إشارة:
يسرّ أسرة موقع “الناقد العراقي” أن تقدّم لقرّائها الأعزاء هذا الملف الأسبوعي الثر عن الشاعر العراقي المبدع “سعد جاسم” المجبول إنسانا وشعرا من طين فرات الديوانية السومري العراقي الحرّ.. كائن من شعر وموسيقى حمل هموم وطنه في المنافي وجسّد واكتوى بقيامته عبر الكلمة الملتهبة الصادقة الخلاقة. تدعو أسرة الموقع أحباءها القرّاء والكتّاب إلى إغناء الملف بما يتوفر لديهم من مقالات وصور ووثائق. وعلى عادة الموقع سوف يكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية لأن الإبداع الحقيقي لا يحدّه زمن. تحية للشاعر المبدع “سعد جاسم” .
أسرة موقع الناقد العراقي
تتأسس الشعرية الجديدة على ضدّيات متغايرة ، غيريّة متراتبة ، ملتبسة ومحايثة أيضاً ، تبدو كسراب يحسبه الظمآن قطراً، فاذا به الهطول المفارق لضدّيات ذهنية ، مجردة تارة ، ومحسّة تارة ، وغائمة وغامضة ، بل وملغزة كذلك.
انها هندسة جديدة للشكل تجاه المضمون ، وللمضمون تجاه الشكل عبر مراوحة السّياقات الكلّية ، والشذرات والتّكايا الجزئية ، التى تندفع فيها شهقة الذات ، وحليب الطين الذى يهطل من سرّة النور الميتافيزيقية لأسرار البهاء الباذخة .
هل نحن اذن أمام مخيال شعرى ، يؤسس لمعادلات الذات لتندمغ مع المعطى المجتمعى ، أو المعطى السيموطيقى بدواله ومدلولاته وعلاماته التى تصهل فى الفراغ الكونى لتؤسس وجوداً للاميتافيزيقا ملتاثة ، تعصف بالذهن وتصهل فى الروح ، وتفجّر الأنوثة الطاغية / لايروتيكية اللغة الصاهلة ، والفاختة بقرقل البياض ، وبعسجد الأبدية ؟! .
ترى هل نبتكر تربة نقدية مغايرة نبذرها مع ربيع الشعرية الجديدة ، فننداح مع الشاعر العراقى الرائع / سعد جاسم فى ديوانه : أرميك كبذرة وأهطل عليك ؟! .أم ترانا نؤسس لصوفية سيموطيقية جديدة تسير مع الصور الممسوسة بكهرباء الروح المتوضأة بالعشق الباذخ والايروتيكية السامقة ، التى يتبدّاها الشاعر ، ويتغيّاها ، ليؤسس لنا براحاً ذاتياً متسعاً ، لمهرالاختلاف الجديد ، لشعرية ضدّية ، تصنع فرادتها عبر صهيل الذات الحالمة المتصوفة بنبيذ سيرورى سامق ، يعيد للحياة بهجتها التّغايرية اللطيفة ؟! .
لقد طوّف بنا / سعد جاسم ، عبر هدير فرادته ليمزج الحسّى بالذهنى ، والمجرد باللامادى ، والفيزيقى باللامحسوس، والتغايرى بالتخالفى و العبثى باليقينى اللامطمئن ، واللاقانع ، وبسعد الرافض الى سعد المستكين ، كما هطوله الفيزيائى المطعّم بشذرات صوفية ، وبلغة عاشقة ، لغة تجامع حروفها علانية ،عبر راح الرّوح داخل بؤبؤ القلب ، لتجثو الجراح متربّعة على قلبه ، فيزيحها عنه ليفرغها فى شبق سعيد ، داخل كينونة الألماس ، عبر جسد يتعطّر بنكهة الأبدية الزاعقة فى هسيس يئن بنبيذ اللّذة المتواترة ، والموتورة أحياناً – والتى تصل الى التماس الشبقىّ ، للذة يهندس استساغتها ، فيهطل عليهاً فرداً ، ولا يشاركه أحد ، ليعيد بماء الضوء ، وغلالة الشّوف ، ابتكارها من جديد .
هل يصنع / سعد جاسم معادلاً جديداً ضمنياً للوطن ، عبر ذاته / حبيبته / الكون ، لينسرب من كل ذلك ليسبح عبر صوفيته الجديدة ليصنع أسطورة تتلبّسنا ، بعد أن تلبّسته فجعلته هائماً بين برارى الحب ،وآفاق الجنون الابستمولوجى ؟! .
ان دلالة العنوان ( أرميك كبذرة وأهطل عليك ) يمكن أن تؤكد كل ما طرحناه من احتمالات عبر سياقات تأويل المعانى ، لنعبر الى نصوص أكثر جموحاً ، وأعمق طرحاً وأسمى مذاقاً ، ونكهة ، تستمد شرعيتها من مذاق سيرورته الايروتيكية الباسلة ، أو تقوّلاته اللغوية ، أو محايثاته الملتبسة ، فكأننا أمام صورة جديدة لملاك ، أو لشيطان يتلبّس قارئه فيمسّه ليجده – من بعيد – يقترب ممسكاً بغيمة ليهطل على العالم والكرة الأرضية ، أو ليهطل على الأنهار والسماء الهاطلة
انه هطول فيزيائى ، هطول ذهنى ، يستحثّ العقل ، ويحفّز الذاكرة لاستكناه عالم مغاير ، سامق وزاعق ، متخفّ وعار ، هامشى وملغز فى آن ، له نكهة ومذاق سرمدى ، يقول :
لاوقت عندى الا لأبتكرك
حيث أهىء لك طين الكينونة من ينابيع الليل
وأستجير بروح الصبح وعصافيره وملائكته
ليشاركونى كرنفال تكوينك وتدوينك
ثم أطلقك فرساً عاشقة فى براريى
التى كلما خببت فيها
تشتعل بالنور
الأنوثة
الخضرة المستحلية
وكرنفالات الماء
(والماء اله . لاوقت الا لابتكارك ، ص 5 ، الديوان )
فهنا لاوقت لديه لأنه مشغول بصنع كينونته / كينونتها ، يصنع ذاته / ذاتها ، محبوبته / وطنه ، فراته أو جلّناره ، نشيجها ونشيدها ، هديلها وهديرها ، هشاشته أو تكوراتها ، صباحها أو تأوّهاته الليلية ، هى الوطن وضدّياته الغيريّة ، وهى القصيدة / المعشوقة / ذاته ، يقول :ا
خذ هذه القصيدة
انها طازجة … بعها حتى ولو بسيجارة
لعلك تنسى محنة البحث
عبر الدنانير
(وتنسى محنة البلاد . أنوثة الندى ، ص 12 ، الديوان ) .
لقد لخص / سعد جاسم فى هذا المقطع كل القضاياالعامة والخاصة : قضية الذات / القصيدة / قضيته / قضية بلاده. انها معادلة خاسرة – اذن – ، غير عادلة ومجحفة ، كمعطى الحال ، وكسل الارادة ، وركون الذات / العالم / الشعوب ، للبحث عن الدنانير ، ولو حتى على حساب البلاد المجروحة المطعونة ، والطاعنة ، مثل بغداد التى أصابها الخراب والسّواد ، وابتعد الحب عنها وتلبّسها الجنون لذا نراه يهطل عليها ، يقول :
أخاف أن أسميك بغداد
لأنها مطعونة وطاعنة
بهذا الخراب وهذا السواد
( أسميك .. وأخاف عليك من البرابرة ، ص 67 ، الديوان )
هذا وتتجلى الشعرية عبر فيوضاتها السامقة وصورها الباذخة المكتنزة فنراه لا يعيد انتاجية لأسطورة ، بل يصنع أسطورته الخاصة ، يكون فيها – هو – الفارس المصارع تنين الحياة ذا الرؤس الكونية ، فنراه يغنيها – محبوبته – فرساً ويشتعل بها ،وبنهر الفرات الجامح ، يقول :
فرس الفردوس أنت
تشعلين البيت بالخمر
وجمر الصّبوات
وتفيضين هديلاً
وغناء
فيضىء الكون
وسرير الحب
بالخصب
وبرق الصهلات
انها صورة مكتنزة لفتاة الحلم / للعراق / لذاته المتأرجحة على عتبات الكون ، تصهل كفرس يجمح فى بريّة الغياب الميتافيزيقى ، أو تهدل كيمامة طليقة ، داخل ذات تشرنق أنفاسها ، متطلعة لنسمة ضوء ، أو لبرق صهيل ، فتشتعل روحه ويعلو الدخان ، فنراه يشق الغبار والجمر المتّقد ، لينفد الى فردوسها الذى اشتعل بخمر المحبة الفيّاض ، ليعيد تكوينها ، وابتكارها وليشكلها بالماء المهراق النافر من صلب فراته المشبوب بلهيب الوضاءة ، وعسجد النور الهاطل برغوة الجنون ، يقول :
بمائى أنا
ستكونين
أنثاى التى تعاقر جوهر الأشياء
وطقوس المستحيل
( فرس مشبوبة بلذة المستحيل ، ص 53 ، الديوان )
انه يعيد تشكيلها – بالطبع – وليس خلقها ، يبتكرها ويكتشف فراتها، وجواهرها الثمينة ، وهضابها المكتنزة ، فنراه كصوفى يتبتّل بمدد عسجدها الطافح ن المقشعر أضلاعه ، والمهيمن فى خلاياه ، وفى عقله حدّ الجنون ، وحدّ الحلم ، يقول :
حبك مشكاتى وجنونى
والعاشق لايخفى جنونه
أنا أموت عليك
وأنت بى تحيين .
انه التماهى فى تبادلية الجنون / الموت /التصوف / الحياة ، وعبر جدليات التناص لأغانى فيروز ، وأشعار مظفّر النّواب ، والشعر الشعبى ، نراه يعيد انتاجية الموروث لينسرب مع ذاته ، أو ليسرى مع شرايينه فيشكّلها ، ويعيد ابتكاريته لحبيبة الروح المتخيّلة ، أو التى تعاقره نزقه وجنونه ، وتلتحم معه فى صوفيته الجسدية الخاصة جداً، الا أنه مشغول طوال الوقت بالبحث عن الغياب ، عن مطلق غير محدّ،عن انزياحات تخفى هدير ذاته النزقة ن والمنكسرة ، فنراه يتمثّل البطولة فى العجز ، والبهاء فى الخضوع ، والانكسار أمام ذاتها / ذاته ، حبيبته / نفسه ، وطنه وغيابه ومنفاه ، لذا مشغول هو بالحلم ، وذاته مشغولة بحراسة أحلامه ، يصحو على أنفاس المعشوقة التى تداهمه كعطر فيداهمها ويدهمها ، ويصارعها ويصرعها ، ثم يهطل عليها عبر حبه وجنونه ، ونزقه وترفّعه ، فيعيد سيرورتها عبر دوائر السيموطيقا ، يقول :ا
أصحو .. فأراك هيمانة باستنشاق
نبيذ أنفاسى
وترتيب وجيب قلبى اليخفق
فيك حبا وجنونا وقصيدة
لا تريد أن تكتمل
وأبقى مشغولاً باستيحائك فيها
مسامّة مسامّة .. وشهقة شهقة
وقبلة قبلة … ولا أرتو من ينابيعك
ومن ضفاف الجسدك الذى يتعالى ظمأه
كلما راودته عن ناره وصهيله وطيرانه خارج أبجدياتها المرايا
( مشغولة بحراسة أحلامى ، ص 47 :48 ، الديوان )
الا أن الصورة الكونية الممتدة نراها تتبدّى وتخفت ، فيعيد دورة ديمومتها البهية من ضفاف جسدها ، الذى يتعالى الظمأ لديه ، فيشتبك والمدى كطائر ، يعيد نسغ الكون ،عبر مرآة الصهيل الجامح بشبق فيزيائىّ ، كونىّ ، بيولوجىّ ، يتعالق بالذهنية ، ويتجرّد بالروح من الشهوانية المادية ، ليسرى الى ضفاف نورانية متوالدة ومتواشجة مما حداه الى أن يقول :ا
أصحو … فأجدك
مشغولة بحراسة أحلامى
انه يعيد السيرورة ، والديمومة ، لجدليات التعالق للصورة اللونية المتغايرة ، فكأنها فى امتداد سرمدى يتحكّم – هو فيها – عبر مدى ممتد ، زاعق وهادىء ، صاخب وصامت ، الا أنه جامح بمخيال الشعر الى بريّة مجهول ، يكوثر الرّوح ، ويرتق الجراح ، ليخضوضر القلب بدبق شهوة ذات نكهة باسقة ، تضخّ العطر على الجسد المتخايل ، والمتخيّل لمعشوقة غائبة / حاضرة ، ولحلم سرمدى يستيقظ منه اليه ، ليجدد ذاته /محبوبته العشيقة ، الشهوانية ،الّلزجة الهاطلة مثله بالماء المهراق من شمس العالم الساخنة ، والتى تضخ الصّهد والبخار، من نافرين ، بريّين ، يعيدان تشكيل الحياة فى غناء ايروتيكى باذخ ، سامق وبهى وصوفى أيضاً ، يقول
أنت / أنا
كائنان
جاءا الى هذا الكون
كطيرين عاشقين
وسيغادرانه
كطيرين ضوئيين نحو الأبدية .
أيتها الأنثى … البلاد المستحيلة ، ص 28 ، الديوان ) ا )
ان الشاعر سعد جاسم ، يكتب الواقع السحرى ، أو الواقع المستحيل ، ليعيد تعبيد الوطن ، كطريق جديد ، ليس به منعرجات .، يكتب اللغة بقماط الحب ، ومشاجب البهاء، ويختصر الزمان ليعبر بالمكان الى فضاء مستحيل ، والى غياب ، ربما غامض ومجهول، فنراه عبر الابيجراما الشعرية ، يصنع لدهشة الابيجراما ، ومفارقاتها دهشة موازية ، فيصنع معراجاً ، يعبر به الى سدم الحقيقة ، فيعرّى الذات ، والمجتمع ، والعالم ، والحبيبة ، دون خجل ، أو تفكير ، بل يجاهر بعشقه الايروتيكى ، ليدلّل الى عجزه الأيديولوجى ، ويستشهد بلغة لا تسعفه وبمدلولاته الرهيفة المائزة ، ليهشّم دواله ، وعبر الهدم والبناء ، والاستبطان النفسى ، نراه يحكم قبضة شعريته ، ويكبح جماح فرسه الهادر ، والصاهل ، والزاعق فى البرارى ، ليعبر أفق مجهول بات لديه غير محد ، فهو بؤس مشبوب بسعادة ، وحب مخلوط بجنون ، ورغبات نزقة ،مخلوطة بقين مطمئن ، فهو يتوق – فقط – الى جسد الوطن الفيزيائى المادى ، فنراه يتماهى فى الجسد المحسوس البيولوجى ، عبر معادل ضمنى ، أو عبر واقعية سحرية – تصنع ادهاشها بمفارقاتها المحايثة ، والمخاتلة للمخيال الشعرى المتوقّع ، ليكسر حاجز التابو بابيجراماته الناعسة ، يقول :ا
بغيابك يذبل وجهى
فى المرآة
وقلبى يترمّد
كموقد غجر مطرودين
( أغنيك فرساً وأشتعل ، ص 60 ، الديوان
ان مرارة المفارقة – الموقد المنتصب للغجر – تصنع ادهاشاً للغياب لذلك الوجه الذى لم يعد يشاهد صورته فى المرآة ، حيث القلب أصبح رماداً كحجارة سوداء ، مطرودة من حقل النارالمستعرة.
كما نراه يجدل لنا مع ابيجراماته ( هايكو عربى ) متناثر عبر سطور الشعريّة الادهاشيّة ، ليدلّل الى مثاقفة عليمة ،بماهية الشعرية الجديدة العالمية من جانب ، وليجادل شفرة المشرط النقدى لاكتناه سرّياته ، للاطّلاع الى سريرته السّرية ، وأسرار سره الخفيّة والخافية عن أعين وكوامن العالم ، والناس ، والكون ، والحياة ، يقول :
ضحكتك تحملها الغيوم
ترقص بأنفاسك العصافير
وتصلى قربك
ملائكة الصباح
( ملائكة ، أغنيك فرساً وأشتعل ، ص 61، الديوان )
فهنا نراه – بمهارة مدرّبة – يلاقح الابيجراما بالهايكو ، الذى يعتمد تجريد اللغة من فضاءاتها الدلالية ، ومن حقولها المعجمية ومضامينها وأفقها السيموطيقى ، ليحصرها فى أفقها الدلالى الأحادى الواقعى ، أو أنه يقثصد اللغة ، ليقصّد المعنى كذلك ، ليعيد انتاج صوره وضدّياته القلقة ، فلا مجال لاغناء لغوى ، أمام الصورة المجرّدة ، الصورة السوريالية ،التى تشاكل الغازها ، فتجنح بالغموض الى المباشرة ، وتجنح بالمباشرة الى الرمز (المغلق الأحادى ) فنلمح ملائكة الصباح تصلى بجانب سرمدية الضحكة التى تطير الى مدى سيمولوجى عبر غيوم الميتافيزيقا ، وحسيّات أنفاس العصافير ، فيتجاوز ما هو حسى بما هو مجرد ، وما هو سيمولوجى الى ما هو سرمدى ، وما هو واقعى بما هو سوريالى ، فتشعر بهدوء صورة الهايكو الشعرى بمقارنتها بصورة الابيجراما ومفارقاتها المتغايرة .
ان الشاعر مأخوذ بالحب والعشق ، أو بالكائن الجديد – على شكل امرأة التى ابتكرها – حسب تصورتاه الفيزيائية – فنراه مثل الذى صنع تمثالاً لمعشوقة الحلم ، شكلّه بيديه ، ثم نفخ فيه شهقته وماء تكوينه ، فغرق فى عشقها ، وتدلّه كصوفى عابد ، عند سجادتها المليئة بالكنوز البيولوجية ، وهى صامتة لا تماهيه فى أحلامه ، فقط نراها تحرس أحلامه ، وتتعاطاه ، أو يتعاطاها – كالمخدرات – ويعيد تشكيلها أو ابتكارها ، ثم أصبحت بعد ذا : كونه وكينونته ، أمسه ويومه ، ماضيه وحاضره ، ذكرياته وآنيته ، حضوره وغيابه ، يقول :
يا .. أنت
أنا لا أعرف غير أن أشتاقك
ولا أعرف غير أن أحلمك
ولا أعرف غير أن أرميك كبذرة
وأهطل عليك
( أرميك كبذرة وأهطل عليك ، ص 19 ، الديوان )
انه البهاء العاطفى ، أو سموق الحلم ، وهو ذوبان الكينونة فى الذات ، وتماسّها معها ، ثم اعادة خلط ذلك بعجين كونى فيزيائى، وعجين حسّى معنوى فى آن ، به عنف وقوة ( أرميك ) – ولم يقل أحنو عليك مثلاً – ، وبه سرعة ودفوق ( أهطل عليك ) – ولم يقل أمطرك -، فهى لذة مشبوبة بعنف ، وألم ممزوج بلذة – لا أقول سادية العشق ، بل نكهة خلود لميتافيزيقا الجسد ، أو هو الحب المعجون بلين شفاف فهى لذة الخلود المخاتلة ، ولذة الهطول ، وعنف الغراس ، وقوة التّربة المكتنزة بخيال ايروتيكى دابق ، وبلغة صوفية عاشقة ،تجتزىء التراث شرائح مقددة ، لتصنع الشطائر الكونية بمسحوق الماء المنساب من فرات الشهقة الأولى ، للكينونة الزاعقة فى الروح القلقة المضطربة ، التى تصنع خصوصيتها ، بعموميات اللغة ،والمجتمع والعالم ،والحياة.
وبعد : هل أعطينا الديوان حقه ؟! وهلاّ منحنا شاعرنا البهىّ امارة الشعرية الجديدة ، التى لا ينازعها فى ضدّياتها ، سوى ذاته المتخالقة ، والمخلّقة من رحم اللغة جنيناً جديداً ، وطزاجة مغايرة لشعريّة تؤسس وجودها ، على ضديات افتراضية ، أو على واقعية متخيّلة ، تعيد انتاجية الذات والعالم ، وتمركز لنفسها منطلق الريادة.
انها قصائد تغايرية ضدّية محايثة ، ملتبسة والغازية ، تشاكلية وايروتيكية ، لذات صادقة ، ومتعاطفة ، وحنون ، لا تزيّف الواقع ، ولا تضع على خد الحقيقة أية مساحيق . أو هى الذات المتخلّقة بمكياج الشعر المدبّق بالوجه كندوب أو بثور / عنم ، يحسبه الراءون ندوباً أوتشوهات بالوجه ، لكنها جماليات تغايرية ، تتماهى مع الذات وتعرّيها ، وتفضح الواقع الملتبس ، وتشير اليه بسبّابة الرفض أمام العالم الكونى الزاعق فى هيولى المابعديات الكونية .
انه الشعر الجديد الذى يصنع عالمه فى بريّة الكون الخضراء السرمدية ، عبر المدى الممتد المدهش ، والباذخ بالبهاء ، و الطافح بالعطر الرّغوى ، الكونى ، السرمدى ، الممتد ، والحالم أيضاً .
*ناقد مصري