في ظاهرة استباقية كأن تكون ؛ مدونة ، نصيَة ، تغريدة ، أجدهُ يراهن عليها جدلاً وبضمان مؤكد وبأريحية تامة قبل الخوض فيها ، وربما بأحقية مضمونة النجاح ، ألا وهي اختيار ” العنونة ” اللامعة والتي ترصع أكثر نصوصهِ المحتشدة بها ،منها :” روزالين ، سرسم ، إيزابيلا ، سيلفا ، الجنرالة ، المجدلية ” تلك الأسماء التي أراها تلاقح مع أسماء عالمية وقد خرجت من محليتها في التوظيف ، رغم وجودها في مناخنا ، هذهِ تفضي إلى استدراج في القراءة والتقصي ، وربتما تكثر الأسئلة عن ماهية ” التسمية ” .
فـ عنونة ” روزالين ” هي المعنية بذلك ، وقدْ يقف المُتلقي من باب الفضول ليتساءل : يا تُرى من هي، وأي اختيار هذا ، وما تعني ؟…. فـ روزالين هي المرأة فائقة الجمال في لغتها الأعجمية ” الأمازيغية ” ، حقيقة وكما يُقال : الاسم يُطابق المسمى في أكثر الأحوال ، لو نكرر تلفظها ، نتحسس بجمال نطق حرف ” ز ” من دون الأحرف الأخرى ، ما لهُ من ترنيم بديع في الترديد ، ورنين يتواصل صداهُ حتى نهاية الصوت بالنطق ، وأفضليته في النغم والرنة الجمالية ، إذً لا بد من تكون صاحبتهِ ذات عينين زرقاوين ، وكما في رسم الاسم . فـ الحداد يستدرجنا رؤيوياً في توظيفاتهِ بدءاً من العنونة ، مرورا بالعتبة القرائية ومحتوياتها ، وانتهاء بضربة الخاتمة .. فـ عنونة نصوصهِ مغرية بصرياً \ ذهنياً .
أن تقنياتهِ يستنبطها، أو قُل يستمدها من مكتنزات ثقافتهِ المتلاقحة مع مشهدية أُخرى من نصوص هذا العالم . لهُ تقنيات حديثة ودعامات في البناء المحكم الرصين كأساس في مشغلهِ الأدبي ، لهُ من الوحدة الروحية المرتبطة بنفسهِ ، وكما رأيتهُ طويل في استطراد حيثُ يُضيق الخناق على أنفاس متلقيهِ استهواء بتكملتها أي القصيدة ، نعم تستدرجك ؛ لأنها مطعمة بنكهة من الموسيقى المكتنزة من المخالف ضد السائد ، فعليك أن تكملها بتروي . وما قصيدة ” روزالين ” إلا من هذا النوع ، ومن التي نحنُ بصددها الآن وعلى هذهِ الشاكلة من الاكتناز العضوي ، وهي من محتويات مجموعتهِ الشهيرة ” أنا .. ورزالين ” والتي تُرجمت إلى اللغة الفرنسية من قبل المترجمة ” نوال عالم : وصدرت في دمشق عن دار العراب – ط1 – 2016 . كان اقتحامنا لهذه القصيدة التي تُماثل غيرها من القصائد ، إلا رأيناها غريبة الطرح ، لذا كان لنا رأياً بمستذاق في تناولها :
شهابِكِ الذي شقَ السماء نصفين ، أدرك نجمتي
فاستدارت الشمس جنوباً ..لتنأى عن شمال الشمال
حاصريني بقوارب الليل ، ونبيذ اللهاث وأصفاد الجسد
أجلي صدأ الكلام بأنغام الحرير .. لتختمر القبل ذهباً
دعي التحام الدماء تفصح .. لتطهو الأحاسيس بعضها
نراهُ ينحو بتخاطب الآخر كي يشاكسهُ بـ تشفير ، كي يتفرد بهِ دون الغير ، كان اشتغاله على هذا النحو من التحاور للثقة التي يكتسبها من نزعتهِ التي تكتنفهُ دون الاعتماد ، هو عصامي من نوع باذخ في التفرد والمطاولة بالحديث والحوار ، لكن رغم هذا ، أراهُ شفيفاً اريحياً لحد الجذب الروحي عنوة لمن يهوى .. فتحصيل الحاصل على ما يبدو من رسوخ المعرفة التامة والمشهودة بقوة ، طبعاً لا يُنسى اللين والرقة اللتان يمتلكهما للواقع الماثل بكل تجلياتهِ .. يلاحظ من أن توظيفهِ ، مثني الخطاب \ ثنائي \ مماثل \ مُطابق \مقارب بين المعادل الموضوعي والتطابق المعنوي لأي حدث يخوضه أو يقترب منهُ، ناهيك عن حس الاكتناز الناضج و الضارب عمقاً في رؤاهُ ، روحاً ونفساً .. ومفردة ” شهابِكِ ” القوة الزاخرة بالردع يهادنها تكتيكياً \ تقنياً – كي تطاوعهُ من الطرف الآخر ” المعني ” رغم حُرقة المفردة وتسخين حروفها الملتهبة ، و” شقَ السماء – نصفين ” هذا الارتداد أو قُل ردَة الفعل للآخر المُشفر ، أدرك ما لا يُدرك ” نجمتين ” تُنيران صفحة مظلمة لهما ، وأوشكت أن تكون منيرة لحياتهما ” أنا .. وروزالين ” .
هُنا يلاحظ من أن الاسم بحد ذاتهِ يُغري بلفظهِ وكأن الملامح التي أمامك تتجسد في جمال ” إفرنجي ” باذخ من زرقة العينين وانسدال الشعر الأشقر والرشاقة . وفي سياقٍ آخر ، فللشاعر تحكم في خلخلة القُوى الأخرى بصرياً ، حيثُ لهُ القُدرة على اختراق ذلك بـ مهارة ” السِبرانية أو السيبرنطيقيا ” وهي التحكم والموجه الآلي في الأفعال الفاعلة في المشهد ، كسيطرة تحكمية ، لهُ من المشاكسة التي يُحسد عليها ذهنياً \ بصرياً ، وقد يحسبها البعض تغيير مسار الطبيعة كما يُريد في توظيفهِ الشعري ، كونهُ الخالق لنصهِ ، وعلى ما يبدو من أن أجراس الخطر الآخر وي تدق في هذا المعترك من التوظيف . لكن كما قللناه من أن الشاعر يداوي الذائقة في أحسن الأحوال ولو تشفيراً رغم ” جدليتهِ ، حديتهِ ، تمردهِ ، مشاكستهِ ” بخيط من اللين الشفيف ، لذا رغم حصارهِ بملذات من المتعة الفائضة والفياضة ” اللهاث – الأصفاد – الحصار ” من مربكات النفس التواقة للاستذواق كل حين، ألا أنهُ يظهرها أو قُل يعلنها بطرف خفي ومشفر ، ختم مقطعه هذا ؛ بأوامر عاجلة علها تزيد من شفافية التحدث للمطاولة \ المطاوعة كي يبرهن ما جني من ذلك ” المتعة والعذاب ” للآخر ولهُ بالذات ليستمد الكثير كاستدراج فيه نعومة وجذب حياتي .. استخدم مفردات تحكمية ” أوامر من أجلي – دعي – إلتقطي ” كُلها مكتنزات بها حسية ذوقية وابتغاء معنوي \ روحي ينضج من أنفاس هادئة في أحيان كثيرة ، وأُخرى لاهثة في أوامر قطعية تشبه الاستعطاف بمزايا الآخر” سيكولوجيا “ومقطع من توظيفهِ \ يقول :
فيا أساور ناري في اصابع الجنات ..
التقطي الشوك من زهر مساماتي ووردًي :
بهمستين ، وقبلتين ، و س لـ اااااااااااااام
كم آية سترسَل أصابعنا ..
عند باب الالالالالالالالالالالالالاة .. وخلف الباب ؟؟
إن نتاج تشفيرهِ سبقها استحضارات لابد منها كي يلتقط ثمار ذلك التخفي والترميز من بعد توظيف ليلتقط ثمار ما بعد العواطف المبثوثة ما بين السطور والتي تهُزُ شجرة الكيان الإنساني ، تلك الثنائية بـ همستين \ قبلتين و” السلام ” بحروفهِ المقطعة المزحزحة \ المظلَلة عدداً ” 14 ” 1\2 من الحروف الأبجدية ، يبتغي التمويه أولاً ، ومن ثم اختبار القارئ اللبيب من التوصل \ ثانياً ، لحل هذا الطلسم ربما ، وكذلك يفعل بتقطيع وتزبير مفردة أخرى هي أراها ” الإله ” وعددها في التزبير = 28 بعدد الحروف الأبجدية للغة ، لأن المفردة قدْ حُصدت العلامة الكاملة في العددية ذاتها ، المكتملة، بعددها وكما في السابقة ، ولو جُمعت حروفها لنتجت حسب تأويلي المبسط ؛ ربما . أو كما يتقبل هذا المقطع على تحليل آخر من جمع الحروف \ 14+ 28 = 42 كما هي صلابة عود الرجل من حيث القوة والاقتدار . أو كما نعرف قوة المرأة = 1\2 قوة الرجل ، إذً من المطابقة يظهر \ 28-14 = 14 …ألخ ؛ من مشاكسات العرَاب الشاعر المتمرد على السائد منذ أن عرفتهُ . وهناك استدالا آخر من أنهُ يرصع أو يختم أو يضع نقطتان كما هي ” .. ” بين أسطر شعرهِ ربما تعني ” ثنائية ” ” هو \ هي ، هو + روزالين ، وكما في العنونة ” أنا .. وروزالين ” كأن يكون متخفياً للدلالة بوضعهما ، لا أدري !..
هل نشكو قماط الأذرع ، أم نبارك القماط ..
ونوضئ بعضنا بعضاً بنزيف المساج ؟!
فنحنُ نمارس الحب دون وعي ..
ونتكاذب في مراسيم السلام !!؟ .
في خاتمة هذا النَص ، كما يبدو هو التقاط أنفاسي التحليلية وقد حسبتهُ هكذا .. نهاية المقطع العرضي لـ روزالين لكن ركضتُ لاهثاً وراء ” الحداد ” وقد اكتويت بـ كيرهِ الملتهب \ الساخن في عجن مفرداتهِ المعدنية وخبزها في أتونهِ الملتهب ، لكني لن ألحق بهِ ، غير أني ولقصر نفسي التحليلي \ التأويلي \ التفسيري ، توقفتُ عند هذا الحد ، ولم أتطرق للقصيدة كُلِها ، بل فقط للعنونة وما لحقها من تأويلات من عندياتي ليس إلا . إن مراسيم السلام التي وظفها في الخاتمة ربما وجدتها مفردة أمينة \ آمنة ، لكن قدْ تكون هي ناعمة الملمس كـ ” الأفعى ” في التوظيف المعنى البعيد والموارب . هُنا التحسس العيني والعياني من شكوى متسربله بالاستسلام بذات اليد المُكبلة كـ شكوى تقود للسلام – المسالم – المستسلم على وقفة جريئة بالتحدي ، أم الاستسلام المنشود بخنوع ، فستكون المباركة بأكذوبة وبالخنوع المُذل أبداً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشْفير الاكتناز النَاضج: فائز الحداد ومستهل من قصيدة “روزالين”
عدنان أبو أندلس
تعليقات الفيسبوك