كذلك .. قصص قصيرة تحاول الهروب

يقول فرانك أوكونر في كتابه عن القصّة القصيرة “الصوت المتوحّد” ، أن الرواية هي ” فن تطبيقيّ” applied بينما القصّة القصيرة هي “فن خـــــــــــالص» pure وبالتالي فالقصّة أجود، وأكثر فنيّة وإبداعًا. وبينما يمكن للروائي أن يرتكب أخطاء وهفوات فنيّة في نصّه دون أن تُلاحظ، نظرًا لطول وامتداد النص، فإن هذه “الأفضليّة” لا تتوفّر للقاصّ، حيث كل كلمة محسوبة وموزونة، ويسهل اكتشاف أي خلل فيها ، وهذا مانجده عند قراءتنا للمجموعة القصصية كذلك للكاتب القاص برهان المفتي الصادرة عام 2019 بواقع 112 صفحة احتوت على 107 قصة قصيرة . يواكب المفتي بقصصه القصيرة ما يفضله بعض القراء وميلهم إلى قراءة النصوص القصيرة واختصار المضمون بأقل الكلمات ، حيث ينحو بمجموعته منحىً واقعياً والبعض منها يظهر شخصياً من خلال تفاصيل شخصية تجمعه ببعض نصوصه القصصية ، تبدأ كل قصصه على لسان شخص واحد يحاكي واقعاً مؤلماً ضمن سياق حياتيّ بيئيّ واجتماعيّ له نظير في الواقع، ويحيل إلى نماذج بشريّة في الواقع الذي يعرفه القارئ، لكن النّهاية، قد تصل إلى مبارحة الواقع الحسيّ والمألوف وفقًا لمفهوم الانطلاق من التّجسيد نحو التّجريد، إلى لغة كونيّة واتّكائها الرئيسيّ على الخيالات ، والسوريّالية التي تسم أغلب قصصه من خلال مزج الواقع بما فوق الواقع ، وهذا ما أكده الكاتب في صفحة الإهداء التي جاء فيها ” إلى طرفي هذه القصص … نحن … والخيال ” . في مدينة الزجاج أولى قصص المجموعة يصف الكاتب ارض مدينته من زجاج وهناك أجزاء من المدينة تكسرت وأصبح الدخول إليها خطراً خصوصاً وان باطن أقدامهم مليئة بالنتوءات المؤلمة التي هي مسامير بأحجام متعددة تكبر مع الأيام كأنها أخطاؤهم ، وفي قصة أخرى نجد أن كبير القرية كان دون قدمين لهذا السبب كان كبير القرية الذي اخذ من كل كلب من الكلاب النافقة التي وجدت أمام كل باب من بيوت القرية في صباح أعقب ليلة ذات رائحة كريهة عظمة الذيل ليجعل منها قلماً يكتب به تاريخ القرية، وفي قصة الطبل يبحث السارد عن طبل لتنفيذ قراره ويشتري طبلاً من رجل يبيع الذكرى وزرعه في ارض مدينته الخصبة لكل شيء ، وهي ارض مجربة حتى أن هناك من يأتون ليلاً فيزرعون القتلى ، وفي الصباح نرى المدينة بأعداد من القتلى نبتت الأرض ، ومن كل قتيل يزرعونه في التربة ينبت فوج قتيل ، وهكذا كتب المفتي قصص مجموعته ضياع ، الخدعة ، موت فجائي ، السقوط ، المدفع،كابوسي الحلو ، الصرخة ، وغيرها بأسلوب غريب ومميز ليقدم أسمى معاني الإنسانية والمعاناة بباطن السطور ويشدك لقراءة مجموعته حتى آخر سطر . كتب القاص محمد خضير في غلاف المجموعة الخارجي الأخير ” تحتوي المجموعة على موضوعات فريدة تميزها عن مجموعات القصة العربية الحديثة ، ونكون قد أشرفنا على تحول مهم في مفهوم القصة وقواعدها التقليدية “، وكتب الأديب أنيس الرافعي ” يقدم لنا برهان المفتي ما يمكن أن انعته بشعرية مابعد الفاجعة ، أي مايرويه بتقتير شديد ودون جلبة مثيرة للانتباه ، سارد واحد ومتوحد ، أطبقت على روحه الخسارات الفادحة”، ووصف الرافعي الكاتب على انه لسان حال هذا الجيل وصوته الأكثر جهارة وتميزاً “.

*عن جريدة الزمان

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| إشهار كتاب: “أحلام فوق الغيم” آخر مؤلفات الكاتب زياد جيوسي .

بحمد الله سبحانه وتعالى صدر كتابي الجديد “أحلام فوق الغيم” وهو مجموعة من القراءات النقدية …

| مفرح الشمري :هل سيتم الاستغناء عن الكتاب البشر مستقبلا ؟!.

من الاصدارات المميزة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بدورته الـ29 ترجمة اول مسرحية كتبها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *