حوارات مع أديب الأطفال المبدع الكبير “طلال حسن” (18)

إشارة:
بين وقت وآخر يتحفنا المبدع الكبير “طلال حسن” بنتاج إبداعي جديد في مجال أدب الطفل الذي يتقلص كتّأبه –للأسف- يوما بعد آخر. بعد ثلاثين كتاباً متفرّداً في هذا المجال الضروري جدا والخصب شرّف مبدعنا الكبير أسرة موقع الناقد العراقي أكثر من مرّة بنشر العديد من مخطوطات كتبه الثمينة على صفحات الموقع. وهذه مخطوطة جديدة يخصّ بها الموقع وقرّاءه. . فتحية له مع التمنيات بالصحة الدائمة والإبداع المتجدد.
أُسرة موقع الناقد العراقي

لقاء مع كاتب الأطفال
طلال حسن
أجرت اللقاء : ميه ممدوح

* نحو ثقافة أطفال إنسانية متقدمة
* سبل النهوض بمسرح الأطفال
* جيل السبعينيات هو جيل التأسيس والازدهار والتقدم
* رواية الأطفال .. تكاد تكون غائبة .. لماذا

منذ بداية السبعينيات ، والأديب طلال حسن يكتب للأطفال ، دون توقف . كتب المسرحية في البداية ، لكنه سرعان ما أضاف إليها القصة والسيناريو ، وكذلك الرواية للأطفال والفتيان . وكانت حصيلة كتاباته ، خلال هذه العقود الأربعة ، عشرين كتاباً، صدرت في سوريا والأردن وأبو ظبي والعراق ، ونشر أكثر من ” 1200 ” قصة وقصة مصورة وسيناريو ومسرحية ، في الصحف والمجلات العراقية والعربية ، كما أشرف على زوايا وصفحات للأطفال في العديد من الصحف والمجلات في مدينة الموصل ، منها زوايا في صحيفة نينوى ودجلة والحقيقة ومجلة الطفل والأسرة وزرقاء ـ نت وملحق من أربع صفحات صدر عن جريدة عراقيون ، والجدير بالذكر، أنه أصدر وبالتعاون مع مطبعة الزهراء في الموصل ، في تموز عام 2003 أول مجلة للأطفال في العراق بعد التغيير ، عنونها ” قوس قزح ” ، وقد نال عدة جوائز عراقية وعربية ، كما كرّم مرات من قبل وزارة الثقافة وجامعة الموصل ومعهد وكلية الفنون في الموصل وجهات عديدة أخرى ، مثلت مسرحيات مرات في بغداد وكذلك في بعض المحافظات الأخرى وله تحت الطبع ثلاثة كتب هي : 1 ـ قمر نيبور ، وهي مسرحية للفتيان تصدر عن دار الشؤون الثقافية في بغداد 2 ـ حكايت توتو وقطقوطة ، وهي مجموعة قصصية للأطفال تصدر عد دار مدارك في بغداد 3 ـ وعن نفس الدار تصدر مجموعة قصصية للأطفال تضم ” 38 ، قصة مختارة لأبرز كتاب الأطفال في العراق .

هذه وقفة ، في الشبكة ، مع طلال حسن ، ولنبدأ
من حيث بدأ ، أعني المسرح ، أستاذ طلال ،
كيف تنظر إلى مسرح الأطفال في العراق ؟
وما السبيل إلى النهوض به ؟
طلال :من الصعب أن نقول ، أن هناك مسرحاً متطوراً في العراق ، ومما لا شك فيه، أن الفنان الكبير المعروف قاسم محمد ، قد ساهم مساهمة كبيرة في محاولة خلق مثل هذا المسرح ، رغم أن تجاربه القليلة ، التي لا تزيد على أصابع اليد الواحدة ، كانت أقرب إلى الإعداد ، ومنها مسرحية ” الصبي الخشبي ” المأخوذة عن رواية الأطفال الإيطالية ” بينوكيو ” ، كما أن الفنان الراحل غزي الوهاب ، بمسرحياته الأربع ، التي أخذها من حكايات شعبية معروفة ، ونشاطه المثمر والمبدع في مجالي الإخراج والتمثيل ، لعب دورا مهماً قي هذا المجال . ومما يؤسف له ، أن العديد من مسرحيات الأطفال ، التي مثلت ، وخاصة في السبعينيات ، لم تنشر نصوصها ، مما عرضها إلى الإهمال وربما النسيان . ورغم محاولات تفعيل نشاطات مسرح الأطفال ، وإن لم تكن في فترات متقاربة ، ظل مسرح الأطفال ، وحتى بعد التغيير ، يراوح في مكانه ، ولعل تكوين فرقة مسرحية خاصة بمسرح الأطفال ، وتشجيع كتاب الأطفال ، وكتاب المسرح ، على كتابة مسرحيات للأطفال ، وإجراء المسابقات والمهرجانات الخاصة بهذا النوع من المسرح ، وتفعيل دور معاهد وكليات الفنون في هذا المجال لعل كلّ هذا يساعد على إرساء أسس ثابتة لخلق مسرح أطفال متطور في العراق .

• ـ عايشت ثقافة الأطفال خلال مراحل متعددة
من عمرها ، ما تقييمك لتلك المراحل وممثليها من
الأدباء والفنانين ؟
طلال : رغم أن أدب الأطفال ، قد لاحت إرهاصاته منذ عشرينيات القرن الماضي ، إلا أن بداياته الحقيقية والمتواصلة والمتطورة ، كانت مع صدور ” مجلتي ” في عام” 1969 ” ، وصدور ” المزمار ” في بداية السبعينيات ، وقد ولد مع هذه البداية ، وتطور بتطورها ، خلال فترة السبعينيات ، جيل مبدع من الأدباء والفنانين ، ساهموا مساهمة فعالة في إنضاج تلك التجربة الخلاقة الرائدة ، وتحديد سماتها ومزاياها ، إن جيل السبعينيات هو بحق جيل التأسيس والازدهار والتقدم في مجال أدب وفن الأطفال في العراق ، يأتي في مقدمة هذا الجيل الأدباء جعفر صادق محمد وشفيق مهدي ومالك المطلبي وفاروق يوسف وحسن موسى وعبد الإله رؤوف وميسلون هادي وندوة حسن وزهير رسام وعزي الوهاب، ومن الفنانين المبدعين طالب مكي ومؤيد نعمة ونبيل يعقوب وهناء مال الله وصلاح جيد وفيصل لعيبي وعلي مندلاوي ومنصور البكري ، ومن المؤسف أن هذه التجربة الخلاقة تراجعت وتعطلت أبرز سماتها الإيجابية ، مع بداية الحرب العراقية الإيرانية ، وما أعقبتها من حروب وفواجع ، وقد تشتت معظم أدباء وفناني هذا الجيل الرائد ، ولم يبقَ منها إلا آثار منجزها الكبير ، الذي يدلل على قدرة المبدع العراقي على التجدد والعطاء ، إذا أتيحت له الفرصة للعمل والإبداع في ظروف طبيعية ، بعيدة عن القمع والتسلط والإرهاب . ونتيجة للظروف القاهرة ، التي أعقبت السبعينيات ، والتي عطلت مسيرة ثقافة الأطفال في العراق ، عطلت معها رفد هذه المسيرة بدماء شابة جديدة ، فلم تظهر في ساحة أدب الأطفال إلا أسماء قليلة ، راحت تشق طريقها بصعوبة أكبر ، داخل العراق وخارجه . لكن مسيرة الإبداع في هذا المجال لن تتوقف ، وستخلق الأجيال القادمة مبدعيها ، الذين سيضيفون إلى ما قدمناه في ظروفنا الصعبة الشيء الكثير ، وبما يتلاءم مع التغييرات الإيجابية التي تجري على أرض الواقع في العراق في الوقت الحاضر .

* ــ بعد التغيير ، الذي تمّ في 9/ 3 /2003 ، ما
الذي تغير في ثقافة الأطفال ، وما الذي تأمله
في هذا المجال ؟
طلال : لا أعتقد أن أحداً يمكن أن يتوقع حدوث تغيير جذري في مجال الثقافة عامة ، وثقافة الأطفال خاصة ، لمجرد ما حدث من تغيير سياسي في العراق ربيع عام” 2003 ” ، ورغم أن الدعوات والمحاولات مستمرة وصادقة لإزالة وتجاوز ثقافة التمييز والعنف والقمع ، إلا أن رواسب هذه الثقافة وآثارها ستحتاج الكثير من الجهد والوقت لإزالتها وإبدالها بثقافة السلم والانفتاح والتعاون .

• ـ قرأنا لك الكثير من من القصص
والسيناريوهات وكذلك المسرحيات ،
ماذا عن الرواية ؟
طلال ـ المتابع لما نشر في العراق من أدب أطفال ، ومن خلال دار ثقافة الأطفال بالذات، لابد أن يلاحظ طغيان المجموعات القصصية والشعرية على حساب المسرح والرواية ، ومن الغريب أن أحد المحررين برر لي ذلك قائلاً : إن الأطفال لا يحبون قراءة المسرح ، ويري البعض ، أن الأطفال يحبذون القصص القصيرة ، ولا يحتملون القصص الطويلة وكذلك الروايات ، ولعل مثل هذه الآراء كانت وراء عدم إقبال العديد من كتاب الأطفال على كتابة المسرحيات والروايات .ومن جهتي ، فقد كتبت الكثير من المسرحيات للأطفال وكذلك للفتيان ، واضطررت إلى نشرها في الصحف ،المحلية ، رغم قلة قرائها ، أو نشرها في الخارج ، ولذا فإن قراء مسرحياتي ، على ما أعتقد، ليسوا كثيرين ، بل إن معظم المعنيين بمسرح الأطفال لم يطلعوا إلا على عدد قليل من مسرحياتي التي نشرت منها أكثر من ” 200 ” مسرحية ، من بينها ثلاثية جلجامش ، التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية ، ومسرحية داماكي والوحش التي صدرت عن دار التوحيدي في حمص ، ومسرحية الإعصار التي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب . أما الروايات ، فبالرغم من أنني كتبت أكثر من عشرين رواية ، فإنني لم أستطع أن أنشر منها إلا عدة روايات قصيرة منها : ليث وملك الريح ونداء البراري

• ـ في العديد من المحافظات ، وخاصة
في اربيل والسليمانية ودهوك ، صدرت
مجلات للأطفال ،هل ترى أن من الممكن
والمجدي تعميم هذه التجربة في المحافظات
الأخرى ، وماذا عن تجربتكم ، في هذا المجال
، في محافظة نينوى ؟
طلال : منذ مطلع التسعينيات ، صدرت في أربيل والسليمانية و دهوك ، مجلات عديدة للأطفال . ومهما يقال عن مستواها الفني والأدبي ، فإنها أسست لصحاف أطفال متطورة خارج بغداد ، وبذلك أكدت إمكانية إصدار مثل هذه المجلات في محافظات القطر الأخرى ، وخاصة الكبيرة منها مثل الموصل والبصرة، ولعل تجربتي ، في مجال صحافة الأطفال ، في الموصل ، منذ عام ” 2000 ” تؤكد مثل هذه الإمكانية ، فبالإضافة إلى إشرافي على عدد من الزوايا والصفحات الخاصة بالأطفال في الصحف والمجلات الموصلية ، وخاصة بعد التغيير ، فقد أصدرت بالتعاون مع مطبعة الزهراء في الموصل إصدار أول مجلة للأطفال في تموز عام 2003 بعنوان ” قوس وقزح ” وكانت في ” 28 ” صفحة ملونة ، لكن ونتيجة للأوضاع الأمنية المتدهورة توقفت المجلة عن الصدور .

* ـ الكثير من أدباء الأطفال يشكون من إهمال
النقاد لكتاباتهم ، وعدم مواكبتهم لما يبدعونه
، ماذا تقول أنت ؟
طلال : ليس أدباء الأطفال وحدهم يشكون من هذا ، وإنما جميع الأدباء ، والرأي السائد ، أن قلة قليلة من النقاد أولت شيئاً من الاهتمام لأدب الأطفال ، وليت بعض هذه القلة تتمتع بدراية عميقة في هذا المجال ، ولهذا فإن جلّ ما كتب عن أدب الأطفال ، كان يتسم بالعمومية والأحكام النظرية الجاهزة . ولكي ننصف النقد ، فإن علينا أن نعترف بصدور دراسات جادة قيمة يعتد بها على قلتها ، ومن هذه الدراسات كتاب ” أدب الأطفال في العراق ” للدكتور عمر الطالب ، وكتاب ” المكان في قصص الأطفال ” للناقد البارز ياسين النصير ، ورسالة ماجستير قدمتها في جامعة الموصل الطالبة رائدة عباس ، وأطروحة الدكتوراه عن قصة الأطفال في العراق للسيدة طاهرة دخيل ، ولعل الدراسة الأخيرة ، كانت أوسع وأهم دراسة كتبت عن قصة الأطفال حتى الآن . وإلى جانب هذه الدراسات الهامة ، كتبت مقالات ومتابعات صحفية لها أهميتها بأقلام كتاب معروفين من بينهم : الدكتور شجاع العاني والدكتور صابر عبيد والدكتور شفيق مهدي وحسب الله يحيى وأنور عبد العزيز وباسم عبد الحميد حمودي ومحسن ناصر الكناني .

• ـ لك تجربتك في النشر خارج العراق
، ما الدافع إلى ذلك ، وما تقييمك لهذه التجربة ؟
طلال : لعل معظم ما نشرته حتى الآن ، وربما أفضل ما نشرته ، كان خارج العراق، وخاصة في سوريا والسعودية ، ففي سوريا ، وبالإضافة إلى ما نشرته من قصص في مجلة أسامة ، منذ عام 1969 وحتى الآن ، فقد صدر لي فيها سبعة كتب ، خمسة منها كانت عن اتحاد الكتاب العرب . أما في السعودية فقد نشر لي أكثر من ” 200 ” قصة وقصة مصورة وسيناريو في مجلة ” الشبل ” التي تصدر في الرياض مرتين في الشهر . كما نشرت كتاباتي في مجلة ” أحمد ” ومجلة ” توته ” في لبنان ، ومجلة ” سامر ” و” براعم عمان ” وجريدة ” الدستور ” وجريدة ” الرأي العام ” في الأردن ، ومجلة ” العربي الصغير ” في الكويت ، ومجلة ” ماجد ” في أبو ظبي .ولعل الدوافع الأساسية، التي حدت بي إلى اللجوء للنشر في الخارج ، هي ليست فقط رغبتي في الانتشار على مساحة الوطن العربي ، أو الوصول إلى الأطفال العرب في كلّ مكان ، ونقل نموذج من التجربة العراقية إلى النماذج المتقدمة في الوطن العربي ، وإنما أيضاً التنفس بشيء من الحرية ، بعيداً عن القبو الخانق ، الذي كانه العراق ، خلال عقود من الحروب الدائمة . ومهما يكن ، ورغم أن تجربتي هذه أعطتني الكثير ، وأوصلت كتاباتي إلى ما لم تصله الكتابات الصادرة داخل العراق ، إلا أنها حرمتني من شيء بالغ الأهمية بالنسبة لي ، نعم ، لقد حرمتني من أن أصل بكتاباتي هذه إلى أطفال وطني العزيز ، العراق .

مجلة الشبكة ـ بغداد

 

القاص طلال حسن
مازال القلم في يدي وسأكتب للأطفال

حاوره : عماد إبراهيم

من مواليد مدينة الموصل سنة 1939
قضى سنوات الطفولة الأولى في مدينة الموصل ، ومن ثم انتقلت العائلة إلى مدينة دهوك وبقي هناك ثلاث سنوات ، بعد ذلك عادت العائلة لمدينة الموصل وعندها كان في الصف الرابع الابتدائي حيث أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية .
وفي عام 1958 عين معلماً في إحدى مدارس منطقة القيارة ، وبعد أن قضى فيها مدة من الزمن عاد لمدينة الموصل معلماً في مدرسة ميسلون الابتدائية لحي إحالته على التقاعد في العام 1986 .
هو من الذين يحبون العمل بخفاء بعيداً عن الأضواء ، دون أن ينتظر من الآخرين أي ثناء ، وراحته وقمة سعادته تكمن في إيصال فكرة إيجابية لطفل هنا وآخر هناك ، وتغمره السعادة حد الري كلما أمسك بالقلم ليكلم الأطفال عن طريق التأليف لهم وكتابة القصة أو السيناريو أو المسرحية فقد نذر نفسه ومنذ عشرات السنين للكتابة للأطفال والفتيان .
إنه الكاتب والقاص الموصلي الكبير طلال حسن .
سمعت عنه الكثير فاستغربت عندما عرفت أن هذا العملاق يكتب الساعات تلو الساعات لا يهمه ولا يشغله شاغل عن الكتابة بل إنه في بعض الأحيان يكاد يعتكف في مكتبه الذي دخلته فوجدت عجباً ، إذ وجدت في المكتب إضافة للمنضدة والكتب ومجموعة الأقلام والحاسوب ، كان هناك سرير ، استشفيت ومن دون سؤال أنه عندما يغلبه التعب ولا يريد الخروج من جو القصص التي يعيش فيها يستلقي هناك قليلاً ليأخذ قسطاً من الراحة ومن ثم يعاود الكتابة .
فهو يكتب منذ زمن ولم يتوقف أبداً بالرغم من الظروف التي أحاطت بالبلد عبر السنين الماضية ، بل كلما مرّ بتجربة زادته خبرة وإصراراً على الكتابة ، وأن حين أجريت معه هذا الحوار اقتطعت من وقته الثمين شيئاً مهماً لأنه يقدس الوقت ويعتبره أنه هو الحياة ، فالوقت عنده حياة .

الحوار : كيف كانت بداياتك مع قصص الأطفال ؟
ـ من خلال وجودي في مهنة التعليم بين الأطفال ، حاولت ولوج هذا العالم الواسع من خلال الكتابة لهم والاستماع لهم في بعض الأحيان وهم ينقلون إليّ ما روته لهم جداتهم وأمهاتهم من قصص تناولتها الأجيال جيلاً عن جيل ، وكانت هذه القصص تتناول نواح شتى من الحياة ، لذا تجد فيها التاريخ والخرافة والأسطورة والحكم والتقاليد و الموروثات .
لذا شعرت بالرغبة في دخول هذا العالم محاولاً تصويب أفكارهم وتثقيفهم من خلال الكتابة القصصية التي هي من أقصر الطرق للدخول إلى عالم الأطفال .
كانت بداياتي مع النقد الأدبي ثم مع الكتابة المسرحية وبعد ذلك وتحديدا ًفي أواسط السبعينات انتقلت للكتابة للأطفال وما أزال لهذا اليوم أكتب لهم وأستمتع بما أقدمه لهم من خلال القصص الموجهة ، ومجموع ما قدمته للأطفال لغاية اليوم هي أكثر من عشرين كتاباً موجهاً للأطفال ، صدرت هذه الكتب في العراق وخارج العراق ، وكذلك لي أكثر من ألف قصة وسيناريو ومسرحية ، وقد نشر لي أكثر من مائتين وعشرين مسرحية من ضمنها ثلاث وثلاثون مسرحية موجهة للفتيان ، وكذلك نشرت أعمالي في كتب ومجلات تعنى بالمجال الأدبي في العراق وخارج العراق وفي أهم المجلات العربية الخاصة بأدب الأطفال .
الحوار : لماذا تخصصت بأدب الأطفال
مع صعوبته ، في حين كانت أبواب الأدب
مفتوحة أمامك نقداً وتأليفاً وغير ذلك ؟
ـ أحياناً ترى الكاتب والأديب يكتشف إمكانياته وقدراته من خلال عمله ، ففي بداياتي وكما أسلفت الذكر فإنني كتبت القصة والرواية والمسرحية والنقد الأدبي بشكل عام ، ولكن عندما بدأت كتاباتي للأطفال أحسست بخطورة هذا العمل وعظمته ، لأن أدب الأطفال مهم جداً ، وأنا أملك في نفسي القدرة والقابلية على دخوله والتعامل معه بل والإبداع فيه ، لذا صممت على ذلك فشحذت همتي وسخرت لهذه المهمة كل إمكانياتي ، وأدب الأطفال يعتمد على مفردات كثيرة مثل الحيوان والنبات والجماد والتاريخ والأسطورة وما إلى ذلك ما جعلني أتحرك فيه بحرية .
أقصد بالحرية التي أتحدث عنها والتي كنت أريدها لم أجدها إلا من خلال كتاباتي للأطفال ، وذلك من خلال إيصال الفكرة التي أعيشها أنا في مخيلتي لأنقلها على شكل قصة هادفة للأطفال خاصة ومن خلالهم للكبار في بعض الأحيان ، فكنت أكتب عن الحيوان والنبات والطيور فأغرس فيها المعاني والأفكار التي أريد إيصالها للقارىء ، وكنت أكتب قصصي على مستويين ، الأول هو ما يستطيع فهمه الصغار ويتمتعون به ، والمستوى الثاني هو موجه للكبار من خلال الكتابة للأطفال ، وبهذه الطريقة كنت أفلت من الرقابة في العهد السابق .
وأرى في الكتابة للأطفال محاولة لسبر أغوار مخيلات الطفل وتوجيهها التوجيه الايجابي وذلك محاولة في تربية وتنشئة الأجيال على خير ما يرام .

الحوار : كونك معلماً في المدارس
الابتدائية ، هل لذلك تأثير في تكوينك الأدبي ؟
ـ لو لم أكن معلماً ابتدائياً ، ما كنت أبداً في يوم من الأيام لأكون كاتباً أو قاصاً يهتم بأدب الأطفال وما يريدونه من خلال قربي منهم واحتكاكي بهم وتدريسهم على مدى سنوات طويلة ، فكنت عندما أريد التحدث إليهم وإسعادهم ، كنت أقص عليهم القصص الهادفة والتي تدور حول قضايا كثيرة مثل الحكايات الطريفة لأنها أقرب الطرق إلى قلوبهم فهم يحبونها أكثر من أي شيء آخر ، ولهذا أنا أظن بأن المناهج الدراسية للسنوات الأولى لو اعتمدت على الحكايات فسيكون لها مردود أفضل .
وعملي في المدارس الابتدائية زادني معرفة وثقافة في عالم الأطفالوكذلك أغنى موهبتي في مجال الكتابة والتأليف ، فمن خلال عملي كنت أجرب قراءة بعض القصص التي أكتبها على الأطفال كي ألاحظ ردود أفعالهم تجاهها فمن هذه الملاحظات كنت أرى نتيجة القصة سلباً وإيجاباً .

الحوار : بمن تأثرت من الأدباء
المعاصرين أو القدماء ؟
ـ منذ أواسط الخمسينات كنت أقرأ العديد من الكتاب وفي عدة مجالات ، فقرأت في النقد والأدب والتاريخ والاقتصاد ، ولكن شيئاً فشيئاً برزت ميولي للكتابات الأدبية أنهل منها معيناً لا ينضب ، وعلى نفس المنوال حيث أنني وجدت نفسي أميل لأدب الأطفال فأحببته .
ومنذ أواسط السبعينات اهتممت بالقراءة في الأدب السوفيتي لأنني كنت أجد فيه الاهتمام في الجانب الإنساني والعلمي والمعرفي بالإضافة إلى اهتمامهم بأدب الأطفال وبالكتب الموجهة لهم من حيث استخدامهم لأساليب طباعية جيدة من حيث التشكيل واللون والإخراج وتأثرت بالكاتب اليوناني ” ايسوب ” والكاتب الروسي ” كرلوف ” وبالكاتب العربي ” زكريا تامر ، وأيضاً تأثرت ببعض الكتاب العراقيين مثل شفيق مهدي وجعفر صادق محمد وفاروق يوسف ، فحاولت أن أضيف أفضل ما عندي إلى أفضل ما عندهم لغرض الخروج بتجربتي الخاصة التي كونت شخصية طلال حسن الأدبية .

الحوار : تناولت في قصصك الجوانب
التاريخية للعراق فأي الحقب التاريخية
تستهويك للكتابة فيها ؟
ـ للجواب على هذا السؤال عليّ العودة بالتاريخ والذاكرة إلى الصف الأول المتوسط حيث كانت بدايات حبي لتاريخ العراق القديم وهذا الحب سببه هو حبي لمدرس مادة التاريخ حيث كان بارعاً في سرده للتاريخ وفي إيصال المادة للطلاب ، ومازلت أذكر لحد الآن حديثه عن كلكامش واوتونبشتم وانكيدو وغيرهم من الشخصيات وشخصيات تاريخية أخرى ، وأذكر أنني استعرت أول كتاب وكان عنوانه ” تاريخ العالم ” وكنت أركز في هذا الكتاب الضخم المليء بالصور على تاريخ العراق القديم ومصر القديمة واليونان ، وكان أحب شيء لي في تاريخ العراق القديم هو الفترة الآشورية لأن نينوى ونمرود كانتا متعاشقتان مع تاريخ الموصل ، ولكوني ابن هذه المدينة أحس بأهمية دراسة ذلك التاريخ مع التاريخ العراقي القديم وبشكل عام .
وفي شبابي كنت أريد أن أختص بدراسة التاريخ ، ولكن مع الأسف لم أتمكن من ذلك ، ولكن عالجت هذه الرغبة في كتابة القصص التي تتحدث عن بعض من جوانب هذا التاريخ الكبير وتأثرت كثيراً بملحمة كلكامش ما جعلني أفكر بتقديمها بشكل مبسط وجميل للفتيان ، ولحسن الحظ تمكنت من كتابة هذا الكتاب الذي أعتبره من أحب كتبي إليّ ، ونشرت أكثر من ” 35 ” مسرحية تاريخية تعنى بالتاريخ العراقي القديم وكلها موجهة للفتيان من خلال مشروع مسرح الفتيان والذي ضم أكثر من ” 30 ” مسرحية .
وكنت مهتماً بالحقب التاريخية القديمة للعراق كالبابلية والآشورية والسومرية ، وهذه الحقب منحتني من الحرية في الكتابة والمعالجة التاريخية أكثر مما هي عليه في فترة التاريخ الإسلامي مع أنها من الحقب المشرقة في التاريخ العربي بل والعالمي والإنساني ، وأعود لأذكر بأن الذي منعني من الكتابة في هذه الحقبة ما فيها من الحساسية في بعض النواحي وأنا لا أكتب التاريخ وإنما أكتب أفكاراً معاصرة في إطار تاريخي .

الحوار : عملتم في التعليم والصحافة
والكتابة ، فأين يرى طلال حسن نفسه ؟
ـ شأني في هذا الأمر شأن كل الكتاب والنقاد والأدباء إذ أن أن كل ما كتبته لو لم أكن أشعر به وأحبه ما كتبته ، فأنا أكتب ما أحب ، ولذا أحب ما أكتب .
إنني أعطيت من عمري ” 28 ” عاماً للتعليم قضيتها بين الأطفال أعلمهم وأربيهم وأحاكيهم وأجد نفسي في نجاحاتهم ، فكل منهم هو ابني ، وأجمل فترات حياتي هي التي قضيتها في مهنة التعليم لأنني أرى في مهنة التعليم على أنها أنبل مهنة عرفها البشر على الإطلاق .
في عام ” 1958 ” عرض عليّ أن أدخل الكلية العسكرية لأتخرج منها ضابطاً في الجيش ولكني رفضت وفضلت التعليم على كل شيء ، وأنا الآن في السبعين من عمري أرى إنني لم أندم على أي يوم قضيته بين الأطفال بل على العكس فأنا أراني أشعر بالفخر عندما أعلم بأن من بين الطلبة الذين علمتهم في سني عمري المهني منهم من تقلدوا مناصب رفيعة في المجتمع ، فهذا هو مصدر الفخر الحقيقي لكل معلم أراد في مهنة التعليم أن يؤدي الأمانة حق الأداء ، وأنا أشعر بأن الكتابة للأطفال إنما هي مرحلة مكملة لأن المعلم في سنوات التعليم قد يعل المئات أو الآلاف ولكن حينا يكتب للأطفال فإنه قد يخاطب مئات الآلاف بل وأكثر وأيضاً جو المعلم محصور بين جدران الصف التعليمي وعدد من التلاميذ ، في حين يكون جو الكاتب من السعة واللامحدودية لأنه قد يخاطب أطفالاً من أماكن شتى ومن بلدان شتى وثقافات وغير ذلك من التنوع حيث أنني أشعر في كتاباتي أني أكتب للعربي والكردي والمسلم وغير المسلم على حد سواء بل وحتى من هم خارج العراق من بلدان الوطن العربي .

الحوار : هل ثمة مشاريع جديدة موجهة
للأطفال في جعبتك ؟ وهل يمكن أن تعطينا
فكرة مبسطة عنها ؟
ـ بعد أن نشرت القصص في أواسط السبعينيات من القرن الماضي وكنت حينها مشغولاً جداً بالقضية الفلسطينية ، لاحظت أن هناك موضوعاً مهماً بالإضافة للقصص ألا وهو السيناريو ، فقمت بإعداد سيناريوهات لبعض الأدباء العرب والسوفيت ، فقلت في نفسي لم لا أقوم بكتابة السيناريو الخاص بي وبقصصي فقمت من ذلك الوقت بكتابة السيناريو . والسيناريو هو عبارة عن قصة مصورة ومقطعة إلى مقاطع ، والسيناريو الأول الذي كتبته لاقى نجاحاً كبيراً وكان عنوانه ” النملة الصغير والصرصار ” .
وداومت على كتابة السيناريو بعد نجاح السيناريو الأول حيث نشرت الكثير منها ، وأذكر أن رساماً أجنبياً اسمه سانشيز كان يزور دار ثقافة الأطفال قد رسم لي سيناريو من حلقتين في ” 48 ” مقطعاً . ورسم لي بعد ذلك رسامون عراقيون وموصليون كثر منهم الرسام المبدع محمد العدواني فقمنا متعاونين بنشر عشرات السيناريوهات في مجلة الشبل السعودية ، وكذلك في مجلة العربي الصغير التي تصدر في الكويت ، أما الآن فإن ولدي عمر المدرس في معهد الفنون الجميلة للبنات هو أحد الرسامين الذين يرسمون لي السيناريوهات وما زلنا نعمل سوياً .
والآن وبالتعاون مع الأديب ناهض الرمضاني نقوم سوياً بالإعداد لمجلة خاصة بالأطفال نتمنى أن تحظى باهتمام من قبل المسؤولين والأطفال .

الحوار : حصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير أي من هذه الجوائز أسعدتك أكثر
وما هي الجائزة التي تتمنون الحصول عليها ؟
ـ الجائزة الأولى التي حصلت عليها كانت هي المرتبة الثانية في مسابقة مسرح الطفل العربي في ” أبو ظبي ” عام 2000 .
ـ الجائزة الثانية كانت هي المرتبة الأولى في مسرح الطفل من دار ثقافة الأطفال ـ بعداد عام 2005 .
ـ في العام ” 2008 ” حصلت المرتبة الثانية في السيناريوهات الخاصة بالأطفال عن دار ثقافة الأطفال عن السيناريو الموسوم ” لصوص التاريخ ” والذي تناول سرقة الآثار العراقية .
ـ وفي العام 2009 قامت وزارة الثقافة مسابقة للقصة والمسرحية بمناسبة مرور ” 40 ” سنة على افتتاح دار ثقافة الأطفال فشاركت في المسرح وحصلت على المرتبة الثانية بعد أ حُجبت الأولى لأسباب لا أعرفها . وكذلك حصلت على عدد من الشهادات التقديرية عن جهات ثقافية أكاديمية .
وأما عن الجائزة الكبرى التي أتمنى الحصول عليها فهي أن تصل كتاباتي لكل الأطفال في العراق والوطن العربي بل وأبعد من ذلك لكل الأطفال عموماً ، وهذه هي الجائزة الأغلى ، أما أنا فلن أترك القلم من يدي محاولاً الكتابة لكل الأطفال ، ولن أتوانى عن الكتابة لأي مجلة تكتب للأطفال سواء في البصرة كانت أو في السليمانية أو الأنبار ، وفي الحقيقة فأنا الآن أكتب لمجلة ” بيفين ” التي تعنى بالثقافة والأدب وتصدر باللغة العربية في مدينة السليمانية وقد نشرت هذه المجلة الكثير من أعمالي المسرحية .

الحوار : هل من الأدباء الشباب الآن من
يحذو حذوك في الكتابة للأطفال ؟
ـ بالرغم من الظروف التي مرّ بها العراق من محن وحروب جعلت من الصعب ظهور كتاب من هذا النوع ولكن أقةلها بكل صراحة لابد من ظهور كتاب يكتب البعض منهم للأطفال مثل ما يكتب البعض للعمة ذلك لأن أرض العراق ماتزال خصبة ، وأنا متفائل جداً بذلك حينما تسنح الفرصة لذلك ، وأنا سأضرب المثال في ذلك ، ففي اقليم كردستان الآن يوجد عدد من دور الثقافة المختصة بالأطفال تدعم البعض منها الحكومة والبعض الآخر تدعمها بعض مؤسسات المجتمع المدني وزرت في مدينة السليمانية دارين من هذه الدور أحدهما ينشر باللغة الكردية والآخر يترجم إلى اللغة الكردية ، ولكني عاتبتهم إذ لم أجدهم يترجمون عن اللغة العربية ، فأهديتهم أحد كتبي وهو ” زهرة بابنج للعصفورة ” بين الأخوة في البلد الواحد أن يتفرقوا فالعرب والكرد والتركمان وغيرهم كلهم إخوة في الوطن وواجبنا أن نذكرهم بهذه الأخوة مهما حصل .

الحوار : ما هي مشاريعك المستقبلية ؟
ـ أنا أعتبر نفسي مشروعاً خاصاً بالأطفال فأنا نذرت لهم حياتي لأكتب لهم وأحاكيهم فأنا مستمر على ذلك مادام فيّ عرق ينبض فسأكتب من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه الأجيال ، الجيل تلو الجيل فالأطفال مشروعي وكنزي الذي لا يوازيه كنز في الدنيا .

الحوار : هل من كلمة أخيرة توجهها للشباب ؟
ـ أقول للشباب في كل المجالات ليس في عالم الكتابة فقط ، بل في كل مجال من مجالات الحياة ، أنتم عماد الغد والمستقبل أمامكم فلا تعتمدوا إلا على أنفسكم ولا تتعذروا بالظروف ولا تنتظروا العون من أحد سوى الله والاعتماد على قدراتكم الذاتية كما قال الكاتب الانكليزي سومرست موم ” الموهبة 1/ والجهد 99 / .
فهناك كتاب قضوا سنين من عمرهم في غياهب السجون ، ولكن ما انطفأت شموع الإبداع في دواخلهم بل أصبحت لدى البعض منهم دافعاً من دوافع الإصرار على التفوق والإبداع .
وأخيراً أتمنى من الكتاب الشباب أن يحسوا بمدى المسؤولية وعظم الأمانة الملقاة على عاتق الفرد منهم وأتمنى أن يراعوا هذه الأمانة حق الرعاية فالأمانة كبيرة .

مجلة الحوار ـ اربيل
نيسان ـ 2010

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| احمد ابراهيم الدسوقي : قصة من أدب الخيال العلمى “عماليق جزيرة التاروت” .

ويليام وزوجته مواطنان أوربيان ثريان فى أواسط العمر ، يعيشان فى الربع الأخير من القرن …

| طلال حسن : رواية للفتيان / جزيرة كالوبيوك (2 / 4) ..

ومرة أخرى تابعت الساحرة شوشو قائلة : البارحة طفتَ مع صديقك دنيس على بعض الصيادين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *