بذرة أوروك *
بقلم الشاعر والناقد الإسباني خوسي أنطونيو سانتانو
ترجمة: عبد الهادي سعدون (ملف/126)

إشارة :
يسرّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تحتفي بالشاعر الكبير “عيسى حسن الياسري” بهذا الملف الذي – على عادة الموقع – سوف يستمر لحلقات كثيرة لأن الإبداع الفذّ لا يحدّه زمن . لقد وضع عيسى الياسري بصمته الشعرية الفريدة على خارطة الشعر العربي والعالمي . نتمنى على الأحبة الكتّاب والقرّاء إثراء هذا الملف بما يتوفّر لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق تحتفي بمنجز هذا المبدع الفذّ وتوثّق حياته الشخصية والشعرية الحافلة بالمنجزات والتحوّلات الإبداعية الثرة.
أسرة موقع الناقد العراقي

………………………………………

لا أعرف ُ على وجه ِ اليقين لماذا، ولكنني كنت ُ على الدوام ِ منجذبا ً للشعر ِ العربي، لجمالية ِ الحرف ِ العربي ولفكره ِ المتعمق ، لهذا أنتفض ُ مع َ كل ِّ كلمة ٍ تُقرأ، للسلاسة ِ والإنسانية ِ المصاحبة ِ للشاعرِ في حياته ِ وكتابته. , وأظن ُّ ان َّ هذا الأمر َ يسير ٌ مع َ الشعر ِ أيضاً، كذلك َ مع َ التاريخ ِ والثقافة ِ في أماكن ِ العالم ِ العربي الأساسية ِ الأولى، كما هي عليه ِ مدينة ُ – بغداد – الأسطورية ُ كمثال ٍ واضح ٍ .
عندما استلمت ُ كتاب ( صلاة بدائية من ْ اجل ِ اوروك ) للشاعر العراقي عيسى حسن الياسري (ميسان 1942) شعرت ُ بشيء ٍ من َ الرهبة ِ وأنا أراه ُ هناك َ على المنضدة ِ ، ورأس ٌ غامض ٌ يزينُ غلاف َ الكتاب ، وهو رسم ٌ للفنان – كريم سعدون – ، ولكي نكون ُ أكثر َ دقة ً فهو رسام ُ كل ِّ التخطيطات ِ الأخرى التي يضمها الديوان ُ الشعري . الترجمة ُ الإسبانية ُ قام َ بها – إغناثيو غوتيريث دي تيران – وتم َ نشر ُ الكتاب ِ في سلسلة ِ كتب ِ دار ِ – آلفالفا المدريدية – . وكان ِ الشاعر ُ أصدر َ كتباً شعرية ً سابقة ً كثيرة ً من ْ بينها: العبور إلى مدن الفرح 1973، فصول من رحلة طائر الجنوب 1976، سماء جنوبية 1979، المرأة ُ مملكتي 1982، صمت ُ الأكواخ 1996، اناديك ِ من ْ مكان ٍ بعيد 2008، والسلام عليك ِ يا مريم 2012.وأعماله ُ الشعرية الكاملة 2017.
*

خوسي أنطونيو سانتانو

ما يثير ُ الانتباه َ في ديوان ِ ( صلاة بدائية من أجل أوروك ) هي تلك َ الدفعات ُ الروحانية ُ التي تغلفُ قصائده ُ ، وهي قريبة ٌ جداً من ْ روح ِ التراث ِ الشعري العربي، حيث ُ الانعكاس ُ العميق ُ الذي يمنح ُ الخطوة َ نحو َ صياغة ِ سلسلة ٍ من َ الخطوات ِ ، ليحول َ الكلمة َ بهذه ِ الطريقة ِ إلى عبق ٍ واليأس َ إلى صلاة ٍ :
” إلهي.. إلهي
من ْ أجل ِ ” أوروك ” أسألكَ َ
” أوروك ”
بذرتك َ الأولى
والجدة ُ لكل ِّ مدنك َ “.
*
من ْ هذه ِ اللحظة ِ يتصاعد ُ الشد ُّ الخطابي , ويصبح ُ الشاعر ُ صوت َ الحب ِّ الذي يتهادى في الصحراء، وهو يطالب ُ بالمغفرة ِ والصفح ِ – لأوروك –وأبنائها، وايضا ً لأولئك َ الذين َ غادروها ذات َ يوم:
” من ْ أجلها..
من ْ أجل ِ المقيمين َ عليها
ومن ْ اغتربوا عنها
أنقذها أيها المبارك ُ.. والملجأ ُ .. والنورْ.”
*
هنا يجد ُ الشاعر – عيسى حسن الياسري – نفسه ُ إلا ّ وقد ْ بدأ َ الزمن ُ يهرب ُ من ْ بين ِ يديه، وهو في نهايته ِ المحتومة ِ ، في ذلك َ الصمت ِ الكلّي المشع ِ والذي يتهاوى أمامه ُ كل ُّ البشر ْ ، وهو لا يرغبُ إلا ّ بالسيطرة ِ على الغضب ِ غير المجدي وعلى العبثية ِ ، وأن ْ يعود َ إلى أرضه ِ حيث ُ فاكهة الحقول ِ والأنهار ِ ، وسلام ِ الجبال ِ في وحدته ِ الأبدية ِ . وهو يحاول ُ إقناع َ الكلمة ِ الشعرية ِ بالحاجة ِ إلى أدوات ٍ أخرى، منها تلك َ النظرة ُ الإنسانية ِ . لهذا ينادي بأعلى صوته ِ ويتساءل ْ :
“فلماذا تحوِّل ُ ” أوروك َ
إلى بيتٍ يسكنهُ الحزنْ
وتتجولُ فيهِ ِ النداباتْ … “.
*

عبد الهادي سعدون

الشاعر ُ يعاني من َ الم ٍ بعيد ٍ آخرَ ، وهو في الوقت ِ عينه ِ ألمه ُ الخاص، أي ألم ِ ناسه ِ ، لذا يثور ُ عليه ِ وعلى كل ِّ شيء ٍ فيه ِ ، وهو مرة ً أخرى ينادي بالغفران ِ ورحمة ِ الرب ْ :
“فاغفرْ لها يا أللهْ
ما الذي تفعله ُ الأم ُ
وهي ترى الأبناءَ يُقادونَ إلى الموت ِ
أو يرتحلون َ سريعاً عنها
كما سربِ عصافيرٍ
أنقضتْ على أعشاشهِ ِ قططُ ُ الليلْ …؟”
*
الرغبة ُ وحسب ْ هي المشجعة ُ للشاعر ِ كي يمضي في طريقه ِ ، والتمرد َ بالضد ِّ من َ الشر، شر ِ الظلم ِ والحروب ْ ، متمماً صلاته ُ بهذا النداء ْ :
“فلتسمع ْ إلى عبدك َ هذا يا أللهْ
ولتُرجع ْ ” أوروكَ ” كما كانت ْ
أرجعنا إلى ” أوروك”
” أوروك ”
القابلةُ ُ ..
والأم ُّ
وسرير ُ البهجة ِ ”
………………………………………………………………………….

*- بذرة أوروك – عرض ٌ نقدي ٌ لكتاب – صلاة بدائية من أجل ِ أوروك – ظهر في مجلة – أوليدو ديلا لونا – عدد 5 نوفمبر 2019 .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *