نهر الديوانية : ماذا فعلت بحياتي؟
رسالة في الحزن العراقي ومحنة الغائب/ المنتظر في شعر (علي الشباني)
حسين سرمك حسن
بغداد/ 2005 (ملف/20)

((آه من فقدان الالفة، فهو يشعرنا بقلق واضطراب وتعلق حميم بالاشياء المفقودة، وعلى مستوى آخر ثمة شتائم وهجاء وتهكم ورثاء وتشبث وتمجيد للاشياء التي خسرها، وفي مجال آخر عبث وسخرية)) وعلى الرغم من انني قلت في البداية ان مقدمة الراحل (طارق ياسين) يمكن ان تكون مادة للتحليل في مجال (علم نفس الناقد) الا انني سأتناول ماله صلة بمحاور هذه الدراسة الأساسية. فـ(طارق) لم يوضح أبداً ماهو وجه الصلة بين شقيق الشاعر الغريق وبين (صاحب الزمان) من ناحية ولم يكشف أسرار الصلة بين هذين الغائبين معاً وبين الشباني من ناحية ثانية. ثم هل تكفي خسارة الأشياء العزيزة والشعور بالعزلة والوحدة والتمزق لتفسير هذه الصلة؟.. ان ملامسة سريعة لهذا الأمر الجوهري الحاسم لا تفي بالغرض والصلة أعمق من ذلك بكثير وأشد تعقيداً. لقد حاول (علي) وبطريقة ماكرة، تحقيق مماهاة بين (صاحب) شقيقه الراحل وبين (صاحب الزمان) في خاتمة قصيدته (غركان) وذلك على لسان امه المثكولة:
((… يا بخت بالماي… يا عرس الشمع
يالتانتك كل الناس
(يا صاحب) حزينه
روحي فاضت… والمصايب سيسن ليغاد،..
ووليدي سفينه
وين ماخذها الرمل.. والريح
ما بيها تعت الريح
(يا صاحب) مشه ويه الماي…
وبدمي الحليب ايصيح
(يا صاحب) مشه وما ودع أمه
رده ودروب الحزن بالروح كثرن
كل درب طافح ونينه))
-غركان-
ولكن هذه هي النتيجة النهائية لعملية الدفاع ضد تهديد الموت، ان لا يصبح الموت موتاً نهائياً، وان ثمة أملاً في الرجوع إلى الحياة الدنيا هو الأمل العصي على كل كائن بشري، بل هو الأمل المستحيل بعينه.
وقفة مهمة:
لو تابعنا بالفحص والتحليل معتقدات ونظرة الإنسان العراقي القديم إلى محنة الموت وتصوره لما سيحصل بعده ولسبل مواجهته لوجدنا ان طرازاً خاصاً وحاكماً من طرز الخلود الرمزي كان هو المسيطر على حياته وفعله لمواجهة الموت وأسبابه وما يعقبه هي مزيج من اعتقاد بان الموت ليس نهاية بل انفصال مؤقت وأحياناً حالة تشبه النوم والميل إلى (تشخيص) الموت أي معاملته كثيراً وكشيء يتمتع بقوة بشرية، أي (تجسيده) مادياً ولا يزال الموت خارجياً ويمكن تجنبه شخصياً، يستطيع الفرد الهرب من رجل الموت… الخ.
اما الفهم المنطقي للموت كنهاية وفناء فقد خضع لتشكيل فرضته طبيعة العقلية الرافدينية وهذا ما تكشفه اسطورة هبوط انانا/ عشتار إلى العالم الاسفل والأساطير المكملة لها والملحقة بها عن مقتل الاله (دموزي) بشكل خاص، وكذلك اسطورة الخليقة، مثلما هي موجودة في الاساطير البسيطة مثل تعويذة السوس ووجع الاسنان.
لقد اعتقدت العقلية الرافدينية بأن الالهة قد خصت نفسها بالخلود في حين جعلت الموت نصيباً للبشر: أي ان الموت حتمي وان الخلود مستحيل. ورد في ملحمة جلجامش ان الالهة وحدها هي التي تعلم موعد الموت لأنها هي التي قدرت مصير الإنسان وقسمت الحياة والموت، اما الذي كان العراقي القديم يعرفه فلم يكن اكثر من ان ((الحياة تقطع كالقصبة وان الذي يكون حياً في المساء فانه قد يموت في الصباح)) ولكن هذا الاعتقاد الظاهر بقوة على سطح الأسطورة الرافدينية وفي بعض مظاهر الممارسات الطقوسية في الحياة اليومية، قد أوقع أغلب الباحثين ان لم يكن جميعهم في استنتاج خاطئ مفاده انه أمام استحالة الحصول على الخلود، أصبحت حتمية الموت من الحقائق المسلم بها باذعان واستكانة، وان نظرة العراقيين القدماء إلى هذه الحتمية كانت مثل نظرتهم إلى أي من مسلمات الحياة وبديهيات، ولذا صار من المعتاد ان يخلد أي فرد منهم، بعد دخوله سن الشيخوخة –إلى السكينة بين أفراد عائلته واقاربه ويوزع الجواري على أولاده، ثم يمكث منتظراً الموت بسكينة وهدوء، وحتى انه كان يعرف مسبقاً الموضع الذي سيدفن فيه، أو انه كان يختار هذا الموضع بنفسه ويهيء فيه القبر الذي سيدفن فيه بعد مماته كما يدل على ذلك القول الوارد في أحد النصوص:
((أيامه ستطول…
انه سيدفن في الضريح الذي هيأه بنفسه))
ولاحظ الآن ان الكثيرين من العراقيين يشترون قطع اراض في المقابر الرئيسية –سراديب- لدفن موتاهم كما يهيئون أكفانهم وهم أحياء حتى يومنا هذا، ولكن هذا الاستنتاج لا يعكس الحقيقة كاملة ويلتصق بالمضمون الظاهر للأسطورة لا مضمونها الباطن، لقد أدرك العراقي القديم الأمر لا على طريقة (لاروشيفوكر) الفيلسوف الذي قال: ((ان ثمة شيئين لا يمكن ان يحدق فيهما المرء: الشمس والموت))
بل على طريقة الفيلسوف (سنيكا) ((إذا اردت الاّ تخشى الموت فان عليك الا تكف لحظة عن التفكير فيه)) ولكن هذا التفكير هو الذي سبب كل تحضر وانطلاق، قد غلف بآليات دفاعية نفسية تضمنها الفعل الاسطوري الخلاق))( ).. وكما قال: ((علي ابن أبى طالب (عليه السلام)): ((إذا هبت امراً فقع فيه)) وذلك لاطفاء القلق المرير فان الأسطورة و(الشعر) قد وفرت للعراقي فرصاً ثمينة للوقوع في الموت مراراً وتكراراً ثم الانبعاث منه و(علي الشباني) يقع في هذه الهاوية، مختاراً ومقتدراً، من خلال الشعر، وتحديداً من خلال المعالجة المتكررة لمحنة (الغائب) ان فاجعة شقيقه فرصة لتفجير المكبوت في اللاشعور الفردي والجمعي مما يمور فيهما من هموم ضاغطة في مقدمتها تلك المحنة مثلما استثمر فرصة غياب باقي أشقاء روحه وبالمناسبة فان كل من أهدى لهم (علي) قصائده كانوا من الشهداء أو الموتى أو الضائعين في المنافي، مثل صديقه الشهيد (هاشم):
((انت ماخذلك اجازه…
وغايب بليل النجف
يا صديق الأصدقاء صادقت رمل النجف
وآني وي طولك زرعت الفاجعه
بالاغاني… والمحبة… وبالاسف
الأسف مثل الصديق الزين باللحظه ويغيب
الأسف خنجر صغير… ونابت بروح الحبيب
يا لطولك نهر مديور
والخايف عبر للنور
من شجرته يشع الضوه
ومن يصعد بروحه الهوه
عرسين للفيء… والطيور
مديور…
طولك ينيم النهر
وآني وصيت (الامام) الحيد عنك والبحر
آني وصيت الكمر…))
-الحلم.. هاشم والتراب-
اعلان الحزن والأسف،.. ثم التوسيع التدريجي لفاجعة الغياب ولشخص الغائب يتحول (هاشم) من فرد راحل اختطفه المثكل، إلى (غائب) ذي خصوصية تحتفي بها الطيور والأقمار والأنهار. والى صديقنا المشترك الغائب (سلام إبراهيم) يهدي قصيدة (سؤال) فيوسع حضوره على الرغم من غيابه الفعلي، وهو حضور هائل الأبعاد:
((ظلك بالمدينه يدور
تغسل كل حلم صبحيه وتصلي
مناره تفيض بعيونك سؤال
سؤال.. الك بين الشمس والطين
يا عشب النهارات البعيدة…
والسفر والطين))
-سؤال-
ومن جديد، الماء يأخذ، والماء يعطي. الماء يحفظ روح الغائب المرتجى. والشاعر يضع في صديقه (البسيط) المنفي خلاصة انتظار روحه الاسطوري فيحوله إلى منقذ كوني ستستجيب الطبيعة والحياة لفعله، رغم ان هذا الفعل، كما يعلن الشاعر، ما يزال في سماء التمنيات:
((بثيابك نبض للماي…
يترس كل مسارك نور
اعبر يالمسارك نور
اعبر كل مسافه.. وسور
وامحي الظل… شمس روحك نهار… وفيْ
طبعك يغذي العشب
والحمامة التبني عشها بروحك الفيْ
تلتوي بطولك سؤال…
يصفن لحزنك الميْ
وبكل الفرات يدور
يندل المدى… والناس… والحب، والزهور))
-سؤال-
اما في قصيدته (قطار الليل البعيد) والتي يهديها (الى أصدقائي المعذبين باختياراتهم الصعبة) فيروي قصيدته بضمير المخاطب موجهة إلى غائبه بدلاً من ان توجه إلى المخاطبين المعذبين. وهنا تصبح صورة الفارس المنقذ المنتظر أكثر تحديداً ونضجاً:
((تطلع من الكوفة روحك
بالوشاح الفضي مشتعله مهابه
وتاخذ من الطين خبزه
وتغسل المهره بحنانك
من يجيك الموت، وانت الفارس التعبان
بثيابك بخت للدم
على عيونك ذهول أسمر… وحيد
خطوتك تفتح الدم
تطبع بروحك مواسم للفرات))
-قطار الليل البعيد-
والى (عزيز السماوي… الحياة والشاعر)) يهدي قصيدته (بكثر الهوا والماي) والملاحظة المثيرة هي ان رفيقه (عزيز) لم يكن مسافراً أو منفياً أو مسجوناً آنذاك، كان (حاضراً) ولكنه أي (علي) محكوم بمعالجة فريدة وسمت وجدانه كقدر… كوشم صدور الأمهات… من يستخدم التيزاب لكشط وشم صدور الامهات:
((وانت حبيبي الماي
بس يمته تفك باب النهر
مو ماتت مدينتنا قهر
بس يمته تفك باب النهر
نهر… نهر
نخله حزينه هناك واكف بس الك
مر يا نهر
واصبر على جرفك عطش
واعبر على مايك عطش
واصعد مطر
مر… مر… مر يا نهر))
-بكثر الهوا الماي-
والشاعر لا (يستورد) صورة من الخارج، وليست لديه (مواد أولية) مستعارة من مقلع يبني منها قصائده. مقلع الشاعر في الداخل، في لا شعوره، منه تخرج الأفكار والمضامين ملتحمة بأشكالها. دائماً نسأل: أين نرى الابتسامة؟ هل نراها أمام الوجه، أم خلف الوجه؟ والجواب نحن نرى الابتسامة في الوجه. هكذا تخرج صور (علي) عن أشقاء روحه –حتى الحاضر منهم- مرتعشة قلقة من ضياعهم و(غيابهم)، بل يمكننا القول بثقة انه يشعر بأنهم (غائبون) وهم حاضرون. الخوف من شياطين العالم الأسفل التي باتت تسرح وتمرح على أرض العراق مهددة كل عزيز، هذا الخوف من الفقدان الوشيك أحرق مهج العراقيين وعطب أكبادهم –كان السومريون يعتقدون ان مركز الروح في الكبد والمطرب الريفي يعاتب حبيبه الذي دمرّ كبده بفراقه وهجره- وهذا الخوف هو الذي حكم خطابه/ قصيدته التي أهداها إلى صديقه الأثير (طارق ياسين) وكان حياً:
((جزيت الشوكك… عابر ظلك الوحشه
صلاة الليل، والشوكك ايوديلي المناير…
للصبح ممشه
مكتوب الرمل بعيونك الصيف اليهب بالدم…
برد
وانت… حلاتك يا برد بالصيف
غريب اتطكك برد بالصيف
يا شجره التعوف الناس وتعرس
فيايه لكامة المصلوب
يطير مسافر بريح الشجر…
والماي عيب يتوب))
-غريب-
والغريب هو ان (علي) يصعد ايقاع الحرقة في قصيدته وكأنه يرثي (طارق) حياً- وهو ما حصل لاحقاً- والأغرب من ذلك هو انه يضع سيناريو لميتة (طارق) تذكرك بأوصال الاله القتيل المقطعة بلا رحمة:
((جزاك الشوكك
وانت مدوهن وروحك حنين تطوف
يا ذنب الخناجر… والجروح تطوف
ميشومه الرصايف تمشي بيك سيوف
والسكته… وحنين الخوف،
وجروحك سكن عاكول بيها
ومر سواجي الكيظ))
-غريب-
ان شقيق (علي) الغريق واصدقاءه الغائبين الحاضرين والمنفيين هم نماذج جزئية وأغطية يمرر تحتها مرارة صلته الكارثية بـ(غائبه) الأكبر، هناك في حياة (علي) السياسية تحديداً غائب أصل هو خلاصة كل الغائبين، غائبون هم شظايا من صورة ذاك الغائب الأكبر. ومع هذا الغائب:
((دكيت باب النار
لنك صلاة بالكلب تنبت ضوه وتندار
أحبك بالكلب تندار
مناره… مناره يمر عليها الليل
والطير الغريب يموت بيها ويكتب أسراره
مناره… توكف بروحي علامه شوكك
فوكك بيوت كل الناس
وانت وياي…
نار تكوم بي من القدم للراس
أشب من القدم للراس
كلبي الموحش بلياك يضوي بليلك أسراره
كلبي يدكك نجم لليل، تضوي بكل سما أسراره))
-كتابه على باب السنة الجديدة 74-
هذا الغائب الأكبر هو خلاصة كل حياة (علي) وأسرارها، ظفرها وانهزامها.. آمالها واحباطاتها ولكنها تجري الآن مضمخة مجسمة وكأنها خلاصة حياة كل الناس. انه (الرحم) الذي يتسع لاستيعاب الحياة والقادر على تطويع أي متغير فيها واستيعابه من أي مكان يبدأ الشاعر والى أي مدى يريد الوصول، يجد نفسه تحت مظلة هذا الغائب، متلفعاً برؤاه ومنتظراً عطاياه ونصرته وتطبيب جروحه وتبديد وحشة عالمه، هذا الأمر في أعماق لا شعورنا مخزوناً منذ الطفولة لا تقوم به غير الأم الحانية الرؤوم المنقذة واهبة الحياة والحماية، إذا تذكرنا ان للأم في اللاشعور الطفلي وجهاً مهدداً آخر يشعل في نفس الطفل الخوف من التخلي والهجران والحرمان واذا وضعنا في حسابنا أيضاً ان هذا الخوف الطفلي من الانهجار وفقدان الرحم المطعم يشعل رغبة في داخل الطفل في ان (ينقذ) هذه الرغبة هي عكس الرغبة التخيلية الأولى المبكرة لديه في ان (ينقذ) الام من براثن الاب، فسنحصل على مميزات وجه الغائب المنتظر( ) لكن هذا الغائب لا يأتي، أو انه استمرأ المجيء إلى محطة الشعر، سريعاً ويغيب ليعود رجاءاً مستحيلاً، ويعود الشاعر مخذولاً يحمل بين كفيه هشيم آماله. يعود لتتراكم على كتفي وجوده جبال الأسى وليحاصره القمع والاستلاب والوحدة فيعود من جديد مشبوح العينين أبداً، ينظر إلى نقطة في البعيد… نقطة قد تتسع وتتسع ليتشكل منها خيال الفارس المقبل، ولكن أيضاً بلا رجاء:
((كل الحجي الماينكال بس وياك
حدّ الروح بس وياك
أشوفك وانت بس وياك
أسولف وانت ما موجود
أشوفك وانت ما موجود
لك يكفي الحجي.. الشوف.. المشي
الليل –الحدايق وانت ما موجود
والشمس تنزل مرايه.. والظلام
هاكثر يمشي باصابيعي الظلام
-الماي المفتوح-
ومن جديد سنواجه الموقف المتضاد الذي يجهض بعضه بعضاً في الظاهر ويشعل بعضه بعضاً في الباطن، خيبة واغتراب فأمل بغائب منقذ فانتظار متطاول فحضور على هضبة القصيدة يداوي شيئاً من جراح الروح تليها يقظة على الحقيقة الباهظة المتمثلة بالخيبة والاغتراب فأمل… الخ، ولا يجد الشاعر غير العوم الخادع في بحار التمنيات في الشعر لحسن الحظ وليس على ارض الواقع القاسية:
((وآني بيك ينام كلبي..،
ويكعد بحومه عذابه
يمته اشوفك فارس بتالي الدهر يجدح مهابه
يمته اشوفك،…
جفك يجيب الصبح للبيت
يا ريتك تخلصني… الحزن مثل الخبز…
مثل القميص
الشمس مثل الناس،
من يثكل حزنها بروحي.. واسكت هم
يا ريتك تعتني من السما للماي…
وانبت طير فوكك الدم))
-الحرف جتال-
وهكذا من خراب إلى خراب… إلى خراب… غربة وظيم واغتراب:
((… يا غريب اذكر هلك
وآني هلي بلا غربه… متغربين
ما نندل شمسنا بياكتر تندار
والليل الصديق يدور
باخبارك… وادور بلا مدار
بلا محبه.. بلا وجه اليلمس عذابي
بلا طعم… والزاد ياكلني ويزود
الخبز يخبز روحي ويفور الجمر تنور…))
-قطار الليل البعيد-
هل هناك مفر؟.. لا مفر. ما يريد (علي الشباني) تعليمنا أياه من خلال هذا الإخلاص الملتهب لحزن العراق/ الام وهذه المثابرة الحازمة في إدامة مسيرة الانتظار، انتظار الغائب، الذي يحمل بشارة أم، هو ان لا مفر من حب العراق وان شفاء العراقي من أحزانه الجليلة وانتظار غائبه المهيب يعني شفاءه من عراقيته المقدسة. ماذا سيبقى من العراقي من دون:
((دمك الفايض بوديان العراق
يصبغ الحنه، ويلون الطير… ويعلي الزرع
آني حاير.. موتك امخضر بروحي
نخله بصراويه مهجورة يروحي
نخله مهجورة وحزينه…
والفخاتي تمر عليها
كل حنين البصره فوﮔك جناحها
وأنت يا فحل الفخاتي
ليش مرعوبه لياليك يغاتي
ليش فوﮔك النار… غنيت ومشيت
ليش دخانك توسع
ليش بالظلمه طفيت
ليش بالسكته ابتليت
وآني منذور لجحيم الذاكره
آني مذبوح بمسارات العراق
هذا المدخن عذاب
هذا المطول الغياب
-الحلم… هاشم والتراب-
في خاتمة احدى مخطوطات كتبي عن الشخصية العراقية قلت: كخلاصة يبدو ان الله كان يبكي عندما خلق الإنسان العراقي.
أخي (علي).. وصلت الرسالة.. وأقول لك بكلماتك:
((أيها الغجري الموشوم على أبواب مدينتنا –الديوانية الحبيبة- وطفولة أشجارها يامن اغتسلت ربابتك بأنهار وتجارب مدن الجنوب)).
-انت.. تعرف أسرار الثريا.. والبيوت
والكلام يفتح أيامك سفر
هايم واغانيك نبع سافر بنسيان النهر
تلتوي بكل باب للحيره علامه
وتقره لون الصوت بسنين الوره الباب
تقره لايام الفرح طعم السلامه
تحزن اويه الماي، من يصعد رمل بالروح
بعيون الفرات تشوف
تندل الحجي اليفتح مسامات السنابل للخبز…
ويطوف
بسنين المجاعات الشرف كلمة عراقية
الخبز يملي الشمس بالناس)
-المغني-

هوامش:

( ) أيام الشمس-شعر شعبي عراقي- الشاعر علي الشباني، دار نينوى للطباعة والنشر، دمشق، 2001.
( ) في درجة حرارة 45 مئوي، مجموعة قصصية، محمد خضير، بغداد، 1978.
( ) التحليل النفسي لملحمة جلجامش، حسين سرمك حسن، دار غيوم، بغداد، 1998.
( ) رباعيات، صلاح جاهين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1987.
( ) استخدمت المبدعة (لطفية الدليمي) نفس الطريقة في مجموعتها القصصية (ما لم يقله الرواة) الصادر في عمان، 1998.
( ) استكشاف اغوار الذهن والتنويم المغناطيسي، بييرداكو، ترجمة رعد اسكندر وأركان بيثون، دار التربية، بغداد، من دون تاريخ.
( ) لمزيد من التفصيل راجع المصدر رقم (3).
( ) لغز عشتار، فراس سواح، دار علاء الدين، دمشق، 1993.
(9)-ولمن لا يعلم أيضاً فان (علي) أوشك ان يموت ذات مرة، بعد ان عزت أدوية مرض السكر الذي أصيب به، بسبب الحصار الجائر الذي فرضته الولايات المتحدة الامريكية على شعبنا وخلال تلك المرحلة أرسل لي (علي) رسالة محزنة تقطر الماً مكتوبة على ورقة أضبارة سمراء متهالكة!! وأنا إذ أعيد هنا نشر نص تلك الرسالة التي احتفظت بها تلك السنة العجفاء فلأنها توضح جانباً من المعاناة الهائلة لعلي أولاً وتكشف عن جانب من الحزن العراقي في وجهه اللغز الذي لا يفسر ثانياً وتحدد بعض عوامل هذا الحزن الاجتماعية والسياسية والشخصية في جانبه (المنطقي) ثالثاً وتؤكد تسرب المعاني الرمزية التي تحدثنا عنها في شعره إلى رسالته رابعاً وتضيء مساحة بسيطة من محنته مع الغياب والغائبين والانتظار خامساً. ان طبيعة منهجنا التحليلي تؤكد الوحدة العضوية بين المبدع وحياته وحياة نصوصه. وهذا نص الرسالة:
((صديقي… وفخري في الأيام.
أيها الكاتب الفراتي الجليل.
أيها الـ(حسين سرمك)…
تنتابني الكآبة… والخوف، عندما أحسب بأصابعي ما ينتصب فيه الرجل/ الفرد/ الصوت الغريب، والعلامة في زمن بلا أصابع، بلا رأس بلا أفق…
أنت… وصديقي في الأرض العراقية الطيبة، والكلمات (طه حامد الشبيب) الروائي الشامل والساحر في عمقه وآفاقه.. و(كاظم غيلان) أبقاه الزمن لي، وله وللأحلام المذبوحة، والتي أوشكت الهرب وضوء العين والسانحة… و(ريسان) الذي ينتصب في روحي ودربي ومحبتي. ومن ثم لا توشك أصابع اليد الأخرى على النفاذ… وتنهض الكآبة ملاذي الصعب.
عزيزتي.. أحبتي:
كنت قد طعنت بداء السكري عام 1993 بمؤامرة نسائية، هي المرأة من تحاول الخراب دائماً، وتريثت قليلاً، لا غير… ثم جاء الاندفاع واللاجدوى… والهيام، وقبل أيام أوشك جسدي على الذبول وروحي على الغياب… بعد كل هذا الاهمال (أكثر من خمسين سنة)
وعندما ذهبت بالحاح من الأصدقاء للتأكد صحياً، ذهلت فقد كان القياس (395) وعندها هبطت حقاً بصيام صعب.
رحيل العزيز عبد سماوي، أوجعني حدّ الخاصرة،… ويباس الدم… وحريق الأصابع يبدو اننا بدأنا نرحل أخيراً، كقبضةٍ من البدو الغرباء، أوشكت الصحراء منهم فراودوا المدن المقابر.
وصلت كتب –ريسان- سوف أنشر له مقطع كان قد أهداه لك وآخر للدرويش… قالوا في البصرة… قلت جنوباً لا بأس فالشمس هناك ملأ الكف والقلب… ونار الهاجرة، الحزن يكبلني جنوباً… وأصمت.
طبعوا لي (أيام الشمس) كما علمت من رسالة أخيرة، وعلى وشك ان يطبعوا (الدفاتر العراقية).
علامات:
*منذ بداية هذا العام وصلتني دعوة من (اتحاد أدباء الأردن) وبعد ان أكملت الإجراءات للسفر… قررت عدم السفر.
*ارجو من صديقي العزيز (ريسان) جمع مادة ثقافية منوعة لأغراض النشر في جريدتنا.
*لريسان نسخة من الكتاب. وللصديق الروائي (طه حامد الشبيب).
*على الموسم القادم لنشاط الاتحاد سأحاول دعوتكم للحضور بأمسية رائعة. (مع زوال حريق الشمس القاتل).. نتفق سوية حول الأمر.
*المخطوط (دفاتر عراقية) معكم إلى ان تنتهوا منه وتعيدوه لي مع ملاحظاتكم، تحدثنا عن هذا العمل المنجز بجنون متواصل لخمسة أيام كاملة بلياليها ونهاراتها المتوقدة. قرأه الكثير من الأصدقاء. قرأناه بليالٍ باكية..
اكتبوا لي أيها الأصدقاء حقاً
المحب
علي الشباني
18/9/2001
10-تحليل أسطورة الإله القتيل، حسين سرمك حسن، دار مضاء للطباعة والنشر، بغداد، 2002.
11-لمزيد من التفاصيل حول الأصل الامومي لموضوعه (الغائب) راجع المصدر السابق.
انتهى

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *