( يرفع الستار ….
يرى مشهد للسوق الشعبى ، المجاور للطابية ، على بعد خطوات ليست بقليلة ، الصباح قد حل ، والشمس تشرق بصعوبة ، وسط كتل السحاب
الناس يسيرون فى السوق ، يروحون ويغدون ، وعلى جانبى السوق ، المنازل التى لا يزيد إرتفاعها ، عن أربعة طوابق ، تزينها المشربيات المغلقة
الباعة جالسين على جانبى السوق ، يبيعون كل شىء ، يتصوره الإنسان ، رجال بسطاء فى زى القرن 18 ، ونساء يرتدين الملابس البلدية ، ويغطين وجوههم الا القليلات ما ندر ، يرى مابين خمسة ، إلى عشرة اشخاص ، يمرون ببطء ، وهم يتفحصون البضائع ، المفروشة على الأرض
وسط العشرات من المارة ، ترى الفتاة جاسمين ، تمر وسطهم مرتعشة ، وهى تحمل كلبها الأبيض فرنسيس ، المنكمش هو الآخر
تخفى هروبها بصعوبة ، تسير فى المجهول ، وقد ارتدت رداء إمرأه مملوكية ، أسود لامع طويل ، يبدو أن أحد ما أعطاه لها ، تعاطفا معها ، تغطى رأسها بشال أسود ، كنساء المماليك الميسورات ، تسير وقد أعياها الهروب ، متخفية عن الأنظار
تتلفت حولها من الخوف ، ولا يشعر بها أحد ، تظل سائرة حتى أخر السوق ، تسير حائرة بلا هدى ، ثم تختفى عن الأنظار
بعدما يقرب من نصف دقيقة ، يرى الجنود الفرنسيين ، يترجلون فى عجلة، أكثر من 15 جندى ، شاهرين الأسلحة ، ومعهم رجل مصرى ، يرتدى الملابس البلدية
يترجم للجنود أحاديث العامة ، يتحدث الفرنسية والعربية بطلاقة ، يعمل مع جيش الحملة الفرنسية ، منذ قدومها ، لا يألفه الناس ، ينظرون له بإستنكار ، فهو فى نظرهم عميل خائن
يشير أحد الجنود له ، بسؤال إحدى البائعات الفقيرات ، التى تبيع الخضراوات الطازجة ، فيتوقفون عندها ويخاطبها المترجم )
المترجم ( يشير لها ، على الجندى الفرنسى )
ــ يا إمراة .. أنا أعمل مع الحملة الفرنسية ، السيد الجندى هذا يسالك ، هل رأيت إمراة ملابسها غريبة ، تحمل كلبا أبيضا ، لك مكافاة مالية كبيرة ، إن أرشدت عنها
بائعة الخضراوات ( تشير فى بساطة ، إلى أول السوق )
ــ نعم .. نعم إنها عيوشة ، أم الولد سليمان أبو عين ، سمى بذلك لأنه أعور ، مرت على ومعها زوجها سعدالله ، بائع العيش الملفوف السورى ، وولدها المبروك على كتفها ، وكانت تجر حمارها الأبيض ، هى تسكن فى الزقاق المجاور ، هل فعلت شىء ، لا سمح الله للفرنسيس
( يترجم الرجل ، للجندى الفرنسى ما قالته ، فيصيح فى غضب ، أن مع المراة الهدف ، كلب لا حمار ، فيغادروها إلى بائع آخر عجوز ، يبيع الأوانى النحاسية ، يخاطبه المترجم )
المترجم ( يشرح له )
ــ يا عم .. هل مرت أمامك ، إمراة ملابسها غريبة ، تحمل كلبا أبيضا ، توجد مكافاة كبيرة ، لمن يرشد عنها
بائع الأوانى النحاسية ( يشير فى غضب )
ــ نعم نعم ، إنها البنت شلبية ، إبنة ابو سالم ، الطويلة اللسان ، بنت عمرها 12 عام ، كانت تحمل حملها الأبيض ، وتجر ورائها ماعز صغير بحبل ، إن ابوها حداد صانع أسلحة ، سكاكين وسواطير وقواديم ، وأمها ميتة منذ سنوات ، لقد سبتنى إبنة الملاعين وجرت ، إنها تسكن فى عطفة البصاصين هناك ، قل لى هل سرقت شىء ما ، من السيد الجندى ، هل سبت سارى عسكر بونابرته ، أم ماذا
( الرجل يترجم للجندى الفرنسى ، ما قال البائع العجوز ، فيصيح فى ثورة ، أن الهدف إمراة لا طفلة ، وتحمل كلب لا حمل ، فيغادروها إلى بائع آخر ، شاب صعيدى يبيع المشغولات ، المصنوعة من جريد النخيل ، يخاطبه المترجم فيشيح بوجهه ، لأنه لا يتعامل مع الفرنسيس ، ولا اعوانهم ، فيترجم الرجل للجندى ، فيصرخ من الغضب ، ويتجاهله الشاب البائع بكل جرأة ، ويظل الجنود يوقفون المارة ، والنساء بعنف ليتفحصوهم ، البعض يتعامل معهم ، والبعض الآخر ، يرفض أسلوبهم الفظ ، ويسب الرجل المترجم ، بأنه خائن لمصريته ، قد باع نفسه لجنود الحملة
الناس بدأت تضج منهم ، وتصرخ وتحتك بالجنود ، يلتف المارة تدريجيا حولهم ، ويبدئوا فى الغضب الجماهيرى ، وتعلو الأصوات وتمتد الأيادى ، والجنود يعاملوهم ، بعنف مدافعين عن أنفسهم
وتحدث مع مرور الوقت ، حالة من الهرج والمرج ، فيخرج الرجال من المنازل ، بالعصى والأسلحة البيضاء ، والأطفال يمطرونهم بالحجارة ، لقد انتشر خبر المرأة ، ذات الكلب الهاربة من الفرنسيس ، ويبدو أن أحدا ما ، يساندها سرا
تصيح فيهم الحشود ، وتظهر النساء من المشربيات ، بكل جراة صارخين ، مهددين بالإنتقام ، ويلقون عليهم الماء والقاذورات
والجنود قد رفعوا أسلحتهم ، لأعلى مهددين ، لازالوا يسالون عن المرأة ، صاحبة الكلب فى جنون ، فيصيح جميع العوام والنساء ، بصوت فيما يشبه الصراخ )
الجميع ( فى صوت واحد متداخلين )
ــ لا توجد إمراة عندنا ، تحمل كلبا أبيض ، وإن وجدت لن نسلمها لكم ، هيا إغربوا عن بلادنا ، يا جيش الشؤم
( يحيط العامة بالجنود ، ويحدث تشابك بالأيدى ، والجنود يصوبون الأسلحة عليهم ، ويستغيثون بزملائهم ، فى عبارات فرنسية
فترى المراة ( جاسمين ) ، تمر خلفهم مرتعشة ، من آخر السوق ، وهى تحمل كلبها الأبيض فرنسيس ، تحاول إخفائه فى ملابسها
تتجاوز المعركة بصعوبة ، إلى أول السوق ، ولا يشعر بها الجنود ، المنهمكين فى إبعاد الناس عنهم ، وإطلاق النيران فى الهواء ، والإستغاثة بزملائهم ، فى الشوارع المجاورة ، وقد وقع الصدام بينهم ، وبين الأهالى
وقد إرتدت الفتاة جاسمين ، رداء إمراة مملوكية ميسورة الحال ، يبدو أن أحد ما أعطاه لها ، تعاطفا معها ، تخفى وجهها ، بشال أسود لامع ، تسير فى المجهول ، متخفية عن الأنظار
إلى حين حدوث معجزة ، تعيدها إلى عالمها ، عالم القرن 21 ، ويبدو أنها قد ضاعت ، بالفعل فى الزمن ، لكن لا ننسى أن بُعد الزمن ، قد أرسلها من عالمها ، إلى زمن قديم منصرم ، صفعاته قاسية
وقد يعيدها فى أية لحظة ، إلى زمنها المستقبلى ، لتفلت من بين أيادى نابليون بونابرت ، وجنود حملته العسكرية )
ستار
تمت بحمد الله
أحمد إبراهيم الدسوقى
بكالوريوس إعلام
جامعة القاهرة
ahmeddsoky0101@gmail.com
ahmeddsoky107@gmail.com
القاهرة
مصر
2021