| فرح تركي : “بيان العنف والظلم في رواية دمية تتنفس” من تأليف الروائي مروان عباس .

دمية تتنفس في العنوان أشارة إلى جمود الجسد عن الإحساس وتلبده وتحوله إلى عدم كالدمية التي لا تمتلك رونق الحياة وديمومتها مع فارق بسيط الا وهو التنفس فهذا يقودنا إلى تساؤلات… وتشويق لنبحث عن ماهية الاحداث التي تختبئ وراء هذا العنوان
تقع الرواية في ٨٥ صفحة صدرت عن منشورات احمد المالكي عام ٢٠٢١
وفي مقدمتها أهداء مميز ولافت

إلى كل الذين لايقرؤون أعترف اني فشلت بالوصول إليكم سامحوني بحقكم
ابلغكم أسفي وقبلة صادقة..

وفيه تمكن الروائي من جذب القارئ في ما وراء العنوان..
والذي تميز بالغموض فالرواية تصدر في بدايتها بصوت المتكلم ‘ صفاء’ الذي نعرف فيما بعد تعمقنا في الرواية وإحداثها بانه حدث وانه مر بتعنيف أسري.. من جهة ومن تنمر في وسط بيئته المدرسية فتجرد من الأصدقاء.. ومن عطف معلميه بسبب طبع والده الذي يحاسبه على ابسط الهفوات الدراسية
.. وليتحول الحديث في الرواية بضمير الغائب بعد ان تتعمق الأحداث ويتجه ليعترف بذنب جريمة قتل لم يرتكبها وتظهر شخصية الرائد فلاح الذي لا يصدق قدومه للاعتراف على جريمته فكما وضح بأنه فعل لا يقدم عليه الا الأنبياء او المجانين..
فيصغ إليه ويتعاطف معه ولكنه لا يصرح بأن من الممكن الإفلات من العقاب..
ينتاب صفاء حالات من الإنهيار والخوف وهو في زنزانته وهذه نقطة الظهور لمعاناته وضعفه النفسي ليتبين فيما بعد انه ما قتل المدعو ‘زيد’ زميل دراسته الا وهماً وان من دهس في روايته كان شاباً في مقتبل الثلاثين وهو كان شاهداً لا أكثر ولا يظهر هذا الا في المشهد الأخير من الرواية
في خضم البحث والتقصي الذي يقوم به الرائد فلاح تتضح الكثير من الأمور من بينها ان والداه متوفيان من ست أشهر.. وان صفاء اودع في مصح نفسي وهو يتخيل قتله لمن تنمروا عليه في مدرسته او والده الذي كان يقسى عليه كثيراً..
ولكنه كما شهد طبيبه المعالج بأنه ابعد من ان يقتل نملة..
يقوم الرائد بعمل تجربة ليتبين حقيقة هذا الامر باستفزازه ليجد ان صفاء لا يؤذي الا نفسه
النهاية مؤلمة فصفاء يعود للمصح ولا يتغير حاله ما يتغير هو كشف لحقيقة وكمية الأذى النفسي الذي مر عليه،
لغة الرواية واضحة وسلسلة لم ترد فيها أي لفظات خارجة عن الذوق كما انها لاتحتوي على كلمات عامية فحسب سياقها لم تحتج لهذا، فيها ورد تسمية للرجل الذي يعنفه ب زوج امي وليتغير بعد ذلك ب أبي وهذه تثير الارباك في فهم ماهية صلة الرجل الذي كان سبباً في الآلامه وهو طفل
ذكرت في الرواية مشاهد للضرب وانواع العقاب كالحرمان من الاكل، الحبس في غرفة مقفلة، ركلات مؤلمة ناهيك عن العبارات الجارحة الصريحة في مدى كونه مؤهلا للنجاح
ورد بعض النصوص التي تشير إلى محتوى الرواية بغموضها اللافت في التمهيد وكذلك على غلاف الرواية
ففيها
كنت اركل بطن أمي كثيراً حتى تضجر، لافهمها اني لست متشوقاً مثلها للولادة، خصوصا في الفترة الأخيرة عندما كبرت وصرت اسمع ما يدور من حولي، كنت احذرها من إنجابي.. الخ

وردت عن لسان صفاء ذكره لجدته وصلته فيها، ومدى حنانها عليه لكنه عند انهياره في مركز الشرطة يلوم نفسه لانه سمع كلامها وجاء ليعترف.. ياخذوه الشرطة إلى مكانها فلا يجدوها فتبان انه مجرد خيالات
تحمل الرواية رسالة مهمة.. وهي بأن من يتواجد في المصح النفسي ليس مجنوناً بل هو ضحية للمجنون أكبر.. كما في قصة الرواية فوالد صفاء كان ينتظر منه المديح امامه الأصدقاء والمعارف.. لانه وفر له البيئة للينجح ويتفوق ولكن ذلك النجاح كان محاط بأطار من خوف.. وادواته الضرب والحبس والحرمان من كل ما يحب، حتى لأنه حرمه من التواصل مع صديقته الوحيدة التي كانت تلون عالمه بالألوان وكانت تتقبله دون عن رفض العالم به..
هي رسالة لإعادة الحسابات لكثيرين نهجوا اسلوب القسوة في التربية ظنا منهم ان هذا هو الأصح
من المؤلم ان تشعر بعدم الإمان والخوف في أكثر مكان من المفترض ان يكون أمنا وهو بيتك

من الغريب ان نجد دمى تتنفس
فرح تركي

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *