تزاوج النصوص العمودية و الحداثوية في مجموعة (قيثارة الماء) للشاعر الدكتور سعد الحداد
قراءة: محمد جودة العميدي

اذا كانت القراءة هي المدخل الحقيقي لإنجاز المشروعات الكتابية ، فأن بين يدي مجموعة شعرية ابداعية تحمل عنوان ( قيثار الماء ) للشاعر الدكتور سعد الحداد الصادرة عن دار كيوان للطباعة والنشر و التوزيع – دمشق – عام 2017 . عشت مع فضاءاتها الشعرية وكائناتها اللغوية متذوقا ومستمتعا ، ويسرني ان اعود اليها قارئا ، ففيها الكثير من الإغراءات النقدية .
لشعر الدكتور سعد الحداد نكهة مائزة كما عهدناها في مجموعته الاولى ( اسفار المحبة ) الصادرة عام 2002 م ، فهو كعادته يتعاطى النص الحديث بنفس المهارة التي يتعاطاها في النص العمودي . واليوم يطالعنا الشاعر بمجموعته الشعرية الثانية ( قيثارة الماء ) التي يزاوج فيها بين التجارب الايقاعية الخليلية وبين التجربة الحداثوية .
في قراءتي الأولى السريعة skimming لنصوص المجموعة حاولت تأشير سمات الخطاب الشعري السائد في المجموعة ، فكان من ابرز هذه السمات هو اعتدال الخطاب الشعري ، فكانت نصوص المجموعة هادئة الايقاع بعيدة عن الصخب بسبب امتلاك الشاعر لمهارة توظيف اللغة الفنية لخلق الصورة الشعرية المبسطة وبسبب اعتماد الشاعر النفس القصير الذي ادى الغرض الشعري دون اسهاب مما نظم عملية تأويل النصوص وبلوغ دلالاتها المقصودة بسهولة .
تصدر نصوص المجموعة اهداء جميل يشي بما تصطبغ به النصوص من روح انسانية مفعمة بصدق العاطفة وتوهجها . أعقب ذلك قراءة وتقديم للشاعرة السورية نجاح ابراهيم التي حاولت الولوج الى معالم الجمالية ومواطنها في النصوص .
تضم المجموعة ستين نصا وبثيمات شتى : العاطفية الرومانسية و الحزينة و الوطنية وقصائد عامة . وأغلب قصائد المجموعة قصائد نثر تكتنز من المفردات الشفافة ما يجعلها متوهجة بإيقاعاتها الداخلية . ولا تخلو المجموعة من قصائد عمودية فكانت هناك ست قصائد : عذب الشفاه و هزي اليك القلب و انثى القمر وجننتني وهمس العطر و اعتذار . وقصائد المجموعة بنوعيها مليئة بالذوق الفني والحس الجمالي . أعتمد الشاعر لغة شعرية فنية عالية متجنبا اللغة الاعتيادية ( المعيارية ) التي قد تؤدي الى النثرية المفرطة .
أدركت في قراءتي هذه ان الشاعر الدكتور سعد الحداد عند كتابته لنصوصه كان يسعى – حاله حال كل الشعراء – الى ان يقود متلقيه الى فهم معين للنص ، وهذا ما أسماه ( فولفغانغ ) بالقارئ المضمر ، ويقصد به القارئ الذي يصنعه النص نفسه .
كانت قراءتي الثانية تفصيلية scanning انتقائية ، أخترت فيه مجموعة من النصوص وذلك بسبب وجود مشتركات كثيرة بين نصوص المجموعة . كتب الشاعر الدكتور سعد الحداد نصوصه بتقنيات شعرية مختلفة . والشاعر الدكتور سعد الحداد كأغلب الشعراء اختار عنوان قصيدة مائزة تجلت فيها شاعريته لحمل عنوان منجزه هذا فكانت قصيدة ( قيثارة الماء ) ، فهي القصيدة السكرى التي يقول فيها الشاعر الفرنسي بول فرلين “أحب القصيدة السكرى ، حيث يجتمع المحدد الواضح بالمبهم اللامحدود ” .
وقصيدة ( قيثارة الماء ) قصيدة غزلية تتغنى بالحياة سبق لي أن قرأتها ودعتني روعتها الى ترجمتها الى اللغة الانكليزية في مؤلفي الخامس ( حلي بابلية : نصوص مترجمة من الشعر الحلي ) . قراءة قصائد :
( تغاصن – أحبك جدا جدا – قيثارة الماء – هزي اليك القلب – عطر النبض – غواية – سأسميك عيدا – توهج – انتظري – تنهدات البياض – الوقت لك – استعداد – عذب الشفاه – البحر – ياراحلا – اشتياق – جنون الربى – مفتتح الخطى – اخضرار الخطى – ما أروعك – أنين – آخر المرايا – جننتني – أمرأه من لهفة – للبيلسان رائحة اللوز –كرنفال – انثى القمر – موناليزا القمر – نقاء كالأطفال – دهشة روح – للعزلة لهفة عطر – كاهنة الصمت – بروق الياسمين – وجعلنا – حنين الشوق – همس العطر – تعميد- بروق – طيف- غربة – مازال البحث جاريا – عيون – وجها لوجه – فاتنة – اعتذار ) تشير الى تأثر الشاعر الدكتور سعد الحداد بالمد الرومانسي ، و بإمكان القارئ أو المتلقي أن يلاحظ وبوضوح عناصر الرومانسية في هذه القصائد ، فنجد العاطفة الصارخة المشوبة والخيال المحلق في فضاء عريض والوجدان النابض بكل ما يمثله الشعور و الفكر معا في نسيج شعري مرهف . ظل الشاعر الدكتور سعد الحداد في شوق لتلك المرأة المتجلية في قصائده هذه كأبدع ما تكون الانثى واجل ما تكون الحبيبة واجمل ما يكون الجسد في هيئته الانثوية . كتب الشاعر قصائده بلغة شعرية فنية عالية رقيقة تنساب في ايقاعات بسيطة ، تنحو عباراتها اجمالا نحو الشفافية والسهولة مما يجعلها سهلة الوصول الى المتلقي .
وأثناء قراءتي لنصوص المجموعة استوقفتني ظاهرة الطول والقصر في سطور بعض النصوص سواء بأكتمال الجملة او تجزأتها كما في قصيدة ( كاهنة الصمت ) وقصيدة ( توهج ) ، وهي احدى المسالك التي انتهجها الشاعر للتأثير في المتلقي . في ( تهجدات متموجة ) ، كتب الشاعر ثلاثة نصوص شعرية قصيرة ، وهو ما يطلق عليه أسم ( الومضة الشعرية ) .
كتب الشاعر الدكتور سعد الحداد قصائد مجموعته بتقنيات شعرية حديثة منها ( تقنية تراسل الحواس ) ، وهي كما يرى الدكتور محمد مندور ” أن تستعير حاسة ما وظيفة حاسة أخرى ” (*) . و كتب الشاعر بعض قصائده ب ( تقنية الاسترجاع ) flash back التي تعتمد على استعادة ما مخزون في الذاكرة من الذكريات . كما كتب الشاعر ب( تقانات البواطن ) وتشمل : الايحاء و الغموض و الرمز .
نصوص المجموعة مليئة بجماليات اللغة الفنية وبالمشاعر الوجدانية الرومانسية التي تمنح المتلقي دافعا يشحذ النفس باتجاه الاستمتاع بالحياة . ان النصوص من هذا النوع وبهذه المصداقية كثيرا ما تكون خلاصة التجربة الحياتية للشاعر . وكقارئ يمكنني القول بأن نصوص المجموعة تتطلع بعيدا الى عوالم السحر و الجمال
_______________________________
(*) الأدب ومذاهبه

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| جمعة الجباري : قراءة الدلالات الشعرية عند الشاعر صلاح حمه امين في ديوانه “عقارب الساعة التاسعة”.

* صلاح الدين محمد أمين علي البرزنجي المعروف بالاسم الحركي صلاح حمه أمين،  شاعر وفنان …

| اسماعيل ابراهيم عبد : على هامش ذاكرة جمال جاسم امين في الحرب والثقافة – تحايثاً بموازاة عرضه .

الكاتب جمال جاسم أمين معروف بين المثقفين العراقيين باتساع نتاجه وتنوعه كمّاً وجودة , فضلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *