نظرة نقدية على رواية لويس جونسن
للروائية الأمريكية من أصول سورية أروى كاسو
علي عبد العال
روائي عراقي

عندما يتغير العالم فجأة
رواية “لويس جونسن” للروائية الأمريكية من أصول سورية أروى كاسو تعد من الروايات القليلة التي ترصد واقع المجتمع الأمريكي من العمق وصولا إلى سطح الأحداث. فهي وفق المعايير التاريخية واكبت أحداث اجتماعية وتحولات جوهرية كبيرة سياسية واجتماعية ضربت المجتمع الأمريكي بالصميم. وهذه الأحداث الصغيرة سبقت حتى ثورة الزنج التي قادها الزعيم الثائر مارتن لوثر كنج.
تطرق الكثير من الكتاب والأدباء الأمريكان وغيرهم إلى موضوع التمييز
العنصري في المجتمع الأمريكي من دعاة حقوق الإنسان ومن العنصريين الذين يقفون بالضد من هذه المفاهيم الإنسانية العظيمة في العدالة والمساواة والأخاء التي جسدتها الثورة الفرنسية وطغى صداها على أرجاء العالم في جميع أصقاع الكرة الأرضية.
الروائية أروى كاسو حصدت هذه المفاهيم الإنسانية لتلخصها عن طريق تجربة حياتية واقعية ومباشرة تلامس الواقع الحقيقي عن طريق نقل معاناة رجل زنجي بعينين زرقاويين. تبدأ الرواية بسطور مثيرة وغريبة نقلا عن “البطل” لويس جونسن الذي عانت كثيرا للقائه وهو في السبعين من العمر لتكتب هذا المشهد الغريب:
(ملامح من الطفولة البعيدة لـ “لويس جونسن”

(ما أعظم هذه الحياة؛ هل عشتُ بهذا القدر من العمر لكي أرى المعجزة التي تفوق الخيال؟ أن أرى زنجيا مثلي يصير رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية؛ ما أعظم هذه الحياة في أميركيا الرائعة”.
هكذا يتحدث الزنجي الأمريكي المخلّط، العبد منذ الولادة سابقا “آل جي” وهو يقترب من الموت بعد قضاء سبعين عاما من الشقاء والعذاب والتشرد كمواطن أمريكي من الدرجة العاشرة؛ ناضل كأمريكي من أجل مبادئ الحرية، وكافح من أجل العيش الكريم عن طريق العمل، وساهم مع الآخرين ببناء سكك الحديد وتوسيع الحقول الزراعية بينما هو مجرد فتى صغير، لكنه ساهم في بناء اللبنات الأولى لهذا الصرح العظيم الذي يقود العالم الآن: أمريكا العظيمة. إنه رأى السعادة في نهاية العمر؛ لكنه كان يرى إلى المستقبل عبر طريق مفتوح على البشرية أيضا، طريق الآلام الذي سار على جادته الصعبة سيدنا المسيح. كان يرى إلى العالم كأنه وحدة متجانسة. تعّلم هذه المهارة من الطيور في السماء بالدرجة الأولى ومن الحيوانات الأخرى التي تدب على وجه الأرض وبين الجحور. روحه تسمو عاليا في السماء، ليس كما طيور الحمام البريئة ذات الأعشاش بالبيوت، وإنما كما الصقور الملكية الشرسة ساكنة الصخور في أعالي الجبال. لكن جذوره الحقيقية كبشر تكمن في الأرض التي هي الأثبت و الأعمق. قال لنفسه بقناعة مطلقة: “من المحال دوام الحال” وهي حكمة شرقية قديمة تفيد بتطور البشر والمجتمعات والعلوم، وكان هذا الفتى أل جي يؤمن بكل تلك الآراء الفلسفية بشكل عفوي وغريزي منبثق عن روحه الحرة كالصقور بالسماء العالية. لم يتعلم ولم يدخل المدارس بشكل منتظم، لكنه كان على وعي كامل بمجريات الأحداثي التي يتعرض لها يوميا وبشكل مباشر الأمر الذي ألهمه هذه المعرفة المباشرة المفيدة).

من هنا تنبع أهمية الرواية كونها ترصد الأحداث من معاصريها الحقيقيين ومن صلب معاناتهم الإنسانية العميقة. المالك الأبيض يضاجع الخادمة الزنجية التي هي أم لويس جونسن، فتنجب طفلا بعينين زرقاويين هو لويس جونسن الذي يخجل من لون الزرقة في عينيه فيقول “ليتني أكون زنجيا بالكامل” فهو خلاسي جذره الحقيقي زنجي ملطخ بعار الرجل الأبيض.
تسير أحداث الرواية بفصول متقنة ولغة سلسلة وتحتفظ باثارة انسانية مقلقة حتى تصل إلى مشهد غريب تختتم فيها هدفها الغريب. مرشح للرئاسة الأمريكية يقف يخطب بين الناخبين بينما يقف زبال زنجي بعينين زرقاويين يستمع لخطاب المرشح صديق الطفولة مايكل بيكر.إنه يعرف الأن جيدا أنهما اخوان من صلب رجل واحد.

علي عبد العال
روائي عراقي

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *