إشارة:
يسرّ أسرة موقع “الناقد العراقي” أن تقدّم لقرّائها الأعزاء هذا الملف الأسبوعي الثر عن الشاعر العراقي المبدع “سعد جاسم” المجبول إنسانا وشعرا من طين فرات الديوانية السومري العراقي الحرّ.. كائن من شعر وموسيقى حمل هموم وطنه في المنافي وجسّد واكتوى بقيامته عبر الكلمة الملتهبة الصادقة الخلاقة. تدعو أسرة الموقع أحباءها القرّاء والكتّاب إلى إغناء الملف بما يتوفر لديهم من مقالات وصور ووثائق. وعلى عادة الموقع سوف يكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية لأن الإبداع الحقيقي لا يحدّه زمن. تحية للشاعر المبدع “سعد جاسم” .
أسرة موقع الناقد العراقي
كم قلب وروح وفم سيحتاج هذا الشاعر العاشق , والطائر الجنوبي القادم من جنوب الحب والمياه والصبابات ليقبل العالم كله ؟
وهو المثقل بكائن غربتهِ وهمومه ومعاناته واسفاره والحامل لقبلهِ في كل كيانه ؛
انه يفتش عن شفاه صالحة للتقبيل كي يطبع عليها بصماته و يترجم قبلاته الى افعال محسوسة أملاً أن يكبح جماح عطشه في هذا التموز الأبدي ….
صدر مؤخراً عن دار الحضارة للنشر في القاهرة الكتاب الشعري ” قبلة بحجم العالم ” للشاعر العراقي المبدع ” سعد جاسم ” المقيم في كندا , ويقع الكتاب في (61) صفحة من القطع المتوسط وضمَّ ( 101 مقطعاً شعرياً .
وقد قامت السيدة ” إنعام الهاشمي ” بترجمة الكتاب الى اللغة الأنجليزية ترجمة لافتة ورصينة وصلت حد التماهي مع نصوص هذا الكتاب الشعري .
أراد الشاعر هنا أن يتفرغ تفرغاً تاماً عن مزاولة أعماله ليتفرغ الى مزاولة طقوسه التقبيلية ” كعمل يومي شاق و مُجهد ” فالغربة هي من دعته ليحدق في حدود وطنٍ متناهيه أطرافه, ضائعة عناوينه ,غريبة أشياءه,و لوحده يطالع صحف حزنه محاولاً إيجاد مكان شاغر يصلح فيه رسم القبل و لو حلماً أو همساً
* البداية *
” هل في البدء / كانت الكلمة / ام في البدء / كانت القبلة ” المقطع ” 1″
هكذا أبتدأ الشاعر مقاطعه الشعرية بقبلة ساخنة كانت تذكرة سفر الى شفاه العالم جنساً جنساً و كائناً كائناً ….
* تحولات الشاعر النصية *
أستطاع الشاعر و ببراعة متناهية و قوة شعرية خصبة من التنقل النصي بين المقاطع الشعرية واحداً تلو الآخر , تارة تراه مستكشفا و تارة أخرى تراه واعظا أو مصلحا ,
حيث يصور لنا نفسه ككولومبس جديد ليكتشف لنا قارة من القُبل , فيقول نص المقطع ” 2 ” :
” القُبلة / قارة / لم تكتشف بعد ”
و التحول الأخر رياضياتياً مصورا لنا نفسه كخوارزمي اخر لهذا العصر و عالماً رياضياتياً يبتكر لنا نظريات علمية حسابية حينما يقول نص مقطعة ” 53 ” :
” القُبلة / لا تقبل القسمة / إلا على واحد ”
و تارة يتحول بنصوصة الشيقة الى واعظ ديني , فيقول في نص المقطع ” 39 ” :
” السيجارة / قبلة لذيذة / و لكنها سامة ” ألهذا السبب كان معتكفاً عن رضع تبغهِ .
و مرة أخرى يصبح الشاعر فيلسوفا يقبل العالم بقلبه , كما جاء في نص المقطع ” 87 ” :
” الفلاسفة / يقبلون بقلوبهم ”
ثم نراه مصلحاً اجتماعياً , في نص المقطع ” 92 ” قائلاً :
” الخبز و الكتاب / يستحقان أن نقبلهما / إذا ما سقطا على الأرض / إجلالاً للنعمة و الكلمة ”
ثم رافضاً للبؤس و الواقع الرذيل و حالة الوطن المُعاشة ليقول في نص المقطع ” 7 ” :
” قُبلات الطغاة مسمومة / و الفاتحون قُبلاتهم خادعة ”
لكنه يؤمن أن حمائم السلام قُبل , على ألا يقصد من الحمائم , حمائم و صقور البيت الأبيض , فيقول في المقطع ” 20 ” :
” الحمائم / قُبلات سلام ”
ثم يتشدق , كناشط حقوقي , في المقطع ” 12 ” يقول :
” في الشرقستان / القُبلة فضيحة / و جريمة احياناً ”
و أرع ما صور نفسه هو أن يكون سياسياً محنكاً فيقول في المقطع ” 16 ” :
” القنابل / قُبلات الحرب القذرة ”
أما ” قبلات / الأعدقاء / مشكوك فيها ” المقطع ” 27 ”
فهذا التصوير الأكثر من مدهش و الجميل هو أن يبين لنا تمازج العداوة بالقلب و الصداقة بالوجه لجنس المخادعين بعبارة اشتقاقية من كلمتي ” الاعداء والاصدقاء ” لينتج لنا كلمة ” الأعدقاء ”
يمكن أن تُضاف الى قاموسه الشعري و بجدارة ….
و لعل من أروع النصوص التي قيلت في هذا العمل هو المقطع ” 72 ” الذي نصه :
أصدرت القبيلة / أحلاماً بالسجن / و الأحزان الشاقة / بعد إلقاء القبض عليها / متلبسة / بتقبيل رسائل حبيبها البعيد ”
ثم يختم مقاطعه المائة وواحد قائلاً :
” مرةً … / قالت الفرس البرية / لفحلها الجامح / ــ شمني / فعانقها / و لثمها / فضجت البرية بالصهيل ”
بتحولات الشاعر النصية و رومانسيته المرهفة وعاطفته الخلاقة وأسلوبه الشعري المتفرد في صياغة القُبل صياغة جديدة ومركزة كلها تركت امام هذه القامة الشعرية علامات تعجب أثارت الدهشة في هذا الأداء الشعري المتميز .
*قبلة بحجم العالم : كتاب شعري – سعد جاسم – صدر عن دار الحضارة
القاهرة – مصر -2010