يصعب على الفصحى كثيرا أن تجاريها..
- نجد البون شاسعا بين طريقة التعليم المثالية للغة والصورة الواقعية لها، وهذا ما يزيد أمر تعليمها وتعلمها عسرا فتستحيل العملية كلها إلى مجرد حفظ مؤقت يزول من الذاكرة بزوال الغاية وهي اجتياز الامتحان في اللغة، وهو ما يؤكده نفور أغلب أبناء العربية من تعلمها.
- إنها لغة مثقلة بالمجاز، فلا يصل السامع إلى الحقيقة أو الغاية المقصودة إلا بالتأويل، وهذا يعني إمكان الوقوع في محذور سوء الفهم، بل هو ما وقع فعلا حتى صارت معظم مصادر التشريع كالقرآن والحديث والسنة والدساتير والقوانين الوضعية عرضة لسوء الفهم بكثرة التفسير والتأويل المفضي إلى الاختلاف والخلاف المؤدي إلى التباغض والتناحر حتى اقتتل ابناء الأمة الواحدة الواحدة وصار تاريخهم الطويل مملوءا بما يفرق بينهم في حاضرهم ومستقبلهم.
- إنها لغة معربة فلا يبين المقصود من تركيباتها إلا بفك إعرابها، وإلا فإن الأمر ملبس فلا يعرف الفاعل من المفعول، ولا المبتدأ من الخبر ما لم يحتكم فيه إلى الإعراب، وهذا أمر لا يتيسر إلى للخاصة.
وبعد؛ فهذه بعض مشكلات وضعتها في نقاط عشر أوردتها على سبيل الإيجاز تذكيرا بها وحثا على غيرها لتكون نصب أعين المشتغلين باللغة من أبنائها ليبحثوا عن الحلول النافعة، وإلى عام قابل جديد نحتفي فيه بالعربية ببالغ الفرح والسرور.
حسن الخاقاني
مشكلة حقيقية. وأعطاها الباحث ما تستحق من اهتمام.
لا يزال الخلاف بين مدرسة الكوفة وبقية النحاة العرب يضاعف من العراقيل في تحديد الوجه الصحيح للإعراب. و من ذلك المثل المعروف مكره أخاك لا بطل. و ما ترتب عليه من احتجاج يتعلق بكلمة أخاك ، و الشائع ان تقول أخوك.
في الثمانينيات – جريت عادة على كتابتها ببساطة الثمانينات – كانت سوريا تعيد تعريب كل شيء من أسماء الشوارع والمحال و حتى أسماء الأشخاص و المديريات و الدوائر الرسمية. و في هذا السياق كانت سينما الدولة تقيم مهرجانات للاحتفال بنتاج الأشقاء العرب ، اسبوع للفيلم الكويتي و اخر للجزائري و بعده اسبوع الفيلم السياسي التركي وهكذا. ومن المؤسف انني لم اكن افهم لهجة الأفلام الكويتية وااجزائرية وأقرأ الترجمة الإنكليزية وكأنه فيلم اجنبي.
هذا عام ١٩٧٧-١٩٨٠. فما بالك الآن.. بعد انتشار مجلات و كتب العامية المصرية -لبن العصفور ليوسف القعيد مثالا، و العامية اللبنانية – شعر سعيد عقل مثالا ..
شكرا..