إسماعيل إبراهيم عبد: تحسين كرمياني يروي قيامة جلولاء

[رجل نحيف , خفيف الحركة , ترك مجتمعه واندس مع اهالي البلدة , راح يتنقل كالزئبق , ينقل أطفالاً متباكين , يساعد رجالاً , شيوخاً . تحرك كثيراً , لم يظهر على محيّاه بوادر تعب واستمر في إسداء خدمة مجانية منصفة , قام بتمشيط الوادي بغية إخراج آخر شيء من ممتلكات المنكوبين , جهد وكفاح مثمران , مثابر , صاحب غيرة .. يحط كما يحط الطائر بخفة على الأرض ,يمسك بيده منديلا أحمر , يرفرف بكفه أثناء التحليق … تصاعدت معنويات المنكوبين , فرحوا بقدوم الرجل الغريب , صاحب الغيرة , مثل الزئبق , ناضل أيام الفيضان من أجل إغاثة الناس . تقدم صابراً , هادئاً , أنزل الأكياس , فتحها , أكوام أرغفة , تمر ( زهدي ) , وزع معونة الغوث على المنكوبين , لم يتكلم …. أنهى عمله وقاد جحفل حميره الى معسكره]1
رواية أولاد اليهودية الحائزة على المرتبة الثانية في مسابقة مؤسسة الكلمة الثقافية بمصر, دورة نجيب محفوظ , عام 2010 هي الحاوية للمشهد أعلاه , وهي محطة التطبيق لنا هنا .
الشخصية المعلمة في المشهد تعود لأحد الفواعل الأساسيين في الرواية وقد أخذ تسمية (أبو سمرة) المتفحص لهذه الشخصية لا يرى صفات مظهرية عدا أعمال الحركة الخارجية ومحامد ما يقوله الراوي عنه , أعمال تترسم من خلالها مضامين الأفعال وأخلاق , وطوية ذات , أكثر مما تشي بمحتوى التجسد . لو صنفنا طبقاتها لوجدناها أربعاً , أو أكثر : * فهي لرجل نحيف , وهي صفة لا تمثل ميزة خاصة إلّا إذا أُضيفت لها صفة أخرى , مثل خـفيف الحركة , وهنا تتشكل صفتان مظهريتان لتبيان الصفة الثالثة التي تدل على الإيثار, حيث يترك أبو سمرة قومه ليندس بين الناس المنكوبين , ثم تضاف الصفة الجديدة ليكون التمييز واضحاً تلك هي صفة النعومة بوجهيها الرشاقة والدقة , ثم تظهر الصفة الأخيرة , الانسيابية فتكتمل صورة الصياغة في عبارة (التنقل كالزئبق) , أي يُرى في كل آن ومكان! .
* الطبقة الاولى : بها تكون الشخصية قد أذابت طبيعتها الفاعلة بالسلوك النفسي المقاوم لقدرية الفيضان ـ الاستلاب ـ المندمجة بموجهات الانفعالات الجمعية .
* الطبقة الثانية تتمثل في مستوى المهيئات النفسية للفاعل / منها :
الحركة الحرة , الشفافية القريبة من الفطرية , التعلق بميزات الجمالية الخالصة .انها صفات تكتنز بحالات ما قبل بدء القول والفعل .
* الطبقة الثالثة : تحتوي على رغبات الفاعل في عمل الخير التي تقترن بالدفائن الخلقية كالصبر والهدوء .
الـطبقة الرابعة : تشتمل على ميزات فاعل الأفعال السلوكية والحدثية , وهي بعمومها أربع خصائص لأحداث اساسية :
ـ خاصية فاعل البحث عن حاجات المنكوبين .
ـ خاصية فاعل جلب المؤونة للمنكوبين .
ـ خاصية فاعل مساعدة الصغار والكبار .
ـ خاصية فاعل الامتناع عن الكلام .
هذه المستويات هي فوائض عن مكنون يحتوي قيمة (الغيرة) ومظهر(المنديل الأحمر)
يمكننا أن نعدَّ اجتماع تلك الخصائص بقرائن مظهرية وسلوكية خصيصة خامسة للفاعل(أبو سمرة)
لو أجرينا نوعاً من المقاربة مع النظريات السابقة للشخصية سنجد :
ـ مسـتوى خصائص أبو سمرة = العمق التركيبي لفاعل الانفعال الباطني = القانون الأول.
ـ عمق شخصية أبي سمرة = وعي ما قبل الكلام .
ـ الحركة الحرة لأبي سمرة = التهيئة النفسية للشخصية .
ـ مختزل أفعال الروي = الداخل الجمالي للشخصية .
ـ خليط نتاج الفعائل الدلالية سلوكياً = الاتجاه نحو العمق البؤري للثيمة .
ـ تغير الاتجاه البؤري = تغير الصورة للشخصية بصيرورة القراءة .
لنجرّب المشهد الجديد من رواية إبن اليهودية , ص , 79 , 80 , 81 .
أ ـ كثيرون عرفوه , لحظة سقطت عيون باحثة عنه , وجدوه يتعكز عكازاً , يمشي ببطء , لا يعير نداء أحدهم اهتماما , كأنه يتغاضى عن كل شيء .
ب ـ سار في السوق مثل كلب بوليسي يطارد لصاً عبر رائحته , تجوّل بين الأزقة , لا يلتفت , لا يهمه ما يجري وراءه كأنه يريد أن يسترجع أيام بطولاته الفردية , يريد زيارة أماكن جندل فيها الخنازير في زمان بعيد , تقدم منه رجال , رفض دعوة أحدهم , ينادونه يتناكرهم , يمشي . الناس تجهل (ابو سمرة) ضعيف البصر , أشبه بالفاقد للرؤية, ثقيل السمع , أشبه بالأطرش , في النهار يمشي , يجلس .
ج ـ بداية الليل نادته دبكات ترعش بدنه , موسيقى صادحة تأتي من بيوت صفيحية تسكن قلب البلدة . مشي نحو ذلك الضوء الباهر كحصان أصيل .
د ـ في ذلك اليوم شاع خبر مازح : ابو سمرة يواقع (خنزيرة) عنوة , غرزت أنيابها في فخذيه . حلف بما فيه الكفاية ,جاب الأزقـة حاملاً الخنزير الذي كلّ من سحله , قبل أن يضعه أمام البيت .
هـ ـ وحده متوحداً في صمته يجلس , لا يريد إتباع الناس , (انتبهت غجرية) لوجود جسد جالس , تقدمت منه , أرادت أن تصرفه كما تصرف مواكب الرجال , وجدت يدين تمسكانها . أرادت أن تصيح , لكنها تراجعت لحظة إنهار الرجل أمامها , عرفت أنه عليل , شمت فمه , لم تجده محتسيا للـ (منكر) , رفعته وأخذته الى مهجعها , طرحته على فراش بسيط , صيد نادر في ليلة متعبة , كونه كما تراءى لها تاجراً غالي الثمن .
(أبو سمرة) ظل يبحلق فيها , عيناه متحجرتان , صامت كأخرس … وجدته يستحق العناية , لذلك استبقته شريك فراش]2
المشاهد المتقدمة رُتبت بطريقة تلائم التسلسل المنطقي للروي , التسلسل الذي يخدم النظر في فنية الشخصية السطحية (الفاعل السطحي)
* المشهد (أ) يضع نموذجا لفاعل سلبي مرسوم بوضوح فهو معرّف عند الناس , وهو شبه عاجز , يتعكز بعكاز , هو صورة فنية أقرب لصورة حسني الطوية الشائعة بين الناس تامة الوضوح . تلك هي اولى صفات الفاعل السطحي , هذه أولى قوانين بنائه .
* المشهد (ب) يصيغ وعياً محدوداً يقع في دائرة فهم الراوي والرواية حيث يمثل (ذاتاً) تحاكي ذكرياتها وأيامها الماضية , بمعنى أن الفاعل سلبي النظرة , تراجعي الذاكرة , وعيه يتشكل من علاقة ماض لتأريخ شـخصي وحاضر لذاكرة آخرين .
* المشهد (ج) يستبطن حالة استقلال الراوي عن شخصية الروي حيث يجعل نمطيته ألفاظاً في تراكيب لغوية خالية من الاحداث تقريباً , فهو سمع دبكات ورأى ضواء وتحرك نحوهماً ! ولا شيء بعد ذلك انه بذلك مثّل عملاً لسانياً يقع بين دلالة مركز المروية المشهد , والرؤية , واللفظ المجاز ـ الدبكات والضوء .
* المشهد (د) يسعى لتبني شريطة زمنية للارتباط بين الفاعل وأفعاله , لكنها فعائل من شارف على نسيانها لذا لجأ الى تذكرها , ولو للمرة الأخيرة , بصورة مزحة ساخرة , لكأنها لم تقع أصلا في حياته , لذا فهي دلالة لا تخرج عن سياق المعنى المباشر لعلاقة أطراف الحادثة المستنسخة عن ماض شارف اندثاره .
* المشهد (هـ) يركز ـ مثلما يرى بروب ـ على الوظائف , الأفعال , التي تعطي للشخصية تبعية الفاعل للفعل (الحدث) الذي له القدرة على جذب الفاعل دون الاكتراث ـ كما أرى ـ بالرتبة أو الترتيب أو دلالة الذات للفاعل , ولا للأسماء ولا للأشياء ولا للأماكن , إنما الفعل محفّز للفاعل ومنجز للحدث وموضّع للزمن .
الفاعل خضع لجملة أفعال سيرته الخاصة بمنجز ظرفه ومظهر هيئته من خلال (الإنجرار وراء الضوء والدبكات , ليس الانفراد والانهيار , المرض وعطف الغجرية).
تلك جميعاً لا عمل إشاري لها , وليست حاوية على شفائر قولية , ولا تحتفظ ببؤرة مركزية تشع نحو أطرافها ذات الإنجازات الفعائلية , إنما هي أفعال حُرِّكت بقدرية خارج إرادة الفاعلين , داخل انتظام الصدفة !.هذا قانون جديد للفاعل السطحي للمروية مثلما هو في المشهد الأخير هنا .
مبرر هذا الاستعمال قيم جمالية , نراها , تتفوق أحيانا في التأثير على شخصية الأفعال البؤرية إذ هي قيم تقوى على :
1 ـ تسهيل القراءة على المتلقي اللذائذي , الحلقة التسويقية المهمة في التداول الروائي. 2 ـ الحفاظ على عفوية السرد المناسب لحركة الفعل البشري الكسول .
3 ـ عدم تحمل الأحداث الصغيرة للّغة عالية البلاغة المتصف بها فاعل الأفعال الغامضة .
4 ـ شاعرية الوقائع تفرض على كاتب المروية تمثيل الشخصية بواقعية مبسطة .
5 ـ موضوعة الخطاب تتجه أحياناً الى مفارقة مبرمجة بين نمطين من منشطرات الذات الواحدة تفضح نقص الأُخرى , أو تكمله .
6 ـ التوجه الأسطوري في الروي يتلاءم وسطحية الشخوص حيث يتم توزع الإشعاع الدلالي عن طريق قوة الأسطورة أو القناع , المخلّقين المستثمرين في بث المعنى المطلوب .
لننظر , فيما بعد , بتمعن الى مشهد يتحدث عن أربعة أبطال في رواية أولاد اليهودية , عن أربعة فواعل أساسيين , كل واحد منهم يتخذ لنفسه تجاهاً , ولكنهم يشتركون ببعض الصفات المثيولوجية فهم :
ـ من أصول غير معروفة .
ـ أصيبوا بداء واحد .
ـ تطببوا بمشفى واحد .
ـ رقدوا بغرفة واحدة .
ـ عزلوا حتى ماتوا بذات الغرفة وذات المشفى .
هم كل من / فالح : غجري , راقص , يحبه الناس .
صالح : رجل دين , له عداء دائم مع ضباط شرطة البلدة .
مالح : ضابط شرطة , قاس جداً , أعدى أعداء صالح .
ثمة ملاحظتان هما:
ـ أن النظرة الشعبية المعتمدة على الإشاعة ساوت بين أبو سمرة وفالح لتشابه سلوك الشخصيتين . ـ أن الملا صالح هو الذي كنّي بإبن اليهودية دون مبرر منطقي .
لنتابع :
[ذات أصيل , وقفت ثلاث مركبات أمام إدارة البلدة , توقعها الناس جثث شهداء , مثلما يحصل كل يوم , البلدة منذ بدأت الحرب تستقبل مواكب الشهداء , قضية الجنائز الثلاث اتضحت حين أعلن (عامل الشاي) في إدارة البلدة , أنها جثث النقيب (مالح) والراقص الغجري (فالح) والملا (صالح) ,هرع الناس وتزاحموا , بدأ موكب التشييع صوب المقبرة الجديدة لبلدة ( جلبلاء ) , تم دفن الجثث الثلاث في نسق , بشاهدة واحدة كتب عليها :
هنا يرقد الملا صالح والغجري فالح والنقيب مالح . غرباء سكنوا البلدة , ماتوا غرباء فيها .
أمام تلك (الشاهدة) (شاهدة) قبر وحيد كُتب عليه :
(هنا يرقد صائد الخنازير. أبو سمرة جاء غريباً الى البلدة , مات بداء غريب).!]3 الان يمكن الاهتداء بالملاحظات القادمة لمعرفة المشتركات الفنية للنوعين (الفواعل السطحيين والفواعل العميقين)
نراها تتخذ المسارب الآتية :
1ـ الفواعل الأربعة في المشاهد السابقة ذووا صياغة واحدة تلك هي قيادة قصد الدلالة من النمط اللغوي التجريدي , ثم الى العمق الدلالي , ثم الى المضمر المخمّن , لما يحقق القانون المشترك الأول بين نوعي الشخوص , العمقية والسطحية , ولقد أخذ التحول الدلالي بالتدرج النصي لما يُرَسِّـم الدلالة حسب الكيفية الآتية :
ـ المستوى السطحي / الملا صالح .
ـ المستوى ما بعد السطحي (الأوسط) / النقيب مالح .
ـ المستوى العمقي الأول / صائد الخنازير أبو سمرة .
ـ المستوى العمقي الثاني (المخمّن) / فالح .
2 ـ أن الفواعل الأربعة حققوا دلالتهم المباشرة لفعائلهم :
* حافظوا على المعنى السطحي لدلالة أسمائهم /
ـ صالح , ملا , رجل دين , يهتم بالورع وصلاح العبادة .
ـ مالح , ضابط , حاد الطبع وعدو للدين والناس .
ـ فالح , رجل الخير والفلاح وحب الناس .
ـ أبو سمرة , أسمر البشرة , غجري , شجاع , صائد خنازير , سمير التصرف , فطري السلوك . * لقد حققوا دلالاتهم العميقة , غير المباشرة /
ـ صالح , يوجّه الناس الى الفضيلة ويصبر على الأذى .
ـ مالح , يحكم بيد سلطوية , يمثّل تمثيلاً دقيقاً كل أنواع الاستلاب والظلم .
ـ فالح , يواكب حركة الناس ويحقق طموحاتهم ويسعى لإسعادهم مثل جميع القادة الأسوياء .
ـ أبو سمرة , يحقق بذاته قوانين السعادة والخير والمحبة والقيم الأصيلة .
الفواعل أعلاه , بهذا حققوا قوانين التمثل الفني لدلالة التفرد , العمقي والسطحي , ضمن فاعلية السرد الروائي .
3 ـ الشخوص الفواعل الأربعة اجتمعوا ليصيغوا اختزالاً إنسانياً , من الناحية الثقافية والتخيلية والمشهدية , وهو ديدن رواية أولاد اليهودية كلها .
4 ـ هاتيك الشخوص الفواعل يختلفون ويأتلفون في الروي أسلوبيا , لكنهم يتكاملون معاً في سيرورة القراءة .
5 ـ يتشارك الفواعل أعلاه في الوظائف السردية واللغة الروائية .
سابعاً : الفاعل زمنية الحاضر
تقدم القول برأي الدكتور جبار حسين صبري الذي موجزه (أن الفواعل يتقيدهم الزمان الماضي والحاضر والآتي بمختزن المعرفة من فهوم وقيم ومعلومات تسترجع بشكل ديناميكي , مستعادة , وموجودة , ومتوقعة , ويرى أن لحظة الواقعة الروائية هي اللحظة التي تمثلها هيئة الفاعل وأثره , وهيئة المفعول وتأثره , وهيئة الحاضن للزمن البشري منعكساً على سيرورة الروي , تعبيراً وتغييراً .
المستعاد إذاً من سلوك وذكريات وعمليات فهم وتفكير اختص به الشخص الفاعل , وهو متعلق بلحظة خارج القياس وخارج الحدس , ولا يمكن استحضاره جسدياً , لذا فأن المستعاد هو استجلاب (مجازي) يمكن للكاتب الراوي استحضاره آنياً .
سيكون الماضي عند إذ لحظة قادمة مع إرادة وفعل شخصية الحاضر .
سيكون المستعاد من المخزون فعلاً , أو قولاً , أو تفكراً متمظهراً معنوياً في الفائض السلوكي , كمحرك أو مهيمن سابق , رسم لإشارة في حاضر الشخصية على شكل انفتاح عمقي , من الباطن والذاكرة التسجيلية الى , المظهر المتمثل بالواقعة الروائية .

وقد يتخد صورة عن فلسفة, أو سلوك, أو أثر لآخرين على فاعل شخصية الروي . الاحتمالات التي تطرّقنا إليها واردة ولها أثرها المباشر وغير المباشر, لكن ليس بطريقة الدكتور(صبري) تماماً لأن الكثير من الافتراضات غير مدركة أصلاً . لننظر :
ينطرحان بين اليقظة والنوم , أنا و(عشتار) ابنتي الوحيدة (قرب بئر الشياطين) , هكذا يسمونها منذ أزمان طويلة , بئر شهيرة , تقول حكايتها : امرأة هربت من بيت زوجها ذات فجر , … أو قيل ثلث الليل الأخير.. امرأة مليحة اسمها (صبيحة) هربت من عنفوان زوجها وفحولته البربرية . ليلة زواجه منها لم ترتح , لم يدعها تلتقط أنفاسها , زوج يقولون لم يمهل صبيحة وقتا للراحة , ليلة الدخول عليها , وفق السنة والأصول , صغيرة هي وهو كبير , قتل قبلها نساء ثلاث … رجل ضخم .. صارت (صبيحة) أنثاه الرابعة , ركبها ركوب الديك للدجاجة . قيل ركبها ثلاث عشرة مرة مذ دخل عليها في أول الليل حتى دخول الليل ثلثه الأخير .. هربت صبيحة .. أقنعته , أوهمته بأنها تريد تفريغ مثانتها من إدرار وأقذار نوبات ركوبه . رغب بطرحها قبلما تجبره ينتظر برهة وقـت . نام على ظهره في وضعية من رمي سلاحه النادر . خرجت , قفلت باب الغرفة من الخارج . لم ينتبه لفعلتها . . صبيحة لبست عباءتها , مشت في (شارع الأشباح) , ضـلت المسكينة دربها , وصلت حافة البئر .. (صبيحة) وجدوها تهذي منفرجة العينين عند ثغر البئر, نقلوها الى بيتها ..
هي مسكونة بالشياطين .. تعاني من وجع طلق طويل … وضعت بعد سبعة أشهر مولوداً قيل يشبه حيواناً غريباً ,يموء مواء القطط , يكشّر عن أسنان طويلة معقوفة ككلب جائع.. سرقوا (الإنسا ــ حيوان) منها , حرقوه في حشد بشري كبير.
(صبيحة) رأت ابنها ينادي , يصرخ من داخل النار .. (صبيحة) ظلت تمشي عارية في الأزقة , يرمونها بالحجر , بالقاذورات , يقولون : أرهط أشباح غزت القرية بعد ثلاث ليال من حرق ابنها .. أتت منتصف الليل , ألقوا وشاحاً ابيض اللون عليها , حملوها على حصان ابيض مثل الثلج , حملوها , أخذوها الى البئر , كل ليلة ينطلق صوت شجي متلفع باللوعة , بالحنين , من ضوء كهيئة امرأة تجلس على ثغر البئر. قرب ثغر البئر غارقان في نوم ثقيل .. عيون الأغراب رأتنا عبر عدسات آلة التكبير]4
المشهد أعلاه يُراد له أن يوضح الجوانب العديدة لزمنية الفاعل :
1 ـ هيئة فاعل الماضي : الفاعلان ذوا هيأتين ماضيتين تشبعا بصراخ راوي الرواية.
2 ـ هيئة فاعل الحاضر : الفاعلان منطرحان ينتظران معاً سماع صوت الضحية .
3 ـ هيئة فاعل المستقبل : الفاعلان ينتظران ما سيحدث للتداخل الزماني في نسيج الحكاية.
4 ـ الأثر الماضي للفاعل : يبين من خلال حكاية ماضي بئر الشياطين .
5 ـ الأثر الحاضر للفاعل : يمكن مرادفته بزواج صبيحة مع الزواج السياسي المتوحش الداخلي والخارجي للبلد.
6 ـ الأثر المستقبلي للفاعل : يعتمد على ما آلت إليه حكاية جنون صبيحة وفقدان عشتار ووجود الغرباء .
7 ـ هيئة المقول الماضية : هي الهيئة السلبية لزوج صبيحة , وهيأة أهلها الطامعين بالمال , وهيأة صبيحة في مجاورتها لبئر الشياطين .
8 ـ هيئة المقول الحاضرة : هي في مقاربة هيئات المقول الماضية مع مقلوبات الحاضر السياسي للبلاد .
9 ـ هيئة المقول المستقبلية : تبين من خـلال جر نهاية حكاية صبيحة والبئر , وعشتار وأبيها نحو استكشاف عدسات آلة التكبير الخاصة بالأغـراب .
10 ـ هيئة الحاضن الزمني : تقيدت بالماضي والحاضر والمستقبل المعبّر عنها معاً في اللحظة الروائية التي احتواها المشهد كديناميك زمني للروي والتخاطب والتخاطر القصصي .
11ـ هيئة الحاضن البشري : تنبث عبر شخوص الحدث , عشتار وأبيها , صـبيحة وزوجها وأبيها , سكان جلبلاء , الأشباح , الأغراب . وهم عناصر بشرية صاغت حكاية الضحايا , وهم ليسوا هيئات وأشكالاً فقط , إنما هـم كذلك هيأة (المروية) بألسنتهم , عند إذ يحقق الحكي مؤالفة ضمنية بشرية وزمنية .
12ـ تضخيم الحاضن الزمني للروي : هو عمل ينطوي على ترتيب الحاضنين الزمني والبشري من خلال تلوين الحكاية بالمنعكسات الفكرية . وهو جزء من رؤية مصغرة تخص تقديم سيرورات الروي بحرية منضبطة في أُطرها الفلسفية , الفنية , التداولية.
13ـ توحيد الزمن بالحدوس والتغايرات الحدثية الروائية : جملة التغايرات متوزعة على المشهد بمستويين , سطحي وعمقي , السطحي غير السوي يجعل التقاطع كاملاً بين البطلة (الفاعل صبيحة) وعناصر الحاضن البشري في مجتزءات الروي .
ثمة إختلاف بين المقاومة السلبية للإستلاب من قبل صبيحة , والمقاومة المتجنية على صبيحة من خلال إستهجان فعل ولادة صبيحة للطفل شبيه الحيوان .
التقاطعان إبتنيا تغايراً حدسياً (كمستوى عمقي) تمثل بالنور الذي يشع من مكان صبيحة .
هذا التغاير هو نوع من تـبئير حدسـية المروية , وصولاً الى :
أن الزمن الذي يبدو غلافاً لحادثة صبيحة والبئر ـ عَبْرَ نمو الماضي والحاضر والنبوءة معاً ـ يتعدى الى التواصلات العلائقة السابقة كمستبطن غائر في خبايا الفعل يحيل الى مضامير حالية , وهـو ما يبني المستوى العمقي المكمل للمشهد .
14 ـ تتوحد صورة فعل الفاعل مع زمنية الفعل الذاتي :
التكوّن المخطط له مسبقاً للفاعل يأخذ بالتدقيق بالصورة الجمالية غير المجزأة , القادرة أن تحيل غير الممكن , وغير المدرك , وغير اليقيني , الى وجود جديد
وسلوك يحتاط به العقل المهندس للذاكرة الذهنية لتجيء القطعة الروائية مقبولة مؤدية لأهم شروطها (السردية = الجمالية)
ثامناً : الفاعل دينامية تواصل
للفاعل عمل قريب من فعل الراوي إذ يتوسط بين المروية والقارئ , ضمن محور (المرسل , الرسالة , المتلقي) , لأجل ان نفهم وجهة النظر هذه علينا أن نفهم بأن الجديد للتفاعل التواصلي يحيل الى عدد من الكُتّاب , الذين هم فاعلوه , هم شخوصه , يؤلفون حركة الأفعال بأدوات متشعبة ومتداولة , إنهم (كل شخص , كل كاتب , كل كتابة) أسهموا في خلق قيمة التواصل , شكّلوه وأظهروه بوعي , وبالتالي فهم صيّروا القص إطاراً ديناميكياً للتداول والتفاعل القرائي والإعلامي.
للتعرف على فروضات التواصل لديناميك فواعل المروي القرائي والإعلامي يمكن أن نقوم بعملية تقطيع إجرائي :
” تعدّ عملية التقطيع , على المستوى المنهجي , أساسية , لأنها تمكننا من التعرف على الوحدات الدلالية المكونة للنص من خلال عملية التحليل , أو نستطيع تحديد ـ ديناميكية الفاعل ـ كأحد مكونات السرد من خلال المقاطع المجتزأة “5
صانع الرواية , أو لنقل مبتكرها , أو ربما لملم شظاياها المبعثرة , في ليلة أرق رغب أن يغوص في أعماق المتاهات التي لا تنتهي للمدونات , والمواقع الترفيهية على شبكة الأنترنت , بحثاً عن نهاية مقنعة لحكاية بعل (الغجرية)
تفاجأ , بعد منتصف الليل , بكتاب صغير عنوانه (كنت معهم بالإكراه) … وجده سيرة متعثرة اللغة لرجل , لم يـطرح اسمه , اكتفى بكنية وجدها ملائمة له (غفران) , يسرد حياته لثلاث سنوات بمعية فئة خرجت عن مألوف العادة…
شكلت … في بستان منسي على نهر , بدأت بثلاثة شباب …
دعتهم الرغبة أن يجتمعوا … على النهر , داخل بستان تركه صاحبه بعد ما تم تدمير سياجه من قبل رتل (أغراب) …
غفران سرد أيام حياته السود في ستين ورقة من القطع المتوسط , يـنتقل من حدث لحدث, موجزاً التفصيل كمن تدرب على كتابة الرواية الحديثة :
عرفت فيما بعد أن الرجل الـطويل هو (بعل الغجرية) التي تم نحرها أمامي ذات صباح, كونهـا تزوجت من غير اللجوء الى (أصول الشريعة) , تم نحر ابنته الصغيرة أيضا كونها (نطفة حرام) , وتم الاستفادة من (الحمار) يوم ربطنا على ظهره أكوام الحطب , قاده واحد منا , عند معبر حيث الجنود يواصلون التفتيش , تم فلقه عليهم , لم نتصور أنه بعل (الغجرية) , ولو علمنا به لقاد نفسه بنفسه للمقصلة , خلناه رجلاً قدم لينضم إلينا , تهاوت القاعة , مات الجميع بعد سلسلة انفجارات تلاحقت في القاعة تمكنت من الهرب على الرغم من بتر ساقي , عبر مركبتي (المنفيست) ذات عصا القيادة الأوتوماتيكية.
ها أنا أسرد وقائع حياتي المظلمة , طالباً الغفران من العالم , عملت مع الظلام لفترة ثلاث سنوات , لا أبريء نفسي , آثام كبيرة سأتحمل مسؤوليتها , فقط أريد أن أعترف , أتخلص من الشرور العالقة بجسدي , أُريد التخلص من الكوابيس التي تلاحقني في منامي , هل أنتم لي غافرون]6.
تقطيع المشهد المتقدم يتيح لنا جس حالات نمو حيوية التواصل الدلالي للفعل على الوجوه الآتية :
أ ـ الفاعل وسيطاً:
حين يرتبط الفاعل بالفعل فيعني أن الفاعل سيربط الفعل بالحدث , والحدث بالدلالة العامة للمشهد , وتلك بعناصر السرد , مما يعني انعكاس الفعل الدرامي على القارئ وارتداده الى المشهد بالوساطة نفسها , ليثبت بأن حيوية الفاعل وديناميكيته التواصلية تعمد الى التبادل القولي والدلالي في تغير موقعي مستمر يديم العلائق التأويلية التي يحددها فعل الفاعل ويعيد صياغة أثرها القرائي .
أن الفاعل يحقق شرط التواصل بأطرافه الثلاثة (المنتج , المستقـِل , الموضوع)
وفي المشهد الروائي المتقدم يكون الفاعل مشطوراً بين مؤلف الحكاية والقائم بالأحداث , كلاهما يربط فعله الشخصي بحوادث فعائل (الإرهاب) . ولكن كليهما يبلِّغان رسالة الى شاهد ـ مراقب مفترض ـ سيحكم بالتحريم أو الغفران ويبث رسالة مرتدّة جديدة . ب ـ الفاعل مكملاً هيكلياً
الفاعل كحامل ومحمول يتصرف على الدوام كمنظم هيكلي يكمّل العلاقة بين المظهر الكتابي والمضمر الدلالي (العمقي) عبر مستويات التهيكل الخطابي الثلاثة : (منظومة الدلائل , نظام الأحداث , شبكة العلائق الإشارية)
ثلاثية الهيكلة الآن تعدُّ من المهمات البديهية وعنصراً من عناصر الهيكل الجسدي للقص , يكمل لوحة بطائن الفاعل التواصلية .
على المستوى العملي , يكوّن النظام الدلالي مضمون المعنى البؤري , أي مضمون الوصف والسرد وتقييم عملية الدخول الى عالم الإرهاب كوقائع روائية , والإشادة غير المباشرة برفضها , بينما التنظيم الحدثي يأخذ شـكلاً محورياً , إذ تجتمع الأفعال لتكوّن واقعة روائية , وجميعها تتحرك على وفق تشكل مشيدات الفاعلين :
(المؤلف , الراوي , صاحب كنية غفران)
أما العلاقات الإشارية فهي قد نظمت السرد بخطية تبدأ من اللفظة الأولى حتى آخر لفظة في المشهد مكونة مشدّاً تصاعدياً ينسَق بين الدلالة والحادثة واللغة ليوحي بأغراض المروية من خلال تكييف الفاعل والفعل الروائي لحياة الحدث الأكبر وتوجيهه لإنتاج وتبليغ وتوصيل غايات الرواية بهدفها الأهم , الدعوة للتغلب على الإرهاب .
ج ـ الفاعل تعددي
في أكثر المحاولات الإبداعية الرصينة تـتعدى قوى وملامحُ الفواعل محـدداتِ التنظير , فقد يتشظى الفاعل الى عدد من الأنوات وبذلك يتخلّق المستوى الطباقي لتعدد الفواعل . في ذرى السرد (هنا) توجد جماليات خاصة بهذا التعدد , انها جماليات ذاتية حصرا , تـقتصر على تحفيز التشويق والخروج عن النمطية. نرى بأن المشهد احتوى على ثمان منها مترتبة على التوالي:
ـ الفاعل المؤلف الكاتب / هو ليس تحسين كرمياني المذكور اسمه كمؤلف للرواية , إنما هو المؤلف بين الحوادث بصياغة اسطورية معاصرة .
ـ الفاعل صانع الرواية / هو المؤلف القائم بالحكي ضمن إطار المعنى القاموسي للوصف اللصيق بالمؤلف , موقفاً وثقافة , وهو المبشّر بمرحلة الانفتاح الجديدة .
ـ الفاعل مبتكر الرؤية الروائية / هو الراوي الذي قام بعرض حوادث الرواية بلغـة ساردة, متواترة , محافظة على تنغيم الفكر .
ـ الفاعل المدوّن : إنه الفاعل التدويني الذي استغل الأنترنت كي يؤرخ متعلقات مرحلة اللحظة , السابقة , اللاحقة , الآتية , لمحمولات السرد .
ـ الفاعل البطل الاول : غفران الذي سمح لنفسه استثمار الفاعِلَيْن السابِقَيْن لتسويق قضيته بطلب المغفرة .
ـ الفاعل البطل الثاني : بعل الغجرية .
ـ الفاعل البطل الثالث : الغجرية .
ـ الفواعل الابطال المجهولون : مجاميع :ــ الارهابيين , الاغراب , الجنود , الناس.
د ـ الفاعل الحر
جميع الفواعل تقريبا تُرْسَم لهم طريقة معينة كي يقوموا بالأفعال , تحدد أقوالهم وحركتهم, بينما لا يبدو على بعضهم مثل هذا التحديد , ولا يبدون منحازين الى (دلالة عرضية ما) , إنما يمتلكون قدراً من الحرية , مثل الشخوص :ـ المعبرين عن حالة الهذيان , المجانين , المرضى النفسانيون , الشخوص سلبيو المظهر , الشخوص ذوو الملامح غير المعقولة , الشخوص الذهاليون , الاشباح , الشخوص الاسطوريون , الشـخـوص السرّيون , الشخوص الظلاليون , وغيرهم . هؤلاء فاعلون لهم قدرة على تغيير مجريات السرد عند النهايات المتوقعة , أو المحتملة , أو المعقولة , يمكنني تسميتهم بـ (شخوص السرد الحر) إذ هم غير مقيدين بمنطق , يمتلكون حرية الصياغة والتعبير والتغيير.
انهم فاعلو الأفعال العاملة (عند وبعد) اكتمال الحادثة . تُرى مَن مِن هؤلاء في المشهد المتقدم , يبرر وجودهـم ؟
على وفق مقاييس الفواعل أعلاه فأن :
المؤلف , وصانع الرواية , والمدون , ومستخدم النت , وغفران , هم فواعل غير مقيدين ولهم فعل اشتغال روائي فني .
ـ المؤلف , و , صانع الرواية , لهما حرية التصرف ببدء ووسط ونهاية الرواية دون أن يختل التداخل الزمن السردي بينهما , ولو أدخلت القصدية في السرد لانحرفت عن منظومة عدم التقيد.
لقد وُجِدَ (المؤلف + صانع الرواية) في المشهد لأجل مهمتين هما , حرية تشكيل الأحداث وحرية اقتراح النهاية.
ـ المدون , يبرر وجوده في المشهد في كونه يمتلك مناورة خاصة بتحرير المعلومات وتصنيفها , كما هو حال اتجاهات البحوث الجامعية , وقد أدى دوره في التسجيل الحديث للوقائع الروائية (باللّم), ثم بالتشتيت. اللم أشّر(الذات) في جمع الوقائع ضمن آلة التسجيل على رقائق متحركة هي شاشة الحاسوب . اما التشتيت فمؤشر فعله في تجزئة الوقائع على مواقع شبكات الانترنت , عبر الحاسوب .
ـ الأنترنت, وضع نفسه رقيباً غير مرئي , وناشراً غير معني , ومشاركاً دونما مسؤولية. ـ غفران , أخذ فاعليته من عدم التقيد والإبهام , فرسم لنفسه وهماً , أراد توصيله إلينا عبر الصفة المعوضة لفظة (غفران) , أي المجرم الذي يطلب المغفرة من ضحاياه.
ـ متابع وقائع المروية , انه يؤشر ذاته في شهادة غفران كمدونة داخل مدونة تُمارس من ورائه لعبة المواربة السردية الروائية التي تخص مناورات الروي والفاعل والفعل وتوجه غايات النهاية غير المتوقعة .
* المصدر : الرواية العراقية ما بعد انشائية , تقانات وتداول / اسماعيل ابراهيم عبد , مديات ثقافية ـ دار الزيدي , العراق , ط2 2017 , من ص94 إلى ص104
[1] تحسين كرمياني , رواية أولاد اليهودية , دار تموز , سوريا , 2011 , ص 14 , ص 18 , ص 19 , ص 20
[2] تحسين كرمياني , رواية اولاد اليهودية , مصدر سابق , ص128
[3] تحسين كرمياني , رواية أولاد اليهودية , مصدر سابق , ص 218
[4] تحسين كرمياني , رواية بعل الغجرية , مصدر سابق , ص 53 , ص 54 , ص 55
[5] نصر الدين بن غنيسة , فصول في السيميائيات , عالم الكتب الحديث , الاردن ,2011 , ص 22
[6] تحسين كرمياني , رواية بعل الغجرية , مصدر سابق , ص 284 , ص 289 , ص 293 , ص 294

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *