سامية البحري: حديث الإدراك

إن مراودة الفلسفة هي المشغل الذي أتقنه وأحبه ..
فغالبا ما كنت أقتنص منها متعا أدركها ولا يدركها غيري
تتفاعل مع تلك الذات التي تستوطن هذا الجسد

هذه الذات القلقة..الحائرة..المتسائلة
المتناثرة كحبات القمح أمام عصفور من ورق ..

ولم أكن أجد المتعة أو الامتاع وأنا بين دفتي كتاب فلسفي بقدر ما كنت أشعر ببركان ينفجر في رأسي وينفتح على أكثر من احتمال
وتلك هي ضريبة أن تحب الفلسفة ..!!

ليس لك أن تطارد المعاني ..ولا أن تعقد صلحا مع الخطاب أو مع من أنتج الخطاب ..
وليس لك أن تقيم في فكرة …
كل الأفكار تتحول إلى وطن ..
وكل وطن مطلوب منك أن تعتنق أوجاعه وآلامه ومده وجزره

فجأة تتحول أنت ذاك الواحد المتخبط في يم ذاك المتعدد الذي لاينتهي ولا يتوقف ..

وعندما يعلو الجدال ويشتد ولاسيما في حضور ذاك المجادل الأكبر “سقراط”

في تلك اللحظات تتمنى أن تهرب من الفلسفة بعيدا ..بعيدا ..
تتمنى أن لا يقبض عليك السؤال في تلك المنعطفات …
ويحرق ما تبقى منك …

كان لابد أن تهرب للخلاص من لحظة احتراق ممكنة ..
فيكون الهروب إلى الشعر ..
ليس الشعر في نظر سقراط ولا أفلاطون. .
الشعر الذي يقيم على رأسه الفيلسوف والحكيم ..
بل الشعر الذي يرفض أن يكون على رأسه الفيلسوف أو الحكيم ..

إنه الشعر الذي يكون على رأسه الشاعر بكل ما يحمله هذا الدال من دلالات ومفاهيم تنأى عن الحد والضبط ..
الشعر الذي حول الصحراء بتلك الحدود الجغرافية إلى عالم رمزي رحب يستوعب كل ما يحدث فوقه ويكسبه من طبعه الكثير ..
فيتحدى تلك الصلابة وذاك الامتداد بناقة “عنتريس” أي صلبة ..
وهنا تتجلى صورة من صور التناغم والتماهى بين مكونات ذاك الفضاء العجيب
ومنه تتأسس المفاهيم الشعرية والفلسفية في آن ..
الشعر الذي يقيم مئذنة لليقين ..!!
فتصلي في محرابه الحروف ..وتخشع البلاغة دهشة ..ويتجلى البيان شمسا تنسج من خيوطها جسد القصيدة ..
وتبتهل القوافي ..فتتلو السماء آيات العشق المقدس ……!!

وهنا قد أنتصر للشعر بالشعر على حساب الفلسفة بالفلسفة ..
فلم يكن سقراط يحب الشعراء
لا هوميرس ولا صفوكليس
لكنه لم يستطع أن يخمد الحرائق التي أشعلوها في “الجمهورية” وفي جميع هياكل هذا العالم من بعده إلى الآن. …

ولكني أحب سقراط وأحب الفلسفة ..كما شغفي بالشعر ..
وليس لي أن أكتب أو أتمثل هذا الوجود خارج هذه الدائرة. .
التي يدور في فلكها الشعر والفلسفة ….!!

ولو كان سقراط موجودا بيننا لكان أحب الشعر كما أحبه. .
إذا تلوت عليه بعض آياته …….!!

وإني لأمضي الهم عند احتضاره
بعوجاء مرقال تلوح وتغتدي
جمالية وجناء تردي كأنها
سفنجة تبري لأزعر أربد
وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت
مخافة ملوي من القد محصد

فقد يفيده ذلك في مبحثه عن السعادة الذي أرقه..
وأرق الجميع من بعده ..

فلا يمكن الحديث عن السعادة دون الحديث عن الشقاء ..
وفي الالتباس المضني بينهما قد تتحقق بعض السعادة الآنية. ..

ولكان سقراط أحبني. .أحبني بكل أدوات الفلسفة التي يتقن التوغل فيها وأنا أتلو عليه آيات من آيات أفروديت. .آيات من آياتي …

كفى بي سقاما أني امرأة
قطعت جفن الكرى فلم ينم

سقراط يدرك جيدا أن المرأة المجنونة هي فقط من تحول الرجل إلى فيلسوف عظيم ..
وأنه عليه أن يتقن السفر في ذاك الجنون حتى يصل إلى أسوار الفلسفة العالية ..
وأن المرأة العنيدة لا تتاح ..
ترفض أن تكون أداة لتحقيق تلك المآرب الخبيثة. .
وأن المرأة المجنونة والعنيدة ترفض أن تكون جسرا إلى تلك “الجنة الموعودة” في الجماجم الخاوية. .والمشحونة بالجواري والغلمان والحور العين ..
فيها الأبواب السبع المغلقة ..في كل باب قينة تعرض شحمها ولحمها..
وعليه أن يختار ..!!
وله الكل دفعة واحدة متى شاء …

ما هكذا هي جنة الله …..!!
الله أكبر من هذه الجماجم الموبوءة. ………..!!
سامية البحري
مقطع من روايتي ” NIRVANA “

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *