سيميائية الخطاب والصورة في لوحة شناشيل إبنة الچلبي، تجسيد الفنان التشكيلي صالح كريم
إعداد: د. خلود جبار (ملف/15)

لم تكن علاقة الفنان التشكيلي صالح كريم بالشعر علاقة عابرة بل إن القصيدة واللوحة نافذتان أطل من خلالهما على عالمه الإفتراضي ، فشغف بالقصيدة التي تحاكي الإنسان المسلوب ، المتعب ، المهموم ، وجسد ذلك على شكل تكوينات وكتل والوان فأصبحت اللوحة قصيدة تستنطق الألوان وتحلق بها في فضاءات شاعرية جميلة ، ولعل التشابه العميق بين الشعر واللوحة هو الذي دفع صالح كريم لرسم القصيدة في لوحته التشكيلية شناشيل أبنة الچلبي ، ولاسيما التداخل الجمالي والحسي بين الشاعر والفنان من خلال اللوحة والقصيدة وبالعكس ، أَحب الفنان صالح كريم قصيدة السياب شناشيل أبنة الچلبي وشُغف بالقصيدة فحولها الى لوحة ناطقة بالإبداع ، بل جسد صالح كريم من وحي قصيدة الشناشيل لوحة لامست شعوره محولاً الصور الناطقة في القصيدة الى صور ترتدي من اللون زيها البصري الجميل . اذ يقول : أقرأُ القصيدة وأجسدها بشكل قريب منها ، في قلمي الرصاص الذي جسدت من خلاله عشرات اللوحات ، وقد يكون قلماً بسيطاً لكنني خلقت منه لوحات متعددة ومنها لوحة شنانيل أبنة الچلبي ، التي جعلتني أتجرد من خيالي وأحاسيسي لأكون مجسداً لعصور وأمكنة متوارثة مابين الماضي والحاضر والمستقبل ولكي أمزج بين تراث الشعبي وثقافة المجتمع البصري .
شناشيله الجميلة لاتصيب العين الاحمرة الشفق ثلاثون انقضت وكبرت كم حب ، وكم وجد ، توهج في فؤادي ، غير أني كلما صفقت يدا الرعد مددت الطرف أرقب : ربما أئتلق الشناشيل ، فابصرت أبنة الچلبي مقبلة إلى وعدي ولم آراها هواء كل أشواقي ، أباطيل ، وبنت دوننا ثمر ولا ورد . يامطر ياحلبي عبر بنات الچلبي يامطراً ياشاشا عبر بنات الباشا.
جمع الفنان كل الأزمنة في مكان واحد بشكل تجريدي متمكناً من نقل الصورة ، والمغامرة في استنطاق اللوحة التي عبرت عن الحياة اليومية مشتغلاً على نقل الإرهاصات والخلجات العميقة للمرأة البصرية وتوجهاتها في العصور السابقة وتطلعاتها في أسلوب خطاب سردي حكائي بطيف ابداعي يعبر عن واقعها الجديد و معالجة للواقع البصري في ورؤية فنية فاحصة للمرورث الشعبي والفلكلور العراقي ، فجعل ريشته وألوانه تجد صورة للشناشيل المشرفة على ضفاف النهر والنخيل وبنات الچلبي .

إن خصوصية ومعنى الشناشيل تشير الى إمتداد إبداعي متماهي جميل بين رؤيا السياب وصالح كريم و تنافس الشناشيل للنخيل وبيوت الأكابر المطلة على ضفاف شط العرب وعبق رائحة النخيل والأزهار المطلة على النهر وجمال المدينة جميعها أجتمعت في مكان واحد .

خلاصة ماتقدم إن الفنان صالح كريم واحد من الرواد الذين أسسوا معهد الفنون الجميلة للبنات ومن أساتذتها المميزين في الأعوام السابقة ومحط فخر وإعتزاز . عرفته تدريسياً مفعماً بمحبته للآخرين ومخلصاً في عمله متنقلاً بين أروقة المعهد بشكل ملفت للأنتباه . صالح كريم إنسان يعشق اللوحة وملتصق بها حد الجنون . إصدقائه : غسان فيضي وفوزي العائدي تأثربمعلمه الفنان فائق حسن وهو من رواد الحركة التشكيلة في البصرة أمثال : فيصل لعيبي، جاسم الفظل ،عبد الملك عاشور ،هاشم حنون ،عبد العزيز الدهر، هاشم تايه ، وذخيرة من الفنانين التشكيلين محمد راضي فاروق حسن و حامد سعيد وحسين عبد علي ومهدي الحلفي وأخرون ومن النساء البصريات التشكيلية جنان محمد علي والقائمة تطول في المدرسة البصرية للفن التشكيلي.
نستنتج مما تقدم ان الفنان هو الناطق للوحة والمعبر عنها من خلال فهمه لتشكيلية للإنسان وصراعاته مع الواقع وتوظيفها ، فالظلم والإستبداد والأضطهاد صراعات تظل وليدة الواقع يعبر عنها من خلال رموز الفنان الذي هو إنسان مكتشف لحقائٔق الواقع عن طريق ريشته وقلمه ومن اللذين عملوا البوستر مع د. حسين البدري وعبد الجبار الجوزي .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *