الشاعر حسين عبد اللطيف في أمير من أور: تأثيث النص الشعري
مقداد مسعود (ملف/29)

(1)

حين تكون ..(الكتابة : كدح) (2) ،فهذا يعني اننا نكون في حضرة ،تجربة مرموقة، تمنح الجنس الادبي اي كان، تمنحه تعريفا اضافيا، وبهذا التعريف يكتسب الجنس الادبي سعة جديدة ،فالشاعر الحقيقي، يرفض..الوجود بما هو موجود..فهو كشاعر يرى، مالايراه سواه ..أعني يرى في الوجود وجودين : الاول هو الوجود الجواني، المكتنز بهواجسه وهذياناته ،ويرى في هذا الوجود هو : الحق – الحقيقية..أما الوجود الثاني فهو الوجود البراني وهو مشترك ،عام، صلد، وجود بأبعاد مادية مرئية للجميع.. يكون فيه الشاعر أيضا ومع الآخرين.

(لكنه يتملص منه بتناوله الشعري للحياة..فهو منحاز إطلاقا للوجود الأول الوجود الجواني الشعوري.. فهو وجوده هو، أعني وجوده الماهوي وحدسه الماهوي..وهكذا بالحدس تكون فطنة ذات الشاعر ،فالحدس يقي الذات ويعين الشاعر على التقاط ذاته ك(أنا) صافية ،فالأدراك والذاكرة التذكارية ،والدلالات بأنزياحها الرمزي، تأخذ منزلة الماهيات ،لكن هذه المنظومة الماهوية، لاعلاقة لها بكهف افلاطون،أعني إنها ماهيات ليست في ذاتها، بل لذاتها، وتتجسد مع كل اتصالية تؤثثها

الكلمات مع الاشياء..

(2)

في هذا الكتاب الشعري (أمير من أور)، لايستعيد الشاعر حسين عبد اللطيف، صديقه الحميم(أحمد عبد الحسين أمير الجاسم) إستعادة شعرية من ذلك الغراب المكتوب علينا..بل يستعيد زمنا وفردوسا آفلين منه هو أيضا، وتكون الاستعادة محفوفة بالحسرات لأنها استعادة ضمن الزمن النفسي،وهو زمن غير عياني لغير الشاعر وشركائه ،وهو زمن أوربي ،حيث قصد الشاعر حسين عبد اللطيف، باريس في أوائل سبعينات القرن الماضي للسياحة اثناء العطلة الصيفية..

(نحو أيّ الطرق

سوف تفضي بنا السنوات

وتقود خطانا..

نحن قد نلتقي أو يضيع كلانا – ص7- قصيدة دوارة الرياح)

(وأعيد الذكرى :

تلك الصباحة التي

تمشي على الارض ببنطلون جينز

الشاعر الكبير حسين عبد اللطيف

ذلك الجمال

تلك العابرة على رصيف السان – ميتشل) – ص33- من قصيدة – سحابة أمس فقط

(اللهم أجعل نافورة الحظ

تصيبنا برشقة من رذاذها المتطاير

لأن أيّا منا لم ينل يوما كفايته من الحياة

وقد كنا ثلاثة ذات يوم

فأمسينا الآن أثنين ) -39- 40 من قصيدة بيا زادي نافونا

(ملتمون كأصابع اليد، محتشدون كالظلال

عند منعطف الفرات

يغنون لأمير أور : أحبابنا ياعين – 52- من قصيدة :أمير من أور )

(3)

الآن ..ومن خلال تراكم خبرتي في الحياة والكتابة، أرى انني أمام جنس شعري ،يحيل الشاعر حسين عبد اللطيف، الى مدون حياة..حياة كرنفالية لن تتكررفي حياة الشاعر حسين عبد اللطيف..وسأجد مثل هذا الجنس الشعري الاحتفائي بالحياة في الرباعية الشعرية للشاعر سعدي يوسف (قصائد نيويورك)(الديوان الايطالي)(قصائد باريس)( أنا برليني).وبخصوص قصيدة (أمير من أور) كتبها حسين عبد اللطيف ..إثر اعلامه بنبأ رحيل صديقه الحميم الأحد 16/6/ 1994وهذه القصيدة وقصائد المجموعة تحتفي بالحياة تستعيد أخضرارها وزهوها ومرحها واجنحتها ولاتمنح الغراب ،إلاّ ماقل ودل من الشعر. هذا الجنس من الشعر(محاولة ،في القصيدة العربية غير التقليدية كما أراها، أي القصيدة الخارجة على اللعنة الثنائية الناشبة. الأمر هنا، أعقد من قصيدة ٍ متعددة الاشكال. إنها محاولة في الحرية..- ص5- سعدي يوسف)(3)

(4)

مكملات النص

*الغلاف

الوجه : صورة شخصية للفنان الفقيد أحمد أمير، في الصورة السيادة للون الاسود بإستثناء بقعة بيضاء تشغل جانب من الوجه

القفا: صورة ثانية للفقيد، ببدلة سوداء والبياض للقميص وللقبعة التي

يرتدي، والسطور السود: قصيدة لسعدي يوسف يرثي فيها الفنان أحمد أمير..

*ماقبل النص

*تحت ثريا المجموعة الشعرية نقرأ مابين القوسين : (في وداع أحمد الجاسم)

ومابين القوسين، يعني ثمة موضوع واحد تطوف حوله القصائد،هل يمكن تسميتها

قداديس جنائزية؟

*قفا صفحة العنونة الداخلية يستقبلنا مقتبسان من خارج النص

(1)(أطل علي الموت من أثنتين وأربعين نافذة، سكت الزنوج..فمونامارتر أمست مظلمة/ (لانسيلونت – أراغون).. لنتوقف في المقتبس عن الرقم

(من أثنتين واربعين نافذة)..ألا تعود هذه الشفرة الى سنوات حياة الفنان الفقيد(1952-1994)؟

(2) (الألعاب النارية انتهت

آه : ياله من خواء

ويالها من ظلمة !

(شيكي)

نلاحظ ان القسيم الاتصالي بين المقتبسين هو اللون الاسود : مظلمة / ظلام

والقسيم الثاني: الفعل الماضي : سكت الزنوج – الالعاب النارية : انتهت

وظيفة المقتبسين: تخليص مهيمنة النص الشعري..وهكذا تكون وظيفة المقتبسين استكمالا لوظيفة مابين القوسين، المنضّدة تحت الثريا في الصفحة الاولى،أعني الكلام التالي(في وداع أحمد الجاسم)..وستكون للمقتبسات فاعلية اشارة المرور بعد عنوان (أنتهى الحفل) تقترض عنوانها من (مثل ألماني/ص61) وهي القصيدة الثانية في المجموعة، يستقبنا المقتبس التالي

(هيهات هذان الجسدان الابيضان، الاسودان ان يرتكنا لناصية/ أحمد أمير .باب غزوة المسرة)..العلاقة بين المقتبس والقصيدة يمكن اعتبارها علاقة تماه..خصوصا والقصيدة بضمير المتكلم والذي هو أحمد/ ص15

*قبل قصيدة( جناز) يستقبلنا مقتبسان الاول لأراغون والثاني للشاعر عقيل علي/24

*قصيدة(سحابة أمس فقط) تقترض اسمها(لوحة بهذا الاسم لفان كوخ/ ص62)

وتستقبلنا بالمقتبس التالي(والآن أنا ماض ٍ أبحث عن الثلج الصامت / ريبو- ص30)

*قصيدة (بيازادي نافونا)تستقبلنا بمقتبسين من نصوص الفنان الفقيد

(قطار يصفر بنشاط غير معهود

ولاأحد في المحطة

ولاأحد في القطار/ أحمد أمير – أحزان غامضة)

(أخاف من موت لاأراه / أمير – ركضة النملة)

*(أمير من أور)في هذه القصيدة،وهي ثريا المجموعة الشعرية، يستقبلنا قول للشاعر

أبو لينير: (دم قلبك الأقدس طاف علي في المونامرتر)

*المقتبسات الداخلية

في قصيدة( دوارة الريح)

*(متأخرة ً دائماً، تقبلين )!/ص8، مابين القوسين من نصوص الفنان التشكيلي أحمد أمير ..

* في قول الشاعر(وأنا ميت..وأريد صورتك!)/ص10 ثمة مقتبس يومض، يثبته الشاعر تثبيتاً ثلاثيا في حقل اضاءات..(أغنية حضيري أبي عزيز : لأجل المودة البينك ومابيني..رسمك أريده. تذكار عندي كل وكت كبال عيني..رسمك أريده/ ص61) ومثلما ثبت الشاعر اسم المغني ومقطع من الاغنية، يثبت اسم مؤلف الاغنية(فريق مزهر الفرعون)..

*في قصيدة (أنتهى الحفل)/ص13

المقتبسات الداخلية هي :

*عنوان القصيدة :(مثل ألماني/ ص61)

*في قول الشاعر حسين عبد اللطيف، وهو هنا يتكلم بلسان أمير أحمد

(كبدي تتفتت

لاتخبروا أمي

أخفوا عنها

أخفوا عن القابع في طرف من أطراف البصرة/ص17)..

مابين القوسين مقتبس من حوار بين الفنان احمد أمير وشقيقه، حيث

(يوصي أخاه بعدم إخبار والدته عن حالته الصحية ودخوله المستشفى للعلاج والمقصود بالقابع في البصرة..الشاعر/ ص61-62)

*قصيدة (جناز)

المقتبس الداخلي هو..(والأزهار لاتشتعل بسرعة البرق/ص27) وقد وظفه الشاعر

كما يقتضيه سياق قصيدته..(القول لأحمد أمير استخدم للنفي تطلبا للمعنى كما يقتضيه السياق وكأنه يعني حياته التي انطفأت بسرعة البرق تماما- ص62)..

*في قول الشاعر

(فخذ حذرك

البداية في أرضنا واحدة

وكذلك النهاية

فكن سيد الفرصة الواحدة) – 43..مابين القوسين يقتبسه الشاعر من تعليق كتبه

أحمد أمير(على بورتريت رسمه لزميله (أبي ذر السعودي)في البصرة عام 1975/ص63)..

*في قول الشاعر(وحدها رسوم الجمركي روسو معفاة من رسوم الكمارك – ص44) فالشاعر هنا يتكلم عن (الغجري النائم) لوحة هنري روسو الجمركي- ص64

*(أعفني الآن

من النظر في النظر

أو النظر في المسألة

فلستُ، إلا أحد عميان (بروجل)) /ص45

نحن امام مقتبس تشكيلي ثان، يحيلني الى لوحة(العميان الستة لبروجل :لوحة تظهر خمسة عميان يقودهم سادس أعمى مثلهم -ص64)

*(لاأحد في رصيف الأزهار ليجيب – ص49) مابين القوسين عنوان رواية لمالك حداد الروائي الجزائري.

*(قطيع الجسور يثغو هذا الصباح – ص49) :مابين القوسين مقتبس من (الاغنية العاشرة – لتيو فيل غوتييه – ص64)

*(لاأريد لأسمع نجمة رابح درياسة القطبية – ص49)..

(كان الراحل مولعا بترديد هذه الاغنية بلهجتها الجزائرية – ص65)

بطاقة تعريف بالفنان الفقيد

يتموضع هذا خارج النص – مابعد النص . تضيء هذه البطاقة جوانب ثرة من فاعليات الفنان والشاعر والمسرحي أحمد أمير جاسم، وتعزز من فعل تلقي المجموعة الشعرية

(*)

اضاءات – القصائد

هذا الحقل من الكتاب، له وظيفة القاموس الشعري للقصائد، ويشكل السرد هنا جزء حيوي أحيانا ضمن فضاء المطبوع،

(5)

اتصالية المقتبسات الداخلية وأمير من أور ينقسم النص الى قسمين، قسم من انتاج الشاعر حسين عبد اللطيف، وآخر من انتاج الآخرين والرابط الاتصالي بين القسمين هو التماهي الاتصالي حيث تتذاوب المقتبسات الداخلية ضمن السياق النصي، وهي الغالب لاتحتاج الى توضيحات من قبل الشاعر حسين عبد اللطيف في نهاية المطبوع..فالمقتبسات هنا أعضاء حيوية من جسد القصيدة، لها حركيتها ضمن سيرورة النص، ولم تشغل صفة المثاقفة..كما أرى.. ، ان هذه المقتبسات اشبه بهدايا يجلبها المسافر لمن يحبهم من تلك الامكنة التي كان فيها لبرهة زمنية كرنفالية..

*حسين عبداللطيف / أمير من أور/ دارالينابيع/ دمشق/ط1/ 2010

(2) مقداد مسعود/ حافة كوب أزرق – ص5/ دار ضفاف / بغداد – الشارقة / ط1/ 2012

(3)سعدي يوسف / أنا برليني/ دار التكوين / ط1/ دمشق/ 2011

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *