وانا ابحث في مكتبتي عن رواية ( يهوذا الاسخريوطي ) هذه الرواية التي خطتها يراعة الروائي ( ليونيد اندرييف ) عن هذه الشخصية التي خانت السيد المسيح عليه السلام وباعه لاعدائه بثلاثين قطعة فضة , الا انه ندم على فعلته الشنعاء هذه فاقدم على قتل نفسه . قلبت رفوف المكتبة وبعثرت الكتب وفرقت المجلات لكن لم اعثر عليها , لقد اشتقت الى قراءة هذه الرواية لانني اردت استعادة صورة المكتبة الموصلية التي اقتنيت الرواية منها وهي مكتبة ( اقرأ ) في شارع يخرج من شارع ( الدواسة ) الرئيسي . تقت الى تلك الايام ذات النكهة الموصلية والشغف الشبابي ولا انسى صاحب المكتبة الذي ظل يبيع الكتب باسعارها القديمة فكان يتعامل مع زبنه بكرم وانسانية بعيدآ عن كل طمع في رفع الاسعار لان الكتب في نظره وسائل تثقيف واثراء روحي وليست طريقآ الى كسب المادة عن طريق رفع اسعارها . حِدت عن سبيل موضوعي شاقتني الايام الجميلات التي افتقد ازهرارها واتوحش اخضرارها . تعبت من تصفح الكتب لكنني وجدت داخل احدها اضمامة من الخطابات القديمة التي ارسلتها لي ( حياة ) فاخذت قراءتها ونسيت امر الرواية وصرت انظر في هذه الرسائل , اقتعدت احد الكراسي وتأملت الاوراق وعادتني هذه الخطابات الى الايام الأُولى التي تعرفت فيها ( حياة ) وهي انسة دون العشرين مقبلة على تناغم الايام ساعية في دروسها حتى تمسك بخيط يقودها الى مستقبلها وهي تطمح ان يكون وضاءً مشرقآ فلهذا تظهر الشغف بهدم وازاحة كل ما يعرقل مسيرها حتى تلتقي بالشمس المضيئة التي تغمر الطرقات والسهوب باشعتها الذهبية .
اعدت قراءة الرسائل واستعدت تلك الايام التي لم ارتو من بهائها وعرفت هارمونية الحياة مع ( حياة ) ولكن اين هي الان ؟ لا اعلم لقد امضيت سنوات وانا ابحث عنها , انا في حيرة أ أ قنط من العثور عليها ام انني في احد الايام سالقاها في مكان ما وكيف سيكون هذا اللقاء هل يشبه لقاءاتنا المواضي ام ان الزمن العنيد سيترك عليه طحالبه وشواثبه واجدها وقد احتفظت بهواها القديم ام ان هذا الهوى برد وهدأ كقدح قهوة ترك ولم يشرب , تقول ( حياة ) في احد هذه الخطابات : ” عزيزي لا تلمني على عدم مراسلتي لك انا بعيدة جدآ عن طرق المواصلات ولم اعثر على اي انسان يذهب الى البلدة التي تمر منها الحافلة , قبل كنت اذهب الى هناك انا بنفسي اما الان فاهلي قد منعوني من التردد الى هناك والمكان الذي اتواجد فيه ينعدم حانوت اشتري منه اوراق الرسائل والطوابع البريدية فكيف استطيع ان اكتب لك باستمرار , لقد ذهبت مرة الى البلدة خفية وارسلت لك خطابآ . لقد وضعوني في مكان يشبه منافي سيبريا ايام روسيا القيصرية ساحاول ان اجد اية فرصة لابعث لك رسالة ” وتستمر ( حياة ) في وصف حياتها في هذا المنفى الذي اختاره لها اهلها بعد ان اكتشفوا علاقاتنا وهي في سلالمها الاولى وتركوها لتعيش مع جدتها في تلك البراري البعيدة والمنقطعة عن طرق المواصلات حتى تحني رأسها كما يهوون هم .
وتمضي ( حياة ) في رسالة اخرى ” عزيزي : اهكذا تمضي بنا الايام ؟ اهكذا تندثر تحت اقدام الزمان ؟ اينطفىء هذا النور وتضمحل هذه الاماني ويزول هذا النعيم ايدري الهواء كل ما نقوله وكل ما نفعله وهل تذكر الايام التي جمعتنا وشعاع نفسك يحيط بنا كالهالة وملائكة الرحمة تطوف حولنا محلقة . ”
ان قراءة هذه الخطابات الحياتية تكسب النفس الحزن والاسترسال فيها آلم واوجع وانني افكر في نشرها على الملأ الا انني خائف من هذا اذا لم احصل على موافقة صاحبة الرسائل فمن باب اولى مفاتحتها في هذا المضمارواخذ رأيها لان هذه الرسائل تؤرخ لفترة معلومة من حياتينا ولكن اين هي وكيف الطريق اليها ؟ اهي في كركوك ام خارجها وحتى لو كانت في اية بقعة واقعة خارج اقاليم الجغرافية لذهبت اليها حتى اطفىء الشوق الذي يأكلني حتى النخاع .
الشيء الحسن انني ما زلت احتفظ برسائلها ولكن هل يا ترى هي تحتفظ رسائلي الموجهة اليها وربما اضاعتها وهي تنتقل من مكان الى اخر وانا في هذا الصدد اتذكر الرسائل التي تبادلها الادباء الذين اقدرهم واجلهم كما صنع جبران خليل جبران مع مي زيادة وانور المعداوي مع فدوى طوقان وغسان كنفاني مع غادة السمان هذه الرسائل الجميلة التي تشف عن شغف وحميمية مما اضفت على ادب الرسائل عندنا الكثير من الثراء الماتع والوفير من الالفة الباذخة ولا انسى ان اشكر الروائي ( ليونيد اندرييف ) فالبحث عن روايته قادني الى رسائل صديقتي وشم اطياب حروفها وكلماتها بعد مرور كل هذه الاعوام , تلك الكلمات التي لن تهرم في قاموس المحبين الفقراء والخاسرين دائمآ في اخر المطاف .