قراءة في الدلالة النفسيّة للعنونة
عناوين الشاعر :إياد خزعل أنموذجاً
د. وليد العرفي

مر في تاريخ الشعر العربي ظواهر عدة لأسماء لم يحظَ أصحابها بما يستحقون من الاهتمام، وتسليط الضوء على إبداعهم، ومن هذا الواقع نجد تجربة الشاعر: إياد خزعل الذي لم يلتفت أحد إلى تجربته التي أرى أنه من الإنصاف أن يُسلَّط الضوء عليها ، وسأبدأ من العناوين ، وعلاقتها النفسية بمُضمرات الشاعر غير المُعلن عنها ، إذ الشعر قد يكشف في كثير من إشاراته عمَّا يعتمل في نفس الشاعر؛ففي ديوانه الأول الموسوم بـ: ( فضاء للكلام ) يبدو الشاعر من خلال هذا العنوان متفائلاً بأن للشعر مكانة يستطيع من خلالها التعبير والإفصاح عما يريده؛ فجاء بكلمة فضاء نكرة لتشير إلى عموم غير محدد ، وهو ما يُعبّر عن نزعة الشاعر في تحقيق ذاته من خلال تتمة العنوان ( للكلام )الذي ربط ما بين دلالة المجال الجغرافي المتسع بأبعاده ومراميه وفن القول الذي يريد له الشاعر أن يملأ هذا الفضاء الكلام الذي جاء يفيد بتوق الشاعر إلى تلك الحالة من ملء الفراغ الجغرافي بالقول الشعري
ووفق هذا البعد النفسي يأتي ديوانه التالي الموسوم بـ : ( هذا أنا ) الذي صدر عام 2016 م وهو تركيب أسمي اعتمد اسم الإشارة الذي جاء تأكيد وجود ورغبة في تحقيق ماهية شعرية واضحة الملامح والسمات وقد جاء خبراً للمبتدأ الذي أعلن عنه بالضمير أنا بما تحيل عليه تلك الـ أنا من الكشف عن النزعة النفسية التائقة إلى تحقيق هويتها وامتلاكها أوات التعبير الخاصة بها في تحقيق منجزها الإبداعي
غير أنَّ الحياة شيء، وما يتمنَّى الإنسان شيء آخر، إذْ طالما سارت الريح عكس إرادة السفن على حد تعبير المتنبي، وهو ما يتجلى في ديوان الشاعر خزعل الثالث الذي جاء وفق بنية التركيب الإضافي، وقد وسمه بـ أغنيات الصمت
واللافت في هذا التركيب أنه جمع بين النقيضين؛ فالثنائية الضدية تكشف عن الحالة النفسية وراء اختيار العنوان الذي لا يأتي عفو الخاطر ، إنَّما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة النفسية للشاعر سواء أوعى الشاعر نفسه ذلك أم لم يعِ ، ووفق هذه الحقيقة تتجلى حقيقة العنوان الذي كشف عن الدلالة النفسية للعنوان التي تجلَّت بـالمتضادات بين أغنيات والصمت ، إذْ يشيران إلى الجمع بين النقيضين؛ فعلى المستوى اللغوي ثمَّة جمع بين:
الجمع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المفرد
والتأنيث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التذكير
كما يكشف التركيب على مستوى الإحالة النفسية حالة التأرجح بين :
الحزن والفرح فالصمت فعل انزواء ، وهو ربما عبر عن موقف احتجاجي من واقع ما ، فيما الأغنية تكون تعبيراً عن حالة فرح، وإعلان بالقول المرافق للموسيقى، وما تحمله من دلالة على معني الفرح والرغبة في التعبير عنه ، ووفق هذا البعد النفسي يبدو ارتباط سيرورة التجربة الشعرية للشاعر من خلال العناوين متسقة مع حالته النفسية التي جاءت مجسّدة النماء الزمني للشاعر في عمره الزمني والشعري في آن معاً ؛ فالشاعر في البداية كان مفعماً بالأمل وتحقيق آماله فجاء عنوانه الأول فضاء للكلام تجسيداً لتلك الرغبة في تحقيق ذاته الشعرية التي تحققت في ديوانه الثاني : (هذا أنا ) بما يكتنز به العنوان من تأكيد خصوصية واستحقاق سمة أسلوبية خاصة ومميزة للشاعر عما سواه ، غير أن ذلك الأمل يبدو أنه قد تلاشى مع تقاتدم الأيام، واكتشاف الشاعر أنه لم ينل ما كان يسعى إلى تحقيقة ؛ فجاء ديوانه أغنيات الصمت محمَّلة تلك المشاعر التي عكست الحالة النفسيّة ، والحقيقة التي يراها، وقد أدرك ماهيتها ، وعرف جوهرها؛ فكان الصمت خير تعبير عن حالة سعادة منشودة ، وفرح مُرتجى .
ــ الشاعر إياد موسى خزعل شاعر سوري معاصر ، عضو اتحاد الكتاب العرب ، إجازة في اللغة العربية ، وماجستير في التأهيل والتخصص ، محاضر جامعي في كليّة التربيّة جامعة البعث ، من أعماله الشعرية : فضاء للكلام 2005 م ، هذا أنا 2016 م أغنيات الصمت 2018م وجميعها من منشورات دار التوحيدي ، حمص ، سورية .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *