يقول سعيد بنغراد في كتابه “الصورة الاشهارية ” : إن (الإشهار موقف من العالم، من أشيائه وموضوعاته ومن كل ما تعج به الحياة من سلع وخدمات وأفكار وحالات وجودية)،
إذن ، والحال هذه أفلا يشكل العنوان دالاً إشهارياً كونه مفتاح النص وداعي من دعاة التواصل معه ؟!
خصوصاً وأنه ولوحة غلاف الكتاب أول إيقونتين يمكنهما التأثيرعلى المتلقي بصرياً كونهما مكمن القيمة التحريضية للتلقي الأولي فيه ،وهما القادران على تبيان دلالة النص وإظهار مقصدية المؤلف وبإختصار أحياناً، إذ فيهما تمتزج الدلالتان البصرية واللغوية معاً، يتبعهما ايقونات أصغر في ذلك، كإسم المؤلف ودار النشر ومكانه وسنة الطبع وعدد مرات الطبع ولون الكتاب وهي العناصر الرئيسة للسمات المظهرية لكتاب ما ؟!،
من هنا يتبدا لنا عنوان ( يا حادي العيس ) للروائي العراقي (سعد سعيد) ايقونة اشهارية مصرحة بها لجذب المتلقي نحوها ،
هذه الايقونة(الندائية) المعتمدة على ( حرف النداء “يا” + المضاف”حادي” +المضاف إليه”العيس” )، نراها تتضامن وتتضافر مع صورة الغلاف لتضع متلقيها في نوع من التوتر المعرفي القائم على التحفيز نحو الولوج لمضامين الرواية،
فصورة الغلاف المتكونة من (تخطيط لخمسة اعضاء في فرقة الجالغي البغدادي ، وهم كل من عازف النقارة والسنطور والرق مضافاً لهم عازفي العود والجلو و وهم معصوبو العيون ، يقف خلفهم جندي امريكي مرتدياً نظارة سوداء كبيرة وقد حجبت جلّ ملامح وجهه يشهربندقيته الى ظهورهم ،يقف الى جانبه رجل ملثم يتجلبب بالسواد ، ويحمل مدية كبيرة مصوباً إياها نحوظهورهم أيضأ، بينما توسطتْ الحائط سبورة سوداء كبيرة دُونتْ فوقها وباللون الابيض أغنية عراقية قديمة تقول كلماتها ( يلي نسيتونا يمتى تذكرونا يمتى نجي ع البال وتساعدون الحال يمتى ..يمتى تذكرونا …)
وقراءتنا لهذه الصورة تجعلنا نقف على نقاط عدة فيها :
الاولى – إندماج الازمنة وإنضغاطها ،
تتمحور لحظة اندماج الازمنة هذه في مكان واحد مرموز له بعدة دلالات تفضي كلها الى مكان مشخص علناً هو العراق، وهو هنا اندماج مستحضر على شكل اشارات متمثلة:
بـ 1- فرقة الجالغي البغدادي ومفردة “الجالغي” ( مفردة تركية الأصل ومعناها الجماعة أو التخت الموسيقي، ويتكون هذا التخت من عازفي سنطور ،رق ،طبلة وجوزة.. اي رجال اربعة كلُ يمسك بآلة معينة يعزف عليها ويرتدون في الأغلب زياً من الموروث العراقي او ملابس رسمية ويعتمرون السدارة) ، وهذا التخت عادة متصل بالاغاني العراقية القديمة المتوارثة ،حتى انه يعد من الفلكلور العراقي ،
غير ان الملاحظ للصورة سيجد فيها إضافة لآلات موسيقية حديثة لاتنتمي الى فرقة الجالغي كونها آلات تستعمل في الزمن الحاضر وليس لها علاقة بهذه الفرقة ، كونها آلات غير متواصلة مع الزمن الماضي وهي آلتا (الجلو والعود ) وفي ذلك ملحظ مهم يشير الى إندماج زماني الماضي والحاضر وإنضغاطهما في لحظة تمتد الى مستقبل مجهول ومرعب في آن ،
مجهول بدلالة إنعدام الرؤيا ( وجود عصابة العين والنظارات السود واللثام ) للأشخاص جميعاً ، ومرعب بوجود ( الامريكي وبندقيته والملثم وسلاحه الابيض ) ،
2- الاغنية وهي في الاصل أغنية عراقية قديمة غير إنها هنا وقد أُضيف لها مقطع يقول : (رحتوا وغلقتوا الباب .. بوجوهنه يا أحباب … ورحتوا وعفتونة …جيتوا علينه منين يوم النطرتونة… يمته تذكرونه) ،وقد كُتبتْ على سبورة سوداء كبيرة فبدتْ وكإننا نسمعها من أفواه المغنين وقد ملأت أرجاء الكون، فهي إذن ليست اكثر من نداء إستغاثة ينبعث من أصوات مسحوقة ليس أكثر!
3- وضعية الفرقة وقد تقدموا المشهد جالسين ، بينما وقف الأمريكي والملثم شاهري السلاح وضعية تدلل على الخوف والارتباك صوّرتهم كرهينة محتجزة لاكفرقة تدعو للفرح وتنشر البهجة بحلولها !
4- من المعلوم ان التخت البغدادي يتكون من أربعة أشخاص،غير إن صورة الغلاف جعلتهم خمسة اشخاص وقائد الفرقة الخامس ذو الزي المغاير الذي لاوجود له على ارض الواقع قد ُألبس برأسه كيس ، كما يفعل الأمريكان لأي مشتبه ساعة الاعتقال ، بمعنى ان قائد هذا الجمع مغتال اصلاً ومحكوم عليه بالموت في زمن الحاضر ،وربما في ذلك إشارة الى إن القائد مغيب الحضور تماماً إذ إن حضوره في ذلك الغلاف كان حضوراً مادياً،
حضوراً جسدياً لم يعد يمثل القيادة لفرقته لانه معطل عن فعل القيادة الحقة بفعل تسط العدو عليه ، وفي هذا دلالة على غياب فعل الاهتداء عنها وضياعها ومن ثم ترك الفرقة دونما هدي وقد ضيعت طريق أفراحها ،
وفي ذلك تواصل كبير مع العنوان ( يا حادي العيس) فالنداء هنا لشخص لم يعد موجوداً أصلاً والتواصل معه يقع في خانة المستحيل ،إذ إن مهنة حادي العيس كانت تقوم في الاصل على القيادة والهدي لجمع وأن كان هذا الجمع أبكماً
وقد أنقرضت وتلاشتْ فهو نداء مبتوراصلاً ، فالعنوان هنا( يا حادي العيس) أشبه بصراخ معدوم التحقق لانعدام زمنيته حاضراً او مستقبلاً كونه مهنة منسوبة الى الماضي ،
وهو نداء عاجز،كونه يرتد الى الماضي وصاحبه يبحث عن مخلص ماضوي ولايثق ببارقة امل في حاضره المعيش ولا في مستقبله الآتي ،
الثانية – الحنين،
ودلالات الحنين تكمن في شيئين (الجالغي البغدادي) و(حادي العيس) في(الصورة واللغة ) ،في فرح ماض يعود للزمن الجميل ولياليه المزدانة بالاغاني ورجع صدى ينكفأ دونما بارقة أمل في إنتظار مخلص لن يجيء ،
الثالثة – الشعور باللاشيئية والتصحر،
وهذا عائد الى استخدام اللون الاصفر القريب من لون الرمال وتلوين الغلاف الخارجي للكتاب به ، الامر الذي يرسخ فكرة ضياع الصوت وتلاشي النداء مع إمتداد الصحراء وتوالدها !
من هنا يتبين لنا أن ( العنوان وغلاف الكتاب ) يشكلان خطاً اشهارياً بدايته الاعلان عن النص وغايته التواصل مع النص أيضاً ،
———————————————-
*”ياحادي العيس”رواية سعد سعيد الصادرةعن دار فضاءات –عمان-2011
تصميم الغلاف:نضال جمهور
فليحة حسن : العنوان وأيقونة الاشهار(ياحادي العيس)* إنموذجاً
تعليقات الفيسبوك
لا شك أن التحليل والتفكيك لثريا النص وصورة الغلاف، يحمل جمالية الأكتشاف لما وراء النص المرئي، والبعد الفني والفكري الذي يحمله عنوان الرواية، وهذه الجمالية في تقييم واثراء البعد الذي يطرحه العنوان وصورة الغلاف، لم تربطهما المبدعة فليحه حسن، بالنص ولم نعرف هل هي قرأت النص أم لا، لانها لم تقترب من النص، ولم تعطينا اي دلالة على مطابقة العنوان والصورة مع متن الرواية، وهل أفلح الكاتب في توصيل ما وضع في العنوان وصورة الغلاف، أم أخفق؟ ولهذا فان هذا التقييم يبقى نص خارج أطار تقييم الرواية، او مستوى أبداعها.