روايات مترجمة: (6) الرجل الثرثار (من الأدب الهندي)
ر . ك . نارايان
ترجمة: الدكتور خليل ابراهيم حماش
قراءة: ناطق خلوصي

وردت في القائمة التعريفية بروابة ” الرجل الثرثار ” للروائي الهندي ” ر. ك .ناريان ” عناوين ثلاث عشرة رواية كان قد أصدرها في السنوات الخمسين الممتدة بين 1935 و1985 . أما على الغلاف الأخير فقد جاء بأن الروائي يصوّر في هذه الرواية ” محاولات زوجة في استعادة زوجها الضال, المراوغ، الجوال ، مغازل النساء الذي يعشقهن ويهجرهن وفقاً لمزاجه وتقلباته . وإذا كانت هذه الرواية أقصر روايات نارايان فإن الأجواء التي يخلّفها لقرائه تدفعهم إلى متابعة البحث والتفتيش عن الزوج الغائب وما تصادفه الزوجة من مفارقات” . أما في الملحق الذي أضافه الروائي لروايته التي جاءت ترجمتها العربية في 158 صفحة ، فإنه يبرر قِصَرها فيقول : ” كنت قد خططت لرواية الرجل الثرثار أن تكون رواية كاملة الطول وأن يكون عنوانها ضخماً” رواية رقم 14 “. ورحت أكتب فصولاً محققاً تقدماً مقيولاً ، ألا أنها لم تصل في حجمها إلى أكثر من 116 صفحة مكتوبة على الآلة الكاتبة ، وعندها توقفت كما تتوقف السيارة الخالية من الوقود . في الرواية قال ( الرجل الثرثار ) كل ما لديه من أقوال ، وبدا كأنه يريد أن يقول : ماذا تريدون أكثر من هذا ؟ ” ( ص 155) . صدرت هذه الرواية مترجمة من قبل الدكتور خليل ابراهيم حماش ضمن ( سلسلة المأمون ) عن دائرة الإعلام في وزارة الثقافة والاعلام عام 1990 . الرجل الثرثار الذي تحمل الرواية إسمه عنواناً لها هو سارد وبطل هذه الرواية التي تتمحور في جزء كبير منها حول شخصية من أطلق عليه الروائي تسمية الدكتور رانّ . ويبدو واضحاً منذ البداية أن الروائي سعى إلى إسقاطه أخلاقياً واجتماعياً حين أشار إلى أنه غيّر اسمه الهندي وأعاد صياغته لكي يبدو كأنه اسم أجنبي( ألماني أو روماني أو مجري ) ، في حين أنه ينحدر من قرية في أقصى جنوب الهند . ولأنه ” كان أشقر الشعر وفي عينيه مسحة من الزرقة الخضراء ، وسحنته تقع في الحد الفاصل بين الأبيض والأسمرــ هي سحنة غير اعنيادية لهندي من تلك المناطق ” ( ص 11 )، فإن الروائي يشكك من خلال الرجل الثرثار بنسَبه فيقول بأنه لابد أن تكون مجموعة من الجنود البريطانيين أو الفرنسيين قد عسكرت في القرية التي ولد فيها ران أو في ضواحيها في الفترة التي كان القتال يجري من أجل الحصول على السيطرة الاستعمارية “وفي الفترات التي يتوقف فيها القتال كانوا يتسلون بالامتزاج بالسكان المحليين ” ( ص11) بما تنطوي عليه الاشارة الأخيرة من دلالة .
يعمل الرجل الثرثا صحفياً جوالاً يتسقط الأخبار الغريبة وينشرها في تقارير يحملها إلى محطة القطار ليرسلها بالعربة الخاصة بالبريد مقابل اجور ، ومن محطة القطار هذه كانت البداية . كان الرجل الثرثار ، وهو أعزب ومن عائلة ميسورة ويمتلك منزلاً خاصاً به يعيش فيه لوحده ، قد التقى رأن لأول مرةً في مكتبة البلدية حيث وجده في انتظاره .لا ينسى الروائي ألإطلال على الواقع الاجتماعي في الهند بين حين وآخر فيقول مثلاً : “كان المتسولون ممددين على العشب وهم يغطون في نوم عميق وكان العاطلون يكسرون قشور الفول السوداني ويلتهمون المحتويات . وكانت المساطب الكونكريتية المنتشرة هنا وهناك مشغولة بلا استثناء” ( ص16)في إيماءة إلى انتشار البطالة، ثم يعرّج على محطة القطار فيتوقف عند غرفة الانتظار فيها ، وهي غرفة مسكونة بالقذارة وجد ران نفسه وقد سكنها مضطراً حين حط في محطة المدينة في رحلة هروبه من زوجته ، وما لبث الرجل الثرثار أن منحه غرفة في بيته .. كان الرجل الثرثار ماكراً هو الآخر فاستغفل ران وتعاون مع أحد المصورين لأن يلتقط له صورة فوتوغرافية خلسةً أرفقها مع التقرير الذي كان قد كتبه عنه . كانت تلك الصورة هي الدليل الذي قاد زوجة ران إلى التعرف على مكانه وهو الهارب منها وتقول عنه أنه كان منحرفاً وكان يريد أن يظل مغموراً ، دون أن تشير إلى وجه ذلك الانحراف . وكان ران يدّعي أنه يبحث فيما يسميه ” علم المستقبل “.
تقود المصادفة الرجل الثرثار إلى أن يكتشف بأن ران كان قد أغوى الفتاة غيريجيا حفيدة الرجل العجوز الذي يعمل في مكتبة البلدية وكان قد رآها هناك ، وكانت في السابعة عشرة حين تعرف عليها : ” كنت في طرف المكتبة المخصص للصحف ولذا لم يلاحظني ألا اني كنت استطيع رؤيته وهو يتقدم من المنضدة وخطواته تتوقف وحواسه متيقظة ومشدودة وكأنه سنور يكتشف فريسة غير واعية لما حولها “. وكان واضحاً ان السنور قد اصطاد فريسته وعبث بها وقد تواطأ الأثنان على الهرب وأعدا حقائبهما لذلك الغرض .
كان أحد النوادي المشهورة في المدينة قد أقام ندوة يلقي فيها ران محاضرة عن علم المستقبل الذي يدّعي تخصصه به فطرح أفكاراً أثارت جمهور المدعووين ويبدو أن هناك من عمد إلى اثارة الفوضى ربما بتدبير من الرجل الثرثار الذي قام بتهريب ران لكنه كان قد بيّت خطة لإنقاذ حفيدة المكتبي جعلت زوجة ران تأتي إلى المدينة وتنتظر زوجها في سيارة أجرة وتقوم باخنطافه ، لكنها لم تفلح فقدهرب من جديد مع أنها تعمل ضابطة استغل غيابها عن البيت ونفذ خطة للهرب .
يقول نارايان في الملحق الذي أشرنا إليه : ” لماذا الإكتفاء ب 116 صفحة ؟ اتساءل . فبينما لا يتجاوز الشاعر أو المسرحي أكثر من مائة صفحة كتابة حتى في أكثر أعماله طموحاً إلا نادراً دون أن يعلق أحد على طول انتاجه ،ويقبل عمله ، يكون الكاتب الروائي عرضة للتقويم الكمي ؟” في إشارة إلى ضرورة تلافي استخدام الحشو الذي يرهق العمل الروائي.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

تعليق واحد

  1. محمود سعيد

    استاذي الجليل
    شكرا جزيلاً نيابة عن كل من يقرؤها، فلقد استمتعت بما كتبت. أنا أيضاً قرأت الرواية ربما عندما كنت في العراف، وبالفعل هي كما وصفت، فلو كان هناك من يعيد العمل في أي رواية ليحصرها بالضروري من الكم لأراح القارئ والناقد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *