قرآءة في قصة “قريني” للقاص “دليل يوسف”
مروه العميدي

للكاتب والقاص دليل يوسف، تولد الجزائر عام 1985م، وهي أحدى قصص مجموعة “فلسفة تحتاج الإبداع” الصادرة عن دار باسمة للنشر والتوزيع والترجمة، تقع القصة في 43 صفحة من الحجم المتوسط.

يضع الكاتب عنصر المصادفة كبداية للقصة يتقن من خلالها لغته بكامل النضوج والتفنن حيث تزهو عبارته متلألئة بخفة ورشاقة وإتزان. ويتمكن الكاتب من صياغة تجربة قصصية إبداعية فريدة من نوعها لم يسبقه أحد في خوضها مستدلاً بها بأدلة منطقية تفاجئ القارئ وتفتح له أفاقاً في التفكير وتغني ثقافته وتمنحنه منظوراً إيجابيا جديداً:

“ما رأيك أن نتصور سيناريو بسيط، رجل لا يحب المدينة وضوضائها، يذهب هو وزوجته إلى غابة الأمازون، هو يحب الطبيعة والتأمل فيها، الأمر بسيط، في تلك السنوات يحدث للبشرية ما يمحيها لنفترض قنبلة ذرية تكتسح أغلب المناطق ولا يبقى في الأرض إلا هذين الشخصين. ألن يكون هذين الشخصين بداية البشرية، حتى الآن هذا مخرج، ما رأيك أن أحدهما عاقراً، أليست هذه نهاية البشرية، ومن يدري أنه ربما يتمكن هذا الرجل أو تلك المرأة من إيجاد حل للعقم، أليست بداية أخرى، أذن البدايات في النهايات…”.

وبقدر معرفتنا بالكاتب – نلاحظ أنه ذا تجربة قصصية أصيلة متجذرة في فن السرد، حيث يخوض تجربته بكل الدوافع ليبعث لنا لوناً أدبياً خارجاً عن المألوف متأملاً في رؤى مائزة تضم الدين والمنطق الى كفوفها، فنراه يصنع ضمن القصة قصص بصور ومشاهد إبداعية أخرى تثير التخيل كلما وضع جوابه لسؤال معروض:

” ثم يرتشف من سيجارته رشفة كمن ينتزع قبلة من حبيبته، وينفث الدخان متباهياً، كأنه ينفث عطراً، ثم تراه يسعل ويبصق مدعياً أنها نزلة برد، ويشير للسيجارة يمدحها، هي من نوع فاخر، لا تسبب كذا وكذا وقد أكتشفتها منذ مدة جيزة…”

وثمة أسئلة تحضرنا حول كيفية إختيار الروائي للأسئلة المطروحة في متن القصة وللجواب – نؤكد – أن الروائي لم يكن – عشوائياً – في ترشيح هذه الأسئلة بل جاءت عن دراية عالية ووعي ناضج وإدراك لقيمة هذا العمل الأدبي الإبداعي وما يتركه من آثار جمة لدى المتلقي:

“منظارك للعظمة جميل، ومنظارك لحب النفس عظيم، لكننا بشر، وأنى لنا أن نحقق هذا المقدار من التوازن مع النفس؟”.

ولم تتعدد الشخصيات في قصة – قريني- فقد أقتصرت الأدوار على شخصيتين رئيسيتين وهذا ما مكن الكاتب من التحكم في تحريك الأحداث مع إشارة إلى شخصيات أخرى (الأم والسائق) نامية في الحدث. ساعده هذا على تحقق قفزة موفقة في إبراز شخصيته وإنطلاقته وعودته للشخصيات الأخرى بما ينسجم مع رحابة الحدث الحكائي فهو ملم بهذه القفزات ضمن أطوار الأحداث.

وسعى الكاتب إلى إبراز مجموعة عناصر منها المكان والأدوات والصوت حيث قدم وصفاً للمكان بطريقة غير مقصودة منه بواسطة سرد الأحداث مستعيناً بـ ( المسجد ، أدرار، التلفاز ، الفراش ، أداة التحكم ، الكومبيوتر ، السيارة ، العرق… وما شابه) وما هذه إلا دعوة لإثارة تخيل المتلقي وجذب إنتباهه وهي نقطة أولية لإنطلاقة الأحداث بإنسيابية.

وبالنسبة للزمان فهو لغز إمتداد الأحداث – أشار الكاتب الى تاريخ الحدث المفصلي (وقت الصلاة، وقت الغداء ، وقت النوم… الخ) وما هذه إلا دلالة إقتران وربط.

وبشكل عام هذه القصة أرث أدبي حقيقي تحتاج إلى قارئ يقظ متفتح يواكب الحدث ويغوص في خليج هذه التجربة الإبداعية
——————–
– مآخذ على القصة:
– المبالغات اللفظية بالأوصاف رغم جماليتها لكنها تترك أثراً سلبياً يشتت القارئ ويقطع سلسلة الحدث.
– وجود بعض الفجوات تتخلل سرد الأحداث وهي بمثابة قطع علني في التواصل الحكائي.
– ثمة أخطاء لغوية وأخطاء مطبعية واردة سهواً.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *