باكراً كعادتي أغادر أسمال فراشي…حياة بسيطة تبدأ بحركات للجسد والذهن
نافذة غير محكمة الإغلاق تداعبها نسمات حارة صيفاً باردة شتاءً
منظر مألوف بين أغصان سدرة عالية تتخللها خيوط شمس بعيده لم تنبلج بعد كاملة…زقزقات قريبه وأخرى بعيده مع سعلات هنا وهناك من سطوح وغرف وطرقات ضيقه وأصوات مختلفة لكعوب مسرعة وشطحات لنعالات مختلفة النغمات باختلاف المواد التي صنعت منها ..بقايا إطارات سيارات أو بقايا جلود…
صمت أغصان لم تقو النسمات الفقيرة على تحريكها لتخرج من بين أوراقها الخضراء واليابسة بعض حفيف
عصافير لاهثة تبحث عن بقايا ما تركه متسكعي الليلة الماضية من بقايا اكل أو بصاق أو تفريغ بطون غالبها نعاس الكحول فأفرغت ما علق فيها من بقايا المقبلات والمطيبات.
لحظات تعيشها لوحدك في محيطك لأن السواد الأعم لايزال يغط في سبات تعلم عليه منذ نعومة أظفاره…
يشق الصمت صوت هادر بعيد ينادي على المتسكعين أن انهضوا فهناك ما هو أحسن من النوم أنها لحظة لقاء الرب…ورغم التكرار والترهيب والترغيب لا ينهض إلا من نام باكراً ليوفر وجبة طعام لليوم التالي وهم قله لأن الغالبية ملئوا بطونهم خمراً.
يغيب الصوت حزيناً محرجاً لعدم الإستجابة فالنيام تعلموا إن الرب في كل مكان حتى حسبوه معهم في فراشهم فلا داعي لحرق الطعام رغم قلته لاحتمال عدم التعويض
يقترب سعال حاد..شهقات..دندنات..متوجهة نحو صرير أقفال لأبواب بعيده وقريبه
العم جابر سعاله متميز لأنه مصحوب بشخير وهو في طريقه إلى السوق كما في كل صباح ليأخذ مكانه يرتل بصوت شجي بعض مما حفظ من آيات قرانيه لا يبسمل عند ابتدائها ولا يصدق في ختامها…ينوح منذ جلوسه الأول حتى نهوضه الأول ليجد إن هناك بعض القطع المعدنية من العملة الوطنية لا تسد له رمق ولا تعوض ما فقد من طاقه
ومع انسياب خيوط الشمس وتراكمها وكالأيام السابقة من الأيام الدراسية.
صبيه يغَّيرون وقع الحياة بحركات وقهقهات وصيحات و سعلات وشطحات.
بغتة هاج كل شيء الأغصان ..الصبية…الطيور…أشعة الشمس… لأنها شعرت عن بعد أن شيء في الأفق يقترب…أصوات تصوروها لكائنات مرعبه تخيلوها ديناصورات جائعة تتحرك بثقلها على أسفلت الشوارع
ديناصورات حديديه ماشيه وطائره بأحجام مختلفة تهدر بأصوات ورشقات ودوريات ودويات يتقافز منها أشباه رجال أتعبهم ما يحملون من معدات الخوف من أسلحه وخوذات حديديه ودروع وعتاد لتساعدهم على الهروب من الحقيقة أما بالموت أو القتل أو الاستنجاد.
العم جابر لا يعرف ما يجري…أصوات و ألحان غريبة خدشت سمعه فما عاد يعرف ما يرتل وبالذات عندما وصل إلى:
(إن ألله إذا أراد أن يهلك قرية أمر مترفيها أن أفسدوا…..) والعم جابر لم يميز طيلة حياته بين المترف وغيره ولم يشاهد ما يميز بينهما
…أيهما المترف…من يغرد ويزقزق ويشيع الفرح أو من يعربد ويدوي ويشيع الرعب؟
الأصوات تقترب…يشتد نعيقها وحركة الطيور يشعر بها من حوله… إنها الطيور التي كانت تشاركه الجلسة عندما يبسط (الصفر طاس) لتنقر ما يتساقط من بين أصابعه من حبات الرز وفتات الخبز لكنه اليوم يجدها هائجة تنقره في يديه وعقاله وتطن في إذنه وهولا يعرف ما تريد وما هذا الهيجان
وما هي إلى لحظه شعر بشي حار وحاد يخترق عنقه ولم تقوى بعدها يديه إن تحدد مكان الإصابة.
أقترب المشهد من نهايته عرف ما أصاب الطيور من حوله…لقد كانت تحذره وعندما لم يستجيب تجمعت حوله لتحمله وتنقله إلى مكان آخر لأنها شعرت إن الخطر قادم لكنها لم تتمكن حتى شخر شخرته الأخيرة وناحت الطيور وهي تشاهد بركة الدم طينت رث ملابسه وغيرت لون حبات الرز التي حاول أن يفتح يديه لتنقرها الطيور
دارت الطيور دورتها الأخيرة حوله لكن الديناصورات الحديدية وما تنفث أفسدت الأجواء وأصابت الطيور بالغثيان فركع بعضها أرضا وسكن الأخر على ما بقيت من أغصان و ولى هارباً البعض لعله يخبر البعيد أن مصيبةً حلت وان زاير جابر لازال في مكانه مكوراً محتضناً عكازه وسفر طاسه وقد سرق أشباه الرجال تلك القطع المعدنية
قالت الطيور عن شوارع أسفلتيه وترابية مملؤة بالحفر التي امتلأت ببقايا أجساد ومياه أسنه ودماء وأغصان تكسرت داست بعضها أقدام الأشرار والأخر ظل متشبثاً بقشرته
طيور فقدت بعض ريشها وتكسرت أجنحة البعض وكتب وأقلام هنا وهناك ونسخه من جزء تبارك ظهرت من تحت
بسطال أحد الزوار الثقلاء وكف طفل تحمل كتاب عليه صورة الكعبة ملطخه بالدماء
عبد الرضا حمد جاسم