| علي الجنابي : أَفَحقّاً يَتَعامَلُ إلهُنا ب(الآجل)؟ .

[إنَّ اللهَ إدخرَ لكَ أجابةَ دعائِكَ حتى يوم القيامةِ وإنّهُ لا ينسى عبداً وإنّهُ لبصيرٌ سميع].
 
تلكُمُ عبارةٌ, تُجاهرُ بها عِمامةُ في نواصي منابرنا كلَّ آنٍ و بزهوٍ لها تَذيعُ، فَتَشعرَ أنها عمامةٌ لاتَفهمُ المعانَ للكلامِ رغمَ أنَّها مُعتاشةٌ بهِ ومنهُ تبيعُ, ولعلّ ذلكَ هوَ مبلغُها من علمٍ وهو العلمُ العظيمُ الرفيع, وتلكُمُ أمانةٌ خانَتها العِمامةُ ومارعَتْها حقَّ رعايَتِها, وتلكَ فينا طامّة, بل هو الأمرُ المُريع. ومادامَ فاقدُ الشيءِ لا يُعطيهِ, فأولى للعمامةِ أن تَنأى بنفسِها عن هذا الفضاءِ الوسيع, فقد مَلَلْنا زيفَ نُطقِها, وحَيفَ صِدقِها, وكيفَ فتقِها وماتَكيلُ لنا مِن لَومٍ كلَّ جمعةٍ وتوبيخٍ وتَقريع. وكان لها ان تعلمَ إنَّ أيَّ مَلِكٍ على ظهرِها يَستَنكفُ تعاملاً بالآجلِ مع رعيتِهِ, وسواءٌ عليِهِ أعَدلَ بينَهم, أم هو مَلِكٌ طاغٍ وضيع, فعندهُ من خزائنِ بين يديهِ ما يجعلُهُ بِمَنْحِ العطايا مُتَكَرِّمٌ وضَليع, فكبرياءُ عَرشِهِ يأبى إلّا أن يَمنحَ المِنحةَ نقداً ومن فورِه وبِخُيلاء وبختمٍ ملكيٍّ وتوقيع. هذا حالُ مَلِكٍ وضيعٍ عَرَشَ على حفنةٍ مِن أُناسٍ لأجلٍ مُسمىً خاطفٍ وسريع, فما بالُ عمامةِ مِنبرِنا مُدَوِّيةً تصرخُ بصريخٍ مَجٍّ سمجٍ فظيع, وكأنَّنا إبلٌ تملكُها فتراها تَهشُّ على إبِلِها في باديةٍ لتَضطَرَّها الى عاقولٍ وضريع, أو كأنَّها تهرولُ خلفنا بضوضاءَ لتُعيدَ ثوراً هائجاً نأى بعيداً عن قطيع! صريخها :
 
” أن لا تَستعجلْ إجابةً ياهذا, فإنَّ ربَّكَ إدَّخرَها لكَ حتى يومِ القيامةِ وإنَّهُ بكَ لبصيرٌ وسميع. إنَّهُ ما نَسِيَ عبداً بهِ كافراً, أفَينسى تَقيّاً خَفيّاً نَقيّاً ولأوامرِهِ مُطيع؟ ” 
 
لعمري هذا هراءٌ! أنا منه براء,  وأنا لن أنقلبَ ناقةً لأصَدِّقَ قولَ العمامةِ هذا, رغمَ أنّي ما أحطّتُ علماً بعقائدَ وتشريع, فظاهرُ قيلهِ مُؤطَّرٌ بِلِباس صبرٍ ناهٍ عن جزعٍ , وزاهٍ بورعٍ وتلميع, وباطنُهُ مُقَطَّرٌ بجُرعَةِ تخديرٍ تُلهيكَ عما منعَ الإجابةَ عنكَ !وذاكَ مانعٌ خفيِّ وشّنيع, فَهلُمَّ ياصاحبي فنَقَّبْ حثيثاً عمّا صَدَّ عنكَ الإجابة البصير السميع وعمّا أحاطَكَ من غفلةٍ ومن تدريع, فوالذي نفسي بيدهِ, ما ظَنَنتُ للحظةٍ أنّ قولَ العمامةِ قولاً رحيماً يستريحُ بهِ فؤادٌ ناجى ربَّه بألمٍ وَجيع, ومارأيتُهُ إلّا حِوَلاً عن نُصحٍ حكيمٍ يُهوِّنُ الآلآمَ , وما هو بقولٍ حقٍّ وماهو بشفيع.
 
هلُّمَ معي وتعالَ -يا ذا لُب- هوناً لنرى ربَّنا الجَليلَ السميع, وكيف لا يُؤجِّلُ ولا يتعاملُ بالآجلِ في منحةٍ وما ينبغي لهُ وهو الوهّابُ الغنيُّ البديع. أوَمصدقٌ أنتَ أنَّ نفساً ستَقِفُ (يومَ التَّغابنِ) بشموخٍ وأنَفَةٍ بأنَّ لها ديناً على الجبّارِ وجَاءَت لتَستَرِدَّهُ مِنَ ذي الطَّوْلِ وفي الدَّرجاتِ رَفيع!
 
لعلَّ عمامتَنا نَسيَت كيفَ دَفَعَ المليكُ “إبنَ أمّ عبدٍ” الى آمِرٍ ناهٍ في (العراقِ), بعدَما كانَ نكرةً خاويةَ المعيِّ خلفَ كُثبانِ “البقيع” ؟
 
أو لعلّها تَناسَت -بِجهالةٍ- كيفَ رَفَعَ ”إبنِ الخَطّابِ” لِيَحكمَ جهاتها الأربع بعدَما كانَ للكأسِ عاشقاً وهو لهُ ونيسٌ وضَجيع؟
 
أم تَراها جَهِلَت كيفَ نَفَعَ “أبنَ أبي طالب” بعلمِ , فكان أقضى القضاةِ في أرجائها بعدَما كانَ عالةً على أبيهِ وأعمامِهِ جميع؟
 
أفَأغَفلَت العمامةُ أيّوبَ وكيفَ ردَّ لَهُ (أَهْلَهُ “وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ”), وكان يعلم أن ربَّهُ بالإجابة سريع,
 
أم تراها ما حفلَت بشطرِ آيةٍ : (وكذلكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) بعدما كانَ في الجُبِّ صريع؟
 
ما ينبغي للرّحمنِ أن يُؤَجّلَ هِبَةً (وليس ديناً) لبشرٍ ألتَجأ الى باب سورِهِ المنيع, بل..
 إنَّهُ يَهَبُ ويَهَبُ ويَهَبُ ويردفُ بزيادةٍ أضعافاً وينادي بتشجيع, بل..
 هاهيَ تَتَجَلّى في أبي الأنبياء عَلناً إذ نُبِّئنا: (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَاۖ ), بعدَما كانَ أبنَ(آزرَ) بحرفةٍ في عملٍ شنيع, فترى إبراهيمَ في سابعِ سماءٍ مكرمٌ  ووجهُهُ ربيع . ثم…
 
لِنَقتَرِبَ من سنا سيدِ الأنامِ والثقلينِ وكيفَ أمَرَهُ رَبُّهُ أن يَصدَحَ باكراً بنعمةِ ربَّهِ ويُحَدِّثَ بما يستطيع, ولقد تَسَلَّمَ الأجرَ مذ أولِ يومٍ, فكانَ..
 في الإسراءِ سيّداً للجميع.
ثمَّ أرتقى ليتقلّدَ الوسامَ الأعظمَ : وسامَ المعراجِ الرَّفيع.
ثم رَفَعَ لَهُ ذِكرَهُ رَدِفَ ذِكرِهِ حينَ النّهارِ وحينَ الهزيع, 
ذِكرٌ يعلو كلَّ فؤادٍ ومَسمعٍ حينِ ترحالِهِ وحينَ الهجيع, 
ثم يُجزيه الجَزاءَ الأوفى: مقاماً محموداً وللخلائق هو وحدهُ هوَ الشّفيع.
 
لا تعاملَ للإله الغنيّ بالآجلِ قَطّ فمع قلبٍ شتويٍّ وذي ربيع! (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) فوراً و(هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وسميع , وما على الذّاتِ إلّا أن تُطِب مَطعَمَها في تَبَضعٍ وتبييع, لتك مستجابةَ الدّعاء فتُسعَدَ بلذةِ الإستجابةِ قبلَ أن تفرحَ بمذاقِ المنحةِ وما حَمَلَت من برَكاتٍ وتنويع.
 
وكلٌّ لِمَا أَنـزل إِلَيهِ الوهّابُ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
 
وَمَن ظَنَّ مِمَّن يُناجي الإلهَ * بِأَن لا يُستجابَ لهُ فَقَد ظَنَّ عَجزا
يَعِفُّ وَيَصفحُ هولَ الذنوب * وَيَتَّخِذُ حَمدِنا نافلةً لنا وَكَنزاً- (وعذراً يا خنساء فلستُ بشاعرٍ).
تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| فراس حج محمد : تخليد الأصدقاء في الكتابة أمر بالغ الأهمية.

كم بدت لي هذه المسألة مُهمّة، الكتابة عن الأصدقاء، هكذا فعلتُ- على سبيل المثال- في …

حــصـــرياً بـمـوقـعـنـــا
| رنا يتيم : إشكاليّة المثقّف والحداثة .

بطيئة كانت عجلة التاريخ فيما يتّصل بالابتكارات، والتحديثات. ثم كانت الثورة الصناعية، بمآزره فكريّة فلسفيّة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *