| د. صالح الرزوق : الشعر الجاهلي ومشاريع الحداثة العربية: قراءة في كتاب للدكتور وهب رومية .

يبدأ الدكتور وهب رومية في كتابه “شعرنا القديم والنقد الجديد”* من التشكيك بدعاوى الحداثة التي انهالت علينا دون مقدمات منطقية، ووظفت الأسطورة لتحميل الشعر العربي موضوعات من خارجه. وكان يحدوها إيمان ساذج بكل شيء جديد مع نفور من كل شيء قديم، الأمر الذي جعل الحداثة تقوم على مشاعر بغيضة بالزهو والخيلاء والإحساس بالارستقراطية ص18-30.

ولكن برأيي لا يوجد مشروع موحد للحداثة. ولدينا منها ثلاث مواقف.

الأول خاص بالمشرق العربي. وغلب عليه الاتجاه الوطني بفرعيه.. الاجتماعي/القومي الذي تغلفه رؤية سياسية لواقع الأمة. وهذا مصطلح قديم وأفضل حاليا أن أسميه، نقلا عن هيغل، الوعي أو الضمير المسؤول. فالأمة كلمة غامضة، ولها عدة رؤوس تتناحر فيما بينها. ولا سيما أن العلاقة بين المعايير هي علاقة إلغاء وتدمير. فالوجدان الإسلامي مثلا يلغي المبدأ القومي. ولا شك أن العصبية الدينية عابرة للأجناس والقوميات، بينما النظرية القومية بحد ذاتها عابرة للأديان. والفرع الثاني هو الحداثة الفنية التي ولدت معصوبة ومنطوية على نفسها داخل كونتونات. وأشهر أمثلتها حداثة يوسف الخال وسعيد عقل في لبنان. ولا يوجد حداثة تشبهها غير ثورة أتاتورك الذي استبدل الحروف العربية بلاتينية ليعزل العقل عن الوجدان، ولينقل العملية السياسية في تركيا من تثوير الماضي إلى دفنه. وفي بيان يوسف الخال عن الحداثة، والمنشور في كتابه المبكر “الحداثة في الشعر” 1978 دعوة واضحة لبناء جدار يعزل التجربة الوجدانية للبنان الكبير عن تجربة المحيط الطبيعي لسياسة المأساة التي بدأت مع انهيار المشروع العربي وسيطرة المشروع الرومنسي لعصر الأنوار بصيغته الأوروبية. وغني عن القول إن اختناقات الحداثة عند العرب تعبير عن أزمة بنيوية موجودة في أساس المشروع المفروض علينا من خارج واقعنا التجريبي.

الموقف الثاني خاص بعرب شمال إفريقيا. ويحمل علامات تدل على وعي خاص بقراءة التراث والذاكرة. ومن المؤلم أن نجد تباينا عميقا بين الكلمتين. فالتراث يتساوى بمفهومه مع كل ما هو قديم، بمعنى التعالي والانفصال عن الواقع وشروطه، بينما الذاكرة أقرب لمعنى التجربة الذاتية أو تجربة الضمير الفردي. ولذلك انفصلت حداثة العقل المغاربي إلى مشروع تأصيلي (مركزية العقل الأندلسي التي دافع عنها الجابري) ومشروع للبورجوازية الوطنية الناشئة (مركزية عقل التنوير التي تطورت على وجه الخصوص في الجزائر). ويوجد اختلاف واضح في الأدوات. فالمشروع الأول مدني وتدعمه مؤسسات اجتماعية ومعرفية. بينما الثاني عسكري وتدعمه شعارات التحرير والبناء أو إعادة ترتيب علاقات المجتمع مع تاريخه.

وقد تأخر الموقف الثالث حتى منتصف الستينات. ويعبر عنه في الوقت الحالي النموذج الآسيوي لدول الخليج. أو بلغة أوضح إقتصاد انتاج النفط وما يفرضه من ضرورات لملء الفجوة الحضارية وإنجاز سياسة حرق المراحل التي عجز عنها الاشتراكيون لدرجة تدعو إلى الخجل. ولذلك لا أعتقد أن الحداثة – أو الحداثات العربية هي مجرد قطيعة مع الذات القديمة والأصول. وأساسا لا يوجد ذات قديمة لأن المفهوم بحد ذاته مرتبط بالمستجدات، وإلا كنا نتكلم عن ذات إلهية وليس بشرية. ودرجة الغموض أيضا مفهوم غير مطلق، وهو معيار، نسبي يعكس ثقافة فئات المجتمع في مرحلة من مراحلها، ولا علاقة له بعزلة المثقف أو تعالي النخبة. والحقيقة أن الاختباء وراء جدار اللغة هو الذي يبني جدارا وجوديا بين الإنسان العربي وحياته.  ولا أظن أن المعرفة يمكن أن تتطور دون تطوير أدوات التعبير عنها. وإن بالغت بعض الاتجاهات الحداثية بتفكيك العقل العربي وتدميره فقد حددت الاتجاهات الكلاسيكية مكان إقامة الوجدان العربي وحجرت عليه داخل مساحة ميتة ومعزولة من تاريخه.  ومثلما هي الحداثة متهمة أحيانا بتمكين القطيعة مع الذاكرة الوجدانية إن الكلاسيكية مدانة بتجميد العقل العربي وبالاستعلاء على منطق المستجدات. وإذا لاحقت تهمة الانعزالية رموز الحداثة، بالأخص في لبنان، بسبب الاختلاف في الأولويات وليس الهدف النهائي، يتحمل أتباع الكلاسيكية تهمة الأرستقراطية والقتل العمد للوعي المعاصر. 

ما الغاية من خنق مفردات مفهومة واستعمالات ميسرة في اللغة للتعبير عن ميول الوجدان المعاصر، وفرض مفردات غريبة لا نستطيع توطينها، وأول مثال يخطر بالذهن استبدال عبارة مؤسسة الأبقار، في بداية الثمانينات، بكلمة ثقيلة هي “المبقرة”، أو الإيعاز باستبدال اسم كافكا بكفكا منعا لالتقاء الساكنين؟. وكم كاتب من النخبة يستعمل كلمة “الجبوب” بمعنى الأرض أو “القيهل” بمعنى الوجه؟ – وقس على ذلك. لقد حول هذا السلوك الألسني مجامع اللغة العربية إلى متاحف لحفظ أرشيف لم يعد قيد التداول. وصنع داخل اللغة جيبا مقفلا لا يختلف عن أي جمعية سرية لها طقوس خاصة بها. 

والاضطراب في المصطلحات لدرجة الاغتراب عن الذات بلغة الدكتور رومية ص19 – أو التعمية جزء يسير من نتائج التشدد بالتعريب واختراع الاشتقاقات والمرادفات. وإذا كانت هذه الظاهرة محدودة في النقد الأدبي فهي أشبه بمتاهة في الفلسفة والعلوم التطبيقية. ومن ذلك الأسماء المتعددة للمرحلة التي سبقت الخلق مثل الفوضى والعماء والعدم والكاوس، إلخ. أو إطلاق اسم السدر على أشجار الأرز cedar وأشجار النبق rhamnus رغم الفرق المرعب بين كليهما. ومع أن جهود التعريب تأتي لتلبية المستجدات، هذا لا يعني أنها تحمل موقفا مطلقا يضعها دون أي جدل مع الحداثة. ويمكن للأفكار الجديدة أن تكون ذات موقف سياسي معارض لدورة الواقع. ولدينا قرائن كثيرة على تفشي مدارس ما وراء الحداثة بين أنصار الاتجاهات السلفية، ربما لأنها أعادت للميتافيزيقا والفكر المتعالي مكانته. فهي تنشط ذاكرتنا بمراحل مبكرة من التاريخ، حينما كان الفراغ والعدم هو المذهب العقلي الوحيد لتأويل منطق المادة والوجود بلغة جيمس يونغ. بتعبير آخر يمكن لأي شيء جديد أن يخدم التفكير السلفي المعادي لدورة الحياة والمستقبل، بينما لا يسع الحداثة إلا أن تبشر بعمل يخدم نفي الأضداد. وللتوضيح لا يوجد حداثة مع التفسير الأصولي للعقل. لكن النتاجات الجديدة قد تتفانى في احتكار التاريخ والحد من تطوره. وأهم مثال على ذلك القراءة السكونية للعقل الديني بكل ما يتضمنه من تصورات وأساطير وأشعار. فقد عملت على أساس تراكم المدونة وتكرارها، حتى أنها في النهاية قسمت البشرية إلى نمطين: أسطوري مسلح بقدرات خارقة كالأنبياء والأولياء. ويمكن أن تلاحظ في هذا البند كما هائلا من الإضافات الشعرية العجيبة التي حولت ماضينا إلى شيء فوق التاريخ مقابل نمط وضيع عليه أن يتحلى بالطاعة والتراكم والاستسلام، وهو الذي توجب عليه أن يحمل أعباء الجانب النثري والمنظور من حياتنا الروحية. وربما فرض عليه أيضا دفن روحه تحت أنقاض معاناته ووعيه. ولذلك تحول الشعر إلى صفة من صفات التفكير السلفي وأصبح النثر جزءا لا يتجزأ من واقع الخطيئة والندم. وهو ما أسبغنا عليه اسم الحاضر وأحيانا اسم الدولة الحديثة. ولكن يمكن أن نرى فيه مع وهب رومية طباقا بين عقلية بدائية وتفكير علمي ص33. أو بتعبير آخر تقابلا بين دين وتدين ص34. في حين أن مارسيا إلياد يراه تعبيرا عن ظهور متكرر للشيء نفسه وتجلي الشيء الغائب بشيء مختلف تماما. ص34. وعليه لا يمكننا الزعم بوجود تخوم واضحة بين الذات القديمة والموضوع الجديد. ولا سيما أن فن الشعر عند العرب يقاوم التعميم ويتمسك بكل قوته بخصوص التجربة المحلية للنموذج. ولن تجد في شعرنا الجاهلي – وهو ديوان الحياة الذهنية عند العرب أي اهتمام بالآخر. وزاد التطرف بالنزعة الذاتية بعد نشر الرسالة وتحول الشعر إلى مدونة خاصة بالأخلاق الجديدة وما تفرضه على جوهر الذات من تعويم وتأليه. فقد أصبحت الذات متماهية مع الروح، وتجاوز كلاهما أولوية المخيلة السابقة. واستمر هذا النزوع حتى بعد تجديد هوية الشعر العربي في القرن الثامن وانضواء الآخر تحت مظلة الأدوات العربية. ولا أقصد بكلمة أدوات علبة اللغة بكل ما تحتويه من محسنات وإنما التجربة الروحية التي وضعت العقل بمستوى واحد مع الأساطير. وكان لدى العرب ولع خاص بالتفسير الخرافي وغير المعقول للظواهر الطبيعية. وكانوا بهذه الطريقة يسيطرون على مصادر الرعب والقلق التي فرضها عليهم اقتصاد الندرة والطبيعة المتشابهة والتي تكرر نفسها. وأصلا كانت نواة حياتهم قائمة على التكرار. وهو ما يؤكد عليه حقيقة تبني عمود شعر موحد لم يحد عنه أي شاعر، معروف أو مغمور. وبرأي الصينية وين جين أويان لم يقدر حتى لوحدات السرد المبكر عند العرب أن تفلت من هذه المشكلة. ورأت أن أهم أعمال نجيب محفوظ بدأت بالتغني بالأطلال ثم الانطلاق برحلة شاقة ومستحيلة يحدوها الشوق والحنين للمبدأ الغائب أو الحبيبة المتوارية عن الأنظار. ويمكن تعميم هذا التفسير أيضا على “زينب” لهيكل و”الحي اللاتيني” لسهيل إدريس. كلاهما كان ينشد صورة تعيش في الخيال فقط. و لا فرق سواء كانت صورة موضوعية -المعرفة و جدار الحداثة أو مبدأ تأنيث الحضارة أو أنها صورة ذاتية – الذاكرة و الأرض و العائلة أو مبدأ تدوير الواقع. وقد أسهمت هذه الاتجاهات في رفع الوعي الفردي إلى مصاف وعي أسطوري. و كان الحوار بين الطرفين دراماتيكيا وتبريريا، يفرض قناعاته بتوسيع دور الأثر وليس المشاهدة. وقد أشار الدكتور رومية إلى هذه النقطة عدة إشارات بعيدة عندما أكد أن الشعر الجاهلي يخفي وراءه حنين الجماعة وأشواقها ومعاناتها ص41 وإن لم يحدد موضوع هذا الاحتراق العاطفي، فقد فسره بالطبيعة المأزومة للشعراء ص42. ولا أستطيع أن أستثني من هذه الحقيقة أي شاعر في جميع مراحل تاريخنا منذ نشوء فن الإنشاد الشعري وحتى دخول الحداثة. فقد كان المجتمع العربي يخرج من مأزق روحي ليسقط في مأساة تخنق وعيه ووجدانه. والأمجاد التي بناها العرب بعد القرن السادس حتى سقوط الأندلس كانت تقوم على المبدأ المعروف وهو الصراع الدموي والعنيف بين المجد – الحرية والقوة -السلطة. وبهذه الطريقة يمكننا أن نفهم لماذا كان الشعر العربي دائما طريقة من طرق البحث عن الإله المتعالي والمرهوب الجانب ص45. فمشاق الرحلة تحقق للذات الإلهية مبدأ التطهير بواسطة المعاناة والألم. والتراكيب المجازية التي يخيم عليها قلق الموضوع تعبر عن الإحساس بصعوبة الطلب ومشكلة التواصل معه. وبرأيي إن الشاعر الجاهلي كان منفتحا على هذه التساؤلات التي أضفت عليها حركة التجديد في القرن الثامن شيئا من المشروعية المتناهية. فالغائب الذي يترجم لاتناهي حضور الحقيقة المطلقة يتحول بفضل حركة الإصلاح الفنية – في القرن الثامن إلى موجود يصعب تحديد مواصفاته. وعلى وجه العموم يواصل الشعر الحديث ضياعه في هذه المتاهة. فهو أيضا يحاور ثورة بلا مبادئ واضحة أو معايير متفق عليها. ويشمل هذا التخبط كلا من المفاهيم والأساليب. ولذلك تجاورت في شعرنا الحديث الدراما مع مناجاة الذات. وتقاطع الوصف مع الانطباعات الذاتية. ووجدت الذات الشعرية نفسها في شبكة من الأهداف الجزئية والمؤقتة. وهكذا يمكن تفسير أسباب تجزئة وحدة السرد الشعري القديمة إلى وحدات أصغر، مبعثرة كما لدى السياب أو متجاورة كما هو الحال عند البياتي. وعلى هذا الأساس نستطيع قراءة تعدد المراكز في شعرية السياب (ومثله أدونيس) وتكررها وتشابهها في شعرية البياتي. ولا أرى أنني مضطر للتذكير بتحولات السياب وأدونيس، وتقلبات ضميرهم الشعري الخائف من ماضيه، وثبوت واستمرارية لغة البياتي، رغم حقيقة أنها قلبت ترتيب الأولويات، واستعارت شكل الأسطورة للتعبير عن حالة روحية من الماضي، ومنطق الأسطورة للتعبير عن أحوال مؤجلة. ولا توجد قصيدة جاهلية بريئة من الصيغة الأسطورية للنفوس الكبيرة، فردية كانت (حالة عنترة وبعض الصعاليك واللصوص) أو عشائرية (حالة عمرو بن كلثوم). وكل الشعر الجاهلي يتكاتف لتقديم صورة بطل مخلص أو مكافح يتحدى السلطة القهرية للطبيعة الساكنة وسلطان الموت الغاشم. ومثل هذا التقديس للبطولة قد أكسبته النخوة الجاهلية ملمحا أسطوريا خلابا يعيد للأذهان صور البطل الخارق الذي يضع ثقته بحسامه المسلول وقلبه الجريء. وخروج مجتمع الجزيرة العربية بعد القرن الخامس من الطور الأسطوري كما لاحظ الدكتور رومية يعبر عن زحف للمشاعر مع تحول في المفاهيم، فقد نصب كل شاعر من ذاته النرجسية إلها هاديا ومدافعا. وربما وجد في ذاته القدرة على تمثيل بقية الأرباب التي تحرس رواسب الفكر الغيبي المجسد بصور منظورة. وهذا أول تمهيد للمخاض الذي سوف ينتهي بصورة جديدة للإنسان الموحد – أو نائب وكيل الإله الذي احتكر سلطات كل الأرباب لنفسه ولجهة غامضة ومجهولة. وفي هذه التصورات شعرية سوف تنتقل عبر نشاط الحديث والرواية والخطابة (المونولوجات الشعرية) إلى الشعر. وربما يجوز لنا أن ننظر للمدونة التي حلت محل الشعر كما لو أنها نشاط شعري أو رؤيا شعرية. ومن هذه العباءة سيتمخض أول حركة تجديد تزعزع أركان الشعر العربي في التوزيع والتركيب والإيقاع. وبعبارة موجزة لم يقتل الدين الجديد الشعر بل فرض عليه عدة تحديات. وقد استجاب لها. وإن لم يكن الشعر العربي شعرا دينيا أو مستودعا للأفكار والأساطير القديمة فهو وسيط غير محايد وغير معطل. وبالتأكيد لعب دورا هاما في الانتقال من بيئة دينية خرافية إلى بيئة دينية علمانية، بمعنى أنه نقل صور وأفكار الأديان الرعوية القديمة إلى دين حضري وكومبرادوري. وبالفعل كما لاحظ الدكتور رومية لم يروج الشعر الجاهلي لأسطورة تقليدية أو أنه لم يكرر الأساطير المتداولة والمعروفة ص58، لكنه لا يخلو من اقتراحات وتصورات عن حياة أسطورية لم تكن لتخطر على ذهن المواطن الذي أنفق كل حياته في مجتمع اللادولة. وإن كان الخيال هو أهم أدوات التفكير الأيطوري في الجاهلية فالمبالغة هي أهم أدوات الأسطورة الإسلامية. والخيال يستوجب التهور والسلوك العدمي (لأنه نابع من موقف مستهتر تجاه الدايستوبيا) في حين أن المبالغة تفرض الإيمان بالمعنى. وببساطة يكون الإيمان أعمى مثل الحب ويحض على التضحية والجسارة. وهو مبدأ الشعرية النبوية (التي اقترنت عمليا بما يسمى تجاوزا الطب النبوي). وهذا يوضح أسباب المنع والتحريم وبعض التابوات مثل عدم تناول لحم الخنزير. وأجزم أن شعرية هذا المنع موجودة في طقوس العبادة وتشبه أسباب منع نحر الابقار عند الهندوس. مع فارق واحد أن الخنزير مكروه لأنه قتل أدونيس محبوب عشتار. بينما الأبقار محترمة لأنها ترمز للحياة. ومع الدكتور رومية كل الحق أن ينكر التعمد والوعي في التعبير الشعري عن هذه الشعائر ص59. لكن كم من المسلمين الذين يطبقون تعاليم الإسلام يعرفون سبب منع لحم الخنزير؟. فالعقائد تتطور في الوعي الباطن وتعبر عن نفسها تلقائيا وبلا تفكير أو قصد. والشعر مثل بقية الفنون ليس تقريرا مباشرا وجافا عن العلاقة المتشابكة بين البيئة والواقع والإنسان، بل هو أيضا تعبير عن حياة الإنسان الضمنية أو ما يحمله معه دون أي إرادة منه. وهذا وحده كفيل بتقسيم معنى القصيدة إلى اتجاهين: طقوس الدين الاجتماعي، والمساحة التي تستعمرها الروح. وهذه الكلمة في الحقيقة غامضة وسائلة ولا يجوز تعريفها لسبب واحد، أنها من دون حدود ملموسة، وتفرض علينا الحذر في التعامل معها. ولا يجوز أن يغشنا الشاعر ونعتبر أن كلامه هو الحقيقة المطلقة. فالقصد شيء ونشاط المخيلة شيء آخر. وفي هذه المساحة الرمادية توجد كثير من الحقائق الصامتة والمحجور عليها، ومنها مدائح المتنبي لكافور. فهي كلها نقد لاذع مؤجل ينتظر الشرارة المناسبة ليرفع صوته. وأي قراءة واعية لمصريات المتنبي تدل على قدر واضح من القلق. ويمكن ملاحظة جدار زجاجي يعزل روح المتنبي عن عرش كافور كقوله:

كـــرم في شجـــــاعة وذكاء              

       في بهـــاء وقدرة في وفــــــــاء

وقوله:

رضيت بما ترضى لي محبة   

    وقدت إليك النفس قود المـسلم

ولا أستطيع أن أفهم كيف قبل كافور مثل هذا الكلام البارد والإعلامي الذي يشبه نشرات الأخبار المعاصرة، وبالأخص إذا كان المتكلم فدائيا يعاني من أعراض انتحارية تسببت في خاتمة المطاف بمقتله. 

وهنا لا بد من التنويه بثلاث ملاحظات.

أولا لم يصلنا غير مقدار بسيط من الشعر العربي. والقسط الأوفر ضاع بسبب الإهمال أو المنع المتعمد. فالرقابة والحروب الثقافية موجودة في كل الأوقات.

ثانيا نحن نعرف الشعر الرسمي المكتوب بلهجة عرب الشمال. 

ثالثا هذا يعني بالضرورة غياب الشعر الشعبي. ويتبادر لذهني سؤال غريب. لماذا كان الشاعر الجاهلي يهيم على وجهه في الصحراء وبين كثبان الرمال ويعمى عن الحدود البحرية الطويلة التي تحاصر اليابسة من الغرب والجنوب. هل يعقل أن سكان السواحل كانوا محرومين من حب المغامرة وركوب البحار وليس بينهم أبواق إعلامية تتابع نشاطهم الروحي والمادي. وهذا يحيلنا أيضا إلى ظاهرة السندباد البحري وشهرته في “ألف ليلة”  وتواري شخصية جواب الآفاق، أو السندباد البري. مثل هذا التركيز على جانب واحد من الحياة الغنية للعرب يقودنا إلى تأكيد حقيقة التحيز والديماغوجية في نقل النشاط الذهني للمجتمع. ومهما كانت الغايات والأهداف فهي بالنتيجة تقتطع جزءا هاما من الحقيقة الروحية لعرب العصر الجاهلي، وتدمر البنية المتكاملة لثقافتهم الدينية وما يوازيها من نشاط أسطوري محلي أو منقول، وإذا كانت الحمولة النباتية flora والحيوانية fauna علامة سيميوطيقية كما يقول الدكتور رومية مع الجاحظ ص88 هذا يعني أن نصف الحقيقة محجوب عن أنظارنا، فالشعر الجاهلي يقتصر على اليابسة ولا يشير إلى الأسماك والحيتان والمراكب والبحارة والغواصين. وتوجب علينا أن ننتظر الكاتب المجهول مؤلف “ألف ليلة” لنسمع عن عجائب المحيطات. بالإضافة إلى المشرع الذي لم يترك شيئا في حياة العرب المادية إلا وأغلقه بأوامر إلهية صارمة تتدخل في طريقة طهي الطعام وتقديمه. وفرض عليه ذلك تغطية الحلال والحرام في الصيد سواء على اليابسة أو في الفضاء والماء. وبهذه الطريقة اغتنت المخيلة العربية بعجائب وسيمياء المخلوقات. وفي النهاية أدت لتطوير الحساسية الشعرية وتقديم بنك معلومات إضافي لها.

إن التفكير الأسطوري شيء والاستفادة من الحساسية الشعرية للأسطورة شيء آخر، والإشارات الأسطورية التي يمكن أن نلمحها من وراء جماليات وبلاغة الشعر الجاهلي تدل على توظيف متقدم لتفكير بدائي. ومنها ما يقول عنه الدكتور الرباعي “أثر الوشم على ظاهر اليد”. فهي علامة سيميوطيقية تفتح الصندوق الأسود للعقل المنتج. والوقوف على جزئيات هذه الآثار لا تقل قيمتها عن الأثر fossil الذي تكتشفه الحفريات. ودلالتها ذات قيمة اجتماعية ومعرفية (بكلمة واحدة تحدد الشوط الحضاري الذي وصلنا إليه). والنقوش متعددة، وهي تصاوير أو كتابة. ويمكن أن تجدها على أطراف من الجسم البشري أو على المباني والمنحوتات الفنية وغيرها. وكلما ابتعدنا عن تلبية الضرورات الملحة من مأوى وغذاء واقتربنا من تلبية الحاجات الروحية كالعبادة والحاجات الجمالية كالتماثيل والنقوش والقصور التي تلبي رغبة الأثرياء بالبذخ والاستجمام كلما زادت الجرعة المعرفية. 

ولذلك لا يوجد أي حاجز يمنعنا من تفسير العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بين الشعر والأساطير (سواء هي ناجمة عن إيمان بديانة معينة أو أنها تحمل رواسب فنية ومعرفية تنم عن ثقافة الشاعر وخلفيات مجتمعه). 

إن الأساطير قراءة إبدالية للتاريخ، أو أنها تفسير افتراضي وتكهني للماضي غير المنظور، ولكنها احتمالية أيضا. واستعمال أي رمز أسطوري يوجهه المعنى ولكنه لا يحتل المعنى ويفرض عليه خلفياته السابقة.  ولذلك انطوى الشعر الجاهلي على عدة اتجاهات أسطورية، إن كان بعضها يدل على نفحة إيمانية أو تفكير ديني بعضها الآخر يعكس موقفا اغترابيا من مفاجآت الواقع القهري وما يتخلله من مصادفات وعجائب وبقايا أنظمة متخلفة تسخر الشعوذة والسحر والكهانة المزيفة كقطع الأذن واقتلاع العين للحماية من الأرواح الشريرة والجن.  ومن  الأمثلة على ذلك قول شاعر مجهول رواه الجاحظ:

فقأت عين الفحيل عيافة   

وفيهن رعلاء المسامع والحامي (انظر: السحر في الشعر العربي القديم، ندى بكري مساعد الزبير، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. 2015).

ولا يمكن عزل الرموز الدينية عن الرموز الثقافية إن لم نعرف سيرة الشاعر وخلفياته والجهات التي يتصل بها، إن كانت محلية أو أنها تمتد إلى حواضر وممالك خارج بيئته. ويفيدنا بهذا الخصوص تطبيق النتائج التي وصلت إليها الدراسات البعد استعمارية. فهي تساعدنا على تفسير دور الذاكرة وبناء الشخصية الوطنية في استعمال التراكيب. ولا أستبعد أن الرغبة بالاستقلال وإقامة دولة قوية تتحدى ضغط القوة العسكرية المجاورة كانت واحدا من أهم الدوافع المؤثرة في الشعر الجاهلي. ولا أستطيع أن أنكر أن التناحر العشائري بين عرب الجاهلية يشبه التناحر ببن الهويات الوطنية في العصر الراهن، وهو عصر يتميز برغبة قوية في اكتشاف عقل وطني موحد. وقد أضافت هذه الرغبة غير الواقعية، نظرا لتعدد المصالح والمؤثرات، على شعار البنية الموحدة شيئا يشبه التفكير الأسطوري، حتى أن صناعة هوية عربية بدأت تبدو خرافة أو أسطورة تحتاج إلى إعادة النظر بأهدافها القريبة،  إن لم تكن وهما تساعد على تعويمه النزعات الشعبوية والرجعية. وأستعمل آخر كلمتين بسياق علمي، فالشعبوية هي كل تفكير ينظر للشارع على أنه وحدة متجانسة بغض النظر عن المرجعيات والواقع الفردي. ولذلك هي شيء مختلف تماما عن الشعب المنظم والمعبأ أو المتهيئ لأداء دوره في بناء مؤسسات ديمقراطية وعادلة. 

والرجعية هي طريقة متعالية في التعامل مع الحاضر وتنظر له من فوق الخط البياني لتطور التاريخ. وسواء كانت مسلحة بفلسفة متكاملة عن المستقبل أو أنها لا تعترف بدواعي الانتقال من طور حالي إلى طور لاحق تكون معاييرها سكونية ولا تقبل الجدل. ويدخل في هذا الإطار الأنماط السلفية والأشكال الدكتاتورية للحداثة. وإن أودت بنا الشعبوية إلى التفكير الفاشي والنازي المستعلي على بقية الأعراق والأمم، فقد أودت بنا الحداثة، و لا سيما بنسخها الوطنية الهجينة وقصيرة النظر، إلى شكل شوفيني في إدارة المجتمع والاقتصاد. ولاحقا إلى نظريات أدبية تبريرية تؤمن بالتعبئة ولا تعترف بدور الحرية في توجيه الالتزام. وبكل أسف أضفى هذا الاتجاه على شعرنا القديم معنى من خارج السياق. وأصبح العقل العربي الجاهلي إما حارسا لروح عرقية كلاسيكية أو مهرجا وتابعا يفتقر لأدنى درجة من درجات الوعي. وهو ما يسميه الدكتور رومية بنزعة تصخم الذات والتعمية على الآخر ص121 والتي أودت بنا إلى موقف ثقافي زائف انتهى باغتراب مزمن. ص122. 

وأنا مع الدكتور رومية أن التفسير الأسطوري لشعرنا القديم مضلل ويساعد على تراكم أوهام غير مقصودة. وكل الإشارات التي انطوى عليها الشعر الجاهلي لا تعدو أن تكون مشاهدات من البيئة القاسية التي دخلت في مرحلة تحول. وهي أشبه ما تكون بصدمة تحديث للمعطيات. فقد وجد الشاعر نفسه منسلخا عن البداوة ولكنه لا يزال دون الدخول في منطقة استقرار صناعي وتجاري. واضطر أن يعبر عن هذا الحال الغامض والرمادي برموز تحتمل عدة قراءات مثل الأساطير وأيضا مثل الواقع الذي لمسته عصا الساحر المجهول ص147. إنما لا يمكن أن تجزم أنه وظف الأسطورة عن سابق قصد ووعي كما فعل أودن في “درع أسخيلوس” أو سكوت ماينار في “جلجامش و قصائد أخرى” أو فيليب تيرمان في قصائد مجموعته “هذه آياتنا” التي بناها بشكل أثر على أثر (والتعبير للروسي فلاديمير شاروف). فقد اختار أن تكون قصائده مثل حاشية على أسفار التوراة. وهذه أيضا هي الحيلة الفنية التي تبناها البولوني جيسلاف ميوش في عمله المتأخر “الفضاء الثاني second space” وتناول فيه قضايا إيمانية عميقة ذات علاقة بمعنى الندم المسيحي، وفيها كرر اعترافات القديس أوغسطين بلغة رؤيوية يغلب عليها الإنشاد والتعزيم. وما أطول المساحة التي تفصل بين الطرفين، الشعر الجاهلي الذي استعان برموز قد يكون بعضها يحمل رواسب ثقافة مجتمعانية محتارة وقلقة، والشعر الأوروبي الحديث الذي انقلب على نتائج الحروب العالمية وعاود التفكير بقضايا الشر والخير ومشكلة الغفران مع استطرادات حول صراع الحياة والموت.  وقد دعا ذلك الدكتور رومية للتنويه بضرورة قراءة مفهوم القصيدة الجاهلية وليس ملاحظة أغراضها. ص147. فتتابع الأغراض يعتدي على وحدة منظور كل قصيدة ويحولها إلى لحظات منفصلة، ويحرمها من مضمونها التاريخي ومن الأسباب الموجبة. وبمعرفة هذه الأسباب يمكن الانتقال من الكلام الظاهر إلى المعنى المستتر والرمزي أو المعادل الموضوعي (كما يقول ص147).  وشعرية المجاز عند العرب ميكانيكية أحيانا. ومن المتعارف عليه في وقتنا الحاضر أن نقول عن المرأة الجميلة إنها كالقمر. ولكن هذا لا يعني أن للقمر موضعا أسطوريا أو دينيا محددا. إن التعبير الفني والجمالي المقصود وغير المقصود له أسباب وجدانية تتبدل بين عصر وآخر. وهذا وحده يكفي للتركيز على السياق التاريخي والبيئي لكل تركيب. فالليل مصدر للهم والابتلاء عند امرئ القيس، غير أنه أداة مساعدة للتهدئة والتثبيت عند الشنفرى والمتلمس  ص249. وكان بودي لو وسع الدكتور رومية بحثه ليشمل مشروع يوسف اليوسف، وبالأخص أنه أضاف للجانب الأسطوري قراءة نفسية معمقة، بوأته موضعا يقارب موضع فرويد من نقد الكلاسيكيات. وبوسعنا هنا التذكير بسلسلة مؤلفاته التي بدأت من “مقالات في الشعر الجاهلي” 1975 وانتهت ب “الغزل العذري – دراسة في الحب المقموع” 1978. وفي هذه السلسلة تأكيد على أن الشاعر الجاهلي لم يكن مهتما بموضوعه بل بانطباعاته عن هذا الموضوع وعن الجرح النفسي العميق الذي تركته في النفس لعبة المخاتلة والهرب والدوران حول الذات، تمهيدا لبناء “روح عربية” محتارة تجاه الآخر، ومختلفة مع ماضيها. فالواقعة الطبيعية كانت تعزز عند الشاعر الجاهلي مجموعة رغبات متعاكسة حولت مشاق حياته إلى فرص واحتمال كما نجد في رحلة امرئ القيس لطلب النجدة، ورحلة طرفة بن العبد من الواقع الواقعي إلى الجو الافتراضي. وهذا دليل على الصفة المستقبلية والذاتية للشعر العربي ص178. وعلى سعيه لريادة الطبيعة المتوحشة واستئناسها وتحضيرها. وإن كان المديح يغلف هءه الذات بقليل من التواضع والحياء فقد احتلت كل الساحة في قصائد التباهي والتفاخر، حتى أن الشاعر كان يعمى عن غيره ولا يكاد يرى في العالم سوى نفسه ص178.  بمعنى أنه يتحول لذات متضخمة ونرجسية. ويحدد الدكتور رومية صفات هذه الذات العارضة (بمعنى وعي الأنا بنفسه – تجسيد النواة الوجودية بالإدراك والمعايشة)، بما يلي: 1- النفي والهدم والتدمير. 2- غموض والتباس الحق والإيمان بالقوة ص215.  ولذلك يمكننا القول إن الذات لا تحقق نفسها إلا بواسطة البطش. ولهذا الخيار أداتان أيضا: الفرس الرشيقة والسريعة، واليد القوية التي تحمل الترس والسيف.  ومن هنا تفشت في الشعر الجاهلي حمحمة الخيل وصليل السيوف. وتقود هذه الاستنتاجات الدكتور رومية إلى تفسير الحس المأساوي عند العرب بحتمية الانكسار أمام الموت وسلطان الطبيعة القاهر. ص224. ولم يبق إلا أن يؤكد أنه مهما اتصف فرسان العرب بالجسارة إن صليب الأقدار لهم بالمرصاد، وسوف يصعدون على صليبهم، ويستسلمون للسلطة الخفية المتعالية. وهذا هو السبب الحقيقي في دموية الشاعر الجاهلي وفي الدخول لموضوعه من باب البكاء على المكان الدارس ص235. وبين الصعود على الصليب والبكاء على الأطلال يوجد درب مشاق، والقانون الوحيد الذي يتحكم به، كما ذكر الدكتور رومية، هو الحركة ص263. وكل رموز الشعر الجاهلي متحركة وأهمها الشمس والقمر والنوق، وحتى الماضي الميت يحرض موقف ندم ونوستالجيا يتخلله مونولوجات يتحرك فيها النشاط الحزين والعجائبي بلغة مكوكية، فالوقفة على الأطلال نافذة للمقارنة ببن الحاضر والماضي، ودعوة للبحث عن المجهول الذي يقول عنه رومية إنه المعرفة التي لا تتأتى دون معاناة أو تجارب وبلا خوض في سيول من الدم وبحر من الرمال. وهكذا يتردد الشاعر الجاهلي على قوس عريض من التأملات الديكارتية، ويجملها رومية في: الهوية والانتماء، دراما الحياة والموت أو مشكلة الخلود. وقد اتخذ البدو قبل الإسلام موقفا من اثنين، إما الصراع لتحقيق أسمى غاية للإنسان في حياته مهما كانت ص278 أو الاستسلام للنوازع والرغبات ص280. ويعكس ذلك تجاهلا تاما للحياة الثانية، فهي ظلام وسكون أو عدم. والغريب في هذا المضمار أن الشاعر الجاهلي لم يفهم لغز الموت، ولم يتصالح معه، ونظر إليه نظرة عدمية وعبثية لا تبتعد كثيرا عن الإلحاد الوجودي. وقد احتفظ بموقف يغلب عليه التحير والغموض من الدعوة الإسلامية ومن معنى الثواب وإسكان الروح. وكانت للشاعر الجاهلي نظرة دونية لموضوعة الإسكان. فهو مثل كل أنواع الأنتلجنسيا لا يفهم الواقع إلا بالتجربة أو التكهن. وكلاهما لم يقدم له أي تصور وظيفي عن أرض دائمة. أما الظواهر الفضائية فقد كان يتعاقب عليها النور والظلام، وتحتلها رموز التشاؤم -الغراب، ورموز الغدر والقتل – سباع الطيور (الكواسر). ص290. وهذا البند يفتح نافذة جانبية على علاقات صراع مستمر ومكابدة تخنق الحياة، أهم مشكلة ديكارتية تناولها الشعر العربي في بواكيره ص294. وتوجد عدة مناسبات ينشب فيها الصراع بين كائنات فضائية كالعقبان وكائنات أرضية كالثعالب وكأنه انعكاس لحقيقة مؤلمة وهي التوزيع الهرمي للمخلوقات. وهو قانون يحكم علاقة العشائر وأبناء العشيرة الواحدة أيضا. وهذا مبدأ من المبادئ الاجتماعية الذي تفرعت عنه عدة مبادئ حكمت حياة العرب ومهدت للرسالة التي ستعاني من عدة اختتاقات وصراعات لتعزل المبدأ الاستراتيجي عن أهداف مرحلية يسميها الدكتور رومية في خاتمة كتابه باسم: “الذات المقنعة” ص333.

 

*صدر الكتاب في سلسلة عالم المعرفة. عدد 207. الكويت. 341ص.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *