ازدهارات المفعول به
“الى موفق محمد”
سلمان داود محمد

إشارة :
———
امتهنت قصيدة النثر .. هذا الجنس الذي أراد مبتكروه جمع المجد من جانبيه كما يُقال : الشعر والنثر … فإذا بنا نقرأ نصوصا لا صلة لها باشتراطات الشعر ولا بقواعد النثر .. لكن بين وقت وآخر يطلع علينا ” سلمان داود محمد ” بنصوص باهرة تعيد إلى نفوسنا الثقة بأن هناك من أمسك بإحكام بمواصفات قصيدة النثر الأصيلة .. سمّم سلمان أجواء الشعر بـ ” عاهة إبليس ” .. إبليس لعين جعل الغيوم ” أرضية ” و ” المفعول به ” يزدهر بخرابه وعذاباته وانكساراته ليقيم كرامة جريحة يتكفل بها الشعر لوطن محطم كنا نقول عنه دائما حين نجتمع في مكتب سلمان : ” العراق مثل المسك .. إذا أردت الحصول على عطره ، عليك أن تطحنه .. أو ” العراق مثل : ثمرة البصل .. كلما قشرتها أكثر سالت دموعك أكثر ” .. تحية لأبي عماد .. سادن الباب الشرقي

 

ازدهارات المفعول به

“الى موفق محمد

كديدان القز
أتشدق بالحرير..،
أدلي بكبسولات عارية عن الصحة
وأتهم المرضى باصفرار الذهب..
لا أفرق بين بيوت آيلة للسقوط
وأخرى تفطر بالأيائل..

أزعم أن شعوراً بضآلة الشأن أصاب القتيل
حين استيقظت البلدان على عثرتي..،
كما أن البحر ليس أكثر من دمعة تتخفى وراء مكبرة
وأحجار النرد بقايا فيل يراقب من خلف زجاج المقهى بياضي الفقيد..

بقليل من الغزاة
أو بنطفة من صيام يلقّح الفصول
أصنع “نغلاً” يتقن الصيدلة
ويذود عن “الحصبة” بأحمر الشفاه
النعجة مقياسي في جرد “الأنا-ناس”
رؤوس توميء بالإيجاب
وعجيزات تشير الى العكس على أية حال..

كنت شريفاً بالسخرة
أنسج من فقراتي القطنية سروالاً لعصا
وأغربل الدموع لأجني الحدقات…
عود ثقاب يبحث عن معبودات من أصل خشبي -هذا أنا
وما تبقى أشباه دفوف تقدم الوجوه اعتذاراً لهطول الأكف

فجراً تنام المعاجم أصفاراً في شمالي
وفي المساء أستنبط لغة من خرس يستطيل
هكذا:- أخوض في عفن الأبواب وأطرق “ما”
فترد العرصات كعادتها “كو”
“ما كو” (4) .. أي لا “يوجد” ما يصلح للهضم
كي تحتاج الى دورات مياه
أو “ما كو” مياه في قائمة الماء، ولا جيوب في كفن الضوء

كذلك “ما كو” حليمات في السوق، ولا رسل من نسل الـ “بيبي لاك” (5)
وأيضاً “ما كو” غيابات في تاريخ الركلة، ولا كرة في “حي العكازات”
لذلك “ما كو” قطارات تصل غير حصان يبحث في ظهري عن سوط
وعليه “ما كو” حريق في الجلنار، ولا صباح في السعال الديكي..

نعم..
أنا مشبوه كالغيم
كلما ترنو المظلات إلي، أهدد الحقول بالجفاف
مولع كسواي بإزالة النقاط من الشذا
وكشراع يحبل بالريح، أتوحّم بالجاليات…
طبقاً لهذا
لم يكن الحديد مخلصاً لذوي الموتى
في حماية القبور من “ساحة السباع” (6)
ولم يستطع المواظبون على خلق الثمرات
الفوز بفاكهة الخس
فأخذت على عاتقي -كما ترى- دهوراً من السماد

*أما بقراط… الماهر في تهريب الاثني عشري..
*باعة الغدد الدمعية… للبكاء على وطن..
*الصابون… الذي يبريء ذمته من الشبهات بالتزلج على متسخين
*والناتئة قمصانهم بأسلحة تتعامى
يدجنون الحناجر في غرف هناك
لتبيض الرصاصة بعدئذ من ثقب في رقبة…

اللسان إذن زريبة الهدايا
وحذائي كصاحبه يرسل “تف” لشخير وراء السحاب
فهل من متسلقين على جبل التوبة أن يستعيدوا خطاي؟‍
ربما
لكن الأعالي… ويا للسرور
ولد متأخر كالضحى – ماسخ وشجي- يستهدف العابرين بالأخوات…

صار المكوث رماداً
يشاغل عضو الكلام بأرداف سكائر
ريثما يتم العثور على غبش بين نعوش الحلوى…
اسم إشارة لضرير، هذا المتساقط من ذكرى نهار
يسأل الأحلام مراراً وما تعلق من سخام في سماء البيوت
-ما الذي سيفعله “بابا نوئيل” لصبية نضجوا
بين فرز القمامة في غرف العشاء
والسطو على حدائق مفعمة بالسيكوتين؟!

ما من جواب غير الله
يفسر الثناء لغير الناطقين بالتضحيات
ويبدد وحشة السراج بممارسة الريح

فكم كنتَ أقل مما تقصده الهوامش آنذاك
يوم تولى الصيارفة كتابة الشجون…
كم أغواك فستق العبيد
حتى أصبحت لاجئاً في مسقط الرأس
كم كنت مصاباً بي
متشككاً بصلاحية الأرض كمأوى لطير
رغم أن المنازل قد أعربت عن مواقدها بالشجر
كم صنعتَ من جلد حمار وحشي مناطق العبور
عسى أن ينزع المشاة لجام العربة…

كنتَ ترى عرق الجباه يدل على شمس تبول.. فمن للغسيل؟
ومن لحبال تتآكل بين خائنين:
الثور المجنح والساقية
هذا بخمس خطى وريش معاق يبيع شطائر المسلات الى السائحين
وتلك تضاجع ناعوراً أمام صفير المضخات

فلماذا تطوف الشجيرات حول المكائن
حتى استحال البرتقال ضجيعاً لمعصرة..؟‍
ولماذا تشرب الأكاليل وعول البنات
وفي جعبة “الثرثار”(7) رزم من مطر…؟‍!

ما من أحد يفهم التراب
غير غريب يرطن بالـ “بسـ…كويت”
ودليل برتبة عينين من زجاج
وأنت منهمك مثلي
تقترف الإخلاص كجزمة
ترش المبيدات على النجوم
مفترضاً أن في السماء أذى…
دونما شموع تعلم المنكسرين حكمة الجرار
وتغني:-

كان الأبناء منفصلين كسعفة
وحدهم من يجرؤ على إهانة الصيف
وهم يخترقون بالألسن شبح الآيس كريم
فشكراً عنيفاً للضيق
للآكلين أسنانهم اللبنية باكراً واحتساء الدروس
لمن يغلق الغزال بوجه أمير ليس نباتياً
لمن يزرقُّ قبل سمائه لتنظيم السير
لمن يزداد بياضاً بسقوط الهمزة من لفظة الأسُود
لمن يعتاش على مؤخرة الساعة لإصلاح الوقت
لمن يلقي القبض على نفسه
في ساعة متأخرة من صديق
لمروضي فهود الإعلانات
لمقتنياتهم الكادحة دوما في “سوق الجمعة” (8)
لهم كلهم.. لذوي الخسارة هؤلاء
دمعة في صحن..

فلست مخوّلاً بما يكفي لمصافحة الضيوف ببوصلات
ولست بمن يحذف الدليل من قبضة أعمى -لاكتمال فأس
لن أبحث عن أصابعي في معطف مجاور
ولا أتقاضى عن كل ضريح بما تبقى لعجوز
بل أنا هكذا:
أبارز وحش “الأنترنيت” بتلفاز معطوب
وأبتسم

5/كانون الأول/ 1997

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عدنان عبد النبي البلداوي : “ذكراك نور” مهداة الى روح الشريف الرضي في ذكراه الخالدة .

ذِكراكَ  نورٌ، تسامَتْ فيه دُنـيانا                             يا رائـداً  قــد مَلَكْـتَ القـلبَ أزمانا فكنتَ أصْدَقَ مَــن يَهوَى بناظِـره                           حتى …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| عبدالقادر رالة : الزعفرانة.

    لمحتها في المحطة تنتظر القطار …    الفتاة الوحيدة  التي تقرأ كاتباَ ؛ كتاب في  …

تعليق واحد

  1. د.ناهضة ستار

    نص سلمان داوود يفرض رؤيته الخاصة في المفردة و النسج و الصورة لتضغك مائدته الباهرة ازاء مغايرة تفرض حضورها بتجوهر يتطور من غير انقلابات او شطط .. لانه يرتدي او ربما يرتديه الشعر ثقافة ” و ممارسة وتأكيد مسار .. سمعت هذه القصيدة في التسعينيات يعلق حتما في الذهن المقطع الاخير فيها يوم كنا نكاد لا نتهجى اي ابجدية لحضارة الحاسوب و المعلوماتية بل كان يلعنها من كان باسمنا ينطق.. في كل يوم حتى صار ما بيننا وبين اهل هذه الحضارة اللاملعونة مثل بعد عصر (الحجارة) عن عصرنا الرقمي الشبكي ……… فقرأت لطلبتي هذا المقطع في درس البلاغة وتحاورنا -بخلسة- عن المسافة الثقافية و الفجوة القاتلة بين الانترنيت والتلفاز المعطوب و ابتسامة سلمان داوود محمد … ابداع دائم ايها الشاعر الكبير /ناهضة ستار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *