كتاب خطير عن العلامة الراحل علي الوردي للباحثين حسين سرمك حسن وسلام الشماع

لا يمكن لمن يقرأ هذا الكتاب إلا أن يتهيّأ لاستقبال ضجة ثقافية حقيقية ستهز أركان المشهد الثقافي العراقي وتابواته ومحصناته  التصنيمية .
فقد صدر اليوم هذا الكتاب الجديد للباحثين: “سلام الشماع” و “حسين سرمك حسن” وعنوانه: “علي الوردي: الإزدواجية المسقطة، محاولة في تحليل شخصيته”، عن دار الينابيع في دمشق، ليتحرش بشخصية ثقافية واجتماعية صارت من تابوات الثقافة العراقية، شخصية كانت لها الريادة في دراسة وتحليل شخصية الفرد العراقي وسلوكه ووصمه  بالإزدواجية، وإذا بنا نطالع اليوم كتابا يقوم فيه المحلل النفسي حسين سرمك حسن بتحليل شخصية هذا الرائد الجهبذ في تحليل الشخصية العراقية وهو علي الوردي، ولا يكتفي بذلك بل يستنتج بالجهد التحليلي المضني أن الإزدواجية التي وصم بها علي الوردي شخصية الفرد العراقي هي “إزدواجية مُسقطة” ؛ بمعنى أنها مسقطة من داخل الوردي، وأن الوردي هو أنموذج الإزدواجية الأول !! . ولا نعتقد أن العقل الثقافي العراقي لدى المثقف والمتلقي على حد سواء قادر على ابتلاع مثل هذه الحجارة التحليلية الضخمة والقاسية . حمل الغلاف الأخير للكتاب تقديما موجزا عن مشروع الباحثين قالا فيه:
(لم نضع لهذا الكتاب مقدمة، ولم نوّجه الدعوة إلى أحد الأساتذة ليقدّم له لأننا لم نشأ أن نرسم للقارئ موجهات للقراءة، ولم نشأ أن نؤثر على قناعاته.
إننا نريد من القارئ أن يكون حكماً بين رواية كان قريباً من الدكتور «علي الوردي» ومطلّعاً على تفاصيل دقيقة من حياته اليومية وأفكاره ومعاركه الفكرية وعلاقاته برجال عصره، وبين طبيب نفسي حلّل المعلومات التي قدّمها الرواية عن «الوردي» عبر حوار موّسع طويل مع الراوية، ووثائق كثيرة مذكورة في الهوامش والملاحق، ثم عاد الرواية ليعطي رأيه في التحليل النفسي الذي وضعه الطبيب، ووضع بعض الهوامش لما جاء في الكتاب) .
وقد اشتمل الكتاب ( 269 صفحة ) على ثلاثة فصول، جاء الأول في صورة لقاء موسّع وذي طبيعة (استخبارية) إذا ساغ الوصف، إستجوب فيه سرمك الباحث الشماع الذي عاش سنوات طويلة في علاقة حميمة مع الوردي، عن أدق الامور في حياة الوردي وسلوكه وسيرته وبصورة تفصيلية . قدم الشماع معلومات فائقة المتعة، ووثائق لم تنشر من قبل، وأسرار تطرح لأول مرة عن الوردي ..
استثمر المحلل حسين سرمك هذا الخزين الهائل في الفصل االثاني ليقدم محاولة تحليلية جسور قد تكون الأولى من نوعها في الثقافة العربية من خلال التصدي لتحليل شخصية عالم اجتماع انبرى وعبر عقود لتحليل شخصية ابناء شعبه ودراسة تاريخ وطنه الحديث . لكن هذا التحليل لم يسلم به الأستاذ الشماع، فقام بالرد على سرمك في الفصل الثالث بصورة مدعمة بنظرات اجتماعية ومكانية موفقة .
لكن من الملاحظات المهمة التي سيمسك بها القاريء هو أن الباحثين اللذين أخذا على عاتقيهما التصدي لتحليل شخصية علامة عظيم مثل علي الوردي لم يكونا من اختصاصين متجانسين . ومن الأمثلة القريبة على ذلك، هو أن “دار فكر” دأبت على إصدار سلسلة معروفة ومميزة عنوانها (حوارات لقرن جديد) قدمت من خلالها العشرات من الحوارات / الكتب عن قضايا جوهرية وحاسمة في الثقافة العربية، ولكن من خلال طرفين متجانسين، بمعنى أن العدد الذي حمل عنوان (التحليل النفسي .. ماضيه ومستقبله) كان في صورة حوار رائع بين طبيبين نفسيين معروفين هما: الدكتور حسين عبد القادر (من مصر)، والدكتور محمد أحمد النابلسي (من لبنان) .. وكان الإختلاف بينهما “متجانسا” إذا جاز التعبير، لأنهما يمارسان البحث في حقل واحد ولكن بأدوات ومقتربات مختلفة، وهذا الأمر يوصل إلى نتائج متفردة تمتع القارىء وتثري معلوماته وتجعل الخلاف علميا متسقا في خطوطه البحثية وتحت خيمة منسجمة من الإفتراضات النظرية . لكن أن يتقابل على تحليل شخصية الوردي محلل نفسي وصحفي فهو أمر لا يخدم التحليل علميا . وإذا قارنا الفصلين الثاني والثالث فسنجد فارقا رئيسيا وكبيرا، فالفصل الثاني هو تقرير تحليلي علمي هادىء – برغم إفراطه الواضح أحيانا – تسوقه روح المحلل النفسي الذي لا يعرف الإنحيازات العاطفية والتحاملات أو الـتأييدات الصارخة التي تشبه الولاءات العائلية . أما الفصل الثالث الذي حمل رد الأستاذ الشماع على سرمك فقد جاء في أغلبه – مستثنين الإشارة البارعة إلى أهمية تأثيرات المكان: الكاظمية – وكأنه بيان احتجاجي ينتصر للوردي الأب الذي حاول المحلل سرمك قتله امام أبنائه !!
وبرغم كل شيء فإن من يقرأ هذا الكتاب بإمعان وتأمل دقيق وعميق، سيجد لزاما عليه أن يشد على يدي الباحث الشماع على هذه الذاكرة الحية والمتقدة التي حملت أدق التفصيلات عن أستاذه الوردي من جانب، وعلى الأسلوب البسيط والغني الذي افتقدناه مع رحيل الوردي حيث حلت علينا لعنة أسلوبيات الحداثة وما بعد الحداثة التي يهز لها الجميع الرؤوس مستحسنين وهم لم يفقهوا شيئا منها .. كما يشد على يدي الكاتب والناقد المثابر حسين سرمك حسن على هذه الجرأة غير المسبوقة في التصدي لهذا المشروع الخطير .. ومن المؤكد أننا سوف نستنتج أن هذا الكتاب سوف يدخل تأريخ الثقافة العربية – والعالمية لو تُرجم – من أوسع أبوابها لأنه من المحاولات الفريدة والغير مسبوقة على الأقل عربيا .
قام بتصميم غلاف الكتاب الرائع الفنان “صدام لجميلي ” ..
وقد أهدى الباحثان كتابهما الخطير هذا في تحليل شخصية الدكتور علي الوردي إلى الوردي نفسه:
(الإهداء:
إلى روح شهيد الفكر .. رائد حركة التنوير في العراق:
العلّامة الدكتور:
علي الوردي ………. )  

