حكمة النص: مشاهد في اقتفاء معطيات النص الشعري
(نخبة من الكتاب)
اعداد وتقديم ومشاركة: نزار السلامي (19)

التقاط الدر من واحة الشعر
قراءة نقدية موجزة في ديوان ( في آخر الزمن نجمة )
للشاعر هشام القيسي

نزار السلامي

هشام القيسي ، من الأسماء الشعرية البارزة التي تجاوزت شهرتها النطاق المحلي في كركوك لتصبح معروفة على امتدادات العراق ، كونه لم يتوار يوماً عن الساحة الثقافية ، من خلال حضوره المحافل والمؤتمرات والمهرجانات ، فضلا عن أعماله الشعرية والنقدية المبثوثة عبر الكتب والوسائل الأعلامية الأخرى . فهو أديب ذو طموح شعري رصين ، يتناغم مع العالم والطبيعة والأشياء الجميلة والنبيلة ، لا سيما العشق ، حيث يستنبط شعره من سر وعيه الباطن ، ليعبر عن معان مرهفة الحس ، يؤكد فيها وضوح الصورة ودقة العبارة وقوة التأثير الذي يطرح فيه ، كل ما يعتمل في داخل نفسه ليعبر بشكل صادق ، عن مكنون ذاته ، وما تحمله من مشاعر وأحاسيس وأحلام .
وقصيدته مدعومة ، بمهارة شعرية تحول الكائنات والجماد الى أشعار شعرية حالمة ، وهذا لا يمكن أن ينتجه إلا شاعر ، له تجربة وتجريب ومران ناضج ،يحفز المتلقي على الوقوف على تجربته ملياً ، ليتأمل ما تحتوي هذه التجربة ، من مكنونات إشراقية في المشهد الشعري . وفي ديوانه الموسوم ( في آخر الزمن نجمة ) يعرض القيسي ، العديد من قصائده بنبرة يؤكد فيها بعض الانفعالات التي تحمل وظائف جمالية وفكرية ، من العاطفة الجياشة ، كما لها دلالات ورموز ، كتبها بلغة رائعة ، واسلوب رشيق ومكثف وبعيد عن الترهل ، عبر نصوص تحتمل التأويل والتحليل ، لأكثر من فكرة ، بيد أنها تبقى مختلفة بهواجسها ومكنوناتها المختزلة لدى الشاعر، ففي قصيدة ( نقاء ) يقول :
( أعرف
ان الشجرة شرارة
وهجرة
تطعم في الغربة ،
من يحترق .

يسيل من العمق ،
تحت طرائق الريح
تكتب الموجة
وحقول البهجة ).
وفي قصيدة ( في آخر الزمن نجمة ) يقول :

(كأنه عذاب
كأنه كتاب
يجيئني الليلة
بلا أصحاب ،
الحب في آخر الزمن نجمة
وفي مطالع الذكريات
سيل رهبة
وكلمة ،
وحين تدق الساعة
ويبدو النهار
يذوب السأم بلا رغبة
ولا نأمة ) .
انه استهلال هاديء بعيد عن المبالغة اللغوية ، يحفل بموسيقى خفيفة مثلما يبدأ مؤلف موسيقي سيمفونية ، أو
مقطوعة موسيقية . ويواصل في القصيدة ذاتها فيقول :

( يا قمر الحضور
يتبعني التذكار
وأرقد فيه ،
يتبعني
وأفيض من خيال
ومن أشعار
الحب في آخر الزمن
لا يدركه الأفول
وعلى رصيف العمر
عطر لا يزول
يكبر معي
يتخلل في معشوقة
صبحها يرقص على السيول
ليتني أعود لغوص سفر النفس
وأصير مع الدخان
هجرة من أمس ) .
انها هواجس تنتقل من ضيق العبارة الى فضاء الدلالة ، والتي توحي بحالة حب تأتي بعد تقدم العمر ، حيث
يجهر عن ذلك في قصيدة ( أحب ولكن ) من خلال خطاب شيق ومسموع ، ناجم عن إحساس فعال ، يكشف
تيار المخيلة المترع بإيقاع بطيء، وصور شفافة مملؤة بالعاطفة والحب الذي يملأ القلب :

( من يطفيء القلب الذي يحترق ؟
باتجاه محطات ترمي أكشاك الشيخوخة .
وترقد
الأيام فيها
ولا تصغي لربيع يندح ،
هكذا هي تشتعل
هكذا أنا أشتعل
هكذا الغصون تشتعل
وكل الآهات
خلف العمر المستمر
تفوح برائحة الطفولة ) .

إن المعاني هنا ، تسير مع النصوص ، لا لجمالياتها فحسب ، بل من خلال الإحساس اللغوي بالمفردة الشعرية ، التي تجدد المعنى ، وتدفعه إلى ذروة الجمال .
إن أغلب قصائد هذه المجموعة ، عميقة المغزى ، متشعبة الأهداف ، تختزن في بنيتها الداخلية معناها ،
الذي يشحن الحواس في النص بطاقة المخيلة ، فيدغم موضوعها بطريقة لا تخلو من الإبداع البين ، وهذا
مرده إن كاتبها قد تسلق شجرة الشعر، بكفاءة وتجربة طويلة .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *