دَرَّسَنِي الْإِنْشَادَ وَأَنَا طَالِبٌ فِي الْمَرْحَلَةِ الْابْتِدَائِيَّةِ، فَضْلٌ لَا يُمْكِنُنِي نِسْيَانَهُ.
كَانَ جَارًا عَزِيزًا كَرِيمًا قَبْلَ أَنْ يُغَادِرَ مَنْطِقَةَ(عَرَفَة) الْقَدِيمَةِ مُنْذُ نُصْفِ قَرْنٍ،
مِنْ أُسْرَةٍ مُثَـقَّـفَةٍ جَلِيلَةٍ نَالَتْ مَا نَالَتْ مِنْ التَّهْمِيشِ وَسُوءِ الْحَظِّ، فَلَمْ تَأْخُذْ مَوْقِعَهَا الْمُؤَثِّرَ فِيْ قِمَّةِ الْهَرَمِ الثَّـقَافِيِّ وَالْفَنِّيِّ الْكَرْكُوكِيِّ ،
كَشَجَرَةٍ بَاسِقَةٍ ذَرَتْ أَوْرَاقَهَا رِيحٌ صَرْصَرٌ عَاتِيَةٌ لَا تُغَيِّرُ مَجْرى هُبُوبِهَا، فَلَا يَزَالُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا مَالِكَ مَكْتَبَةٍ لِبَيْعِ الْكُتُبِ وَالْمَجَلَّاتِ الَّتِي لَا تَدُرُّ عَلَيْهِ شَيْئًا فِيْ هَذَا الزَّمَنِ الْقَاحِلِ الْهَجِينِ الْبَعِيدِ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الثَّـقَافَةِ.
مُنْذُ الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ وَحَتَّى مَغِيبِ الشَّمْسِ لَا يُفَارِقُهَا سِوَى لِدَقَائِقَ عِنْدَمَا يَـقْضِي حَاجِيَاتِهِ، فَهِيَ مَعْشُوقَتُهُ الْمُدَلَّلَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الْاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا.
صِدْقًا فَعَلَ حِينَمَا أَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ لَقَبَ(غَمْكِين) الَّتِي تَعْنِي بَالتُّرْكِيَّةِ( الْحَزِينُ)،
يَبْدُو أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ بَاكِرًا أَنَّ قَدَرَهُ سَائِرٌ فِيْ هَذَا الْاتِّجَاهِ وَلَا مَنَاصَ مِنْهُ…
كَانَ اللهُ فِيْ عَوْنِهِ.