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. سناء الشعلان : الكوفحيّ يصدر كتابه “تحدّي الإعاقة الجسديّة في نماذج من قصص الأطفال” .

صَدَرَ حديثاً في العاصمة الأردنيّة كتاب “تحدّي الإعاقة الجسديّة في نماذج من قصص الأطفال” للأستاذ …

| مولود بن زادي : مباريات الجوع: السلسلة التي تجاوزت مبيعاتها 100 مليون نسخة! .

بقلم: مولود بن زادي أقلام مهاجرة حرة بريطانيا   كان للميثولوجيا الإغريقية عبر العصور بالغ …

تعليق واحد

  1. جابر خليفة جابر

    جديدك جديد دائما سلمت دكتور حسين وسلامي للاستاذ الشماع ، وانطلاقا من المقال التعريفي اتذكر انفعالا للدكتور الوردي نشرته الصحف العراقية عندما صرح الشيخ جلال الحنفي في احد صالونات بغداد الثقافية بان هارون العباسي او الخلفاء العباسيين عموما يجب ان يقترن ذكرهم ب(صلى الله عليه وسلم) التعبير المختص بالرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم، فانفعل الوردي وثار وعندما قيل له في لقاء صحفي بعد ذلك الا يتناقض انفعالك هذا مع انتقادك للشخصية العراقية المنفعلة .وكان رده : لا يوجد تناقض لان ذاك كان تحليلا يشملني ايضا باعتباري عراقيا، وهو نفس ما توصل اليه المقال هنا بان علي الوردي شخصية ازدواجية// ملاحظة : ما ذكرته من تفاصيل كان اعتمادا على الذاكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *