كتاب عدنان المبارك ضد اليوميات 2012 صدر أخيرا ويتألف من 16 نصا كتبها المؤلف خلال العام الأخير. وفي عدد منها يتكلم عن أوضاع معينة يعيشها الفرد العربي في المنطقة وخاصة ما حدث ويحدث في العراق والأحواز وغزة.
يكتب المبارك في أحد النصوص، بالانطلاق من قول العقل السليم ينقذك من السفالات لكن ليس من اليأس ، فهو يجد أن اليأس وضع ميتافيزيقي تورط فيه الفرد الذي لايتوقف يوميا فقط عند اليومي والراهن في عالم مشترك ينحدر صوب الهاوية بزخم أكبر فأكبر وتحوّل الى نسخة طبق الأصل من أفلام العصابات والمخابرات أي عالمي الجريمة المكشوفة والأخرى المتسترة بالقانون . وفي نص آخر يتكلم عن الميل الى المجهولية لدى عدد من الكتّاب والفنانين الذين فضلوا ما أسماه أحد النقّاد بـ أستيتيكا الصمت ، على الأضواء والشهرة، وأجتازوا مملكة الخصوصي، ولديهم مختلف الأسباب. وغالبما يطرح المبارك في هذا الكتاب هواجسه ومدارات أرقه وما أسماه ب هجوم العالمين الخارجي والداخلي والذي صار متزامنا منذ أمد بعيد . يكتب مثلا أستمع الى باخ خاصة، وأقرأ لكتاب وشعراء قريبين مني منذ أكثر من نصف قرن. أغور، وليس منذ اليوم، في مياه الـ الغيبيات وشلالاتها. أكتب وألوّن وأراسل كم صديق، وأشاهد أفلاما جيدة. كما تحاصرني كوابيس العراق خاصة، وأحلم بتحدي الزمن أوالتحايل عليه، لكني أكتشف للمرة المليون بأن هذا باطل الأباطيل. أميل سيوران ينصحنا بأن لا نعود الى الماضي وأن نشطب بكل حزم على الذكريات، فهذه تسدد الضربة الأخيرة التي تطيح بكل مشيّداتنا، بكل أوهامنا التي تصورناها راسخة فينا . وفي الكتاب وقفات عند الكتاب والفنانين الذين يجدهم المؤلف الأقرب اليه حيث يكتب عن المصوّر فرنسيس بيكن بأنه لم يكترث لما يسمى التقدم في الفن، ولم يكن من الصنف الطلائعي ، فكامل اهتمامه يتوجه صوب الانسان، ولربما ينحو هو صوب استعادة انسانيته. أكيد أن على رأس أقانيم بيكن أقنومتي العنف والجنس الذي تبقى هويته غير واضحة تماما رغم أن كلتى الأقنومتين مصهورة في واحدة دائما. أما المكان الفارغ وغير المؤثث فهو سجن حقيقي لمخلوق بيكن، ذاك الشبيه بالانسان.
في نص آخر هناك وقفة عند رولان توبور الذي كان يرفع فأسه بوجه كل معقوليات الأنسان الزائفة والمرائية. كان هذا الفرنسي تشعبيا نادرا كاتبا ومؤلف قصص ومسرحيات ورساما وغرافيكيا ومخرجا مسرحيا وسينمائيا وممثلا وكاتب سيناريو ومصمم ديكورات. كانت
السوريالية وحيه الأول لكن من دون دوغمائيات بريتون وصحبه. في أسلوبه استغلال تام لعناصر الغروتسك واللامعنى واللهو بالتقاليد وما تفرزه اللغة أيضا. ويتناول المؤلف في نص آخر ما يسمى بأدبية literariness الكتابة، أي النص الذي يعتبر أدبا ويفهم هكذا أيضا. فهناك مجموعة الصفات التي تميز الكتابة كممارسة لغوية تخص الأدب كفن للكلمة يقوم بوظيفة شعرية للغة، أي خلافا للوظائف الأخرى كالتعرفية أو التعبيرية أو الأقناعية الخ. وكانت المدرسة الشكلانية الروسية أول من صاغ هذه الأشكالية حيث أعتبرت الموضوع الرئيسي في مجال الأبحاث المكرسة لعلم الأدب أو المعرفة الأدبية. ورأى الشكلانيون أن هذه ألأدبية تتكون من بنية العمل الأدبي بدءا بالطبقة الصوتية اللاحروفية عبر المورفولوجيا والقرائن النحوية والمعجمية وأنتهاءا بالتكوين. وكان رومان جاكوبسن قد كتب في عام 1921 أن مادة علم الأدب ليست الأدب نفسه بل الأدبية أي كل ما يجعل من العمل المكتوب أدبا. ويتكلم المبارك أيضا عن المفكر والباحث الهولندي الكبير يوهان هويزنغه ومؤلفه المعروف الانسان اللاعب Homo ludens . دراسة اللعب كعنصر في الثقافة الذي لا يزال يسحر المؤرخين وفلاسفة الثقافة بفضل الطراوة الفكرية وكشفية النظرة، وكان الدافع الى نشوء حقل بحثي جديد عند نهاية القرن العشرين علم اللعب Ludology. ويعود المبارك الى الكلام عن أرنستو ساباتو وروايته عن الأبطال والأضرحة التي تعد مواصلة باهرة لتقاليد أدب أميركا اللاتينية، وتمايزها عنه أيضا. وفي نص تال بعنوان حين صاح الديك في الموصل يعودالمبارك الى الكلام عن كتاب الورثة لريتشي كولدر الذي قال عن كتابه بأنه قصة عن الانسان والعالم الذي صنعه. والكتاب تكثيف شديد للمساحات والأزمنة الكبرى للتأريخ. وكرّس كولدر جزئين من الفصل الأول لنينوى وبابل وسومر وغيرها من المعالم الرئيسية لبلاد ما بين النهرين.
يجد القارئ نصوصا أخرى مكرسة لكتاب وفلاسفة وشعراء بينهم شارل بودلير وميلان كونديرا وماركوس أوروليوس وسورين كييركغور.
*عن جريدة الزمان