حين يكون الحديث عن شاعرة تتقن رسم النبض شعرا ونثرا بحب وجمال وإبداع يكون للحديث أساسات صلبة يتكئ عليها وينطلق منها،ويكون له مدارات ومحاور كثيرة يمشي فيها ، وإطلالات كثيرة يطل منها ،ومساحات واسعة من البوح يطل عليها ففي قصائد ربا شعبان تتعد الشعريات:شعرية الكلمة وشعرية الجملة، وشعرية الشكل، وشعرية الصورة،وشعرية الموسيقا …وفي هذه المقالة سيعرج الكاتب على بعض هذه الشعريات في قصائدها مستعينا بأدوات المنهج الوصفي التحليلي والمنهج الجمالي …
وربا سليم شعبان الشاعرة التي نجحت في قصائدها وأعمالها بالانطلاق من بوتقة معتقة بالعروبة والعربية وصهرتها شآمية مولد ،وفلسطينية هوى، وخليجية عمر وسعي شربت حب الشام وبلاد العرب مع التوق الفلسطيني للعودة ،وحملت حب الحياة في مواجهة الموت ونثرتها قصائد منضودة بعناية فائقة وبمهارة فنان وبلغة شاعر وبقلبه ،وهي حملت حلم العودة وألم التهجير ومعاناة الفقد ،وصورت الغربة والاغتراب في قلب فلسطيني موجوع بحلم العودة.
وهي من مواليد سوريا في دمشق ،وتقيم في أبو ظبي ، وتحمل إجازة في الآداب من قسم اللغة العربية في جامعة دمشق ،ولها إنجازات فنية عالية مكتوبة منشورة ومؤلفاتها تتسم بالجدة والفنية العالية لما فيها من إبداع ولما فيها مما يحتاجه الذواقة من جمال وإبداع ومتعة قراءة، أذكر منها: ديوان ” صهيل الصباح” الذي صدر عام 1999- دار الأهالي – دمشق – سوريا.وديوان “سنخدع السراب ” الذي صدر عام 2014 – من دار أزمنة – عمان .
ولها مجموعة قصصية للأطفال مكونة من أربع عشرة قصة بعنوان “مدينة الضاد “التي صدرت عن دار الفكر – سوريا -2006. ونحن بانتظار مسرحيات شعرية قصيرة للأطفال تحت الطبع بعنوان “هيا لنصيد الفكرة ”
وقد شاركت في مسابقة أمير الشعراء سنة 2008 في الموسم الثاني، وشاركت في العديد من الأمسيات الشعرية والأدبية على مستوى الإمارات في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات،وفي معرض الشارقة “إكسبو” .ولها قصيدة في كتاب ” روحي على راحتي ” الذي يضم مجموعة من شعراء الوطن العربي الذين جاروا نصوص الشاعر عبد الرحيم محمود بمناسبة مئويته إصدار مؤسسة البيارة الثقافية ، وأسهمت في مجلة المجتمع الصادرة في أبو ظبي بعمود صحفي شهري.
و تعتمد ربا شعبان الموسيقا الناعمة الهادئة في قصائدها ،وهي تحتفي بالموسيقا كجزء أساس منها،ومع كل هذا الاهتمام بالموسيقى إلا أنها لا تسمح لها أن تغطي المعاني ولا أن تخنق الأفكار، وإنما تسيرها برقة جنبا إلى جنب مع الصور والجمل الشعرية والأبيات. ففي قصيدة زرقة اجتاحت قلقلة الجيم القافية بسيطرتها على الروي ، وجاءت كمنبه عال جهوري يشير إلى صوت الشاعرة ، وتتبدى شعرية الصورة واضحة في تآلفها مع الموسيقا الخارجية في قولها :
اشعل قصيدي إن جفاك سراج
فرماد ضوئي كل ما تحتاج …
وهم هي الأمطار دون هطولنا
فالماء في غيم الغياب اجاج
هذه الشعرية التي اعتمدت الصورة المفاجئة من عرض فيه كثير من التكريم للذات ولمن تخاطبه ،وفخر بما تكتبه، حتى أن رماد ضوء منها يكفي حاجة الباحث عن الضوء ليرى الحقيقة .
وتعلو في قصائدها أصوات الحياة والإصرار على المواجهة ،ومحاربة أسباب اليأس كلها، في لهجة قوية الثقة معبأة بأنفاس فخورة،وهي تحمل ضمير جماعة المتكلمين طاقة إيجابية عالية مليئة بالاعتزاز ، عالية مع ألألف اللينة الفرحة المشعرة بالقوة وبالثقة التي لازمت القافية ،تقول :
ثملت بزرقة بحرنا لجج الهوى
ومضت تغص بريقها الأمواج …
وجرت بنا الانهار تشعل في المدى
مدد الحياة وفي العروق فجاج…
إن السماء قريبة من سقفنا
نحن الصلاة وصوتنا المعراج…
وترف في الاشواق اجنحة الرؤى
وتشف حتى في الشغاف زجاج…
مدد …مداد قصيدتي …في مدها
تتمازج الأفلاك والابراج ..
من غربتين و زرقتين على فمي
تلد السماء وتولد الامواج …
وفي قصائد ربا شعبان روح شعرية ذكية واضحة المعالم تستند إلى معجم شعري يربط بين قطبيه؛ الأمن والخوف اللذين يتمخض عنهما الحب والكره والحرية والعبودية،واللقاء والفراق …وما بينها من التفاتات من الصمت والتفكر في مجالات الحوار الداخلي العمي؛ ففي قصيدة “ترنيمة تظهر قدرة الشاعرة على اختيار الألفاظ المناسبة عموديا وأفقيا لبوحها،فقد انقسمت الألفاظ على الدائرتين العميقتين ؛الأمن والخوف فجاءت الثنائية الضدية التي حركت القصيدة مدججة بألفاظ وعبارات وصور تعبر عن هذا الصراع :
:حلاوة الحب المعتق
هواك
نهرا من العسل المصفى …
ولأننا شعر مقفى .
ستعيدني عزفا فعزفا …
وتستمر في عرض الحوار القاسي بين موقف وموقف ،وبين ما كان وما أصبح ،وبين ما يريد المحب وما تريده هي ،وبين الماضي المصاحب لأفعال كان والحاضر المصاحب لأفعال الأمر المعبأة بعبارات الالتماس،تقول:
ما زال نصفي في الهوى يشتاق نصفك
وانا اكتملت
وهذه الاقمار تشهد
أنني ما عدت نصفا …
هذي القصائد كلما شفت وهذا القلب شفا
ما ذاب صوتي
إنما لا بد عفا
إن كنت تعذره وتعذله
فكن
ما شئت نزفا
كأس الحرائق إن أردت
وإن تكن كالماء صرفا
و تظهر الأبيات السابقة قدرة الشاعرة على اختيار الألفاظ التي تعطي صورة واضحة مليئة بالحركة والإيحاء وتعضدها بالتكرار :
فهي في هذه ال”ترنيمة”
اختارات لألفاظ التي فيها ايحاء وحركة :رفا ورفا
رشفا ورشفا ..و عزفا فعزفا و شفّا
و عفّا
حتى تصل إلى لحظة السكون والرضا بعد عددت كل ما يجعلها سيدة الموقف :
إن كنت تعذره وتعذله
فكن
ما شئت نزفا
كأس الحرائق إن أردت
وإن تكن كالماء صرفا
وتحتفي الشاعرة بالثنائية الضدية في وصف تميز المرأة وتفوقها وقوتها وأثرها في الحياة،وفي التعبير عن اعتزازها بأنوثتها وتفاخرها بها، فهي تؤكد أنها ليست رقما زائدا ،أو ضلعا ضعيفا،وإنما هي النصف الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فعند أنوثتها تتجمّعُ الأضدادُ؛ نعومة ورقة وبرد وسلام وشهد إلى جانب العلقم والنار
وهي الأمومة والطفولة والهوى
وأنا الأمومةُ والطفولةُ والهوى والقرب تقول في قصيدة”ضلعٌ أعوج” :
تتجمّعُ الأضدادُ عندَ أنوثتي
فأنا جليدُ النارِ ..شهدُ العلقمِ ..
وأنا الأمومةُ والطفولةُ والهوى ..
وأنا حريرُ القُرب …بُعد الأنجمِ
وتخاطب الرجل بلهجة الواثق المعتز بذاته وجنسه ،فتذكره بأن النساء حاكمات وملكات وأمهات وأنه لا يستطيع أن يعيش لحظة من غير أن يكن معه إلى جانبه ، وأن ما يجمع الذكر والأنثى هو الحب وهو أقوى من كل ما يفرقهما :
بلقيسُ لو نكّرتَ عرشيَ مرةً
أدري بأنك في ظلالي ترتمي
ولئن ظننتَ بأن عرشكَ قائمُ
فأنا مليكةُ تاجكَ المتوهّمِ ..
من قبل أن يرتدّ طَرْفُكَ لحظةً
ستعودُ للصرحٍ الممرّدِ في دمي
نونٌ.. كضلعِ حول قلبكَ ينحني
لولا اعوجاجُ الضلعٍ أنّى يحتمي
إن مسًّه ظلمٌ سينجبُ عقمَه
رحِمُ البذورِ تموتُ إن لم تُرحمِ ..
إنس..ان ..نحن اثنان .. إلا أننا ..
رقم إذا قسّمته لا يُقسَمِ
نِدان أو ضِدان إمّا أظلمت
سيضيؤنا حبٌ بليلٍ معتمِ…
وتتجلى رقة الموسيقى في قصيدتها الصوفية ” قصيدة وصورة ” ،التي نسجتها على روي النون المكسورة ، وألبستها ثوبا باذخا من الموسيقا وحملتها على بساط من التضرع والحب الإلهي ممزوجا ببعض شذرات الفكر الصوفي كفكرة الإشراق والوصل،وفكرة الاتصال بالذات الإلهية وأثر الآيات القرآنية في النفس،والاستسلام للقدر وللذات الإلهية والتوق لوصلها:
ستشرق الروح بين الماء والطين
فبعض ضوئك يا رحمن يكفيني
من نحن إن لم نكن أنفاس بسملة
من رعشة الريح او همس الرياحين
النار في الماء هل يطفيه حيث بدا
أم ان ناري حيث الماء تصليني ؟
هذي الطريق بنا تمضي ويسبقنا
لهاثنا المر بين الحين والحين
يقتاتنا الجوع والأمطار تشربنا
وحسبي الحب حب الله ينجيني …
لي حظوة عند من احببت تشفع لي
أني بحرزك بين الكاف والنون …
هذا يقيني …
يقيني كل عاصفة
ما دام صوتك دفقا في شرايني
وتعنى ربا شعبان بالصورة الشعرية الجديدة فهي في قصيدة ” إلى الناجي الوحيد من الغرق” تصور وجعها وحزنها وألمها وعجز الحروف عن الوصول إلى رواء النفس من البوح والتعبير عن خليط المشاعر،فهي تجعل الملح والماء جزءا من صوتها يثقلانه ويتعبانه ويمنعانه ويحولان دونه والبوح ، وجزء من كبدها يوجعانه ويرهقانه،تقول:
الملح والماء في صوتي وفي كبدي
فكيف أجرؤ أن أرثيك يا ولدي !؟
والأقذار بحر يغرق أرواحنا وأجسادنا كلنا:
نجوت من بحر اقذار بنا عصفت
والكل فيه غريق الروح والجسد
كم ذا لبسنا ثياب الذل زائفة
وللغضب نصيب من البوح فهو حاضر في كثير من قصائدها ولكنها لا تزيده إلا بمقدار ما يعاتب المحب شعبه وربعه ، تحركها حرقة صادقة وألم حقيقي وحزن ممزوج بالحسرة والقهر ،من غثاء كثاء السيلتقول:
هل ضاقت الأرض ام اقدارنا اتسعت ؟
أم قد غدونا كملح البحر و الزبد …!؟
وبعد فإن هذا غيض من فيض إذ تمتلئ قصائد ربا شعبان المتنوعةالنسج بكل ما يدهش ويمتع ،وبكثير مما يستحق القراءة والدراسة ،وفيه كثير من القضايا التي تصلح لتكون موضوعات غنية لرسائل وابحاث وأطروحات. وهذه مقالتي إشارة ودليل متواضع يعرف بهذه الشاعرة العالية المبدعة
د. محمد السماعنة صوت الشعرية في قصائد ربا شعبان
حين يكون الحديث عن شاعرة تتقن رسم النبض شعرا ونثرا بحب وجمال وإبداع يكون للحديث أساسات صلبة يتكئ عليها وينطلق منها،ويكون له مدارات ومحاور كثيرة يمشي فيها ، وإطلالات كثيرة يطل منها ،ومساحات واسعة من البوح يطل عليها ففي قصائد ربا شعبان تتعد الشعريات:شعرية الكلمة وشعرية الجملة، وشعرية الشكل، وشعرية الصورة،وشعرية الموسيقا …وفي هذه المقالة سيعرج الكاتب على بعض هذه الشعريات في قصائدها مستعينا بأدوات المنهج الوصفي التحليلي والمنهج الجمالي …
وربا سليم شعبان الشاعرة التي نجحت في قصائدها وأعمالها بالانطلاق من بوتقة معتقة بالعروبة والعربية وصهرتها شآمية مولد ،وفلسطينية هوى، وخليجية عمر وسعي شربت حب الشام وبلاد العرب مع التوق الفلسطيني للعودة ،وحملت حب الحياة في مواجهة الموت ونثرتها قصائد منضودة بعناية فائقة وبمهارة فنان وبلغة شاعر وبقلبه ،وهي حملت حلم العودة وألم التهجير ومعاناة الفقد ،وصورت الغربة والاغتراب في قلب فلسطيني موجوع بحلم العودة.
وهي من مواليد سوريا في دمشق ،وتقيم في أبو ظبي ، وتحمل إجازة في الآداب من قسم اللغة العربية في جامعة دمشق ،ولها إنجازات فنية عالية مكتوبة منشورة ومؤلفاتها تتسم بالجدة والفنية العالية لما فيها من إبداع ولما فيها مما يحتاجه الذواقة من جمال وإبداع ومتعة قراءة، أذكر منها: ديوان ” صهيل الصباح” الذي صدر عام 1999- دار الأهالي – دمشق – سوريا.وديوان “سنخدع السراب ” الذي صدر عام 2014 – من دار أزمنة – عمان .
ولها مجموعة قصصية للأطفال مكونة من أربع عشرة قصة بعنوان “مدينة الضاد “التي صدرت عن دار الفكر – سوريا -2006. ونحن بانتظار مسرحيات شعرية قصيرة للأطفال تحت الطبع بعنوان “هيا لنصيد الفكرة ”
وقد شاركت في مسابقة أمير الشعراء سنة 2008 في الموسم الثاني، وشاركت في العديد من الأمسيات الشعرية والأدبية على مستوى الإمارات في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات،وفي معرض الشارقة “إكسبو” .ولها قصيدة في كتاب ” روحي على راحتي ” الذي يضم مجموعة من شعراء الوطن العربي الذين جاروا نصوص الشاعر عبد الرحيم محمود بمناسبة مئويته إصدار مؤسسة البيارة الثقافية ، وأسهمت في مجلة المجتمع الصادرة في أبو ظبي بعمود صحفي شهري.
و تعتمد ربا شعبان الموسيقا الناعمة الهادئة في قصائدها ،وهي تحتفي بالموسيقا كجزء أساس منها،ومع كل هذا الاهتمام بالموسيقى إلا أنها لا تسمح لها أن تغطي المعاني ولا أن تخنق الأفكار، وإنما تسيرها برقة جنبا إلى جنب مع الصور والجمل الشعرية والأبيات. ففي قصيدة زرقة اجتاحت قلقلة الجيم القافية بسيطرتها على الروي ، وجاءت كمنبه عال جهوري يشير إلى صوت الشاعرة ، وتتبدى شعرية الصورة واضحة في تآلفها مع الموسيقا الخارجية في قولها :
اشعل قصيدي إن جفاك سراج
فرماد ضوئي كل ما تحتاج …
وهم هي الأمطار دون هطولنا
فالماء في غيم الغياب اجاج
هذه الشعرية التي اعتمدت الصورة المفاجئة من عرض فيه كثير من التكريم للذات ولمن تخاطبه ،وفخر بما تكتبه، حتى أن رماد ضوء منها يكفي حاجة الباحث عن الضوء ليرى الحقيقة .
وتعلو في قصائدها أصوات الحياة والإصرار على المواجهة ،ومحاربة أسباب اليأس كلها، في لهجة قوية الثقة معبأة بأنفاس فخورة،وهي تحمل ضمير جماعة المتكلمين طاقة إيجابية عالية مليئة بالاعتزاز ، عالية مع ألألف اللينة الفرحة المشعرة بالقوة وبالثقة التي لازمت القافية ،تقول :
ثملت بزرقة بحرنا لجج الهوى
ومضت تغص بريقها الأمواج …
وجرت بنا الانهار تشعل في المدى
مدد الحياة وفي العروق فجاج…
إن السماء قريبة من سقفنا
نحن الصلاة وصوتنا المعراج…
وترف في الاشواق اجنحة الرؤى
وتشف حتى في الشغاف زجاج…
مدد …مداد قصيدتي …في مدها
تتمازج الأفلاك والابراج ..
من غربتين و زرقتين على فمي
تلد السماء وتولد الامواج …
وفي قصائد ربا شعبان روح شعرية ذكية واضحة المعالم تستند إلى معجم شعري يربط بين قطبيه؛ الأمن والخوف اللذين يتمخض عنهما الحب والكره والحرية والعبودية،واللقاء والفراق …وما بينها من التفاتات من الصمت والتفكر في مجالات الحوار الداخلي العمي؛ ففي قصيدة “ترنيمة تظهر قدرة الشاعرة على اختيار الألفاظ المناسبة عموديا وأفقيا لبوحها،فقد انقسمت الألفاظ على الدائرتين العميقتين ؛الأمن والخوف فجاءت الثنائية الضدية التي حركت القصيدة مدججة بألفاظ وعبارات وصور تعبر عن هذا الصراع :
:حلاوة الحب المعتق
هواك
نهرا من العسل المصفى …
ولأننا شعر مقفى .
ستعيدني عزفا فعزفا …
وتستمر في عرض الحوار القاسي بين موقف وموقف ،وبين ما كان وما أصبح ،وبين ما يريد المحب وما تريده هي ،وبين الماضي المصاحب لأفعال كان والحاضر المصاحب لأفعال الأمر المعبأة بعبارات الالتماس،تقول:
ما زال نصفي في الهوى يشتاق نصفك
وانا اكتملت
وهذه الاقمار تشهد
أنني ما عدت نصفا …
هذي القصائد كلما شفت وهذا القلب شفا
ما ذاب صوتي
إنما لا بد عفا
إن كنت تعذره وتعذله
فكن
ما شئت نزفا
كأس الحرائق إن أردت
وإن تكن كالماء صرفا
و تظهر الأبيات السابقة قدرة الشاعرة على اختيار الألفاظ التي تعطي صورة واضحة مليئة بالحركة والإيحاء وتعضدها بالتكرار :
فهي في هذه ال”ترنيمة”
اختارات لألفاظ التي فيها ايحاء وحركة :رفا ورفا
رشفا ورشفا ..و عزفا فعزفا و شفّا
و عفّا
حتى تصل إلى لحظة السكون والرضا بعد عددت كل ما يجعلها سيدة الموقف :
إن كنت تعذره وتعذله
فكن
ما شئت نزفا
كأس الحرائق إن أردت
وإن تكن كالماء صرفا
وتحتفي الشاعرة بالثنائية الضدية في وصف تميز المرأة وتفوقها وقوتها وأثرها في الحياة،وفي التعبير عن اعتزازها بأنوثتها وتفاخرها بها، فهي تؤكد أنها ليست رقما زائدا ،أو ضلعا ضعيفا،وإنما هي النصف الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فعند أنوثتها تتجمّعُ الأضدادُ؛ نعومة ورقة وبرد وسلام وشهد إلى جانب العلقم والنار
وهي الأمومة والطفولة والهوى
وأنا الأمومةُ والطفولةُ والهوى والقرب تقول في قصيدة”ضلعٌ أعوج” :
تتجمّعُ الأضدادُ عندَ أنوثتي
فأنا جليدُ النارِ ..شهدُ العلقمِ ..
وأنا الأمومةُ والطفولةُ والهوى ..
وأنا حريرُ القُرب …بُعد الأنجمِ
وتخاطب الرجل بلهجة الواثق المعتز بذاته وجنسه ،فتذكره بأن النساء حاكمات وملكات وأمهات وأنه لا يستطيع أن يعيش لحظة من غير أن يكن معه إلى جانبه ، وأن ما يجمع الذكر والأنثى هو الحب وهو أقوى من كل ما يفرقهما :
بلقيسُ لو نكّرتَ عرشيَ مرةً
أدري بأنك في ظلالي ترتمي
ولئن ظننتَ بأن عرشكَ قائمُ
فأنا مليكةُ تاجكَ المتوهّمِ ..
من قبل أن يرتدّ طَرْفُكَ لحظةً
ستعودُ للصرحٍ الممرّدِ في دمي
نونٌ.. كضلعِ حول قلبكَ ينحني
لولا اعوجاجُ الضلعٍ أنّى يحتمي
إن مسًّه ظلمٌ سينجبُ عقمَه
رحِمُ البذورِ تموتُ إن لم تُرحمِ ..
إنس..ان ..نحن اثنان .. إلا أننا ..
رقم إذا قسّمته لا يُقسَمِ
نِدان أو ضِدان إمّا أظلمت
سيضيؤنا حبٌ بليلٍ معتمِ…
وتتجلى رقة الموسيقى في قصيدتها الصوفية
” قصيدة وصورة ” ،التي نسجتها على روي النون المكسورة ، وألبستها ثوبا باذخا من الموسيقا وحملتها على بساط من التضرع والحب الإلهي ممزوجا ببعض شذرات الفكر الصوفي كفكرة الإشراق والوصل،وفكرة الاتصال بالذات الإلهية وأثر الآيات القرآنية في النفس،والاستسلام للقدر وللذات الإلهية والتوق لوصلها:
ستشرق الروح بين الماء والطين
فبعض ضوئك يا رحمن يكفيني
من نحن إن لم نكن أنفاس بسملة
من رعشة الريح او همس الرياحين
النار في الماء هل يطفيه حيث بدا
أم ان ناري حيث الماء تصليني ؟
هذي الطريق بنا تمضي ويسبقنا
لهاثنا المر بين الحين والحين
يقتاتنا الجوع والأمطار تشربنا
وحسبي الحب حب الله ينجيني …
لي حظوة عند من احببت تشفع لي
أني بحرزك بين الكاف والنون …
هذا يقيني …
يقيني كل عاصفة
ما دام صوتك دفقا في شرايني
وتعنى ربا شعبان بالصورة الشعرية الجديدة فهي في قصيدة ” إلى الناجي الوحيد من الغرق” تصور وجعها وحزنها وألمها وعجز الحروف عن الوصول إلى رواء النفس من البوح والتعبير عن خليط المشاعر،فهي تجعل الملح والماء جزءا من صوتها يثقلانه ويتعبانه ويمنعانه ويحولان دونه والبوح ، وجزء من كبدها يوجعانه ويرهقانه،تقول:
الملح والماء في صوتي وفي كبدي
فكيف أجرؤ أن أرثيك يا ولدي !؟
والأقذار بحر يغرق أرواحنا وأجسادنا كلنا:
نجوت من بحر اقذار بنا عصفت
والكل فيه غريق الروح والجسد
كم ذا لبسنا ثياب الذل زائفة
وللغضب نصيب من البوح فهو حاضر في كثير من قصائدها ولكنها لا تزيده إلا بمقدار ما يعاتب المحب شعبه وربعه ، تحركها حرقة صادقة وألم حقيقي وحزن ممزوج بالحسرة والقهر ،من غثاء كثاء السيلتقول:
هل ضاقت الأرض ام اقدارنا اتسعت ؟
أم قد غدونا كملح البحر و الزبد …!؟
وبعد فإن هذا غيض من فيض إذ تمتلئ قصائد ربا شعبان المتنوعةالنسج بكل ما يدهش ويمتع ،وبكثير مما يستحق القراءة والدراسة ،وفيه كثير من القضايا التي تصلح لتكون موضوعات غنية لرسائل وابحاث وأطروحات. وهذه مقالتي إشارة ودليل متواضع يعرف بهذه الشاعرة العالية المبدعة
د. محمد السماعنة