جاء السؤال؛كالتالي:ماذا يعني اليوم فوز كاتب بجائزة نوبل،دون أن تكون أعماله مترجمة إلى العربية؟
تقديم الصياغة بهذه الكيفية المتحايلة في اعتقادي،ربما تفاعلا مع سجالات ردود الفعل المتداولة سواء عبر صفحات الوسائط الاجتماعية؛وكذا المستمر وجوديا من الكتابات الإعلامية الورقية،غاية الآن،حينما تم الإعلان منذ أسبوعين تقريبا عن فوز الشاعرة الأمريكية لويز غلوك بجائزة نوبل،ينطوي بلا شك ضمنيا على مساءلة نقدية؛قد تختلف مستويات حدتها،سواء ماتعلق بمصدر الجائزة ومختلف الحيثيات العالقة به،ثم اللغة العربية من جهة أخرى.
بالتأكيد تعرضت دائما جائزة نوبل،على مستوى روافد استحقاقاتها الخمس،لانتقادات يمكن عموما،اختزال مختلف تفاصيلها الصغرى؛ في ملاحظتين اثنتين :
*هيمنة المركزية الأمريكية- الأوروبية،بحيث اقتصرت بالدرجة الأولى اهتمامات أعضاء لجنة نوبل على مايعتمل داخل المراكز البحثية والمؤسسات العلمية للغرب،في حين غيب، بل أهمل ذكاء؛باقي الحضارات الأخرى.
*الحضور الضمني الخفي والمهموس،لموجهات البوصلة المعيارية للايديولوجي، بخصوص التوجه العام لاستنتاجات أعضاء لجنة نوبل،مما يؤثر سلفا على النقاء التام للابستيمي والصفاء المعرفي والعلمي وشفافية الشعري،مختزلا إياه تعسفا وظلما،إلى دوامة الحسابات الضيقة جدا للسياسوي.
ومنذ سنوات ليست بالقصيرة،أضيفت مؤاخذة ثالثة إلى السابقين المترسخين منذ عقود،تتمثل في كون الجائزة أصبحت تؤول بكيفية آلية إلى أسماء مغمورة وغير معروفة إعلاميا،الأمر الذي يشكل مفاجأة كبيرة للمتلقي؛لاسيما المختص المتتبع،في حين أخفقت موعدها مع أسماء إبداعية راسخة،متداولة نصوصها وكتاباتها بكيفية معلومة لالبس معها،يتم تجديد ترشيحها كل سنة،نظرا لرجحان فوزها بهذا التتويج العالمي المتميز؛لكن دون جدوى،بحيث تفاجئنا أكاديمية ستوكهولم برأي مناقض تماما لمجرى التيار إن شئنا.راهن،أتاح المجال واسعا،لآراء صارت تجمع دون تردد،بأن جائزة نوبل فقدت ماتبقى لها من بعض ممكنات بريقها.
عموما،إنه سياق يقودنا صوب متاهة نقاش طويل وسجال لاينتهي،ينصب على قضايا كبرى،من قبيل : أسبقية المبدع أم الجائزة؟أيهما يخلق الآخر؟هل ظفر حقا،جميع المؤسسين الرواد بالجائزة،على الأقل،بعد ترسخ تاريخ أدبيات التنافس حول نوبل؟مامعنى مفهومي مغمور ومشهور؟هل الشهرة،فيصل حاسم؟ماهي حدود بداية الإبداع وتراجع الدعاية؟ثم ماالذي فوض لأعضاء أكاديمية ستوكهولم،هذا الحق المطلق بخصوص تحديد المعايير الإبداعية القطعية؟وماهي حقيقة المضامين السرية لمداولات أعضاء اللجنة؟إلخ.
بالعودة إلى تضمينات إشكال البداية،أعتقده ينطوي على سؤالين فرعيين شائكين، تقتضيان بدورهما تأملا عميقا :
*الإشارة إلى مفهوم مركزي،يمثل بؤرة تطوير نقاش موضوعي،بخصوص علاقتنا نحن العرب سواء بجائزة نوبل،وغيرها،أقصد قضية الترجمة ومدى قدرتنا على إنتاج الأفكار وتصديرها نحو العالم قاطبة. فهل امتلكنا خلال يوم من الأيام،مشروعا متينا بهذا الخصوص؛يشكل بوابة لتعريف العالم بكل مايكتب هنا؟طبعا الجواب،بالنفي.والأرقام الواردة في هذا الإطار مخجلة جدا،ويندرج أساسا أغلب مايترجم،ضمن نتائج علاقات شخصية؛ وسعي فردي لهذا المبدع أو ذاك.
*هل تدافع الدول العربية إن امتلكت أصلا مؤسسات،بزخم ونفوذ،عن ترشيح أدبائها ومبدعيها الجديرين بهذا المقام؟أيضا،الجواب بهذا الخصوص أكثر بداهة ووضوحا من سابقه،فالضعف والترهل العميقين اللذين ينخران دول المجموعة العربية المنتجة لأدب بهذه اللغة،يجعل هاجسا من هذا النوع،بعيدا بمسافات ضوئية،عن الأولويات المطروحة بالنسبة للمنظومة الرسمية؛مادامت قوة لغة وتسيدها العالمي من قوة أهلها على جميع المستويات.
جائزة نوبل و”المؤسسة الفكرية”العربية؟
بقلم: سعيد بوخليط
تعليقات الفيسبوك
الترجمة الأدبية لم تعد في توجهاتها وحركتها ومقاصدها العامة ميدان تعارف ثقافي وأدبي بين الشعوب للأسف الشديد .. لقد طوعتها الأِتجاهات السياسية المسيطرة عالمياً وخاصة في علاقتها بسوق الكتاب ومعارض الكتب واللقاءات والمهرجانات الأدبية العالمية في الأِسم ، والصغيرة في المحتوى والطموح الأدبي والأِنساني .. جائزة نوبل هي جزء من هذا العالم ، والمشرفون عليها ليسوا ملائكة ، انهم يتعرضون لتأثير اللوبيات والقوى النافذة في قارتهم أوربا وفي العالَم . كثير من الأدباء والشعراء الموهوبيين بحق لم يصل نتاجهم الى الأمم الأُخرى عن طريق الترجمة بسبب انهم لا يمتلكون العلاقات والنفوذ أو لا يتملقون القوي والمسيطر في الوسط الأدبي ـ السياسي ، في حين جرى ترجمة أعمال قميئة لمزيفين وأدعياء ومرتزقة لبسوا قناع الشعر والأدب ، ورحب بهم أسيادهم لأنهم بحاجة اليهم ستراتيجياً ليتم تكريسهم كأسماء لامعة داخل أوطانهم وشعوبهم و أممهم .. الترجمة الى الألمانية من العربية مثلاً يشرف عليها مجموعة من أقزام الأستشراق الألماني السائر في خدمة الخط الصهيو أميركي ، هم يختارون ( الشعراء والأدباء ) ويترجمون أعمالهم ويمهدون لهم الطريق بترشيحهم لمهرجانات الأدب والشعر العالمية في المانيا وأوربا والعالم بينما يعلم السادة المشرفون الكبار ان العربي المشترك ليس لديه القدرة على منافسة الآخرين الأوربيين والأميركان ابداعياً .. هناك استثناء ان بعض الشعراء العرب مثل أدونيس فرضوا ترجمتهم واشتراكهم لشهرتهم التي حققوها في زمن ماض هو ليس زمننا هذا وكانت ألأحوال فيه تختلف عن أحوال هذا الزمان . ومع هذا فلم ينل جائزة نوبل كاتب عربي مثل أدونيس أو عبد الرحمن منيف وما نالها بدر شاكر السيّاب أو نازك الملائكة وهما مَن راد وقاد حركة الشعر العربي الحديث في بداية شبابهما وفي أعمار 22 سنة للسيّاب و 25 سنة لنازك الملائكة مسجلين بهذا اتجاهاً جديداً في حركة الشعر العربي بعد حوالي 1500 سنة من مسيرته . نال الجائزة شاعر هنغاري يهودي مغمور اسمه ( Imre Kertesz ) قبل سنوات ولم نكن سمعنا بأِسمه من قبل نحن دارسي الأدب المقارن في المانيا ، ونالتها هذا العام الشاعرة الأميركية اليهودية ( Louise Glück ) وهي أيضاً من اصول هنغارية يهودية واسمها ( Glück ) الماني ويعني في اللغة الألمانية السعادة أو الحظ . التوجه السياسي في منح جوائز الأدب االكبرى في العالَم الغربي واضح وهو نفسه الذي سيسود في العالَم العربي على العموم وان لحين ، وهونفسه الذي يقرر بشكل عام من هم الأدباء والشعراء الذين يستحقون الترجمة والمشاركة في اللقاءات الدولية .. أما الجهود المنصفة المضادة فهي جهود فردية ونادرة وتتجلى فقط عند أصحاب المعرفة والضمائر والشجاعة ، وهؤلاء قليلون للأسف في عالَم اليوم لكنَّ الأمل المعقود عليهم كبير..
شكراً للزميل بو خليط على جهوده في كتابة المقال وانتباهه الى هذا الموضوع المهم .