رواية سيدي قنصل بابل
غياب الأب مقابل حضوره الكامل على الغلاف
محمد عبد حسن (ملف/4)

أول لقاء بين المؤلف والمتلقي يتم عبر عتبة النص الأولى: غلاف الكتاب.. بكلّ تفاصيله. وما يتركه هذا اللقاء من أثر أوليّ سيكون مهمًّا في جرّ القارئ لتقليب صفحات الكتاب بحثًا عمّا يحقق وشائج أخرى معه؛ وبالتالي اقتناءه.

الانطباع الأولي المتولد لدي كقارئ، وأنا أتفحص الغلاف الأمامي لرواية (سيدي قنصل بابل)(*)، هو أنني أمام رواية تاريخية.. تكرّس ذلك صورة البرج. غير أنّ غلاف الرواية الخلفي يبدد هذا التصور حين يعرّف العمل على أنّه “رواية تحكي حياة مواطن لدولتين عريقتين”.

الأكثر إثارة، في عتبة النص الأولى، هو لجوء المؤلف إلى تعريف نفسه باسم طويل، يموضعه تحت العنوان، بعيدا عن الأسماء المختصرة والتر تقتصر غالبًا على الاسم واللقب أو المدينة وغير ذلك.

وبعيدًا عمّا إذا كان (نبيل نوري لكزار موحان) هو الاسم الحقيقي لمؤلف الرواية أو اسمه الإبداعي.. فإنّني، كمتلقٍ عراقيّ، أفهم أنّ إيراد الاسم الرباعي، الذي نطالب به في معاملاتنا الرسمية، يكون لإثبات الانتماء، ولحسم حالة تشابه الأسماء، التي قد تحصل، عند الاكتفاء بالاسم الثلاثي.

* * * 

“الكتاب هو سرد لحياة شخصيّته الرئيسية” (المقدمة ص7). فنحن أمام رواية سيرة، لأم وابنها، كتبت بعفوية ودون تزويق لترسم تفاصيل ما يعيشه الفقراء في المملكة المغربية.. وبلا أيّ إشارة لسبب غياب الأب الحاضر في ذهن كلّ من الكاتب والقارئ معًا، حيث كرّس الكاتب هذا الحضور / الغياب دون أنْ يشير إليه صراحة حتى الصفحة (23 – 24) من الرواية:

    “-    أبوه ليس مغربيًّا كما أرى… أين والده الآن؟

– إنّه في العراق سيدي القاضي.

– وهل يرسل لك نفقة ابنه؟؟

– لا سيدي ليس لنا أيّ اتصال معه. وهو لا يبالي بمصير ابنه”.

         * *   *

صورة الأب المتولّدة في ذهن الفتى، عبر مرويّات أمّه، هي صورة بلا ملامح واضحة، وهذا الحضور غير المكتمل لا يكاد يغيّر شيئًا من حقيقة ما يشعر به الفتى. ويتجلّى ذلك بوضوح في هذه الوحدة السردية من الرواية (ص28):

 “سألتُ أحد زملائي عن كيفية رسم رجل؟؟ فوصفها لي بعدّة خطوط ودائرة للرأس. فطبقتها مباشرة على ورقتي. مع ذلك لم أحصل على النتيجة المرتقبة لأنّ رسمي لم يغيّر شيئًا من حقيقة الورقة الميتة”. 

وحتى ما سردته الأم بعد ذلك في ص38 من الرواية وما بعدها كان مقتصرًا على سلوك الأب ومفتقرًا لملامحه.

* * *

لا تخلو الرواية من إشارات مهمة يمكن التوقف عندها.. مثل تكريس الطبقية وفقدان المساواة في مكان لا فضل فيه لأحدٍ على آخر إلا بالتقوى:

“كان الكتّاب مقسّمًا إلى ثلاث طبقات اجتماعية، النخبة ………………. وقدماء المحاربين ……………. أمّا المجموعة الأخيرة فهي الغالبية المهمّشة التي تزدحم كالديدان داخل الكتّاب”..ص18.

وكذلك عن شكل المعاملة (التفضيلية) التي حظي بها الراوي كـ(ابن خادمة).. ص17 وَ ص30، إلا أنّني آثرت التوقف عند ثيمة غياب الأب الفعلي المرافق لحضوره كاملًا على غلاف الرواية.. وبأسماء قد يتميّز بها الجنوب العراقي حصرًا لتأكيد الانتماء لهذا الجزء من الوطن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): سيدي قنصل بابل / رواية – نبيل نوري لكزار موحان – الطبعة الأولى / أيلول 2020

دار ومكتبة الكتاب حياة / البصرة

 
تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *