صباح هرمز: مسرحيات جليل القيسي: الانتظار +الحلم +اليأس =الموت او الضياع مسرحيتا وداعا ايها الجمال الوامض وها نحن نعتري (ملف/30)

إشارة :
رحل المبدع الكبير “جليل القيسي” الرائد المجدّد والمحدث في فن القصة القصيرة وفن المسرح في العراق وهو في ذروة عطائه ونضج أدواته الفنية . ومع رحيله – وللأسف وكالعادة – أُسدل الستار على هذه التجربة الفنية التحديثية الهائلة. هذا الملف الذي تقدّمه أسرة موقع الناقد العراقي هو دعوة لإعادة دراسة تجربة الراحل الكبير الفذّة بصورة أكثر عمقاً وشمولاً. ندعو الأحبة الكتّاب والقرّاء إلى إثراء الملف بالدراسات والمقالات والوثائق والصور.
أسرة موقع الناقد العراقي

وداعا ايها الجمال الوامض

حسب علمي، ان لجنة رقابة فحص النصوص المسرحية في بغداد صارمة جدا، بتعاملها مع النصوص المزمع نشرها، ومن الصعب ان تمر من تحت مقصها، النتاجات التي تتعرض الى النظام حتى ولو من بعيد، اي عن طريق الرمز، وبشكل غير مباشر. ولكن الغريب، عدم تطبيق هذا المنهج على اعمال القيسي. وقد لايكون الأمر كذلك، ويعود مردَه الى عدم فهمها من قبل لجنة رقابة فحص النصوص، وفك رموزها وشفرتها التي نتعامل نحن معها.
اسوق هذه المقدمة، لما في هذه المسرحية، شأن مسرحياته السابقة، فيض من الرموز التي كتبها عام 1986، وتتكون من تسع شخصيات، سبع منها رجالية واثنتان نسائية، وجوها العام شبيه بالجو العام لمسرحيته السابقة (مرحبا ايتها الطمأنينة) اذ مثلما يدور الحدث عن سيدة تقارب هذه السن و اصغر منها قليلا، ولكنه لم يتركها كما في (الطمأنينة)، وانما تعرضه لحادث، فقد القدرة على البصرو النطق والأحساس، ولم يعد سوى ظل شبح ينتقل في البيت من مكان الى اخر. وقد تزوجها عنوة، وذلك بعد ان اغتصبها، وبعث طلاب والدها المدرس، ليشبعوه ضربا، وكانت (هدى) وهذا هو اسمها، تحب شابا كرديا، اسمه (دلير) يدرس معها في نفس الكلية، ولم يكن زوجها (عبد القادر) ثريا فحسب كان شديد السيطرة على نفسه قوي التحكم بسلوكه ورغباته، ونفسه مليئة شكا وارتيابا وغطرسة ولم يكن يعرف خارج دنيا المال وسرقة الاخرين وتشريدهم شيئا اخر.
وتقيم علاقة صداقة مع الطبيب المعالج لعيون زوجها، الى انه لعدم قدرته على التعامل معها روحيا وعوزه الثقافي، بالاضافة الى ضعف شخصيته، وجبنه تنقطع هذه العلاقة بينهما، اثر عودة حركة جزئية وبسيطة الى حد اعضاء جسم عبد القادر، وفي نهاية المسرحية يقتحم رجلان مسكن هدى، ويطلبان ان تدفع لكل منهما ثلاثة الاف دينار، كونهما ازلام زوجها، اي حمايته، وعندما ترفض وتقاومها، يهجمان عليها وتنغرس المدية التي في يدها ببطنها، لتطلق آهة حارة ويائسة وتقول: استسلم يا قلبي لقد اديت ما استطعت.
وأدناه قائمة بمسرحياته:
1- هي حرب طروادة اخرى منشورة في مجلة الاداب البيروتية عام 1969
2- ايها المشاهد جد عنوانا لهذه المسرحية: مثلت عام 1978
3- في انتظار عودة الابناء الذين يعودوا: منشورة في مجلة السينما والمسرح عام 1971
4- غدا يجب ان ارحل : منشورة في مجلة السينما والمسرح عام 1975
5- زفير الصحراء: منشورة في مجلة الاديب المعاصر عام 1980
6- فاه حزينة : مثلت عام 1078
7- جيفارا عاد افتحوا الابواب: مثلت 1973
8- وداعا ايها الشعراء: منشورة عام 1979
9- غرقوا في رائحة الظلمةمنشورة عام 1979
10- التدريب على تحطيم القناني الفراغة منشورة عام 1979
11- نحسكي ساعة زواجه بالرب 1977
12- ها نحن نتعرى 1977
13- وداعا ايها الجمال الوامض 1977
14- الحب يرغب فقط 1977
15- ملكوت الصحراء 1977
16- خريف مبكر 1977
17- فراشات ملونة 1977
18- مرحبا ايتها الطمأنينة منشورة في مجلة الاقلام 1985
19- انه خادم مطيع مجلة كاروان
20- ربيع متأخر منشورة في الاديب المعاصر 1976
21- جاءت زهرة الربيع منشورة في الاديب المعاصر 1976
22- الليلة الاخيرة للورق منشورة في الاديب المعاصر 1976
23- مدينة محجة بالسكاكين: منشورة في الاديب المعاصر 1976
24- انهزامية حزينة منشورة في الاديب المعاصر 1976
25- ومئات من خلال منشور الذاكرة: 1986

ها نحن نعتري

اذا كان الرمز يشغل حيزاً معيناً في معظم مسرحيات جليل القيسي، فأنه في هذه المسرحية يشغل القسم الاعظم منها، ذلك لانه يتصدى لنظام دكتاتوري يزرح تحتة عبئه الثقيل، ولا يستطيع ان يوصل كلمته الا عن طريق الرمز ، لهذا وان كانت الرموز التي يستخدمها يمكن تعميمها على كافة بلدان العالم وليس العراق فحسب، نراهُ يلجأ الى عدم تسمية شخصيات هذه المسرحية، ويستعيض عنها بالترقيم، كما انه لا يحدد هوية المكان الذي يجري فيه الحدث وهو السجن، وانما يترك المتلقي ان يستنتج ذلك عبر المفردات والعناصر الموظفة، كالاصوات، والاضاءة مثلاً.

وهي مسرحية قصيرة قياساً بمسرحياته الاخرى ذات الفصل الواحد، اذ لاتتعدى عدد صفحاته السبع ، وتتكون من اثنتي عشرة شخصية، تسع منها رجالية وثلاث نسائية ، ويمكن الاختزال في شخصيات كلا الجنسين اثناء العرض ، بأناطة اكثر من دور لكل شخصية.

وتدور قيمتها حول الة جلبتها الدولة لقراءة ماضي الناس ، وهذه الالة رمز للنظام الدكتاتوري ، ومراقبة المواطنين وتعقب خطواتهم، لمعرفة ادق حركاتهم في تفاصيل حياتهم اليومية.

فالخائف منهم والرعديد ، كالرجل المضطرب ، مجموعة اخرى ، يدلون بأعترافهم قبل ان يواجهوا الالة، بينما الرجل الثاني والرجل الاول والمراة، يتغلبون على هذه الالة عن طريق ايمانهم بقضاياهم ، الرجل الثاني من خلال المبدأ الذي ينتمي اليه ، والرجل الاول والمرأة ، عبر اعلانهما عن عريهما وممارستهما للعملية الجنسية، وثلاثتهم برغبتهم ، وليس بتأثير اي شي اخر، هذا ماتهدف اليه المسرحية، ويريد ان يقوله المؤلف ويوصله للمتلقي.

وتنتمي شخصيات المسرحية الاثنتي عشرة الى الطبقة الدنيا من المجتمع، فمنهم من هو رمز للتعاسة، ومنهم من عمل حمالاً ، ثم قفز اخيراً مثل مهرج، وثالثهم كان شخصية بارزة ، ولكنه لايعرف بأي قدرة ، والجملتان الاخيرتان تتسمان بالثعلبية، لما فيها من لمز وغمز الى الرجال الذين كانوا يقودون مفاصل الدولة، فأذا كانت الجملة الاولى اشارة الى اعتلاء الحمالين لمناصب رفيعة في الدولة، فأن الجملة الثانية تؤمي الى نفس المعنى مع فارق ، في ان هذا الرجل ، وهو الرجل الثالث ، كان كذلك ، ولكن بدون مؤهلات ، الا انه اعفى من منصبه. ويتضح هذا في المعنى من الجملة الاولى في مفردتي (قفز ومهرج) اي قفز من حمال الى ماذا..؟

المبدع الراحل جليل القيسي مع الناقد والشاعر جلال زنكبادي

الى مهرج … اي انه استلم منصبا رفيعا ، وفشل في ادارته ، لان القفز يأتي بالنجاح والتقدم بخطوات الى الامام ، ليس الى الوراء، واعقب الجملة الثانية بالجملة الاولى مباشرة لوضوح معناها من جهة وتوضيح معنى الجملة الاولى.

ورابعهم قواداً او كومة نتانة، وخامسهم عاهرة ، وسادسهم منظف بالوعات والجمل الثلاث الاخيرة هي الاخرى ثعلبية ، واشارة واضحة الى الاثار التي تركتها الحروب في العراق وخاصة مع ايران.

ان احداث المسرحية غير حقيقية الا ان هلع شخصيات المسرحية من الالة تجعلها حقيقة لتعيش في سلسلة من الاوهام والكوابيس . فشخصية الرجل المضطرب ، بفعل هاجس الخوف من مواجهة الالة، يتعرض للاصابة بمرض العذاب الدائم الذي لاشفاء منه وبحساسية متقلبة تسكنها الاشباح وشأن المرأة التي تتعرض لنفس الهوس فيترأى له ان زوجته ماتت اثر احراقه لوجهها ، شاركوني في الرؤيا…

اه ما هذا الصرع الذهولي ؟ حفرت هذه التعسة اعمق بئر في عواطفي ووجداني …شاركوني الرؤيا … انها تموت… تموت…

بينما تتوهم المرأة بانهم قد اقتحموا عليها خلوها وهي عارية في الفراش اما من هم هؤلاء؟
فالاجابة واضحة … كنت عارية في الفراش فاقتحموا علي خلوتي…

لتوظيف مسرحيته هذه استفاد المؤلف ، شكلا ومضمونا من نصين اثنين هما ( عربة اسمها الرغبة) لوليام تينيسي ، و(بيجماليون) لـ جورج بردناشو ، وذلك لتجسيد مفهومين اثنين يتناقض احدهما الاخر ، وهما (الحرية والاضطهاد) معتمداً على شخصية النحات في (بيجماليون) ، بعدم استطاعة الانسان خلق اخيه الانسان ،وانما يصنع الانسان نفسه عبر كسر التمثال في نهاية المسرحية مقابل احراق الرجل المضطرب لوجه زوجته في هذه المسرحية وعلى شخصيتي (بلانش) و(ستانلي) في العربة والتناقض بينهما في ممارسة العملية الجنسية، مقابل اعلان المراة لعريها في هذه المسرحية ، متمثلا التوظيف الاول في الجملة التي تاتي على لسان الرجل المضطرب : كان لك شفعاء كثيرون عندما كان وجهك ملطخا بالقذارة غسلته بماء بارد وعندما اعجبني شكله حرقته بماء مغلي.

ومتمثلا التوظيف الثاني في الجملة التي تاتي على لسان المراة:
لم اكن عاهرة في نظره فقط لانني كنت ابحث عن لذة اكثر سمواً من اللذة التي كنت اتلقاها من الاخرين كنت مصابا بالتهاب العاطفة المزمن اما هو فكان مصابا بمرض الحدة والنزف. كنت ابحث في كل مكان عن الحب واغرق نفسي فيه حتى الطيف.

واذا ماحاولنا الاطلاع على الجمل الشبية ، او التي تمنح نفس المعنى ، والتي تطلقها المرأة في هذه المسرحية بجمل بلانش في العربة فثمة الكثير منها ولكنني اكتفي بضرب نموذجين فقط:
1- المرأة : نعم (وتقصد ممارسة الجنس) بل كثيراً ماكنت اقوم بتنفيذ الكثير من رغباتي الغبية والسخيفة بلذة ،ولا اجد خيراً في اعادة تلك منها، مادامت عندي القوة.
2- المرأة: ولماذا لاتكون ذاتك؟

وبنفس الدرجة استفاد المؤلف من التقنية المستخدمة في العربة ، لاسيما عنصر القطة وفي طبيعة سلوكها وتصرفها المحصور بطريقة جلوسها وقفزاتها وموائها اثناء ممارسة الجنس موظفا إياها ثلاث مرات في هذه المسرحية ففي المرة الاولى تمهيداً لظهور المرأة والرجل عاريين ، وهما يقومان بحركات مثيرة اذ تجلس القطة على الارض وفي الثانية تقفزة بعد ان تقبل المراة الرجل وتموء في الثالثة عندما يقول لها بصوت مخنوق : تتملصين مني كالسمكة ..ياللحم الزلق.

كما استخدم الى جانب القطة عنصر الكلاب مرتين والحيوانات ثلاث مرات وهو بهذا يكون قد وظف العنصر الذي ينتمي الى جنس الحيوانات ثماني مرات ، بهدف اشاعة مايمكن اشاعته من هذا الجو الحيواني في المسرحية ، وعلى كلا الصعيدين المتمثل بحالة الاعدامات المالوفة واللامألوفة والمقصد هنا من المألوفة هي الحالة التي يصار الى اعدامها بدون ان تقترن بالعملية الجنسية ، واللامالوفة المقترنة بالعملية الجنسية.

1- اللامالوف : ينطفي الضوء ويظهر شبح الكلاب الثلاثة اثنان منهما يقومان بحركات شاذة.
المراة: احضني بقوة، هل رايت الكلاب؟
2- المالوف : يسلط ضوء احمر على مشنقة تبدو مخيفة بشكلها المعقد في اسفل المشنقة ثلاثة كلاب تدور حول سيقان المشنقة وهي تبول هنا وهناك.
وبين مفهومي الحرية والاضطهاد يتوسط مفهوم الثورية متمثلاً بشخصية الرجل الثاني الذي يساق الى المشنقة ، وهو والد الرجل الاول الذي يدفعه الى تحرير المرأة من خوفها و السير في طريقه متحملا الشجاعة وتعريتهما امام العالم.

مايريد ان يقوله المؤلف من خلال النماذج الثلاثة . ان لاخيار امام المواطن العراقي سوى الموت مادامت الالة ستنطقه ، اي تامره بما تريد هي ان تقول ،لا ما هو يريد ان يقول . وعلى هذا الاساس فانه لاينظر الى الحالات الثلاث للموت نظرة واحدة وانما بشكل مختلف ذلك اذا كان نموذج الاضطهاد والثورية سيغدوان شهيدين فان نموذج الحرية بسموه سيخلد لنقص ما في نموذج الاضطهاد والثورية وتوافر مواصفات الطهارة في نموذج الحرية الا وهو العري والعودة الى بدائية الانسان كما في ادم وحواء بدليل ان الكلاب تحوم حول اعواد مشانق الاضطهاد والثورية بينما يظهر الرجل والمراة في الحرية وهما عاريان.
يتحاشى المؤلف تحديد مكان الحدث وهو السجن عن طريق التمويه بالحوادث تارة، والشروحات تارة اخرى بالاضافة الى الاصوات بالايجاء الى حدوثه في مكان اخر غير السجن كالنفق والدهليز قابلتان لتاويله وبمختلف الاتجاهات الا ان مفردة السجن برغم اشتغال المؤلف عليها فهي مثبوته في متن النص من بدايته الى نهايته . فالاصوات المنبعثة من مكان بعيد جداً واخرى من قريب بالاضافة الى الاصوات الغريبة والشبيهة بالثغاء والمواء اشارة واضحة الى ان هناك اناساً تصدر منهم هذه الاصوات نتيجة تعذيبهم كما ان وجود رجال في ملابس سوداء يقومون بالحراسة وانتصاب اعواد مشانق يعزز من ان المكان الذي يجري فيه الحدث هو السجن وليساي مكان اخر.
ولعل مجئ مفردة السجن في حوار صوت رجل (11) وبدون مبرر يضاعف هذا : لاتهلكي ايتها السيدة اعترفت بذلك في حينه واودعت السجن وعانيت ما عانيت …..والجمل الثلاث لماذا دخل ، ومن اجبرهُ على الدخول ، وربما ضرب احدهم على بطنه تؤكد ذلك اكثر….

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *