سلام إبراهيم: في الوسط الأدبي العراقي
كيف يتصرف الروائي العراقي حينما يسمع رأيا في رواياته (1) (ملف/137)

في زيارة من زياراتي السنوية إلى بقعتي الدامية، وأظن في عام 2009حاملاً روايتي الثانية “الإرسي” الصادرة لتوها في القاهرة. اختلطت بالوسط الأدبي ممن لم يغادر. كنتُ أتابع طوال سنين المنفى ، لا بل حتى وسط الثوار في ثمانينات القرن الماضي كل ما يصدر من كتب روايات وقصص ومجلات الأقلام، الطليعة، ألف باء وغيرها، وكل ما ينشر في صحافة الدكتاتور، إذ كان أصدقائي في التنظيم المدني للحزب الشيوعي العراقي يبعثون بانتظام كلما سنحت الفرصة الصفحات الأدبية لصحف، الثورة، والجمهورية، والتآخي، والقادسية وغيرها، مرتبة حسب تاريخ الصدور. وأقمتُ أكثر من محاضرة عن أدب السلطة والحرب للثوار في القواعد.
في زيارتي الأولى سجلت شهادتي الأدبية وموقفي ونشرت في الصباح وبالأسماء على حلقتين يومي 14- 15 شباط 2004.
طبعا الشهادة صارت حاجزا بيني وبين كتاب السلطة الذين تسيدوا الصحافة التي صدرت بالعشرات عقب الاحتلال وبدعم منه، ورجعوا ليسيطروا على دار الشؤون الثقافية ووزارة الثقافة.
وهؤلاء ليس موضع الكلام هنا.
لكن هنالك كتاب ظهروا ونشطوا في سنوات الحصار، لم يكتبوا للحرب، وأصدروا العديد من الروايات والمجاميع القصصية، ونشطوا في اتحاد الأدباء، والمحافل الأدبية. وعن هذه الشريحة أتحدث.
في الزيارة التي ذكرتها وعقب ندوة أقيمت لي في اتحاد الأدباء عن “الإرسي”، زادت من احتكاكي بالأدباء المذكورين. وكنتُ سعيدا بهم حقاً.
في ظهيرة التقيتُ بروائي هو طبيب أيضاً في بارٍ –زاخو- القريب من الباب الشرقي، استقبلني بالأحضان وطلب مني الانفراد في طاولة منزوية عن الأصدقاء لنتحدث بتفاصيل، وفعلاً أصبحنا لوحدنا، فأبدى إعجابه بما أكتب وأخبرني أنه من المتابعين لما أنشره في الصحافة العربية من قصص ومقالات نقدية كانت تصلهم سراً وقت الحصار، وخصوصاً صحيفة “القدس العربي” التي كنت أنشر في صفحاتها الأدبية غالبا وبشكلٍ منتظم طوال تسعينات القرن الماضي.

اللقطة في بار “زاخو” 2010

أسهب في الحديث عن روايتي، ومجامعي القصصية التي حصل عليها من صديقي الشاعر علي الشباني. كنتُ أنصت طوال الوقت لكلامه المتدفق بلباقة حسدته عليها، فقد بدا وكأنه لا يفكر قبل قول جملته مضبوطة الصوغ. حكي لي عن أيام الاحتلال الأولى ومحاولتهم تشكيل حزب سياسي يساري وإصدار جريدة والمتاعب التي عانوها، وهنا كانت التفاصيل مملة، والشخصيات التي ذكرها أعرفها عن قرب، غير جديرة بهذه المهمة. وما أن أفرغ ما بذهنه حتى التفت نحوي ليسألني:
– هل قرأت رواياتي؟!
رفعت كأسي بصحته، وتأملته طويلاً، وجه وسيم أبيض، بعينيه الواسعتين وذقنه المحلوق جيدا وبدلته الرسمية الأنيقة. كان يركز على وجهي مستندا بكفيه إلى الطاولة ومائلاً نحوي، وكنت حائراً فأنا لا أعرفه، مزاجه، تقبله للرأي الآخر، لكن حسمت أمري وكشأني في حياتي وقصصي ومقالاتي قلت له:
– أطلعت على بعضها ولدي ملاحظة!.
وركزتُ في عينيه المتلهفتين وهو يقول:
– يسعدني ذلك!. رأيك مهم!.
– أقرأ لكتاب عالميين، من دستيوفيسكي حتى ماركيز أفهم ما يكتبون، لكن لم أفهم رواية واحدة من رواياتك!.
سألني بصوت تلبدَّ:
– شنو اللي ما تفهمه؟!
– غرض سردك، تفاصيل مبهمة، شخصيات متداخلة، يستطيع القارئ قراءة أي مقطع والعودة لما قبله فلا يحس بالفرق!.
لم ينظر نحوي، نهض من مكانه ونادى على النادل دفع حسابه، ودون أن يقول شيئاً استدار خارجاً من البار. ومن يومها قطع علاقته بيّ تماماّ.
______________________
اللقطة في بار “زاخو” 2010

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *