إشارة :
تجربة رائعة يقوم بها الروائي المبدع “سلام ابراهيم” وهو يؤرشف رسائل قرّائه الكرام وزملائه الكتّاب التي وصلته عبر سني إبداعه الطويلة وتتصل بمنجزه السردي الباهر وبحيادية المرافب. ننقل هذه الرسائل ضمن حلقات ملف الموقع عنه لما تتضمنه هذه التجربة من دروس إنسانية وإبداعية وتربوية وتوثيقية.
أسرة موقع الناقد العراقي
من الرسائل -114-
الدكتور محمد عبد الرضا شياع -دكتوراه الدولة في الآداب
حول نص “زوجات الأدباء”*
(ولماذا تنتج أنت روائعك السردية من دون انقطاع وبجوارك السيدة المدهشة أم كفاح؟ ولماذا يجد جلّ المبدعين زوجاتهم أسباباً لإبداعهم؟ قد تكون تساؤلاتي لا معنى لها وأنا أجعل فيها استثناء، فأنت من هذا الجل الذين كانت الزوجة في حياتهم محفّزا للإبداع وشاهدا على سيرورته، لذلك لم تصدق الراحل العقابي بدءا.
لقد باغتنا في هذه السردية التي كانت خاتمتها انفتاحا على المتاهات في حياة المبدعين، وما لاذ منها في الظل…
أنت كاتب مزعج للذات التي تعيش حالة التساكن الذهني، تجيد تكسير صلبان نمطية الكتابة… فاسلم مبدعا أبا كفاح، على الرغم من أن إبداعك يوخز صمت الكثير من قرائك…
تحايا عظيمة لكل زوجة أنارت الطريق بحضورها أمام شريكها المبدع، فكانت الكتابة وهجا لكليهما.
إعجاب واعتزاز كبير صديقي السارد العليم Salam Ibrahim)
————————-
* هنا أعيد نشر النص ليكون رأي الدكتور واضحا
(زوجات الأدباء
سلام إبراهيم
ماتت زوجة صديقنا المشترك الشاعر في لندن بعد معاناة طويلة بمشاكل في القلب.
ماتت بالمنفى البارد وتركت زوجها صديقنا الشاعر الجميل الذي كان معذباً بأنتمائه الحزبي وإلتزامه. حال سماعي الخبر تذكرت قامتها الطويلة وشخصيتها القوية وهي تداري جلستنا مع زوجها الشاعر في شقتهم بسفح جبل قاسيون بدمشق ١٩٩٠، كانت خفيفة الظل مثقفة يسارية تكتب قصصاً للأطفال وتنشرها في المجلات المتخصصة. وكشأني في الحياة لا أدقق كثيراً في الأشخاص الذين احبهم، ولا أنتبه للتفاصيل أو للتناقضات الصغيرة التي تحتاج لعين لئيم بالمعنى المعرفي.
كنا في زيارة بصحبة صديقي الشاعر والروائي الذي مات بغتة في كوبنهاكن قبل عامين “حميد العقابي” في بيتهم الدافيء. ولما كنت سكيراً بطبعي أفضل الخمرة والسكر والغيبوبة على كل شؤون اليقظة فقد عببت الكثير من شؤون عرق الريان وعدت أنكت وأضحك وأشرد حينما يتحول الموضوع جداً.
ماتت ونزل خبر موتها مثل ضربة شمس شديدة بالنسبة لي وأنا أضع نفسي مكان زوجها صديقي الشاعر متخيلا خواء الحياة بدونها هكذا ظننت.
أصابتني الحيرة فأنا أسوء الناس في مواساة المفجوع بموت قريب. فماذا أفعل؟ سهرت في صومعتي أسكر ولا أعرف ماذا أقول لصديقنا الشاعر في لندن كي أواسيه، ففكرت بالحديث مع صديقي “حميد العقابي” فاتصلت به، شاكياً حيرتي وعذابي لعذاب صديقنا الذي فقد زوجته، فسخر من مشاعري قائلا:
– سلام أش بيك حزين، أنت تعرف هو فرح لمن تخلص منها!.
صعقني الكلام فلزمت الصمت دقائق وهو لم يقطع الأتصال فهي يدرك تكويني ووقع الكلام عليّ، تمالكت نفسي وقلت:
– حميد صديقي معقول هذا الكلام؟
– معقول سلام، تتذكر لمن زرناه في بيته بالشام وسهرنا، أنت تشرب وتضحك وما تنتبه
ما أنتبهت كيف تسخر من شخصه بحضورنا، كلما تحدث بموضوع تقاطعه وتعارضه وتسخفه، وهو يتحمل مرتجفا. كنت أتابع رجفة أصابعه وهو يحاول وقف تسخيفها وتفنيدها لكل ما يرويه. تصور حتى الحادث البسيط الذي رواه عما حدث في شارعهم وعن شخص صاحب محل وأسمه كذبته وهزأت من ذاكرته وذكرت أسم اخر وجغرافية أخرى لموضع الدكان.
– معقول حميد
– نعم سلام هذي الحقيقة لا هو يستطيع البوح بها، ولا الآخرين
صديقنا سيعيش طويلا بموتها وسيزدهر وينتج كتباً
وقتها قلت مع نفسي:
– أي خباثة ولؤم بروح صديقي حميد
لكن مرت السنوات وتابعت صديقنا الشاعر والمترجم الذي طولَّ وأزدهر وأصدر الكثير من الكتب وما زال يعيش في لندن ويساهم في الحياة الثقافية.
بالمقابل مات صديقي “حميد” مبكرا غيضا من خواء حياته وعذابه الخاص الفلسفي والاجتماعي.
19-6-2019
دنمارك)