محمد خضر … شاعر يصوغ الدمع مع وجع الأرض
قراءة امنة محمود -كركوك

حين يكون الجوع موتاً بطينا دائم التكرار ،يكون الجوع للموت أمراً مألوفاً . تحتضن الجوعين والموتين مدينة أول عزالها النهار نار أزلية تجعل من ليلها أشد حزناً من الحزن نفسه . وأخر عزالها قلعة طواها النسيان لولا بقاياها المتبقية هكذا انشد محمد خضر للجوع والموت نشيد الخلود فأطرب ارنجا التي بكت ولم يعزها أحد ” ندفن الاحباء / لنمجد مراقد الموت / بانخاب خمرة تشربنا / فنتساقط واحداً تلو الأخر ” يحدثنا عن ذلك الألم النافد كولن ويلسون حين يقول ” أن عذاب الأنسان يتضح بكل ما في من مأساة وتركيز لأنه يكون دوامة منغلقة تحرق نفسها بنفسها أنه ثائر ولكن بالطريقة المعاكسة للثورة فهو لا يثور على الظلام وأنما يثور على نفسه أن ارتضت العيش فيه بالصمت فينتقل من شويعر مجنون إلى شاعر حالم يترصده عيون الدم التي تنخر عظاماً متسوسة بالدمع .
أن هذا القهر الذي يعاتبه الشاعر من زمن ممتد كسراب – حولته السياط إلى جسد جديد ” صار هو شيء .. في لا شيء صرخة مذبوحة في وجه العدم فتحول جبينه إلى ” تله تغسلها اطلال نهر فيقتفي أثر أحلامه التي تحدث بمنافي لعصافير في زمن الزمهرير ليذكرنا بمقالة برناردشو ” أن كل حلم يمكن أن يحوله بالأرادة أولئك الأقوياء قوة كافية إلى خلق أذا كانوا يؤمنون به .
المدينة التي يتخبط بحزنه في طرقاتها والتي يكن لها مودة الغرق للغريق فيناديها بكل التسميات : ارنجا / مدينة الموت السعيد ” كارخينا / السمو / باحضانة تحتضر ” ارابخا / هنا الاعشاش تبحث عن طيور . مدينة تهادت بلا صلاة ” كارخينا / حلم تاه بدمع الطفولة . فلا عجب من كل هذا أن يكون عنوان ديوانه ( ترانيم ارابخا ) . أن الواقعية والتشاؤمية متر ادفان لدى الشاعر الذي ينسج لنا خيوط كلماته بخيط ذهبي وهذا الخبط بالنسبة له هو مرارة الواقع الذي لا يملك الانفصال عنه وكل ما يستطعه أن يهرب إلى الخيال محاولاً بناء صرح لالامه يلونها ويشكلها لكنها تتمرد على مبدعها لتعود للونيها الرمادي والاسود .

فهو لا يسير وفق هدف نيتشه (اخراج القيم من حدود قيمها) بل يتجاوز ذلك لوضع قيم جديدة ممزوجة بالفنتازيا حينا والميتافيزقيا * حينا أخر ” أزرع في التلال / لعلي اصطاد حلمي / في قشر سمكة هلامية ، أنا الوحيد الماسك بمرآة وجهي . الجوع ثوب عار / يغطي احزان القلوب الراحلة ” أنه يمتلك من الالم ما يؤهله لاصطياد موته ليتبادلا اللعبة من جديد ” ما المنون الارشفة تصيبنا ” ” أحمل جواز مرور نشر اكفاني ” أن قصائد الشاعر تؤكد عدالة المفرط للطوبالية وتلك هي الأدلة ” خرير الجفاف / هدير السكون بأرض بور ” الحب غسيل قذر على حبال الغزال ” الملائكة نقاط تفتيش ”
أن محمد خضر يجبرنا على القول طائعين بأنه شاعر يصوغ الدمع مع وجع الأرض

.1- المعقول واللامعقول في الأدب الحديث / كولن ويلسون .
2- العودة إلى ميتو شالح / مسرحية لبرنارد شو .
3- الميتافيزيقيا : ما وراء الطبيعة .
4- الكوبانية : المكان الحسن في اللغة الإغريقية .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *