هشام القيسي: أكثر من نهر (1)

شهادات

ان الكلام ليسير قدما في اتجاه واحد . وهذا هو قدره
رولان بارت
لذة النص

فلتأذن لي بأن أراك ، وقد خرجت مني وخرجت منك ، سالما كالنثر المصفى على حجر يخضر أو يصفر في غيابك .
محمود درويش
في حضرة الغياب

 

تقدمة

لم تختف
رأى فيها كيف سار الوقت
فهذه الصفحات تحدق
وتجد في كل طريق
فسحة جميلة بين نهار ونهار
تواجه مسلة البحر برئة لا تشيخ
وبأسماء حية
ألف الشاعر غيماتها
واشتعال نيرانها .
حدائق هذه الأوراق
مليئة بالنوافذ العالية
وبالأنهار
فهي لم تتكئ على أصداء يتيمة
أو تواصل لم يتقن عزفه
إنها تقول أشياء
زحف إليها الشاعر
على قارعة السفر
ومهابة الكلام
فهي في كل لحظة
تعلم أن الأسئلة
لا توقفها مسلة الأيام .
إنها من الشاعر وفيه
ألق في دفتر مُعَلّى نعود إليه
ومعرفة تربطه بهم
حيثما تبرق المعاني
لأن الأفق
في مجراه العميق يبقى
وطوال الأزمنة
ينزف حكمته
وما يليق بالمقام والكلام .

الشاعر في شهادته

تنفس عبر أجناسها ومن خلالها بعد أن نادته وحملته فهو الذي ألفها ودونها . طاردته وهو مبحر فيها ،نادته بين أمواجها في كل منعطف وتحت ذاكرة تدخن الأحزان وتوقظها .
بين حقل وحقل بحثت عنه جداول أحلام وخطوات وظمأ أزمنة وما ورث منها ، وهبها النقاء والصفاء وباقات ورود تفوح لصحبها بعد أن فتح الجرح أبوابه في الدرب الطويل .
غنى لها ورافقها
مثلما غنت له
وباحت بأسراره
وما تبقى في مدن الأمس
والسبيل الذي يئن
دنت من نزفه ، من مطلع كل عام وحتى نهاية كل عام فالأيام التي أطرت جراحاتها غدت بين وقت مترنح ووقت يكون شفيعه ، وما روته الحكايات باتت تلامس أحلامها ولا تنأى ، هو منها وهي منه
وحيدا مع المساء
زحمة من أسماء
في صخب الشعر
والقلب الحنون .
الشاعر يسكن أيامه
ما أصغت له
وما أوقدت فيه
لم تثقله المسافات ولا الأسفار
ولم تتعبه الخطوات
إنه لا ينام
وفي الكلام
يغدو نزهة
تتناولها مواقد عشق
زادها في أحلامه
وفي طريقه الطويل
ممتلئة بالأسرار
وبالأمطار .
لم يغضب ، حروفه له
وما يزال يطل منها
ولا يفارقها

التقت مواعيده بمواعيدها ، في كل يوم لم يعد بوسعه الفرار
أو تنفس النار
فهو لا يعرف كيف يختصر الدرب
أو يطفئ اللهب
فالمطر والسر والبئر والثمر
دالات لعشقه
تمضي به صوب الأفق
وصوب ما وراء الأفق
كذلك الحلم والجزر السعيدة والمحطات العديدة
تعبر الجدار
والطريق
وما يستحم بالدمع .
السفر مستمر
أوجعت قلبه محنة وعواء ليل ودهر فقأت بعض أوراقه
امتد منها ونطق فيها مرات لم يكن يحتاج إلى لغة أخرى تكون علامته ، فهو قد كشف عن كلماته بتوقد وذاكرة تسرد سخونتها .
إنه زمن تابع درسه
وعرف كيف يكون مورقا
وكيف يتوحد ويمضي إلى حيث يرمي .
الشاعر أورث أوراقه ما يفي على محمل الأفق وما يفسر أيامه حين يشتعل الصوت .

وشهادة تالية

أُسائل يومي
وأفتح نافذة للكلام
ما زلت أواجه شكل الوقت
سواء في أول النهار
أو في آخر النهار
وما زلت أمنح جرحي شعرا
كي لا ينام
هكذا أقيم الانتظار
وأقول
هذا الشجر بات يعطي
أغان لكل الجهات
يرافقه حلم
وترافقه أوراق
وأغنيات
به صوتي
يمحق حزني
وهو يطرق بابا
في اختمار الوقت
كي تعمد الولادة
في يقين السؤال
فمن هنا يسافر
إلى هواه
ومن هنا يداعب
أوتار القلب
ليشهر أوراقه
وما يمعن حوله
في الفصول
كي تخضر الأشياء .

المحطات تغادر أحزانها
ومازالت فيها رغبة
كل آن
مثلما لي الآن
طريق في البقاء
ما يفارقني حين يغدو
عصفا لا يؤجل النداء
وحين يلملم نزفه سرا
كي يبقى الضياء ،
ها هو يواصل مساره
ويسطع بين الأسماء
برحلة مفتوحة الأبواب
تينع في كل المواسم
ولا تتوقف عن الغناء .
مازال الوجد طليق الرجاء
ومازال طريقا له صوته
وله حلمه يمشي
على جرحه بسكوت
يسند عشاقه بفضاء
وحكماء
هذا ما قال نبضه
وهو غير عاقر
يقتفي دربه
ويروي جذره
عند مفترق الطرق
بين حمامة
ومصباح شاهر .

إهداء

إلى : بدر شاكر السياب ، جماعة شعر ، جماعة كركوك ، فاضل العزاوي ، قحطان الهرمزي ، مؤيد الراوي ، أنور الغساني ، سامي مهدي ، فوزي كريم ، حميد سعيد ، أحمد مطر ، هاتف جنابي ، محي الدين زنكنه ، داود سلمان الشويلي ، حنون مجيد ، ريسان جاسم ، فؤاد ميرزا ، د . جمال خضير الجنابي ،لطيف هلمت ، غزاي درع الطائي ، جواد الحطاب ، أديب كمال الدين ، باسم فرات ، بشير حاجم ، عمر السراي ، كزال ابراهيم خضر ،نزار السلامي ، ماجد الحيدر ، د. جليل الزهيري ، محمد حسين الداغستاني :

حفركم أنطق كلماتي

انه للشعر
من قبل ومن بعد
مثلما هو الشعر في كل مكان
وليس له بلد
وكل ما فيه وهج بلا حد
يمضي في الطريق
كذلك هو الشاعر
إلى ما لا نهاية
حتى يحين الفجر
وحتى يفقه
كيف يكون التجديد
باستبشار يعبر الحدود
وكيف يعبئ الأجواء
في زمن المغاليق
والصراع الذي لابد منه
لأجل الوليد .
أعوام تزاحمت فيها الآراء
بين أشكال مليئة بالسكون
وبين خطوات أجمل
لرحلة جديدة بلا أرق
وبمشاهد الحداثة
وبأبعد ما يكون ،
بصم نحو انبعاث القصيدة
كي لا يسلم بالأمر الواقع
ولا بسيرته العنيدة
هذا ما تأمله
وما حلم به
إنه السياب
لا أحد يوقف مطره
ولا غيره يسبقه في الكتاب
إنه في كل أمر للشعر
من قبل
ومن بعد
ولمدى غير محدد .
في ماضي الأيام
ومن حين لآخر
بل وفي كل حين
تطلع إلى الوقت الذي لم يأت بعد
ولا لمظروفه الذي لم ينفتح
سوى له وحده
فمن قصيدة إلى أخرى في كل أيامه
كان يعرف منذ البداية
هذا التنور المستعاد
وليل العراق
ومتاهة النكبات
وما بين صيحة وقصيدة
وبين هم وعبء
لا يعرف كيف يمضي
نزف حكمته في طاحونة الألم
دون أن يأبه بشيء .
شهد الغربة
مناديا غيمتها اليتيمة
بسفر إلى آخر الأفق
يتهجاه المصير
وما يتبع اشتعال النيران
في فقه الحريق
وفي معنى البريق ،
ردد لنفسه
وغنى لنا مرارة الأيام
بأشجانها العتيقة
وبدالاتها الغريقة ،
هو السياب
احتراق على الأعتاب
طرق الأبواب
كي لا يختفي الشعر
ولا يعاق في تمدد الأيام
وهو السياب
الباهر في الموجة العالية
كتب ما يكفي
وأرشد إلى وتيرة غير معتادة
بهمة أكثر ،
أيها الغريب على الخليج سلاما
ابا غيلان سلاما
جيكور تغنيك في وضح النهار
لأجل الشعر
والشعر يلوح لك طليقا
بكل انبهار .

جماعة شعر

أفردوا مسارا منذ البداية ، يمكن أن يكون مثابة تجري لمستقبل يأتي أو مستقبل ينتفض فيما بعد في بلاد الشعر تنهمر الأشياء ثم تسبح ساخنة حيثما تحلم في اتجاه مغاير لن يتقاعس .
تبعوا المجرى
من باب مفتوح
توقظه حداثة تتجلى
ووليمة تقول ما تريد
وتتمنى .
لهم رغبة ونظرة واعدة
نشرت أسرارها ومراسيها
صاعدة من موجة تكشف أشغالها
ورؤية تسعى في سبيلها
إنها من رشح الأيام
تمتلك شهادة
تواجه كل شيء
تحت نافذة الانتظار
ففي كل خطوة
تشهر الصوت
بعينين حالمتين
وبموجة مفتوحة الأفق
هذه الدعوة إلى النزول
هذا السفر الباحث عن صداه
كي لا يزول
لا يحاذر أن يقول
ولا يقبع في ركن
وينام ،
إنها الأشجار
والإبحار
والمراجعات
في المحطات
وإنها الطقوس
تدفع أجرها
في عز الظهيرة
وهي قد عرفت
كيف تشحن أيامها
وكيف تصغي في الاستجواب
فقد تبنت التحديث
وتبنت موت الحصار ،
أنسي الحاج
شوقي أبي شقرا
يوسف الخال
عصام محفوظ
وأسماء لا تنتهي
تحمل مفاتيحها
وتكشف المدى
بكتاب يعرف الصدى
وبنهج يجهد نفسه
بهمة أكثر
من خلف ستار
ودوار
الجماعة تطلع في المرآة
عن كل شيء
وفي كل شيء
لا يعرف الاكتفاء
ولا يحاول الإفلات
من زمن
وشعر
وأسماء ،
هي قد ولدت كي تغني
باتجاه الأسفار
والتمني .

 

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عدنان عبد النبي البلداوي : “ذكراك نور” مهداة الى روح الشريف الرضي في ذكراه الخالدة .

ذِكراكَ  نورٌ، تسامَتْ فيه دُنـيانا                             يا رائـداً  قــد مَلَكْـتَ القـلبَ أزمانا فكنتَ أصْدَقَ مَــن يَهوَى بناظِـره                           حتى …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| عبدالقادر رالة : الزعفرانة.

    لمحتها في المحطة تنتظر القطار …    الفتاة الوحيدة  التي تقرأ كاتباَ ؛ كتاب في  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *