| ياسر جاسم قاسم : هل اقتربت “سونيتات” الشاعر قاسم محمد الاسماعيل من فن السونيت ؟ ام انها بقيت على ضفافه؟ .

ليس غريبا ان يفاجئنا الشاعر قاسم محمد علي بنوع وشكل شعري جديد يحمل من المضامين الفلسفية والجمالية التي عبر عنها بشكل انساني فريد، والسونيتة كيف استلهمها قاسم محمد علي وعلى ماذا استند في تعريفاتها ، فحسب كتابه فلقد استند في تعريفها على جبرا ابراهيم جبرا اذ ان السونيتة :قصيدة عرفت بها الاداب الايطالية والفرنسية والانجليزية وهي تتالف دوما من اربعة عشر بيتا وتنسق قوافيها اما على نمط ايطالي أ ب ب أ ا ب  ب أ في الثمانية الاولى ، وتكون للسداسية الاخيرة قافيتان او ثلاثة او على نمط شكسبيري وهو يعتمد رباعيات ثلاثا قوافيها  أ ب ا ب  ج د ج د ه و ه و وثنائية اخيرة ي ي وهي عند شكسبير والكثير من ناظمي السونيتات ـ تركيبة جدلية تبدأ عادة بفكرة تعبر عنها الابيات الاربعة الاولى ، ثم توسعها الاربعة التالية ، ثم تناقضها الاربعة الثالثة وتنتهي بحل حاسم في البيتبن الاخيرين ، كتب قاسم محمد هذه السونيتات في عام 1983 وهي جديدة على اشكالنا الشعرية التي عهدناها في الادب العربي ككل فالصعوبة تكمن هنا باعتماد شكل هذه القصائد ووضع المعاني فيها فهل استطاع الشاعر ان يبدع داخل هذا الشكل؟ ، هذا ما ستدرسه هذه الدراسة ، يقول محمد سهيل احمد (لقد جاءت سونيتات قاسم محمد علي مزيجا من امتثاله للسونيت الشكسبيرية من حيث ان كل سونيتة من سونيتاته وردت بأربعة عشر بيتا من الشعر المنثور المرسل غير الملتزم بقافية ) فيما اعتبرها القاص والمترجم نجاح الجبيلي انها (قصائد نثر لبست ثياب السونيتة، وهي تجربة جديدة وغنية اعتمد فيها الشاعر على بنية ايقاعية تتسم بالجدة في تشكيل معالم النص، فبفعلها لم نعد نتحدث في القصيدة عن الجزء بل عن كل متكامل ، كل جزء له اهمية كبرى داخل هذا الكل المتماسك العناصر ، وهذا ملمح من ملامح معمارية القصيدة الحديثة )[1]  

 

والسونيتة هي :توشيحة لان (بنية السونيتات هي في الواقع نوع من التوشيح الذي نراه في الموشح العربي في عشرات التجليات )[2] ويعتقد ابوديب “ان الموشح العربي في في الاندلس قد يكون النموذج الذي اقتبسه الشعراء الاوربيون ضمن عملية استعارتهم لشعر الحب العربي فيما يسمى courtly love حين بدأوا ينظمون شعرا بتركيب معقد وصل في صيغته النهائية الى الاستقرار في شكل اسموه سونيت” ص18 م س

وهنا نثير سؤالا: هل استطاع قاسم محمد علي ان يمارس لعبة فكرية ولغوية من اجل ان يضبط ايقاع السونيت ؟

وهل استطاع ان يعطي مركبا غنيا من التشكيل الشعري بتشكيل قديم لكتابة جديدة في زمن يكاد معظم من يكتبون الشعر بالعربية فيه ان يكتبوه بالنثر ؟ ، نحن اذن امام تركيب رباعي للفقرات الثلاث الاولى وتركيب ثنائي للخاتمة .

ان اليات التأثر والتأثير لاتنتج دائما صورة طبق الاصل عن بنية او شكل او نظام يكتسب المرء معرفة به من ثقافة اخرى او من عمل داخل ثقافته الخاصة .وهذا ما رايناه وسنراه في سونيتات قاسم محمد علي ،  ان اروع ما جسده شكسبير هو السونيتات التي كتبها واشتهرت قبل نشرها في القرن 17 عام 1609 يقول ابوديب(قد وصل شكسبير في هذه القصائد بفن السونيت الى اسمى ذراه في اللغة الانجليزية على الاقل ان لم يكن في اللغات الاخرى ) م س ص22

ويقول شاعر الرومانتيكية وورد زورث (ان شكسبير في السونيتات يسلمنا مفتاح قلبه) فهل سلمنا قاسم محمد هذا المفتاح؟؟؟ (وتتالف سلسلة السونيتات من 154 سونيت منفصلة ومستقلة رغم ان بعضها مترابط ترابط حلقات متتالية وهي اكتناه للزمن والموت والحب والجمال والحق والشبق والوفاء والخيانة والاسئلة المعضلة التي يواجهها الانسان في وجوده في العالم، وبوح ببعض الاجوبة التي يقدمها الشاعر المتأمل والمتالم لمثل هذه الاسئلة )ص22 م س

لاينطبق على سونيتات قاسم محمد علي ما ينطبق على السونيتات الموزونة المقفاة اذ كتبت بلغة النثر لان السونيت عند شكسبير :

أ ب أ ب

ت ث ت ث

ج ح ج ح

خ خ

اي : ان السونيت تتشكل من ثلاث فقرات رباعية وفقرة ثنائية ، الفقرة الرباعية تشكل نظاما تقفويا من نمط أ ب ا ب وكل فقرة تنبني على رويين مختلفين ، اما الفقرة الرابعة فهي القفلة وتتشكل من مزدوجة تخالف قافيتها جميع الفقرات الثلاث  خ خ .

والقوافي في السونيت كما يصفها ابوديب تكون متباينة ولاتتبع ترتيبا ابجديا من نمط أ ب أ ب ت ث ت ث وانما ممكن ان تتبع نمط :

ABAB  DLDL  MNMN SS

واذا استخدمت الارقام تكون (3131/8585/2727/44) وليس بينها تسلسل رقمي من (1-8) . السونيتات حسب هذا الشكل سوف لن نراها عند الشاعر قاسم محمد علي لانها جاءت نثرا كما اشرنا وليس شعرا موزونا الا انه التزم بالشكل السونيتي من حيث التقطيع كمقاطع 1 و2 و3 والرابع هو الخاتمة يأتي بسطرين ..

والتزم من حيث البنية الثلاثية او الفكرية اذ” تتميز بنية السونيت بتغير يشبه الفتلة ، في الفقرة الثالثة منها ، وكثيرا ما تاتي في البيت التاسع واحيانا تشكل انقلابا في المقولة ، التي تكون قد تشكلت حتى هذه اللحظة او نقصا لها او ردا عليها ، اي : انعطافا عنها بشكل او باخر وقد تحدث هذه الفتلة في الفقرة الختامية وهذا ما فعله قاسم محمد علي اذ كانت الفتلة لديه في الفقرة الختامية ، اذ تمثل موقع الثقل الدلالي والكثافة والتركيز الفكري اللغوي في السونيت .

ويشبهها احد الباحثين كما يقول ابوديب بالسدادة   CAP  التي تسد قارورة مفتوحة او قبعة تغطي راسا مكشوفا وهي تشبه الخرجة في الموشح كما يصفها ابن سناء الملك (1155-1211م) يقول : ( الخرجة عبارة عن القفل الاخير من الموشح ، والشرط فيها ان تكون حجاجية من قبل السقف ، قزمانية من قبل اللحن حارة محرقة ، حادة منضجة ، من الفاظ العامة ولغات الخاصة ، فان كانت معربة الالفاظ منسوجة على منوال ما تقدمها من الابيات والاقفال خرج الموشح من ان يكون موشحا اللهم الا ان كان موشح مدح وذكر الممدوح في الخرجة ، وقد تكون الخرجة معربة وان لم يكن فيها اسم الممدوح ولكن بشرط ان تكون الفاظها غزلة جدا هزازة سحارة خلابة ، بينها وبين الصبا قرابة ، وهذا معجز معوز، والمشروع بل المفرض في الخرجة ان يجعل الخروج اليها وثبا واستطرادا وقولا مستعارا على بعض الالسنة اما السنة الناطق او الصامت او على الاغراض المختلفة الاجناس أ واكثر ما تجعل على السنة الصبيان والنسوان والسكرى والسكران، ولابد في البيت الذي قبل الخرجة من :قال او قلت او غنى او غنيت او غنت. والخرجة هي أبزار الموشح وملحه وسكره ومسكه وعنبره وهي العاقبة وينبغي ان تكون حميدة والخاتمة بل السابقة وان كانت الاخيرة ، وقولي السابقة لانها التي ينبغي ان يسبق الخاطر اليها، فكيف ما جاءه اللفظ والوزن خفيفا على القلب انيقا عند السمع مطبوعا عند النفس حلوا عند الذوق تناوله وتنوله وعامله وعمله وبنى عليه الموشح لانه قد وجد الاساس وامسك الذنب ونصب عليه الرأس” م س ص28 وحسب هذا الكلام فالذي سبق السونيت الموشح ولكن كما قلت لا تتشابه سونيتات الاستاذ الشاعر قاسم محمد علي مع فن السونيت واصوله من ناحية الموسيقى والاوزان والقافية التي اوضحناها الا في الشكل  الخارجي من ناحية تقسيمها الى ثلاثة اقسام وفي الرابع يختم المعنى . ويرجع كمال ابوديب ابتكار فن السونيت الى القرن الرابع عشر في ايطاليا ، حيث الشاعر الايطالي بترارك petrarca ثم وصل الى شكسبير ويذكر شيئا مهما ” في القرن العشرين مع انتشار الشعر الحر ، كتبت سونيتات دون قواف ، او دون وزن منتظم او بنصف تقفية او نثرا وكتبت سونيتات تزيد عل ال14 بيتا بقليل او كثير” كمال ابو ديب ، ص29 وهذا ما فعله الشاعر هنا اذ كتبها نثرا وباربعة عشر بيتا دون الالتزام باصول فن السونيت التي اشرنا اليها من ناحية الوزن والقافية  وكتبها ب14 بيتا التزاما بالنمط البتراركي وكذلك بالنمط الشكسبيري الا ان الاختلاف ان النمط البتراركي يتكون من 14 بيتا تنقسم الى كتلتين او فقرتين فقرة من 8 ابيات والثانية من 6 ابيات ، اما النمط الشكسبيري الذي كتب وفقه قاسم محمد علي شكلا فالسونيت مكون من 14 بيتا كذلك ويتشكل من ثلاث فقرات رباعية وفقرة ثنائية تشكل الخاتمة  وهذا ما فعله الشاعر قاسم ، فهل ما كتبه سونيت ام انه يبقى مرتبطا بالسونيت  . من ناحية الشكل كما أشرنا  .وقد يذهب بعضهم الى ذلك  ، والسؤال هل حوت سونيتات الشاعر روح السونيت كما تجسد لدى جون ملتن وشيكسبير وبترارك؟

وبالرجوع الى شكسبير اذ يستخدم البحر الاياجي ، القفلة او الخرجة او ال cap الخماسي على صعيد الوزن في تشكيل البيت الشعري في السونيت ، ويكون كل بيت في السونيت الواحدة مؤلفا من عشرة مقاطع منتظمة في خمس تفعيلات اياجية ، كل تفعيلة تبدأ بمقطع غير منبور وتنتهي بمقطع منبور وشيكسبير كان كثيرا ما يخرج على المتطلبات النظرية للعروض ، هذا كما يشرحه ابوديب.

وقبل ان نلج سونيتات الشاعر علينا ان نتوقف عند جذر السونيتات اوروبيا بالتحديد عند من سبق بترارك والقريب من زمن ابن حمديس الصقلي (1056-1133م) وقد اشتهر ابن حمديس بالشعر الذي كتبه حنينا الى صقلية بعد خروجه منها ، وهذا الشاعر هو (جياكومو دالنتينو) ويكتب( لنتيني) وقد نظم 31 سونيتا، وهو مبتكر السونيت وقد نقلت الى ايطاليا من صقلية وتلقاها بعد ذلك بترارك يقول ابوديب” الاهم من ذلك كله ان لنتينو عاش في بلاط فريدريك الثاني وكان كاتب عدل له، وبلاط فردريك هو البلاط عينه الذي ولد فيه شعر الحب المسمى (كورتلي لف) الذي اشتهر به الشعراء المغنون الجوالون (التروبادور) والذي اقتبس من الشعر العربي بشهادة باحثين متعددين يقول ابوديب(( قد كان فردريك نفسه فيما يروي احد رواد شعر الحب ، ووليد بيئة تمازجت فيها الثقافات العربية واليونانية واللاتينية “وكان احد قادة الحملات الصليبية وعلى معرفة وثيقة بالمشرق العربي” ومن الدال ايضا ان لنتينو وجماعته كتبوا الشعر باللغة المحلية المحكية خارجين على اللغة البروفنسالية المستخدمة في حينها وان لغة صقلية تحمل تأثيرا عربيا واضحا ويحتمل ان استخدامهم للغة المحلية كان ايضا بتأثير ما عرفوه من استخدام للعامية العربية في الزجل الذي اشتهر به ابن قزمان وفي الخرجة في الموشح ولقد ظهرت بحق عدة انماط شعرية في المنطقة من صقلية الى ايطاليا الى فرنسا في لغاتها المختلفة  كما ظهرت في اللغة العبرية وتتشابه مع ازجال ابن قزمان في بنيتها ونظام تقفيتها واكثر ما في هذا اهمية هي ان جاكوبوني 1236-1306 نظم قصائد تشبه الزجل اسميت  laude في ايطاليا وقد يكون تودي من المدرسة الصقلية التي تزعمها لنتينو”(ابوديب ، م س ، ص 34-35. ) ولنتينو عاش في بيئة ازدحمت بالابداع العربي الشعري ن بالتالي يكون دالنتينو اول من اطلق الموشح قبل بترارك وشيكسبير وقد اشار احسان عباس الى اهمية صقلية وبيئتها الغنية المختلطة ثقافيا وقال : لهذه المكانة الادبية والعلمية يمكن ان تعتبر صقلية حلق من حلقات الوصل بين الشرق والغرب، ونجد فيها منفذا من المنافذ التي تسربت منها المؤثرات العربية الى اوروبا وساعدت على يقظتها في عصر النهضة .مقدمة تحقيقه لديوان ابن حمديس ص2، وقد اشار عباس في هذه المقدمة الى استمرار تاثير الثقافة العربية ووجود العديد من الشعراء العرب في صقلية بعد سقوطها في ايدي النورمان وهكذا يذهب ابوديب الى ان السونيت قد اخذ من الموشح وان لنتينو مع صحبه من شعراء صقلية هو الذي قام بذلك

كما ويعتبر ابوديب ان كلمة سونيت كانت قلبا لاصوات الكلمة العربية (نصت) من الانصات لان السماع والانصات حسب رايه كان اساس الغناء الذي كتبت الموشحات من اجله، ولايستقيم وزن معظمها عادة الا به فالانصات مرتبط بالموشح كما ويعد ان لغة صقلية تحمل في مفرداتها تاثيرا عربيا واضحا . ومن باب المعلومة يذكر كمال ابوديب مجموعة كلمات اصلها عربي فلقد( اصبحت دار الصناعة العربية كلمة (ارسنال) الانجليزية ، وانك لتحتاج الى منجم ليكشف ذلك، كما اصبحت الطرف الاغر كلمة (ترافلغر) اسم الساحة المشهورة في قلب لندن، وانت تحتاج هنا الى ملك المنجمين ليكشف لك ذلك، وكذلك صار الخوارزمي (اللوغاريثم) واصبح ابن رشد (افيروس) وابن سينا(افيسين) فلا عجب ان تصبح (نصت) (صنت) او صونت  ) ويبالغ اكثر ابوديب باعتاره ان اسم شيكسبير جاء من :شيك سبير ، في الاصل (الشيخ اسبر) ثم (الشيك اسبر) ثم الشيكسبر ثم ببساطة شيكسبير وهي الطريقة التي كان يكتب وينطق بها اسمه في زمنه). [3]ويضيف ابوديب  ان اخر ما يمكن الاستدلال به على احتمال ان يكون الموشح النموذج الذي انبثقت السونيت من النسج على منواله فهو اسم السونيت في دلالته اللغوية ، يقال ان الكلمة مشتقة من البروفنسالية sonnet او الايطالية sonetto وتعني الاغنية الصغيرة ، اي : ان السونيت منذ تصورها لدى لنتينو وسواه تصورت غناء ولقد كان الموشح غناءكما اشار ابوديب. وهكذا ظلت السونيت مرتبطة بالغناء حتى حين تعقدت واصبحت وحيدة غارقة في الفكر والتامل الفلسفي الا ان سونيات الشاعر قاسم لاترتبط اليوم بالغناء بتاتا كونها تفتقد الوزن والقافية .

كما( وتتمحور سونيتات شكسبير كلها حول ثالوث من العلاقات المعقدة والمتشابكة في المركز من كل شيء، الشاعر الذي ينطق النصوص ولنقل انه شيكسبير)وطرف الثالوث الثاني هو رجل يبدو انه في زهو الشباب والطرف الثالث امراة اشتهرت بصفة المرأة السوداء.

والشاعر في خضم هائل من النشوة والعذاب والابتهال والتمرد وبرحاء البعدونعيم القرب عن كلا الرجل والمرأة وفي هذا الخضم نجد المشاعر الحادة والفلسفة والزمن والموت وعبثية الوجود والحب .

نحن امام الشاعر قاسم محمد علي والرجل الذي باح بحبه والحبيبة فهو ثالوث فهو قد اعطى للحياة معنى ومنح القدرة على البقاء رغم حتتمية الموت ونهائيته ونر فيها مفهوم الذات والاخر ، الاصل والنسخة عميقا مثيرا فكريا لاشعريا فحسب. لقد وصف ابوديب شيكسبير من حيث المعنى ( مع المراة تتقاذفه الحياة والحب من شاطئ الصحو والمعة الى سواحل القهر والعذاب ) فهل استطاع الاستاذ قاسم في ان يفسر السونيت بهذه الطريقة؟ هل كانت سونيتاته عبارة عن (استيهامات بتسمية او العاب ذهنية بارعة وقد لاتكون اكثر من ممارسات بلاغية خالصة ، لاتجسد التجربة الشخصية الانسانية بصدق بقدر ما تجسد مهارة مواهمة النفس عند الانسان اليائس المجروح؟) الباحثون ينقسمون حول سونيتات شيكسبير فمنهم من اعتبرها تجسيدا لسيرة شخصية وتجربة احتدامية فعلية عاشها ومنهم من نظر اليها او بعضها بوصفها شعرا تخيليا بارعا يستخدم ويكتنه ويطور المنظومات البلاغية ….

اننا امام هوية الرجل وهوية المرأة التي احبها الشاعر قاسم محمد علي ولم يفصح عنها فلنستدرك اذن هذا المعمار ونجد تشكيلاته علنا نستطيع ان نصل الى غايات الشاعر ومراميه …

السونيتة 1 نجد فيها

خلاصة الاسم

الاستقرار

الهدوء

الصمت

العبير

الامتداد

الوفاء

الغد

الذاكرة    وكل هذه المعاني يبدو لي انها تتصل بالمطلق حتى اذا وصلت هذه المعاني للمطلق نراها مرتدة نحو التجريد من الوجود ومعانيه ، فالخلاصة تتركز في ان بقايا الصدفة الحريرية تلك يتجلى مجردا اسمها من الوجود ، بالتالي تختلف معاني المطلق الى معاني الانكفاء على الذات والانحسار ، تغير الاشياء هو ديمومة الوجود فهو شيء ثابت وهذا ينطبق على نظرية الاوتار ل برايان غرين ، الكون يتوقف كله على تشكيل الوتر الذي يعتبر اصغر من الكوارك في تشكيل العالم وهو المسؤول الاول عن تكون الكون بكافة اشكاله ومساراته ، الوتر متحرك وهو المسؤول عن التغيير في الكون الا انه ثابت باستمرار تغيره وهذا ما عبر عنه قاسم محمد علي شعرا

الاسم هو الاسم ، في تغير الاشياء الثابت .

السونيتة الثانية تجتمع فيها المتضادات

عمود نار وشعلة ثلج

ينطفئان معا في يدي

متحدين بعذابات شتى

عطر ورماد يتسابقان في كسب اللحظة الاولى

ويبقى الحلم في ان تكون اللحظات اكثر اقترابا اليها،  الى الحبيبة من الشاعر نفسه ، العشب والصمت يتحدان بدون تضاد فالعشب يكرس الصمت ويتماهى معه لكنه مع كل هذا القرب يبقى مختفيا في عينيها وكبرياؤه كجبل متفرد يبكي يضع هنا للفرد اهميته على الجماعة ويكرس الفردية في معاني الحب والخيال .

اذن الحزن يسرع في المجيء

لحظة التذكر تلامس المعنى

عندها يجتمع الضدان في اول مقطع من السونيتة

اما في السونيتة الثالثة

فالانشاد ديدنه فهو ( دأبي يوم عرفتك هو الانشاد)

مثلما الانشاد فيك يتطلب الصبر ياتي المقطع الثالث لينهار فيه الانشاد وتحل العزلة في الخطوات القادمة

في فراغ عزلة خطواتك اللامرئية

أي لحن يغني ابتداءها القادم

الفراق والوحدة هما الاقدر على الغناء كما عبرت السونيتة اما في ختامها فيتبين حجم الحب والانغماس والتفرد فيها:

الان امسيت مقتطعا مثل صوت غائب

مطعما الليل صباحات ومواويل فريدة

فالليل والصباحات والمواويل التي تغني العشق .

السونيتة الرابعة :

اظن ان الشاعر هنا احكم هندستها كما كل السونيتات لكن هنا بشكل خاص :

القصائد ………  رقيقة

القوافي …………..  خشنة ………. تتخللها العواطف

يحوي القصائد الرقيقة والقوافي الخشنة والانشاد الذي هو خطاب فاستطيع ان اقول ان الانشاد في سونيتات قاسم محمد علي صار خطابا والخطاب لساني بمضامينه المعلومة وغير المعلومة فصناعة السونيتة تتأتى عبر الافكار الكثيرة التي تزاحمت لدى الشاعر نتيجة العمر والجنون بالحبيبة .

وفي جواب على سؤال طرحناه فيما سبق هل استطاع الشاعر ان يمارس لعبة فكرية لغوية من اجل ضبط ايقاع السونيتة ؟ نعم وهذا ما نراه في اغلب سونيتاته ففي السونيتة 4

القصائد رفيقة لدى الشاعر /الركن الاول من الثالوث الذي اشرنا اليه (ثالوث شيكسبيري) (شاعر ،حبيب،حبيبة)

وبين سمائها المحكية العواطف/الحبيبة.

يتمايل حرفها/الحبيبة بأنشاد محكم الاطباق علي/الحبيب

فنرى كيف يتداخل الوصف الذي يمثل الحبيبة على الحبيب نفسه مع تماهي الشاعر /الحاكي خلف الحبيبة وهذا عمق شعري قل ما وجدناه في الشعر الحديث .

المقطع الثاني فيه ممارسة فكرية لغوية مع ايقاع واضح…

صناعة ابياتها /الحبيبة ، حصيلة افكار كثيفة

في برعم غسقي تغطيه كلمة صمت وتوبيخ نحلة /الحبيبة

مثل حب منفرد بوجوده الحالم تكون القصيدة /الشاعر

وبسكين ذات نصل اخرى احاول/الحبيب  توزيع لونها

مع ملاحظة ان هذا الشكل القديم /السونيتة قد كتبها الشاعر قاسم محمد علي بشكل جديد نثري وليس كما فعل شيكسبير وبترارك وغيرهم  ممن كتب هذا الفن . مع ذلك فهي تجربة رائدة اضافها الشاعر قاسم محمد علي لهذا الفن .

في المقطع الثالث تحضر الحبيبة بوضوح

انها بسكونها الليلي .. لاتجيء ابدا بمفردها

ثم يأتي تماهي الحس مع الحلم على لسان الحبيبة

عرس كواكب او فجر قواقع منعزل

مالكة صوتي وجلدي ومسائي السريع كله

حاملة اسرارها الورقية اليك

ثم يختم بما يشبه البوح بعد حس وحلم والم من الفراق

في جذرها يمكن الحرف الصعب من توارثه المستقيم

وغناؤها ارق شجن من بوح ثقيل

يختم كما راينا مع الحبيبة فيستمر الثالوث لديه من بداية القصيدة حتى نهايتها

وقد بدا السونيتة 4 بالشاعر الذي عبر عن الحبيب اما في الخامسة فقد بدا بالحبيبة

اطلقي في مسائي الراقد، نجمة عينيك

ودفء كلمة لم تزل بعد تسيل في

مستبدة بذاكرتي ومعشبة بها

كزهرة صخر ،قلبي يطوف في أسارك القائم

وهنا كيف استطاع الشاعر ان يجعلها مستبدة ومعشبة في ذات الوقت هذا هو الحب الذي قاده لتقبل استبدادها حتى حوله الى معشوشب   ثم يأتي متحدثا عن نفسه في المقطع الثاني فهي زهرة حاكية كما وصفها وهو باحث عن استقرار معها ويستمر هذا الوجد حتى المقطع الثالث اما الخاتمة اذ ياتي الحبيب من ظمأ كي يزهر مرة اخرى طليقا لكن هذه المرة مع اسر جديد.

فهو قد سلمنا مفتاح قلبه كما اشار ووردزورث متحدثا عن شيكسبير في سونيتاته

نعم ففي السادسة من السونيتات يقول قاسم محمد علي

ابحث عنك مثل فكرة /تماهي الحبيب مع الشاعر

مؤرقا ذاكرتي المكتظة بالاسرار

جاعلا اوصافك مكشوفة وخفية كخطوط كفي

تاريخا شاخصا في وجه الليل

فالحبيبة هي تاريخ الشاعر اذ استمر شاعرا بها ومستشعرا لألمه فهو في دروب عدة يبحث ويفكرويحفظ صورة وجه حبيبته :

دروب عديدة لافكار شتى ، تحملني اليك

وتأتي بك عندي

فهواي شقيق لنسمة ذكراك

وقد حفظت مجددا ، صورة وجهك المنور

الالم في فراقهما :

لان فراقك يشطرني الى ضدين

التقيا ، كي يتحابا فيك

منهزمين في ان وكيان واحد

والنهاية مأساوية في خاتمة السونيتة رقم 6 اذ نجده يقول :

سريعا يضطرم القلب بالاسى

حتى يحط عليه النوم

المقطع 1 في سونيتة رقم 6 يشابه المقطع 1  في سونيتة رقم 7

ابحث عنك مثل فكرة  …سونيت 6 مقطع 1

كثيرا بحثت عنك  سونيت 7 مقطع 1

وهذا التشابه يعطي نمطا تكراريا غير مرغوب في السونيت والشعر عموما…

ترافقني سلالة نجوم ثرية

وخيط رمل يمتد

مغشيا عطر راحتي وكفي

ثابت العزم في استقصاء هواك

ويكمل معها فيقول :

استنجد بك في الخطى

وئيدا ادور على غيمة اسمك

فرحا بيدي والثمرة

نشوان بافتقادك القريب (صورة ألم)

هكذا / منحني غيابك الشجرة والجذور

وقد اقسمت الا اقطع الهوى

فبغيابها كانت هنالك شجرة حب تخيلية هي : الهوى واقسم حينها الا يقطع الهوى ، وهكذا سبيل المحبين ، يبقون متمسكين بالامل عله يكون حاديا لهم ومنجدا .

في سونيتة رقم 8 نرى المباشرة في اول مقطع كأننا في تقرير حب بعيدا عن الخيال قريبا من الواقع

خذيني .. ابقي معي

انك اشد صفاء من دمعة

وشعرك ارق سوادا من حب ضرير

وبين انكفاء وعودة ، اتيت اليك

بعد اليأس يعطي الشاعر الاصرار والعزيمة بعدا فهو يغني الحياة فجعل من سأمه قوة وحياة ، فبالسأم يملك الانسان شخصه ولايضيع بالحب، ثم يقرب من هدفه بالمقطع الثاني ضمن رغبة ، شوق ، وجود ، لحظات، مراكب حنين …

معي، لن يكون لك لحاء غيري

وشجرتك أمنت لطيوري الصديقة

لكن ، غرسة رحيلك النقية

جاءت بلا مراكب وحنين .

هنا نجد صوت الشاعر مرتفعا ينشر نغمته الخطابية التي وجهها لحبيبته ضمن حركة ايقاعية كان ل أو حضور رائع فيها ضمن تقسيمات السونيتة : مع رمزية واضحة مرتبطة بأبداعه

لن يكون لك لحاء غيري

فاللحاء رمز للحبيب (لحاء / حبيب) وهو رمز غريب بعض الشيء.فاللحاء معروف علميا بحفاظه على الاشجار وهكذا الحبيب لحبيبته .

ويستمر في هذا المقطع وهذه المرة محاورا نفسه:

لن يملكك الاحتفاظ بجزء مني ، فيك

واتركيني اذا آذنت بالمغادرة

فالنجوم الطليقة في الليل اذا رحلت

لن تترك غير شمسي النهار الملتهبة

لكنه بهذا المقطع كأنما يجسد الالم فهي تريد المغادرة فيقول وبصيغة الامر : اتركيني وهذا الترك يوحي بألم كبير فهو لن يترك خلفه سوى شمس النهار الملتهبة .

كذلك نجد في المقطع تجاوب رمزي للدلالات اذ يصل بين مبدأ الانوثة وشمس النهار الملتهبة التي لا تخلو من دلالة المعرفة او دلالة المعنى الجديد لحبه المرتبط بلهيب الشمس

يختتم فيقول بصورة تمتزج فيها المدركات وتتجاوب الاحساسات فيغدو المسموع مرئيا والمرئي مسموعا والمحسوس معنويا والمعنوي حسيا ويتولد منها تشيهات متداخلة : مثلها هواك في

نجوم افلت وشمس ثابتة الاتقاد

ثم يحول وفي سونيتة رقم 17 (اللحن الى الحان او يتجاوب مع الحان في المجرى النغمي الذي يوازن بين حضورها وحضور اللحن الذي يستحيل الى قصيدة والقصيدة التي تستحيل الى لحن يستدعي ما يجانسه من الحان) كما يقول جابر عصفور

والهدف الفني هو ان ينغم صوت حبيبته في كل فضاء بما يكاد تنغيما للشعر في كل مجال، وما دام اللحن ابتعث غيره من الالحان، فمن المنطق الشعري ان يبتعث حضوره مبدعا كشاعر وهنا استحضر قول ايضا للدكتور عصفور ” ان ما يجمع بين الحب والشعر هو معنى النسمة الوفية التي تنتزع الحياة من الموت، وتفرض الحبور على الوجود بما تؤذن به ولادة جديدة” ، وتنبعث الصحة التي تقضي على المرض تماما مثل خطاب الحبيبة الذي جاء بالعافية في الصورة التالية :

هنالك صوت ما ، بارد

انه قادم الي ، رويدا

وانا وسط ضجيج العمر هذا

احبني ، والقى علي دمعة الأزل

مسّني بالكلمات والرماد وجذور الصمت

هدّ فيّ ما اترعته السنين

وجوها واغصانا او عويل

صوت وحيد يعزفني

هل كان ذاك الصوت لي

وكثير مثلي يعاني وقع ازهار الشفق

معشبة بالرؤى المكتظة بالخيال

أتراه صوتا وحيدا

اذن لم تستضيف حنجرتي وجهك دوما

وحيدا بين صوت وموت

فقط في الخاتمة ، يختم الشاعر بصوته معها ، وما بين كل الحب الذي تحدثت به الا انها لم تنس الالم الذي أحدثه غيابها (والقى علي دمعة الازل) كيف لا وهو قد جسد هذه الدمعة تماما في سونيتة رقم 9:

في ليل القلب

نبتت زهرة اسمك الخالدة

مسقية من الدمع مرة

ومن الدم مرة اخرى

بل تجاوز الالم والدمع فبلغ الدم وتحول الحب الى اوراق شجر ذاوية تحت قلب انهكه الدمع والالم والامل :

ثم تتابع السقوط ، ايام جديدة

بلا مسافة ولادنو قريب

ومن الماء، تغتسل العشبة الباقية

هانئة بأزهارها المسوّرة

جامعة اوراقا شتى ، ذاوية

تحت شجيرة قلبي

وهاهو الشاعر يضع نفسه في المقطع الاخير جامعا للحب اذا وقع من احدهما فسيكون منقذا له .

في سونيتة رقم عشرة نجد الحبيبة تحتل المقاطع الثلاثة الاولى  جميعها  فكانت هي الثالوث الشكسبيري تقريبا  ولم يكن هنالك صوت الشاعر بل صوت الحبيب في المقطع الرابع والشاعر كان صدى في كل المقاطع

لك من الاصباح ، اوله  /هذا بداية المقطع الاول الحبيبة

كم صباحا تشبهين؟ /المقطع الثاني الحبيبة

ترى لو كنت الاصباح عينه/المقطع الثالث الحبيبة

أمن اجل هذا، تراني أودع الليل، أبدا

راقدا على صحوة الابتداء

وهنا نرى حوارا وحوارات قاسم محمد علي متعددة فمرة مع نفسه او مع غيره او حواره مع الطبيعة (وكلمات وجد مثل مطر ليلة /سونيتة 11) (في خيالي ، مثلما انت   هنالك غابات …) (ثلج وعطر وذكريات، وانت وسط هذه الحديقة) سونيتة 15 او حواره مع المطلق في دائرة التأملات الميتافيزيقة كقوله في سونيتة رقم 11(نبع الفكر وقاد  من عالم غير هذا العالم وازهار غير تلك التي اعرف وحياة ليست كالاخرين) ففي هذا المقطع نجد حوارا مع مطلق لم نتعرف عليه ويبدو انها غاية الشاعر العميقة في ان يترك هذا العمق في ذات المتلقي باحثا .

وفي سونيتة 13 يمضي الحبيب ليعود بها الحبيبة وهكذا يحدث خلطا في نفس المقطوعة وهذا ليس بالغريب على الاستاذ قاسم الذي يجعل الحبيب والحبيبة يتماهيان بحبهما حد الشوق حيث يكون على اشد ما يكون وهكذا حتى يصل الى النهاية حيث يعود بها او لايعود. ويستمر بلوم النفس بفقد الحبيبة في سونيتة 14 :

أطلق صفيرا في الليل

في شوارع مسكونة بالضياء الاخير

وبصبح لا يخرج من صدفة مجنون

أطلق صفيرا لنفسي

لم يشاركني احد رغبة الابتداء

او انتهاء شيء، مثل ليل او دمعة

لم يك غيري شريدا

يطلق صفيرا لاجله

 

وهكذا عين الصفير في اتساع   حيث لا لقاء !!!!

في سونيتة 16 نجد الكلمات التالية ( الصخر ، الخشونة ، جرح الليل ، الحجر الحاحني، الاسي، الاحجار، الدرب العاتي، احجار) هذه كلها ذكرها الشاعر قاسم محمد علي كي يبين صعوبة طريق الحب وهذه السونيتة استطيع ان اسميها سونيتة الالم في العشق فطريق العاشق مع معشوقته طويل كجرح الليل وصهيل الفجر واخفاء الوجد وطريقا لايمكن ان يسلك الا بصبر

تذكرها طري يختبئ في عاثر الكلام حبها وغابة من الصمت تخيم على عيون الشاعر /الحبيب عند تذكرها … هذا ما حوته سونيتة رقم 18 المفعمة بحب الحبيبة والتوقف عند الحديث عنها . وفي السونيتة رقم 19 يبدو ان الشاعر قد فقد هذا الحب الى الابد فهو يركض خلف ذكراها بعد غياب طويل /يقول :

بعد غيابك الطويل هذا

امسى لأي شيء منك قيمة اكبر

مثل تذكر شتاء في قيظ

او ارتجاف شمعة في محيط مظلم

 

ولانني تعودت نسيانك

فكثيرا ما أذكرك على صور شتى

واقفا لوحدي على الطريق

مثل حجر او شتاء

الحجر/الشتاء … هكذا يعبر الشاعر عن فقد الحبيب لحبيبته حيث لا لقاء وقد عبر بوضوح اكثر على الرغم من ان هذه السونيتات لم تعرف التقريرية والمباشرة ابدا لكنه عبر وبشكل كبير عن فقدانه لها الى الابد في المقطع 1 سونيتة 20 :

ستكون لي مساءاتك كلها

وألوان عينيك الغسقيتين

سيكون لي شعرك وكفك

وخطوتك المغادرة الاخيرة

وتمضي ويبقى ذكراها /

ستكون هناك مواسم افتقدك فيها

وأيام تصير أجمل معك

ورغم انك قد مضيت

فان الحنين سيعود بي اليك

اما في سونيتة الصمت الكبير فهي سونيتة 21:

حيث يخيم الصمت على الحبيب وهو بديل الذكرى وبديل الحضور ، فالصمت ابلغ من الكلام لكنه يتجسد هنا في الكلام/

احبك او لا أحبك

ذلك هو قدر الزنبق البحري

بين سماوات عالية

وأزمان معلقة على خاطرة صحارى وحيدة

هو الدخان الشتائي الفريد

بين مواقد ووديان واسماء تركت اوجه اصحابها

احبك حين يكون قدري عيدا عنك

ولا احبك حين تكون لي، غابة احاديث وذكرى

في البدء كان الصمت اقرب المخلوقات اليّ

هو الزمن المرافق لرحلة نسيم اضاع صوته

ومن اجل حب اكبر

يتلون الصمت بالصمت اكثر

وبين الحب واللاحب

أفرق فيك اسمي وضجيج صمتي الكبير

فصمته الكبير هو ضجيج في حقيقته ….

وتبقى سونيتة رقم 22محتفظة بأسى الشاعر ووجده وعشقه الكبير وعبر خيال اخاذ وكبير وبلغة اقرب الى التسامي يقول مختتما السونيتات :

ساملأ طيفك حسنا ، كما ملأتني عشقا

وساتوجه في غسق كل ليلة يجيء بها

ادعو له بالاماني والاوراق والعاطفة

وامنحه الكثير من الوصف الذي لدي

 

وسيرجع اليك مكللا بالشعر والهتاف

ساملا اذنيه بالوصايا

واعطيه زهرة رمان واغنية لاتنسى

وسيكبر على ما شب عليه

لن أدعه يمر على عيني تلك

ولن ابوح له بسر هواي المنقضي

خشية ان يأخذه التوهج المفاجئ بعيدا

او ان يلامس حدائقي التي اخفي

عندها سأصحو لاجد الحلم بانتظاري

واقفا ، منذ ازمنة بعيدة – جواري

السونيتات التي كتبها قاسم محمد علي هي عالم شعر حقيقي تجد فيها حوارا يتصاعد ضمن موجة تفاعلات نصية حاضرة مومئة الى ما يوازيها في علاقات الغياب مع الحبيبة التي اكملت معناها والنتيجة صعود الحوار بين  الذات الناظرة :الحبيب ،الشاعر والذات المنظور اليها في الصورة /الحبيبة الى مدى التأمل الانساني الفريد الذي لايتوقف ن مساءلة البوح العيون، الصحو ، الحلم ، السر، وهكذا لكن الاهم هو دلالة الحوار الذي ينقسم فيه الوعي على نفسه (وعي الشاعر) فيصبح العاشق والمعشوق اللذين تقرن بهما الصورة كما وجدناها في سونيتة 22 التي تؤدي وظيفة القرين او تغدو معنى من معانيه …

فطيفها قد شخصه الخيال خيال الشاعر قاسم محمد علي وجعل منه موضوع المساءلة في الرباعية التالية 22

سأملأ طيفك حسنا … الخ كما مر بنا في اعلاه.  وكذلك في سونيتة رقم 1 عندما يعبر عن اسمها:

ذاكرتي المتعبة تزحف دوما نحو نسيان

والاسم هو الاسم، في تغير الاشياء الثابت

مبتعدة عن الخلاصة السميكة للكلمة

باحثة عن اسم جديد ، طليق لك….

لقد كان قاسم محمد علي اشبه بصانع المرايا التي يرى فيها الواقع صورته لكنها مرايا مغايرة عن تلك التي نعرفها فهي مرايا مجازية ترينا الواقع الذي تعكسه وتلفتنا اليها في الوقت نفسه…

كما علينا ان نشير الى ما ابتدأنا به الدراسة من ارتباط السونيت بالغناء والتوشيح وبالتالي ارتباطها بالغناء المرتبط اساسا بالطبيعة وكل شيء ؟ فالسؤال يبقى مفتوحا وبالامكان الاجابة عليه بما طرحناه في الدراسة … هل اقترب الشاعر قاسم محمد علي من السونيت  ام انه بقي على ضفافه يبحر ؟؟؟؟ باقترابه من الشكل فحسب دون الطابع الغنائي الذي اتسم به السونيت ؟ !!!!

 

[1] – سونيتات ، قاسم محمد علي، البصرة ، ط 1 ، 2018، ص 37

[2] – كمال ابو ديب ، وليم شكسبير ، سونيتات ، كتاب دبي، يناير /2010، ص17

[3] – كمال ابوديب ، م س ، ص 36

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| فراس حج محمد : تخليد الأصدقاء في الكتابة أمر بالغ الأهمية.

كم بدت لي هذه المسألة مُهمّة، الكتابة عن الأصدقاء، هكذا فعلتُ- على سبيل المثال- في …

حــصـــرياً بـمـوقـعـنـــا
| رنا يتيم : إشكاليّة المثقّف والحداثة .

بطيئة كانت عجلة التاريخ فيما يتّصل بالابتكارات، والتحديثات. ثم كانت الثورة الصناعية، بمآزره فكريّة فلسفيّة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *