ثالوث الإبداع في قصيدة “أثاث حديقتي النائية” للشاعر العراقي علاء حمد
رباح النوري – العراق

لا أعرف لماذا ذكرني هذا النص بلوحة التكوين. ثالوث الإبداع في النص فتح آفاقا غير مرئية للوهلة الأولى فالخيال تغلب على المحسوس والصورة الشعرية هزمت الواقع والشاعرية طرقت أبواب الجنة بعمق فلسفي يتجلى سامياً عن العقد الوراثية حتى تخيلت للحظة؛ إن الجنة هي تلك الحديقة النائية التي تعود ملكيتها للشاعر . أعود لعلاقة النصّ بلوحة التكوين كلّ خطوط النص وأن تعامدت تارة وتقاطعت تارة أخرى إلا أنها كانت متوازية تساير حركة الذات الشعرية التي منحت النص حركية منسابة على خطوط الطول ودوائر العرض في النفس البشرية. إسقاطات كثيرة ندفع ثمن اوزارها فعندما يكون الوهم أكثر صدقا من الحقيقة يحقّ لنا أن نقلب اللوحة لنراها بشكلها الصحيح لون الشاعر لوحته الخاصة بألوان أكثر دقة وجمالية من الألوان التي نعرفها كما هو ديدن الشاعر فكما تتحول الكلمات بين يديه إلى مدلولوات وإشارات تجعلنا نتيقن؛ إن للشاعر لغة خاصة به لا يجيد استعمالها وفك طلاسمها لحظة الولادة الشعرية غيره، لذلك نجد في لحظة الازدحام التصويري والذي كان يجسد عمق الصراعات الفكرية المصورة برؤية كرستالية شفافة ترتب قصدية الألوان والخطوط بحالة اتحاد تام بين المبنى والمعنى الشعري مما انعكس على شخصية النص التي كانت تكاملية تشاهدها تتشظى ألوان متعددة في زوايا القصيدة وفي لحظة الصدمة تجمعت كل تلك الألوان لينتج عنها ذلك النور بدد الكثير من العتمات التي مازلنا نخشاها رغم أننا من يخلقها حملت النص على كتفي ورحت أبحث عن تلك الحديقة الجميلة التي أغواني بها فلم أجد من يصلبني على ابوابها لأدخلها شهيدا فاتحا .
في هذا النص ملحمة أسطورية سايرت مراحل التفكير البشري من سن المراهقة الفكرية إلى يومنا هذا مرورا بعلله وعقدة حقائقه وأوهامه مستخلصة حقيقة واحدة أنه لا يوجد حق أقدس من حق الحياة وإن حتى تلك الحديقة النائية تستمد جمالها من جمال حياتنا هذه .
أستاذ علاء المتألق أحييك كثيرا فقد تجاوزت حدود الإبداع وكنت موفقا جدا بما أكرمتنا فيه بهذا النصّ فائق الجودة من لغة شعرية ممتعة وهندسة عالية وإتقان في التصوير والتقرير مؤطر بجمالية وأناقة في التعبير فكاميرتك الشعرية كانت تعقد قرانها على أفكارك على طول عمر النص لذلك كلّ صورك الشعرية داخل القصيدة ولدت ولادة طبيعية استوفت فيها مدة حملها ومخاضها فلم نجدها مقحمة لغرض التصوير. لذلك لم اقتص أي صورة من ألبوم قصيدتك لأنها رتبت كزهور الحديقة يحرم اقتطاعها
أحسدك كثيرا أديبنا الجميل دمت بخير صديقي
…………..
أثاث حديقتي النائية
……….
آلهة كبرتْ على فضلات الأساطير
في دفاترِ صدرها بعضُ التصدعاتِ المزعجة
فحولتها إلى تمثالٍ ناطقٍ
يبحثُ عن لسانهِ المسروق..
..
شجرةٌ وحيدةٌ
في باحة الكنيسةِ
حولتْها امرأةٌ إلى عذراء
وأخذتْ تقطفُ أوراقها وتُبيدُ قلبَها الساكن..
..
فأسٌ بزاويةٍ ضيقة
انزعجتْ من غيمةٍ استقرت في وادي العجائب..
..
بلبلٌ أعمى
يغرّدُ في القفصِ
ويدعو إلى زيارةِ جهنمَ بهدوء..
عنكبوتٌ بريش حمامةٍ
يحفرُ خندقا لأولادِه الضائعين..
مقبرةٌ مختصرة
لإيواء العصافير المهزومةِ من دفتر الرسمِ..
..
طاولةٌ لتجميع بصماتِ الزائرين
غفوتُ على كتفها مرتجفا
فنقلتني إلى خزانةٍ مبللة..
..
امرأة نشرتْ مريولها على كتفي
وعندما لمستهُ
عاقبتْ جسدي
ومزّقتْ صدري المندلق..
نفسُ المرأة سرقتْ منّي تفاحةً
وأنا أقضمُ شفتيها
وأوثّق ثديها بين أصابعي المرتجفة..
..
في قبضةِ صدري
بعضُ الشهقاتِ المتقطعة
مثلا :
عندما مارستُ كياني
رفضني الغاوون
وأسسوا غرفتي المنعزلة ..
وعندما جالستُ الشيطانَ
دعاني إلى حفلةٍ لبيتِ الغزلان
عندها عانقتُ وجهي وبكيتْ..
..
استعمرتني غرفةُ جارتنا
هيَ تتلو الأناشيدَ
وأنا أحفظ صدرَها المتدلي
فأمشطها بنظراتٍ
وأحاولُ الهروب..
..
في الفضاءِ القفصي
تهربُ العصافيرُ
وتستقرُّ في البحر
كي تتعلّـمَ الانتحار
..
مرّة علّمتُ سمكةً فنّ السباحة
وعلّـمتني
فنّ الغرقِ..
ومرّة تعلّمتُ فنونَ الفوضى
وكيف تأكلني الجدرانْ..
..
كلّما رفعتُ يدي
تصطادُها امرأةً
امرأةٌ كانت تجلبُ لي فطورَ الفرحِ
وفنجانَ حسرةٍ
أقرأ بين غيومهِ عينيها المدجّجتينِ..
..
أتجلجلُ في حديقةِ صدري
وأقطفُ محاصيلَ الموسمِ
وأخزّن الحزنَ
بالقفصِ الوهمي..
….

..
أثاث حديقتي النائية
من الأعمال الشعرية – الجزء الثالث

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *