(خارج نطاق الانتماء)
قراءة سريعة في رواية (سيدي قنصل بابل) للروائي العراقي المقيم في المغرب (نبيل نوري)
عبد السادة البصري (ملف/5)

كم هو صعبٌ ، وثقيل الوطء على روحك ، حين تشعر أنكَ غريبٌ اينما حللت ؟!
وكم هو صعبٌ ، أن ينكرك الوطن الذي تعشق الانتماء اليه ؟!
وكم هو صعبٌ ، أن تجد نفسك معلّقاً بين السماء والارض ؟!
لا أنت هنا ، ولا هناك ، كما يقول المثل الشعبي :ــ ( لاني لهلي ولاني لحبيبي ) !!
هذا مايرويه لنا في روايته السيرية الحقيقية ، الكاتب الشاب ( نبيل نوري لكزاز موحان ) ، الذي كان نطفة في رحم أمه حملته الى بلدها مرغمة ، نطفة تخلّقت شيئاً فشيئا ، لتعود به الى موطنها الام ــ المغرب ــ بعد أن انفصلت عن زوجها العراقي نتيجة اصرار والدته على التخلص منها وطلاقها ، ليأتي المولود غريب الانتماء متوزّع بين العراق والمغرب ، لا يرتضيه هذا البلد ابناً ، ولا ذاك يرتضيه مواطناً مقيما ، فتبدأ رحلة معاناته في البحث عن الهوية الحقيقية للإنسان التي يفتقدها الفرد في ظل انظمة متسلطة لا تؤمن بإنسانية الانسان ابداً !!
طفل صغير فتح عينيه على الدنيا لم يرَ اباه ، امه فقط هي التي تكفّلت بتربيته ومعيشته ، لا يعرف عن ابيه شيئا سوى انه من العراق فقط ، ليبدأ بالتشكّل الانساني والروحي من خلال تواجده في أماكن لاينتمي اليها روحيا أبدا !!
من العنوان نعرف أنه يحاكي المسؤول العراقي بشكل خاص ، ويؤكد انتماءه الى ارض الحضارات الاولى ، وبداية الخلق البشري ،كما يحاكي المسؤولين العرب بشكل عام ، لأن الانظمة العربية جميعها تتصرف مثل بعض ، تنكر ابناءها ، بل وتقتلهم اذا وقفوا بوجهها مطالبين بأدنى حقوق المواطنة الانسانية المهدورة !!
تقسم الرواية الى سبعة أقسام ، أو فصول هي سيرته الحياتية من الولادة مرورا بالطفولة والصبا وحتى الشباب ، يبتدئها بــ ( ولادة وبداية متعسّرة ) سارداً فيها معاناته في بيوت الدايات ( المربيات ) وكيف يعاملنه بقسوة لامثيل لها رغم انهن يأخذن تكاليف التربية والاحتضان لفترة عمل امه في بيوت الميسورين ، ناقلا لنا مايدور في هذه البيوت من اسرار وحكايات ، بالإضافة الى وصف معاناة امه في البحث عن لقمة عيشهما ، وتحمّلها مشاق الخدمة في البيوت وماتصادفها من مواقف ومشاكل وعقبات ، ثم بقائه وحيدا في غرفة مقفلة طيلة ساعات النهار وبعض من الليل هي فترة عمل امه ، ( اذا اردت أن تصبح قويا ، تعلّم أن تستمتع بكونك وحيدا) ، ثم يظل يروي رحلته المتعبة في البحث عن هويته الحقيقية التي ينتمي اليها عن طريق الاب ، وكيف تجابه طلباته وتوسلاته من قبل المسؤولين على هذا الوطن بذرائع وحجج واهية لتأخير معاملته أكثر من اللازم ، ما يضيف الى قلقه ومعاناته قلقا ومعاناة اكبر، ويتركه عرضة لمشاكل ومواقف صعبة كثيرة ( الحلم بهوية وطن خلق ليحتويني ) ، كونه يعيش على ارض غريبة ، لا ينتمي اليها الاّ بالإقامة حاليا فقط ، لكنه يتغلب على مشاكله وهمومه وما يحصل له :ــ ( نلهو ونضحك رغم مأساة كل شيء ) ، ويبدأ بتكوين عقليته التي سيشب عليها والتفكير بحياته المستقبلية رغم كل شيء ، يدخل المدرسة ، ثم الثانوية ليتركها الى معهد صناعي ليتعلم مهنة يستفيد منها ، ومع هذا الدوران يبقى مصرّاً على حصوله على الجنسية العراقية من خلال تكرار مراجعاته ولجوئه الى منظمة حقوق الانسان ، ونشر حالته في برنامج تلفازي ليضع المسؤولين امام الامر الواقع ، وبالتالي الرضوخ لمطاليبه ، والموافقة على منحه الجنسية العراقية !!
نبيل نوري ، من خلال سرده الحياتي هذا يشعرنا ، كم أن هناك قسوة كبيرة في نفوس البعض ، حيث يقول :ــ ( لا أعرف من أين أتوا بهذه القسوة ، رغم أن الحياة عاملتهم أحسن منّي ؟! )
لينهي روايته بخلاصة نهائية هي تفسير لكل ما نعانيه جميعا في بلداننا ، وتحديدا العربية فقط :ــ ( نحن لا نعيش في أوطان ، ولكن مجرّد فنادق ينتهي مقامك بها عندما يفرغ جيبك ) !!
مبارك لنبيل هذا السفر الانساني الاول ، وشكرا له على هذه الرحلة رغم ما فيها من آلام ومعاناة .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *