ديوان للكاتبة والشاعرة العراقية هبة محمد صفاء، تولد بغداد – الرصافة 1985م، وهي المجموعة الشعرية الثانية لها بعد مجموعتها الأولى – شقشقة حبر – الصادرة عن دار أس ميديا عام 2017م.
صدر الديوان عن دار الوسط/ وتريات قصيدة النثر عام 2020م ويقع في 115 صفحة من الحجم المتوسط وبصورة غلاف من تصميم الشاعر الحسين بن خليل تنسجم مع عنوان الديوان الذي يترجم لنا تجربة شعرية نسوية ويقول لنا هيا بنا نسكب الضوء لنجد مفاتيح المتاهات:
أي ذنبٍ أقترفتهُ
القهوة المسكوبة
في عينيك،
وعبق الياسمين
في نحرك،
لتترك في الروح
ذلك اليتم المبرح
…
برعت الشاعرة بتنويع الثيمات الشعرية التي تحتويها المجموعة فهي تلخص لنا أعمق لمسة جمالية حيث أن الشروع في القرآءة يجعل المتلقي يلاحظ موتيفات منوعة من (القدر، الوداع، الحب، الوطن، الإنصاف، الشوق، الرحيل، الغياب، الغربة، العتاب والخيانة)، ترسم بها لوحة بانورامية فياضة بالتأمل والعواطف مستسلمة لهيكلية متوازنة هيئةً ولغةً:
…
وحجبت البصر،
لأراكَ بعين بصيرةٍ:
رجلٌ كفيفٌ قلبهُ
يبلغ في عمر العاشقين
ألف حكايةٍ وألف ألف جديلةٍ
…
وأتقنت الشاعرة لغتها ومختارة رمزيتها بتأنِ وحذر محاولة منها في شعشعة ملامح خارطتها الإبداعية ومُغنية تجربتها برموز لغوية شعرية (ياقوت شريان) الذي عنت به الدم و(موكا) إشارة منها لحبات البُن و(الفرات) كناية للعطاء و(المجدلية) منسوبة إلى مريم المجدلية مما جعل نصوصها تتراقص بحجول دلالية فنية وإبداعية بقولها:
…
بغدادُ
مهركِ إذ طلبتهِ
جاهزٌ
ياقوت شريان
قد وهبتِ لزاماً
وأيضاً:
أستحلتُ مكوناً
لموكا لذيذة،
قوامها أنتَ
وبضعٌ مني
ويبدو أن الشاعرة يؤسرها حب الوطن وثراهُ فنراه يرفل في فضاءاتها الهاجسية ملتوياً مع جرعات الصبر على الأسى وهو صرخة حالها في بلاد منهوبة الأمان فائضة بالفوضى:
شهبٌ
على ترب الرافدين
أناخت
برحل صباها تبتغي
في سلمها
أوطاناً
وتتذمر الشاعرة بصورة فطرية بعض الشئ وتذمرها هذا ما هو إلا توليد رفضها للعناء والمقاساة وتعبيراً عن ذاتها ككيان مستقل ترفض وتنفعل وتقف شامخة لتقول:
…
يا حكام العار
أليكم ألقيها
دون إستثناء
لن يرحض عار خيانتكم
بعطور الدنيا جمعاء
وأيضاً:
…
ستصحون يوماً على صوت شعبٍ
بهيئة موتٍ
ينادي (كفى)
ما عاد في العمر
إتساع
…
ووظفت الشاعرة فطنتها ولغتها البسيطة في صنع لعبة التساؤل بصيغ شعرية زادت إبداعها دهشة:
يتجهُ
مؤشر خافقي
نحو العدم،
من عساه يعيرني وتيناً؟
…
وأيضاً:
هل هي مصادفة
أن ترتدي الأشياء اللذيذة
لون السمرة؟
…
وأيضاً:
…
أستكنتُ لمدارات روحك
بلا احتجاج أو أستنكار فما حيلةُ
كواكبي أمام شمسك؟
وأيضاً:
…
لِم الأكفان دوماً من نصيبنا
والموت والدمار؟
فهل تراها يا ترى أوطاننا إيجار!
وأنتم السكان؟
ولا تخلو نصوص الشاعرة من الإشارة للذات مستخدمة الضمير -أنا- لإبراز كينونتها وإيضاح صوتها الأنثوي ضاربة شدق التقليد بقولها:
أنا التي أقفُ هنا
معلّقة
بين حياة وموت
داخل الإحتضار البطئ
أتقوت رذاذ عطر
…
وأيضاً:
أنا التي تتشدقُ
بعشق الأبجديات!
أما قرأت في ترحالك
عن مكر النساء؟
ونلاحظ توكيدات الشاعرة بارزة في تكرار عدة مفردات (الامل، الندم، الدم، الطفل، الساعة، الأفئدة، الوجع، الروح، التوق، الصبر، العطر، اللقاء، الفرح والكبرياء) وهي بهذا تبحث لإثبات شئ يكمن في داخلها:
روحها فراشة قمر
تمرح دون البتلات الندية
توشوشها
ترنيمة فرح
…
وبالنهاية لا يسعني سوى أحمل باقات أمنياتي القلبية وتبريكاتي للشاعرة الفذة هبة محمد صفاء لما حققته تجربتها الشعرية النسوية المعاصرة من قبول وإستحسان وهي فقط بحاجة إلى متلقي فطن قادر على تفكيك إلغازها، تاركة فسحة أخرى لقرآءة المجموعة من قبل نقاد آخرين.