ابصرته في شارع الجمهورية , عرفته في الحال : خاجيك كرابيت بسوالفه الطويلة وجسمه الممتلىء يبدو متعبآ لا بد انه قادم من بلاد بعيدة , عندما دنوت منه عرفني في الحال , خاطبني بابتسامته المعهودة اين بقية الصحب ؟ حمزة حمامجي , عبدالله ابراهيم , عواد علي , اسماعيل ابراهيم والاخرون . رغبت الجلوس في مقهى ( الجماهير ) وبحثت عن مكتبة ( الطليعة ) ولم اجد لهما اثرآ ولكن يا خاجيك اخبرني ما الذي اتى بك الى كركوك بعد هذا الغياب الطويل ؟ اجابني كتاب اصدره ( عدنان ابو اندلس ) تذكرني فيه عبر حسراتي الافيونية فاردت شكره والثناء على صنيعه واستطرد قائلآ اخبرني يا رجل لماذا ترك بلاد الاندلس وجاء للاقامة في مدينتنا اهو اشبيلي ام قرطبي وربما من اطراف مدينة ( الميريا ) قلت ( ابو اندلس ) كنية يعتز بها عدنان فاتخذ منه اسمآ يوقع كتاباته فهو خالصي المولد ونشأته في قرية ( باجوان ) من القرى الوادعة المنتشرة على اطراف كركوك . احبك واراد ان يتشرب الانفاس التي كوتك واشتاق الى عالمك فاسترجعه في هذه القصيدة التي عنونها ( حسرة خاجيك ) خاطبك فيها بحميمية واثرة اسيانتين واراد ان يسترجع شرفتك المقابلة سينما الحمراء تلك الشرفة التي تعودت الاطلالة منها على الشارع الكركوكي وتـأمل الناس وهم يدبون بخطاهم جيئة وذهوبآ , تلك الشرفة التي شوهد ( ابو اندلس ) يقف امامها وينظر الى افاريزها ودعائمها وهو يتحسر على اهلها الغائبين وان حسراته امتزجت بحسراتك وتناسل منها هذا الكتاب الذي ضم القصيدة العتيدة وترجماتها الى ثلاث وعشرين لغة يخبرني خاجيك قرأت القصيدة وتلوت ترجماتها في الارمنية والتركية والكردية والانكليزية والفرنسية ولكن هل في مكنتي ان اقرأها في الصينية ؟ سابذل جهدي لتعلم هذه اللغة وفك طلاسمها لانني متيقن من صعوبة هذه اللغة . يسألني خاجيك لماذا لا يمر احد من الصحب في الطريق انه المساء وموعد جولة ( حمزة حمامجي ) حان فهو يتدروش في هذا الوقت محاطآ باصدقائه الطيبين يحيطون به يصعد واياهم الى اعالي الطريق ويقفون عند بائع شاي يحتسون اقداحآ منه ثم يطلقون لطيور اول الغسق تأملاتهم تاركين فيها نكهة رغفان قصائدهم وحكايات ( حمزة ) تدور مثل كهاريز كركوك التي تلتف على الحواري وتغذي البساتين بمياهها العذبة . انه الزمن لقد تغير والسنون تكومت وسحت عليها الاغبرة الثقال لم يبق من صحبك القدامى الا (اسماعيل ابراهيم) وهو معتكف داره يعيد قراءة قصصه القديمة , يتأدم بنكهتها ويتحمم بذكرياتها الحارقة .
ان قصيدة ( ابي اندلس ) التي حاول فيها ان يمسك بعالمك ويشتبك مع فضاءاته واطلق لمخيلته العنان في عناق كلماتك التي نثرتها في كتابك ( الحسرة الافيونية ) ولكن هل صحيح ان هذا العنوان كان ( الحشرة الافيونية ) الا ان الحشرة انقلبت الى حسرة وظهرت مجموعتك باسمها الجديد كنت سعيدآ بهذا العنوان الذي هبط عليك من السماء كأنه المن والسلوى واعجبك وحتى صحبك جميعهم احتفوا بهذا الظفر العنواني لا يستطيع اتيانه الا من اجتمعت لديه الموهبة المقتدرة .
اراك مستعجلآ للقاء ( ابي اندلس ) الذي غادر عرفة واختار دارة في جنوبي كركوك ستذهب اليه ولن يصدق زيارتك له يقول هذه معجزة في هذا الزمن الذي شحت فيه المعجزات يتركني وهو يردد اسطرآ سريالية من كتابه الشعري :
” اذ يتألم الليل على كآبتي
ويوقظ الحزن حنانه
سوف اغزو البحر بقصائدي
ربما انك يا كآبة تتمايلين خلف اسوار قلعتي
ترتلين اناشيد الموت . “
وعندما يغادرني صاحب ( الحسرة الافيونية ) بحثآ عن دارة ( ابي اندلس ) افكر كيف انني لم اساله عن دراجته الهوائية العتيدة , هل يا ترى نسيها بعد ان ركنها امام محل المصور ( اوانيس ) وهل ما زال يعتز بربطة عنقه التي كان يتركها للريح تطيرها وهو يدوس بقوة على دواستي دراجته الاثيرة ولا ادري كيف سيجري اللقاء بين الشاعر وبين الكاتب الذي اعاده الى المشهد الثقافي وكل هذه الاشياء التي بدات واختلطت ببعضها البعض والايام التي تناسلت وضيمها الطامي وانتهاؤها في هذا الكتاب الذي تسمى ب ( حسرة خاجيك ) والذي دفعه الى القدوم وتحمل كل هذه المشقات وفي هذا الزمان الرديء الذي يسرق الدفء ويعري العظام كما يقول صديقنا العزيز والخالد ( مؤيد الراوي ) .
في حوار اجراه عدنان ابو زيد مع الناقد الدكتور عبدالله ابراهيم ذكر د. عبدالله ابراهيم ان خاجيك كتب مطولات شعرية ركيكة استلهمت تاريخ ارمينيا كما يعرفه هو ،ثم دبج ديوانا نثريا يعج بالأخطاء اللغوية بعنوان ( الحشرة الأفيونية ) لكن منضد الحروف لم يكن يفرق بين حرفي الشين والسين ، فصدر بعنوان ( الحسرة الأفيونية ) .
والحوار نشر ثانية تحت عنوان ( عبدالله ابراهيم : كركوك أنتجت أدبا متنزها عن التعصب والتطرف ) في مجلة كركوك اليوم – فصلية علمية ثقافية -العدد 36 شباط 2019 ص 119 – 126 .