لعل المناسبة تقتضي استذكار مرثية الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ” في رحاب الحسين” التي مشى فيها على خطى رائعة الشاعر محمد مهدي الجواهري “آمنت بالحسين ”
ولا اريد ان اقترب كثيراً من تلكم المرثيتين خشية الاشباع في الغرق على ضفافهما، وانما هي مفردة واحدة احرم من ميقاتها ؛ كونها محور القصيدتين وهي الموت الذي احاط به الحسين و غيّبه في صحراء كربلاء واصبح نشيد الخلود و ختام القصيدة بمطلعها.
الصورة الاولى رسمها وبلغ بها منتهى البلاغة عبد الرزاق عبد الواحد ، حيث جعل من الحسين هو المحيط بالموت وهو القاهر له لا العكس ، والثانية جاد بها مخيال الجواهري اذ صوّر موت الحسين بنشيد الخلود وختام القصيدة بمطلعها ليكون اغنية الثائرين والباحثين عن الخلود .
صورة الموت والحسين يحيط به هي الأكثر بلاغة على الاطلاق ، ولو لم يك لعبد الرزاق عبد الواحد سوى هذا البيت لكفاه شر المقارنة بغيره من الشعراء العرب
دعونا نستذكر تلك الابيات التي تفوح بعطر العنفوان والشجاعة والاقدام :
وخضت و قد ضفر الموت ضفرا فما فيه للروح من مخرم
و ما دار حولك بل انت درت على الموت في زرد محكم
من الرفض و الكبرياء العظيمة حتى بصرت و حتى عمِ
فمسك من دون قصد فمات و ابقاك نجما من الانجم
البيت الثاني يخاطب الشاعرُ الحسينَ بأن الموت لم يدر حولك ويحيط بك بل انت الذي درت على الموت في زرد محكم ، والزرد صفة مشبّه تدلّ على الثبوت من زرِدَ ، يقال : زرَدَ فلانٌ فلانًا : خَنَقه وأمسكه من عنقه حتى كاد يَزرُده
هذا التشبيه المقلوب قّل نظيره في الشعر العربي .
نبي الشعراء أبو الطيب تغنى كثيراً بشجاعة ابي فراس الحمداني ونسج منها اجمل القصائد أضحت ملاحم شعرية يستلهم الشعراء منها صور رائدة في المديح الثناء و منها هذا البيت :
وما في الموت شكّ لواقف كأنّك في جفن الرّدى وهو نائم
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ

هو ذات المعنى الذي استلهمه عبد الواحد من حاطة الموت من كل جانب بالابطال اثناء المنازلة ، لكن الردى نائم عند المتنبي وابو فراس قائم في جفنه ، و ومخنوق ومزرود عند عبد الرزاق والحسين محيط به ، وشتان ما بين نوم الموت عن ابي فراس وبين دوران الحسين حول الموت واحاطته به حتى بصرت وحتى عمي.
لا مجال للمقارنة هنا بين المتنبي و عبد الرزاق وبيان اوجه البلاغة من خلال مفردة وردت في ابياتهما ، لكن الصورة البلاغية في هذا البيت على وجه التحديد اراها اكثر عمقاً.
وكأن هناك صراع بين الموت والبطل، وحيث لا يتصور موت الموت في تلك الواقعة على يد البطل فيصار الى عدم الاكتراث به وعدم الخوف منه او ما يقارب تلك المعاني ، اما ان الموت يموت على يد الحسين في يوم العاشوراء فهذا ما جادت به براعة الشاعر عبد الزراق عبد الواحد .
الهامش الذي اردت بيانه على بيت من ابيات مرثية ” في رحاب الحسين ” لعبد الرزاق عبد الواحد اوشك على الانتهاء، لكن الحديث عن الشاعر وما دارت حوله من احاديث لا نهاية لها …
ما يثار حول شخصية الشاعر ومواقفه السياسية والعقائدية امرٌ امر لا يعنيني كثيراً ومحل اهتمامي وما ابغي الوصول اليه هو شاعرية الشاعر وابداعه الادبي واين اصاب واين اخفق في مجاله الادبي ، لكن يبقى الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد هو الاكثر سطوعا في سماء الادب العربي والعراقي.