
مقدمة عن المترجم عدنان المبارك
بقلم الدكتور زهير ياسين شليبه
الكاتب العراقي الراحل عدنان المبارك ناقد فني وصحفي ومترجم وقاص وروائي، درس الفن والسينما في بولندا، درس الإنجليزية والبولونية والدنمركية ومطلع على الفرنسية، ويفهم الكثير من الروسية، اشرف على موقع القصة العراقية حتى آخر يوم في حياته.
كانت لي تجربة رائعة في التعاون مع هذا الإنسان المتواضع بكل ما تعنيه الكلمة ولو لفترة قصيرة على موقع القصة العراقية والترجمة ومراجعة النصوص وتدقيقها.
من المؤسف أنه رحل عنا في فترة يعاني منها العراق من الفوضى والصراع على السلطة ومكوناتها بما فيها الثقافية فأصبح الصوت الجدي منسيا في هذا الزحام. وأنا أتمنى من النقاد العراقيين الشباب أن يقرأوا اعماله في الترجمة والكتابة السردية رواية وقصة لكي يطلع القراء والدارسين على إبداعه ويكتبوا عنه دراسات أكاديمية.
وهم طبعا يستطيعون معرفة هذه الأمور في موقعَي “القصة العراقية” و”أدب وفن” للأطلاع عليها.
عدنان المبارك عشق السينما منذ كان يدرس في ثانوية البصرة حيث كان هو وزملاؤه يصغون لأحاديث صديقهم مصطفى عبود عن جمالية الفيلم.
إلا أنه في الحقيقة استعاض عن السينما بالتشكيل والنظرة الثاقبة والسرد، وأخيرا في التسعينات إستخدم الكومبيوتر الذي صار بالنسبة له كل شيء، يخترق من خلاله الزمان والمكان وعالم الأشياء وقهر الناشرين المتسلطين.
أتذكر تجربتي معه عندما اشرفنا على موقع القصة العراقية لفترة قصيرة ثم تركتها بسبب مشاغلي الوظيفية بأنه رغم كونه متطلبا إلا أنه كان متساهلا متسامحا ويحاول أن يصوب الأخطاء قبل نشر النصوص رغبة منه في تشجيع الآخرين على النشر في الموقع، وبالذات الأسماء غير المعروفة آنذاك.
أحببت عدنان المبارك كثيرا أديباً وشخصاً دمث الخلق ولأنه كان صادقا لايدّعي ماليس له به ودقيق المعرفة والتواضع ومتعلما جيدا وساخرا ونشرت بكل بعض القصائد الدنمركية المترجمة من قبله.
كتب العديد من الرسائل الثقافية واستعرض الإصدارات الجديدة وترجم الدراسات المهمة، أما مساهمته في الكتابة عن معرض الفنانين التشكيليين الأجانب الذي نظمته شخصيا بالتعاون مع متحف الفن الحديث في مدينة روسكيلده عام 2001 فلا تقدر بثمن حيث كتب عنه مقالا رائعا.
خيراً فعلت صحيفة “العالم” العراقية وموقع “الناقد العراقي” بإعادة نشرها بعض قصائده الدنمركية التي ترجمها إلى العربية، والتي نشرها في موقع القصة العراقية أيضاً، وأخيرا لابد لي من ذكر تجربة اعداد ملف عن الراحل عدنان المبارك ونشرته جريدة الزمان العراقية، وشكر المساهمين في الكتابة عنه مثل الكتّاب ميسلون هادي وعادل كامل واسماعيل الغزالي وحسن بلاسم الذي كرس روايته الرائعة لمراسلاته مع الراحل عدنان المبارك وآخرين لا تحضرني الآن أسماؤهم.
كذلك لابد من التنويه بمبادرة الأستاذ الرائع كريم النجار وزملائه في موقع ودار نشر أدب فن الالكترونية إصدار المجموعا تالقصصية الكاملة للراحل عدنان المبارك على ثلاثة أجزاء، حيث أودع لديه عشرات القصص القصيرة. والذي طلب مني أن أكتب مقدمة له لكني مع الأسف خذلته ولم أستجب لطلبه بسبب مرضي.
وخير ما أختتم به هذه المقدمة مقطع من رسالة الأستاذ كريم النجار الذي يلخص محبتنا لهذا الكاتب العراقي الراحل عدنان المبارك وكل الكتّاب الآخرين المنسيين مع الأسف في حفلات السياسيين وفوضاهم الصاخبة ” وفاؤنا له يجعلنا أمام مسؤولية جمع نتاجه، سواء القصصي أو الشعري والنقدي والترجمات واليوميات، وهو كاتب حافل بكل هذه الأنماط الأدبية ومنتج مثابر حتى في أشد حالاته المرضية، وحتى قبل يومين من وفاته أرسل لي مجموعة من المواد نشرتها في موقع مجلة (أدب فن)”.
سبق وأن أصدرت أدب فن مجموعة كتب في حقول مختلفة لعزيزنا عدنان المبارك، تجدها في الرابط التالي:
وأقدم هنا بعض القصائد الدنمركية للشاعر فرانك ياغر التي ترجمها الكاتب الراحل عدنان المبارك.

فرانك ياغر
ترجمة عدنان المبارك
يوم الأحد من أيلول
البومة تنقضُّ على فريستها.
من بُعد تقبلها أولاً
باللسان.
تقطع جنبها بالمنقار
وتعصرها بالمخلب.
تشمُّ الدمَ
وتحدق فيه.
البومة تحط على الشجرة وتنعق.
البومة شبعى، وتحط وتنعق.
الخريف. الخريف.
قصيدة- الكينونة *
آه، لو أكونَ دجاجةً،
لا أحد يستطيع أن يعرف، أين هي.
تختبئ في طرف قصي** من حديقة،
تلتقط حبّة توت حمراء الجلد.
آه لو أكونَ دميةً – كلبةً،
تقبّل صبيًا ذا عين لامعة،
تسكن على ذراعيه الودودتين،
وتنام شبعانة في فراشه.
آه، لو أكونَ تفاحةً،
تكتنز بالغنى والسكينة.
تمتص عنقها*** بنهم،
تغادر مكانها في يوم نهاية الصيف.
آه، لو أكونَ صعلوكًا
يقف في الطريق المبتل بالمطر.
وحيدًا، مخمورًا، بائساً.
هكذا فأنا الصعلوك هو.
——
*إختار الشاعر عنواناً محيراً إلى حدما ووضع خطاً بين الكلمتين إرتأينا إبقاءه لإطلاع قاريء العربية على طريقته.
** في الأصل: عميقاً في حديقةٍ
**في الأصل: السويق الصغير الرفيع الذي تتعلق به التفاحة: زنيد، ذنيب
خارج من شتاء ما
كُن قويّا ومُرْ،
الباب قد أوصد.
أنظر، كل شيء بارد وأسوَد،
والشمس قد انطفأت.
تغني بروعة في الليل
في الأيك كله،
لكن عليك أن تواصل وسط الظلام
تذكّرَ
بأنّ عليكَ أن تمرَّ،
وترحل وحيداً
وتسمع الزمن يذوب
من جميع الأغصان.