هارونُ الرّشيد في خطابِ مُتَلفَز
من عاصمة الرشيد– بقلم: علي الجنابي

أيُّها النّاس, إنَّ سيّدَ بغدادَ والأرضِ هارونُ الرّشيدِ يتحدّثُ اليكمُ, فألقوا السمعَ ؛
بسمِ الله والحمدُ لله, والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ , وبعد:
أيّها السادة:
أنا هارونُ الرشيدُ سيّدُ بغدادَ والأرضِ أعلنُ براءةَ ذمتي بأنّي ماتَجَنَّيتُ على ملكِ الرّومِ بِنعتِهِ ب(كلبِ الرّومِ)! ذاكَ أنَّهُ كيفما تكن يُوَلّ عليك, وما مَلِكُ الرّومِ إلّا زعيمُ أممٍ نَبَذَت لسانَ بيانٍ مهيمنٍ وأستَحَبَّت رقصَ إلسنةِ الكلابِ ألاهثة, وأولئكُمُ همُ أممُ الكلابِ اللاهثةِ ولابد لهُمُ من زعيمٍ من جنسهُمُ : كلبٌ باسِطٌ ذراعيهِ على دفتي العرشِ يلهثُ, فلا تلوموني ولاترموني بنبالِ الغطرسة وسهامِ العجرفة قبلَ أن تعلموا موجِباتِ الوصفِ وهاكموها بينةً وجليةً ومن عُرف من (الأعراف) في الذكرِ الحكيمِ فلا قولَ بعدَ قيلهِ تحت عباءة تعانق الحضارات وماكانت طرفة عين متوادعة ومتعانقة بل متنازعة ومتصارعة :
إسمعوا..
إنّما مثلُ آياتِ الله وفؤادِ أبنِ آدم كمثلِ نجماتِ سماءٍ وكواكبَ خُنَّسٍ. فترى الفؤادَ إن غَشيَهُ سنا الآياتِ شعَّ نوراً وبهاءً, وإن تَفَلّتَ من أفلاكِها عشا وعشعشَت فيه (نوباتُ من لهاثٍ) بلعابٍ بئيسٍ فخنَسَ فَلَهَثَ لهاثَ الكلبِ ! ألا وإنَّ الأبصارَ لم ولن تُبصِرَ – أبد التاريخ – لوحةً أذلّ من لوحةِ كلبٍ يَلهثُ, ألا وإنّ اللهاثَ هو لُغَةُ ٱستجداءٍ وتسوّلٍ، مسكنةٍ وبلادةٍ، نَصَبٍ وتعَبٍ، تيهٍ وضياعٍ، حروفُها هي اللهثُ حينَ التأوَّهِ من جوعٍ, صروفُها هي اللهثُ حينَ التأففِ من شبعٍ، تراثُها قَذَرَةٌ من لعابِ دناءةٍ وشهوةٍ مابَرِحَ عن اليمينِ وعنِ الشمالِ سيّالاً. ألا وإنَّ لوحةَ الذُلِّ هذهِ قد أُحكِمَت على أمَمٍ مِمّن معنا في الأرضِ ثمَّ فُصِلَتْ عليهمُ تفصيلاً. أممٌ أوتُوا الآياتِ فانسلخوا مِنها وأنكَروا دينَ محمدٍ وإستَهجنُوهُ فَخُتِمَ على جباهِهم وجنوبِهم وظهورهمِ باللهث…
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث..}.فكلُّ يَلهثُ فرداً كانَ أم أمّةً , وهلِ الشّعوبُ والقبائلُ إلّا مَجمَعُ أفئدةٍ تعارفتَ فجمّعَتها تجارةٌ عندَ مجمَعَ بحرينِ وزّراعةٌ عندَ ضفَتي نَهر.
تلكَم أممٌ خَبَثٌ وهي نظرةُ أهلُ السّماءِ إليهمُ فلا يُقيمُونَ وزناً لزُخرُف حُدَيداتِ (إيفلَ) وزينةِ (الكولدن كيت), وإنَّ أهلَ السّماءِ لَيعجبون ممن ظَنِّ من مهندسيهِما أنهم باتوا قادرينَ على الأرض وعن بارئِها مستغنينَ.
أولئكَ أممٌ عَبَثٌ , أممُ كلابٍ لاهثةٍ وجُعِلوا مثلاً لمن كذّبَ الله وكذَّبَ بآياتهِ و{ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
أممٌ شعثٌ، تلهثُ حينَ تُمسي وفي صُبحها تلهثُ! إن كانت غنيةٌ ممتلئةُ معيّها تلهثُ، أم مُعدمةُ خاويَةٌ المعيَّ تلهثُ. أبصارُها تلهثُ إذ هي شاخصةٌ صوبَ شاشةِ بورصةٍ أوهي فاحصةٌ شاشةِ حركةِ الطيرانِ تلهثُ!
أممٌ خَنَثُ، إن مَلكَت قوةً وخيلاً بلعابِ الجموعِ تلهثُ، وإن دَلكَت في الهوانِ بلعابِ الخنوعِ تلهثُ.
أممٌ رَفَثٌ في أرقِها وعرقِها الرّاجفِ وحين تسرقُ تلهثُ، وفي ألقِها وعبقِها الزائفِ وحينَ تبرقُ تلهثُ.
أممٌ (كَذّابةٌ بحَنَث , منافقةٌ بِلَوَث, أفّاكة منهم من أنكر الإله ومنهم شتموه بالثُلث ) ! ألا بُعداً لأممٍ في بكينَ وميامي وفي دبلنَ وسدني وبُعداً لهم من أممٍ عَبَثٌ.
ألا وأسفاً لخَلَفٍ من بعدي حدَث, ممن خَشَعَ ساجداً لصامولاتِ (إيفلٍ) ولوالبِ (الكولدن كيت) لوهنٍ في ذاتِهِ وضَغث, فجَنَحَ لتقليدِ لهاثِهم فانسلخَ من الآياتِ ودستورِمحمد وما إجتهد وما بَحَث , لاهثاً معهم فظلمَ نفسَهُ ولمثاقِ الإلهِ نكثَ و{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}.
أنقطع البث التلفزيوني لأنقطاع التيارالكهربائي, ولكن لا ضير فقد قال الرشيد كلمته ..
(أيُشْعِلُ نيرانَ التَّطاحُنِ غاشمُ ويَغفل عن نشرِ الحقيقة عالمُ؟
هلمَّ يراعي! ولتكنْ أنتَ شعلة تُضيء سبيلَ الرُّشدِ فالرشدُ ناقمُ
لقد كثر العُمْيُ الذين تهافتوا على أن يشقُّوا النَّهجَ والنَّهجُ قاتم
ولو أنهم أُعطوا الضياءَ تعثروا فما تنفع الأضواءُ واللحظُ نائمُ
وما حظُّهم من ثروة حين حالُهم كحالِ فقيرٍ في يديْه الدراهمُ؟
ولو أنَّهم هبُّوا إلى الخير مرةً مع الحِلْمِ لم تعبث بمصر المظالمُ)- لقائله.
من عاصمة الرشيد – بقلم : علي الجنابي

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

| زياد كامل السامرائي : عصيان يعدو إلى حتفه.

اتركي لنا كذبة بلون الرجاء يا حياة كذبة لا تدوس على خواطرنا فتجرح الصراط نمشّط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *