تعد الاستاذة نانسي روبرتسNancy Roberts من اشهر مترجمي الادب العربي وقد تميزت بترجمتها منذ 1994لاكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية لكاتبات وكتاب من مختلف الاقطار العربية( احلام بشارات-احلام مستغانمي- سلوى بكر- غادة السمان-ليلى الجهني-نجوى بن شتوان-هالة البدري- ابراهيم الكوني-ابراهيم نصرالله- عبد العزيز فارسي-عزت قمحاوي-محمد البساطي-نجيب محفوظ وغيرهم ) واعمال أخرى في مجالات السياسة والدين والاحداث الراهنة لأمثال توفيق السويدي(مذكراتي:نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية) ومحمد سعبد رمضان البوطي(فقه السيرة النبوية) ولها كتابات او أعمال أخرى.
من الجوائز التي فازت بها جائزة جامعة اركنسا (الولايات المتحدة)1994 وجائزة الشيخ حمد للترجمة 2018.
يسرني ان انشر رسائل نانسي روبرتس المدرجة في ادناه التي تلقيتها قبل ثلاثين عاما لاسباب عدة اهمها انها تمثل حالة نادرة من حالات الناطقبن بغير العربية الذين يطمحون الى تعلم العربية في الولايات المتحدة كما لامستها شخصيأ كمدرس مارس تعليم العربية الفصحى كلغة ثانية او اجنبية على المستوى الجامعي فهي تدل على ان نانسي روبرتس استهدفت منذ البدء استخدام العربية كلغة حية لا لمجرد قراءة نصوص معينة في حقل ما بل لتحقيق الكفاءة المطلوبة لاستخدامها كتابة وقراءة وكلامأ ولهذا فقد اصرت على استخدام العربية (لاالانكليزية) قي التواصل معي(ايام كنت رئيساً لقسم لغات الشرق الادنى وثقافاته(جامعة انديانا) في مراسلاتها واتصالاتها التلفونية مما لم آلفه من قبل حتى في اتصالاتي مع من اعرف من المستعربين وقد خلق ذلك نوعأ من التعدد اللغوي الذي اشارت اليه في رسالتها(بين استخدام الانكليزية والفصحى دون العامية ) . وأود ان أضيف ان نانسي روبرتس استمرت في هذا الاصرار الذي احمده على استخدام العربية خلال دراستها لدرجة الماجستير في قسمنا المذكور وقد تجلى كذلك في تقديمها لبعض البحوث امام مستمعين من الناطقين وغير الناطقين بالعربية. ولا أشك في ان ذلك كان من الاسباب التي اسهمت في فوزها المبكر بجائزة جامعة اركنسا 1994 عن ترجمة رواية غادة السمان بيروت 75 وكانت قد ترجمتها قبل حصولها على درجة الماجستيرعلماً بان هذا الاصرار يتضح فيما بعد من مشاركتها في بعض الملتقيات المنشورة على الانترنت والكلمة التي ألقتها في احتفالات جائزة الشيخ حمد 2018
أما السبب الجوهري الآخر فهواثارتها الوجيهة لمشكلة الازدواج اللغوي (الفصحى الى جانب عاميات عربية تستعمل كلغة الحياة اليومية) وما تسسببه من عقبات للناطقين بغير العربية وهي عقبات تلاحقهم في محاولتهم استخدام العربية في اقطارها(بين الفصحى واحدى العاميات) .
من الواضح ان هذه المشكلة تواجه الناطقين بالعربية انفسهم والناطقين بغيرهاأينما سعوا لتعلمها في أرض الله الواسعة وكان لها تأثيرها في تباين المذاهب المتبعة في تدريس العربية بين الاقتصارعلى الفصحى بدون اقحام العامية وتعليم العامية منعزلة عن الفصحى او الجمع بين الفصحى واحدى العاميات كما يتجلى من الممارسات المعاصرة في تدريس العربية في الولايات المتحدة(انظر ما اشرت اليه بايجاز”مستقبل اللغة العربية في أمريكا.هل الفصحى في خطر؟” الجزيرة الثقافية 22/3/2012 وانظر كذلك دراسة حديثة مهمة(2019) حول تدريس العربية كلغة اجنبية في العالم العربي لAndrea Facchin تحت عنوانTeaching Arabic as a Foreign Language: Origins, Developments and Current Directions. Amsterdam University Press, 2019 ).
رسائل نانسي روبرتس
9/4/1990
حضرة الأستاذ الطعمة
تحيات طيبة وتمنياتي أن تصلك رسالتي هذه وأنت بخير وبعد.
أود أولًا أن أشكرك مرة أخرى على كل ما بذلته من جهود من أجلي في سبيل الحصول على المساعدة المالية التي مُنحت إياها مؤخرًا. لا شك أنها سوف تخفف علينا العبء المالي الذي قد تشكله الدراسة خلال الفترة المقبلة ومن أجل ذلك نحن شاكرون.
بالإضافة فإن هناك بعض الأفكار والمشاعر التي أحس بإني أحتاج إلى التنفيس عنها، فمع أنها تعود من ناحية إلى زمن بعيد نوعًا باعتبارها متعلقة بعدد من الاختبارات التي مررت بها
خلال الفترة التي عشتها في الشرق الأوسط إلا أنها أثيرت من جديد وعلى نحو مؤلم في سياق مكالمتنا الهاتفية منذ عدة أيام. ومما أشير إليه على وجه التحديد الشعور بالهوان الذي راودني عندما كلمتني بالانكليزية إذ شعرت بأن لسان حالك يقول إني كنت غير قادرة على فهمك لو كلمتني بالعربية، وكما سبق أن ذكرت فإن هذا الإحساس يرجع جزئيًا إلى المناسبات العديدة التي وجدت فيها أو خصوصًا في لبنان، أن المتكلمين بالعربية كلغتهم الأم كانوا ” عم بيعملوا لي معروف” إذا ما تكلموا معي بالعربية بدلًا من أن تكون هي وسيلة اتصال وتفاهم طبيعية ومشتركة أو بدلًا من أن يقدروا ويرحبوا بالجهود التي كنت قد بذلتها لكي أتعلم لغتهم.
لكن الأمر أكثر تعقيدًا بعد! فحتى عندما تحدثت معي بالعربية ساورتني بعض المشاعر المؤلمة وذلك لأنك عندما تحولت إلى العربية لعدة جمل كلمتني بالعربية الفصحى بدلًا من أن تتكلم لهجتك الخاصة، مما جعلني أشعر بـأن بعض الحواجز قد رفعت بيننا. أما السبب في شعوري هذا فيعود إلى ما اختبرته طوال سنواتي في الشرق الأوسط ألا وهو أن العربية الفصحى ليست هي اللغة التي يستخدمها العرب بين بعضهم البعض في حياتهم اليومية وإنما هي اللغة التي يستخدمونها إما مع الأجانب “الدخلاء” أو في المناسبات الرسمية (وطبعًا لا عيب في المناسبات الرسمية ولكن…) ولهذا السبب أصبحت أربط أكثر فأكثر بين استخدام العربية الفصحى وبين الشعور بأني “مختلفة” أو “دخيلة” بالإضافة إلى الإحساس بالتكلف وعدم العفوية من ناحية، وبين تكلم العربية العامية وبين تكوين العلاقات الشخصية والتعامل مع الناس بصورة عفوية وطبيعية وحارة وودية من الناحية الأخرى، ومن الصعب جدًا علي أن أتخلى عن هذا الشعور بل وأعترف بأني لا أريد التخلي عنه إذ أني مقتنعة بأن حفاظي على التوازن بين هذين الجانبين من الحياة (وهاتين الناحيتين من اللغة العربية) في غاية الأهمية، ناهيك عن “الدم والعرق والدموع”(*) (إذا جاز التعبير بالعربية) التي كلفتني أياها جهودي في سبيل تعلم اللغة الدارجة دون فرصة اللجوء إلى الكتب وغيرها من الوسائل التعليمية (وذلك لكونها شبه معدومة).
وبالإضافة فإني أنسب حساسيتي الفائقة بهذا الخصوص إلى الشعور بأن الشخص الذي يكلمني إما بالانكليزية أو بالعربية الفصحى يقول ولو بطريقة غير مباشرة أني لن أستطيع أن أفهم لهجته الخاصة، إلا أني أعتقد أنه لدي من الخبرة في الشرق الأوسط بما في ذلك التعاملات مع أناس من فلسطين ولبنان ومصر والخليج ما يكفي لكي يمكنني من فهم من يكلمني على طريقته الطبيعية (وإذا لم أفهمه تمامًا فليس ذلك إلا جزء من عملية التعلم) دون اللجوء إلى اللغة الرسمية التي من شأنها أن تبدو مصطنعة ومتكلفة إذا ما استخدمت في غير المناسبات الرسمية أو كلغة التعليم في الصفوف. وإذا لم يكن لسان حال الشخص الآخر يقول أني عاجزة عن فهم لهجته العامية فقد استنتج أنه يظنني غير مثقفة أو غير متعلمة إذا تكلمت العربية العامية. فمهما كان التفسير الذي أتوصل إليه بخصوص مثل هذا الموقف فلا أنتهي إلا إلى الألم والإحراج والإحباط الشديد.
أدرك أن هذه المسألة قد أصبحت قضية حساسة وشخصية جدًا بالنسبة لي، ومن أسباب ذلك أن ما دفعني أصلًا على الذهاب إلى الشرق الأوسط كان رغبتي في فهم الشعب العربي والدخول ولو بصورة محدودة إلى عالمهم الفكري والروحي والاجتماعي بهدف التفاهم المتزايد بين الثقافتين الشرقية والغربية، الأمر الذي يجعل اللغة العربية أكثر بكثير من مجرد مادة علمية بالنسبة لي.
أرجو أن لا تواخذني على الصراحة التي قد عبرت بها عن نفسي في هذه السطور، كما أتمنى أيضًا أن تفهم وجهة نظري وأن تحاول مراعاة مشاعري بهذا الصدد. أدرك أن بعض أسباب الإحباط بما فيها الاعتماد على الانكليزية كلغة التعليم في الصفوف قد تسبب لي المزيد من الصراعات المستقبلية إلا أن أملي هو أن أتمكن من التغلب عليها عن طريق مواجهتها بالصبر والصدق وروح الانفتاح.
وفي الختام أؤكد لك مرة أخرى احترامي الوفير وشكري الجزيل.
المخلصة
نانسي غوفي(روبرتس)
18/4/1990
حضرة الأستاذ الطعمة
تحية طيبة وتمنياتي أن تصلك رسالتي هذه وأنت تنعم بتمام الصحة والعافية وبعد
لم يسّرني استلام رسالتك المؤرخة بـ 12/4/1990 فحسب وإنما أراح ذهني أيضًا إذ أن وصولها رفع عني الخوف من أني كنت قد أسأت إليك بالإفصاح عن همومي وها أنت قد كرست قدرًا لا بأس به من اهتمامك وجهودك عن طريق البحث والكتابة إلى نفس بعض القضايا التي أثرتها أنا في خطابي إليك، وسوف أقرأ ما أرسلته لي من مؤلفاتك بتمعن واهتمام.
أتوقع أن يمر الوقت بسرعة بين الآن وبين وصولنا إلى بلومينغتون في أوائل أو أواسط الصيف لكثرة ما لدي من أشياء لأفعلها، وكما قلت في رسالتي الأخيرة انتظر بحماس انضمامي إلى القسم ومواصلة دراساتي العربية بصورة رسمية في فصل الخريف القادم.
ولك مني وافر التقدير وأطيب التمنيات
المخلصة
نانسي
_________________________
(*) تشير نانسي بعبارة “الدم والعرق والدموع” الى العبارة التقليدية المستخدمة في اللغة الانكليزيةblood, sweat, and tears في التعبير عما يبذل من جهود و تضحيات في مواجهة الصعاب او المخاطر ويرجح ان ونستن تشرتشل قد استخدمها خلال الحرب العالمية واسهم في اشاعة استخدامها علما بان تاريخ ورودها يرجع الى اوائل القرن التاسع عشر اوقبله ويلاحظ ان العبارة ذاتها ترد اليوم في بعض الكتابات العربية مثل: “لا يحق للفلسطينيين اضاعة كل هذا الدم والعرق والدموع.”(الياس خوري/”لا سبيل لرفعة مصر.. غير الدم والعرق والدموع”/وأما أن تنطوي حياة تابع المسيح على الدم والعرق والدموع ففكرة بعيدة عن أذهاننا/وهذا الحق دفعت الشعوب مقابله ضريبة الدم والعرق والدموع(ليبيا)/والمشكلة أن ما نشهده الآن سوف يشوبه الكثير من الدم والعرق والدموع(الملك عبد الله الثاني)/ان التغيير الذي حدث في البلاد أتى عبر” نضال ثوري تراكمي امتزج فيه الدم والعرق والدموع”(السودان)/افتتاح معرض الصور الفوتوغرافية للمصور آدم نادل … تحت عنوان «الملاريا: الدم والعرق والدموع» في فندق «قصر الإمارات» بأبوظبي(الامارات)
.
5/10/1994
حضرة الأستاذ الطعمة المحترم
تحية طيبة وبعد
أرجو أن يصلك خطابي هذا وأنت على خير ما يرام يا أستاذ! كما ترى من عنواني لقد أتيت إلى الشرق الأوسط لمدة من الزمن حيث أعمل حالياً مدرّسة للغة الانجليزية في جامعة آل البيت في المفرق بالاردن.
لم تسنح لي فرصة توديعك قبل مغادرتي للولايات المتحدة ولكن عندما وصلني الخبر السار الذي أكتب هذه الرسالة على قفاه (انظر الوجه الآخر من هذه الورقة) أردت أن أشاركك في فرحي وأن أشكرك على تشجيعك لي في الماضي وعلى تعريفي على أمثال غادة السمان إذ إنه لولاك لما كنت قد قمت بترجمة الرواية التي دخلت بها في هذه المسابقة، لقد ترجمت إحدى مجموعاتها القصصية كذلك وما زلت أبحث عن ناشر لها. (المجموعة التي ترجمتها هي “رحيل المرافئ القديمة”.)
أتمنى لك كل خير وكل توفيق يا أستاذ كما أرجو أن تتقبل مني جزيل الشكر ووافر الاحترام.
المخلصة
نانسي روبرتس
15/10/2020
عزيزتي الاستاذة نانسي/ تحية طيبة
أرجو ان تكوني باحسن حال موفقة في مواصلة مشاريعك.
أكتب اليك لاستأذنك في نشر رسائلك المرفقة وذلك في مشروع أعده للنشر حول تجاربي وذكرياتي او انطباعاتي كمغترب في الولايات المتحدة علما باني ساضيف اليها تعريفاً يشير الى منجزاتك منذ 1994.
أرجو اعلامي بموافقتك و تزويدي-ان امكن-باحدث قائمة تضم ما نشرت من مترجمات.
مع وافر الشكر والتقدير.
صالح
15/10/2020
عزيزي الأستاذ صالح،
أطيب تحية وبعد….
سررت باستلام رسائلك، وأشكرك على اهتمامك بمن يترجم من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية وغيرها من لغات العالم على مرور السنين.
أوافق على نشرك للرسائل التي كتبتها إليك منذ هذه السنين البعيدة بل ويشرفني أن ترغب في ذلك.
ستجد طيا الملف الذي أرسلته إلى مع بعض التعديلات الطفيفة منها أني غيرت اسم “غوفي” إلى “روربتس” لكي ينسجم مع اسمي كما هو الآن، وتصحيح خطأ مطبعي عثرت عليه.
إليك أيضا نسخة محدثة من سيرتي الذاتية التي من المفترض أن تحتوي على كل ما نشرته من ترجمات ومؤلفات (على شكل مقالات في مجلات) منذ أوائل التسعينيات. (ظللت بالأصفر بعض الترجمات والمؤلفات التي قد لا تكون قد اطلعت عليه من قبل، كما أنا أضفت اقتراحا إلى ملف (worldcat identities).)
أرجو أن تكون أنت وأحبابك بكل خير، وأتمنى لك كل التوفيق في هذا المشروع الجميل.
نانسي
في كل ما يكتبه الاستاذ الدكتور صالح الطعمة فوائد جلى
تحياتي القلبية